بقلم خلدون زين الدين

مثقلةٌ ليبيا بجراح سنوات تسع من الاقتتال الدامي. تقف عند مفترق طرق، ومعها كثير الأسئلة:
هل يقتنع لاعبو الداخل بأولويات الداخل؟
وبألا إستقرارَ حقيقياً بلا قرار نهائي ينفي صفة الدولة-المسرح ويُعلي التفاهمات بدل المواجهات؟
وهل تلجُم المقاربات الأخيرة شهيات التدخلات الأجنبية؟
بين هذا الطرف وذاك، وهذه الدولة وتلك، شعبٌ أشبه بالرقم الصعب، ولكن… هل يملك قرار إنتاج قيادات شابة تبعد “أمراء الحرب” عن المشهد؟
وهل الشعب المنتفض قادر على إبعاد الأجندات السياسية عنه؟
كثيرة هي الأسئلة بعدُ وبديهيٌ ذلك، في بلاد موقعها استراتيجي، ثروتها استثنائية… وعرابوها عابرو قارات ودول.
وسط المشهدية هذه تطورات سُجّلت؛ رئيس حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا فائز السراج أعلن -في خطوة مفاجئة- الاستقالة من منصبه، مؤكداً أنه يسعى لتسليم مهامه في موعد أقصاه نهاية تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
إعلان السراج، أتى بعيد أيام من استقالة عبد الله الثني رئيس وزراء حكومة ليبيا المؤقتة. فهل الإستقالتان على صلة بترتيبات سياسية داخلية أم أنها استجابة للمظاهرات الغاضبة؟ وأين الحراك من كل ذلك؟ أسئلة تبقى مطروحة.
شهية السلطة!
يتحدث الباحث في الشأن الليبي الدكتور محمد فؤاد لـ “النهار العربي” من إيطاليا قائلاً إن هناك صراعاً كبيراً بين الأطراف الليبيين، “وكل ما نشهده من استقالات، أو حتى لقاءات كبوزنيقة في المغرب أو جنيف وحتى لقاءات القاهرة، كلها تصب في الاتجاه عينه، وهو محاولة لكل الأطراف لتحقيق نصر سياسي على الأطراف الأخرى. كل السياسيين يطمعون بالبقاء في السلطة قدر الإمكان (…)”.
أكثر من مقترح مطروح للحل راهناً، ولكن المقترح الأكثر دعماً هو تشكيل حكومة إنتقالية من جديد لمدة ثمانية عشر شهرا، “هذا ما يريده معظم السياسيين في ليبيا حالياً –يقول فؤاد- والسبب واضح، وهو أن غالبية السياسيين يريدون البقاء في السلطة بدون إنتخابات، باستثناء السراج مَنْ لا يرغب بهكذا حل، بل يريد إنتخابات برلمانية ورئاسية عبر إتفاق بين الأطراف. لكن الإتفاق بعيد، وهو يعني بقاء السراج في السلطة أطول فترة ممكنة”.
ليس الصراع راهناً بين الشرق والغرب كما كان في البداية، وليس صراعاً بين الدول المتحكمة بالمشهد الليبي بقدر ما هو صراع بين السياسيين في ليبيا أنفسهم لمحاولة البقاء في السلطة. يؤكد الباحث الليبي ذلك في حديثه لـ “النهار العربي”.
ثمة فارق بين استقالة السراج واستقالة الثني، فالأخير “لا صلاحيات حقيقية لديه، لا ميزانية حقيقة لديه، ومن يحكم المنطقة الشرقية فهو إما عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، أو اللواء خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي. تالياً، الثني لا يملك أوراقاً في اللعبة السياسية الراهنة”.
”مرحلة أكثر تعقيداً”
الباحث والمحلل السياسي المصري أحمد بان يقول لـ “النهار العربي” إن المشهد الحالي أكثر تعقيداً من المشهد السابق، بمعنى أن من كان جزءاً من المشكلة، صعب أن يكون جزءاً من الحل.
يتابع “بان” قائلا إن “الشعب الليبي أثبت أنه لا يثق بالطبقة السياسية. وتالياً، الحاجة ماسة إلى قيادية شبابية جديدة، حريصة على وحدة التراب الليبي وعلى مستقبل ليبيا، وحريصة على فكرة الاستقلال الوطني الحقيقي بعيداً من لعبة المحاور والصراعات بين الأطراف الداخلية كما تلك الخارجية. عليه، بقاء “أمراء الحرب” في واجهة المشهد، لا يشي بأي حل”.
برأيي المحلل المصري “المطلوب مقاربةٌ جديدة مستندة إلى إرادة الشعب، تتمسك بفكرة الحل الليبي، تتمسك بفكرة الجوار العربي والبقاء ضمن حاضنة شمال أفريقيا… أما الإصرار على الإبقاء على المحاور بمعنى محور السراج-تركيا، أو محور حفتر-مصر… فهذا يعقد المشهد”.
نقطة هامة أيضا، يشير إليها “أحمد بان” تتمثل “بضرورة إخراج المليشيات من داخل ليبيا وترك القرار للشعب الليبي وترميم المؤسسات، بمعنى جيش وطني موحد، برلمان واحد، وحكومة واحدة (…)”.
هل هو ضغط الحراك؟
تورطت القيادات الليبية بأجندات خارجية وتحالفات إقليمية ودولية، “كما تورطت دولٌ عربية في الأزمة الليبية كمصر، الأردن، السعودية، قطر والإمارات”. يقول الباحث الليبي د. محمد فؤاد، إن ”تورط هذه الدول يُبعد خيار الحل العربي للأزمة الليبية، ويُعزز إمكان إيجاد حل مغاربي، وهو ما يرغب به الليبيون، لكن المشكلة هنا أيضا هو الصراع المغربي-الجزائري، المانع للوصول إلى أي حل”.
ويستطرد قائلا “كما أن هناك نقطة هامة تتمثل بالنفوذ الفرنسي في شمالي أفريقيا، والكل يعلم أن لباريس مشاكل مع ليبيا خصوصاً مع غربها، وهذا ما يعيق الحل المغاربي. برغم ذلك، يتطلع الليبيون إلى حل كهذا أولاً ولو أنه صعب حقيقة، ما يجعل الأنظار تتجه إلى الأمم المتحدة وحوارات جنيف وغيرها، وقد جربها الليبيون كثيراً وفشلت”.
يضيف د. فؤاد أن “الإشكاليات الدولية أصبحت أكبر بكثير مما كانت عليه قبلاً، والأطراف الدولية لا يمكن أن تصل إلى أي تفاهم، بدليل أن الخلافات أطاحت بالمرشح مبعوثاً للأمم المتحدة إلى ليبيا وزير الخارجية البلغارية سابقاً، بعدما كان الجميع متفقاً عليه. فإذا كان المجتمع الدولي غير قادر على الاتفاق على اسم مبعوث دولي فكيف سيتفق على حل في ليبيا؟ هذا صعب جداً –يؤكد- ولكن في الوقت نفسه، السياسيون الليبيون يعرفون أن الطريق وصلت إلى النهاية، والأزمة المعيشية تطال كل مناحي الحياة، ما أوصل للسياسيين رسالة بضرورة الوصول إلى حل. هم يحاولون ولكن مع بقائهم في السلطة (…)”.
”الشعب هو الرقم الصعب”
ينتظر الإرهاب في الجنوب الليبي اللحظةَ المناسبة للضرب مجدداً. الحديث هنا عن “القاعدة” و”داعش” ومجموعات إرهابية أخرى تحاول إعادة رسم الخريطة الليبية، على ما يقول الباحث والمحلل المصري أحمد بان. مضيفاً: “تتطلع المجموعات العنفية هذه إلى الثروة الليبية مدركةً أن أي استثمار في الفوضى هو أفضل طريق لفرض هيمنتها على المشهد الليبي”.
…وسط كل ذلك، “يبقى الشعب الليبي هو الرقم الصعب –برأي أحمد بان- وهو من يستطيع أن يقلب كل الأوراق، ويعيد رسم الخارطة ويدفع باتجاه حل حقيقي، وقد يستطيع فرض برنامجه الخاص وإفراز قيادات جديدة أكثر تنظيماً، وإن أتت الرهانات على وعي الشعوب غالباً بكثير الرومانسية (…)”.
…كل ذلك يبقى إحتمالات. الأكيد أن المشهد الليبي يقبلُ كثيرَ السيناريوهات. الوضع المعيشي المتفاقم صعوبة، قد يدفع الشعب لقول كلمته النهائية. صحيح أن الحكمة الشعبية الجمعية لعبت دورها في بعض المفاصل التاريخية… إنما، ليبياً، حتى اللحظة، لا حل واضحاً.
__________
النهار العربي