بقلم: علية العلاني

تتسم العلاقات بين الجنوب الليبي وتشاد والنيجر بالتعاون المتبادل. كما تتأثر بالصراعات التي تحْدُث داخل هذه البلدان الثلاثة، وكان الجنوب الليبي يمثل أحيانا ملجأ لحركات المعارضة التشادية سواء قبل 2011 أو بعدها بالخصوص.

الجزء الثاني

ثالثا: المعارضة التشادية في 2019 – 2020

نشير في البداية أن المعارضة التشادية تنتقد الحكومة الفرنسية التي تدعم رئيس تشاد إدريس دبّي سياسيا وعسكريا والذي يعتبرونه دكتاتورا. والمعلوم أن إدريس دبّي وصل إلى السلطة في 1990 بقوة السلاح، ولا يزال تشاد ينتظر تنظيم انتخابات تشريعية منذ 2011 .

كما تندد المعارضة بحجْبه مواقع التواصل الاجتماعي عن البلاد (فيسبوك – تويتر – واتساب ) منذ 2018. وتعيب المعارضة في تشاد كذلك على فرنسا تهميش المعارضة التشادية وتنتقد رفض الرئيس ماكرون ووزيره للخارجية لقاء المعارضة كلما زاروا تشاد.
لكن لا بد أن نشير إلى أن المعارضة مشتتة وضعيفة التمثيل في البرلمان وقد صرح زعيم أحد فصائلها في البرلمان «رومادو منغار فيلكس (زعيم الاتحاد من أجل التجديد والديمقراطية ) أنه يطالب بانتخابات حرة وديمقراطية وشفافة.

ونشير أيضا إلى أن القوة العسكرية الفرنسية المعروفة باسم برخان توجد في نجامينا بتشاد، لكن ما ينقده المعارضون والرأي العام عموما في هذا البلد أن القواعد العسكرية الأجنبية في بلدهم لم توفر لهم الأمن والأمان.

أـ الحدود الليبية التشادية قبل 2011: صراعات حادة

كانت الحدود الليبية التشادية من أكثر المناطق توترا منذ عهد القذافي. ويمكن القول أن الصراع بين ليبيا بشأن تشاد وتحديدا إقليم أوزو يعود إلى ثلاثينات القرن 20. ويحتوي هذا الإقليم على ثروات باطنية أبرزها الأورانيوم.

ودخل القذافي في حروب مع الجيش التشادي وكان خليفة حفتر أحد القادة العسكريين المشاركين في تلك الحرب . وانتقل النزاع إلى أروقة محكمة العدل الدولية التي حكمت سنة 1994 لصالح تشاد في عهد رئيسها الحالي ادريس دبّي.

والمعلوم أن أغلب سكان إقليم أوزو هم من التبو، كما أن عددا هاما من التبو يوجد بين الجنوب الليبي وتشاد.

ب ـ الجنوب الليبي ودعم المعارضة التشادية

تتهم المعارضة التشادية وخاصة رومادو منغار فيلكس (عن الاتحاد من أجل التجديد والديمقراطية ) وماكس كيمكوي (عن حزب اتحاد الديمقراطيين للتنمية والتقدم) نظام الحكم في نجامينا بأنه يرفض إقامة انتخابات نزيهة.

كما تتهم هذه المعارضة فرنسا بأنها تتدخل عسكريا لحماية نظام الرئيس دبّي وبالتالي حماية مصالحها.

ويرى بعض المحللين أن دبّي يوظف ورقة الحرب ضد الإرهاب للهروب من الاستحقاقات الانتخابية والتفصي من إرساء حوكمة في كل القطاعات باعتبار أن تشاد بلد يزخر بثروات لا يتم استخدامها بشكل جيد وهو ما يسمح بتصاعد مشاعر مناهضة لفرنسا.

استغلت بعض فصائل المعارضة التشادية غياب الدولة المركزية في ليبيا بعد 2011 وأصبحت تشن هجمات على قوات الحكومة التشادية انطلاقا من الجنوب الليبي الذي يحدّ هذا البلد.

وتجد هذه المعارضة دعما من فصائل بالجيش التشادي نظرا لروابط الدم والقبيلة فلم تقم بصد هذه الهجومات. وتتهم المعارضة التشادية فرنسا بأنها أرسلت طائرات لقصف تحركات المعارضة التشادية في يناير 2019 لحماية حليفها التقليدي في الحكم « وقد كان التدخل الفرنسي موضع انتقاد شديد في صفوف المعارضة والمجتمع المدني في تشاد.

ج ـ تحالفات بعض ميليشيات تشادية مع تيارات الارهاب في الجنوب الليبي

نشير إلى أن الحدود البرية الليبية الواسعة والتي تبلغ مساحتها 4383 كلم تجعل من الصعب مراقبتها خاصة وأن الجيش الليبي التابع لحفتر محدود العدد ومتعدد المهام.

وهذا الاتساع في المساحة يشكل نقطة ضعف هامة يستغلها المهاجرون غير الشرعيين والعناصر الارهابية وميلشيات مسلحة من المعارضة التشادية … والتي بدأت عملياتها المسلحة ضد المدنيين العسكريين بمدن الجنوب الليبي والجنوب الشرقي منذ 2012 .

والملاحظ أن الميلشيات التشادية المعارضة متعددة في ولاءاتها ومتقلبة في مواقفها ، فلكي تبقى في الجنوب الليبي – في ظل غياب دولة مركزية ليبية- عليها أن تتحالف حتى مع تنظيمات إرهابية كالقاعدة مقابل حصولها على المال وعلى رقعة من الأرض في جنوب ليبيا تُمكّنها من التحرك بأكثر أريحية.

د ـ أبرز مكونات المعارضة التشادية

هناك 4 تشكيلات معروفة بنشاطها وهي:

ـ الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد

وتتكون أساسا وبالكامل من شعب التبو (تبو تشاد وليس تبو ليبيا) ، وقد « تأسست في جبال تيبستي، وغالبيةُ كوادرها انتقلت للعمل في جنوب ليبيا» منذ عهد القذافي، وأحيانا يتم تسليمهم لنظام القذافي في فترة التسعينات باعتبارهم معارضين له.

ـ جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد

توجد أساسا في مواقع قرب سبها وفي بلدة أم الأرانب بالجنوب الليبي، ومن أبرز زعمائها الدكتور مهدي علي محمد والجنرال محمد نوري.

ـ المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية

يُعتبر من كبار فصائل المعارضة التشادية ويتواجد بالخصوص في جنوب سبها الليبية. وتعُدّ هذه الفصائل أربعة آلاف مقاتل أضيف إليهم بعض المنشقين عن جيش الرئيس دبّي. ونشير كذلك إلى أن هذا التنظيم أعاد تشكيل مجلس قيادته «المكون من 12 كادرا على رأسهم الأمين العام أبكر شريف عيسى، الذي خلف محمد حسن لماي، الذي اعتقلته الحكومة النيجرية مع العديد من معاونيه عند دخوله النيجر قادما من ليبيا.

ـ تجمع القوى من أجل التغيير في تشاد

يوجد هذا الفصيل في جنوب سبها ويترأسه الجنرال تيمان أردمي شغل في السابق منصب مدير مكتب الرئيس التشادي إدريس دبّي. ويعيش تيمان منذ سنوات في قطر. وتذكر بعض الدراسات أن هذه المجموعة تم توظيفها من طرف الجيش الليبي بقيادة حفتر في الهجوم .على قصر بن غشير جنوب طرابلس سنة 2017

ـ تجمع القوى من أجل التغيير في تشاد

رابعا: من مكونات المعارضة النيجرية

ـ القوات الثورية المسلحة من أجل الصحراء

تنتمي إلى قومية التبو وقد أمضى هذا الفصيل المعارض اتفاقية مع حكومة النيجر ثم انتقل إلى الجنوب الليبي سنة 2013 ومن أبرز زعماء هذه الحركة القائد بركة وردكو المهدي ومحمد ضو الذي مثّل التبو في اتفاقية الصلح بين الطوارق والتبو في العاصمة القطرية الدوحة.

الخاتمـة

يمكن القول أن المعارضة التشادية ما تزال تشكل خطرا على حكم الرئيس دبّي خاصة في ظل تنامي تيارات الارهاب في دول الساحل الإفريقي إثر الهجرة المكثفة لمقاتلي داعش بعد سقوط «دولتهم» في سوريا والعراق.

كما أن إعلان الرئيس الأمريكي ترامب في مطلع سنة 2020 عن إمكانية انسحاب أو التقليص الكبير لعدد القوات الأمريكية في الساحل الإفريقي سيضعف الأنظمة الحاكمة بدول الساحل وستحاول المعارضات المسلحة استغلال الوضع لصالحها.

كما أن تسوية الملف الليبي لاحقا بعد مؤتمر برلين في يناير 2020 سيجبر الرئيس التشادي على أن يتعامل مع المعارضة بأسلوب جديد وهو ما يعطي ربما لهذه المعارضة فرصة أكبر لتوسيع تمثيلها في البرلمان والحكومة.

***

علية العلاني ـ خبير وباحث سياسي في الشؤون القانونية، وخبير في شؤون الجماعات الإسلامية في منطقة الساحل والصحراء.

_____________

مواد ذات علاقة