بقلم : علي عبداللطيف اللافي

بداية من يوم 26 أكتوبر الحالي ستتوجه أنظار المجتمع الدولي الى جزيرة جربة التونسية (أو ضاحية قمرت بالعاصمة) حيث سيعقد ملتقى الحوار الليبي ليرسم ملامح وابجديات ومسميات المرحلة الانتقالية.

البعثة الأممية تعمل على أن تكون المرحلة الإنقالية الأخيرة بمعنى ان تفضي للمرحلة الدائمة في بناء مسار ديمقراطي رغم أن الوقائع أثبتت بالملموس أن الوساطات والتدخلات الدولية وعوض ان تساهم في الوصول للحلول فإنها – ربما بناء على كثرتها- زادت من تعقيدات الوضع الليبي.

هذا الوضع تشابكت معطياته ولم يعد العالم وقبل ذلك الليبيون يفهم تعقيداته مفرداته، وعمليا ترتبت على تلك التدخلات الدولية سردية مجتمعية ليبية تتلخص في أن الحل أصبح صعب المنال بل وانتشر اليأس والعقليات الانهزامية وخاصة في ظل تردي الخدمات بشكل غير مسبوق سواء في الجنوب أو في المنطقتين الغربية والشرقية.

وإن كانت الازمة محليا، قائمة ونابعة من انعدام مؤسسات الدولة الحديثة بناء على تراكمات وأخطاء قاتلة تم ارتكابها خلال الست العقود الماضية، فإن الحرب بالوكالة التي يخوضها وكلاء محليين منذ 2014 بناء على ضيق أفقهم الاستراتيجي عبر دعم وتدخل أذرع إقليمية وظيفية تشتغل في ليبيا لصالح شركات عابرة للقارات والبلدان ولصالح محافل وقوى دولية.

ومما لا شك فيه أنه ورغم وجود رابطة وطنية قوية عند أغلب فئات الشعب الليبي فإن بعض النُخب الليبية يرتبط فعلها السياسي بعوامل المناطقية والفئوية وبالقبيلة.

وكل ما سبق يحيلنا عمليا الى طرح سؤال على غاية من الأهمية وهو:

ما هي طبيعة وكنه الازمة الليبية؟

وماهي مآلاتها المنتظرة في أفق مباشرة ساكن البيت الأبيض الجديد لمهامه خاصة وان الولايات المتحدة باتت تملك كل خيوط المشهد الليبي رغم إقرار الجميع بصعوبة إيجاد حل لكيفية اخراج الروس وكل الدول الموجودة على الأرض بما في ذلك الاتراك والاماراتيين والسوريين والمصريين والسودانيين؟

طبيعة وكنه الأزمة، وما على الليبيين شعبا ونُخبا فعله

إن العارف بالتطورات وبالأشياء والتفاصيل والحيثيات والاستراتيجيات يعلم جيدا أن تشكيل حكومة جديدة أصبح في ظل التطورات الأخيرة ورغم العقبات أمر سهل المنال.

ولكنه أيضا قد يُصبح بين عشية وضحاها في خبر كان، مثلما أصبح المؤتمر الجامع في غدامس صبيحة الرابع من أبريل2019 اثرا بعد عين (حيث هاجم الجنرال المتقاعد العاصمة واعتدى على سكانها بحثا عن الحُكم وفقا لنموذج انقلابي وبحثا عن انتاج قذافي جديد ولكنه وقع في فخ ترنح قواته قبل هروبها منذ اشهر من كل مدن الساحل الغربي لليبيا).

ورغم تغيّر المعادلة وتأبيد فعلي لوقف اطلاق النار وتغيّر المعادلة وتعدد حلقات مسلسل الحوارات، فإن المعطيات على الأرض وشعور بعض أطراف بالضيم قد يعيد خيار الحسم العسكري واجهة الاحداث بناء على ما هو جار من تحشيد حالي وخاصة في “الجنوب” وفي “سرت” وفي “الجفرة” ولعل ردود وتصريحات قوات “بركان الغضب” ووزير دفاع الوفاق لها ما بعدها وفقا للتطورات والمتغيرات.

ممّا لا شك فيه أن هناك نوايا صادقة في بعض العواصم لجمع الليبيين على حوار جدّي ومًثمر للخروج بحل للازمة الليبية، والتي لم تتفاقم وتبدأ إلا مع بدء خلافات الخليجيين فيما بينهم سنة 2014.

ويجب التنويه هنا بحرص الجزائريين على وحدة ليبيا وأيضا بصدق وعمق العمل الكبير للديبلوماسية المغربية وبعض شخصيات عربية ودولية وسعيها الدؤوب للحل.

ثم لابد من التنويه أيضا بتفطن للدبلوماسية التونسية أخيرا لما نبّه اليه الكثير من المتابعين والمحللين السياسيين من أهمية واستراتيجية ليبيا كعمق استراتيجي لتونس وشعبها وللدولة التونسية والذي تعسى لوبيات مالية وسياسية لضربه.

هناك اليوم وعي كبير في ليبيا أنه يجب جمع كل اللبيين مهما كانت مناطقهم أو مدنهم أو أحزابهم سواء كانوا من أنصار النظام الملكي أو من أنصارالقذافي أو من أنصار ثورة فبراير، وأن ينتبهوا جميعا إلى أن الحل الحقيقي يتمثل في التالي:

ـ قُدرة كل الفرقاء الليبيين على فهم طبيعة وأهمية واستراتيجية وفرادة موقعهم الجغرافي ـ السياسي، والانتباه لأسباب تربص أطراف وقوى إقليمية بثرواتهم وبلادهم.

ـ قدرة كل الفرقاء الليبيين في كل المدن والمناطق وكل القبائل، في أن يكونوا وطنيي النزعة وليسوا فئويين بل وأن يكونوا واقعيين، وأن تكون لهم القدرة مستقبلا على الاحتواء الإيجابي للنزعات المترتبة على تراكمات التاريخ والفعل السياسي للعقود الماضية.

ـ أن يعملوا في المستقبل على دعم فعلي للبُنى التنظيمية للمنظمات والأحزاب والجمعيات والمؤسسات والادارات وفي ضرورة بناء مرتكزات دولة مدنية قوية تطغى فيها المؤسسة على الفرد والفئة والقبيلة والمنطقة وحمل مشعل عمر المختار والملك ادريس السنوسي والنظر بطريقة نظرهم ونكرانهم للذات من أجل ليبيا والليبيين.

مآلات الوضع في ليبيا والسيناريوهات الأربع

يُمكن التأكيد أن هناك أربع سيناريوهات ممكنة خلال الفترة القادمة رغم غلبة ظاهرة لسيناريو الحل السياسي وتشكيل حكومة مركزية تجسد الوحدة الوطنية الليبية:

السيناريو الأول: ويتمثل في نجاح ملتقى تونس في توظيف اللقاءات السابقة لصالح بناء تجربة انتقال ديمقراطي تنبني أسسها وخطواتها على المرحلة الانتقالية الأخيرة والوصول لنتائج تتقدم بالمسارات الثلاث (السياسي – الأمني والعسكري – الدستوري)، لأن الازمة الليبية موجودة في كل تلك الأوجه والحل يجب ان يشملها جميعا.

وعلى الأرجح أن حوار “جربة/قمرت/طبرقة” (فرضيات المدن التي قد يعقد فيها الحوار)، على الأرجح أن يقع تمطيطه وادامته ليمتد من بداية نوفمبر حتى منتصف ديسمبر بالذي يجعل الحكومة الجديدة والمجلس الرئاسي بتركيبته الجديدة قد يباشران مهامهما مع نهاية ديسمبر ويبدآن الخطوات الأولى مع بداية يناير 2021.

وهو أمر سيتزامن مع مباشرة ساكن البيت الأبيض لمهامه وهو ما يعني أن الإدارة الأمريكية ستواصل رعاية حل ازمة البلد بناء على انها ساعية للتواجد في قلب القارة الافريقية ولن تترك لمنافسيها المفترضين أي أمل في إقامة حرب في شمال القارة وأنها ساعية لاستقراره .

السيناريو الثاني: وهو سيناريو ينبني أساسا على فرضية عدم توصل المحاورين لحل مع التزامات دنيا بينهم، مما يعني مساحة أخرى أمام فائز السراج فسيعمد لنفس سيناريو أكتوبر 2018 عندما أجرى تحويرات رئيسية على حكومته، أي أنه قد يقع تطعيم حكومة الوفاق مقابل تغيير في الرئاسي او حتى الفصل بين الرئاسي والحكومة عبر تعيين رئيس لها (“قدور” – “بشاغا” – “معيتيق” – أي شخص آخر).

وهو حلّ قائم في الأذهان ومُفترض ولكنه سيُمطط فعليا وجود “حفتر” ومعسكره في الشرق ويُعيد انتاج سيطرته على الشرق واكتسابه لورقات ضاغطة مستقبلا في كل ليبيا، أو في اخراج أطراف إقليمية لورقة “عبدالسلام الحاسي” بديلا له ثم إعادة الأطراف حول طاولة المفاوضات.

السيناريو الثالث: وهو سيناريو ينبني على فرضية فشل حوار تونس وهنا قد تُحمّل البعثة مسؤوليته على الليبيين فقط، وهو ما سينتج عنه حلول مربكة وقاسية على غرار الحضور الأجنبي في ليبيا بأشكال تبدو حاليا غير واضحة المعالم، ولكن أشكالها مختلفة وسترتبط بالوقائع وبالانتخابات الأمريكية والتطورات في الإقليم أيضا.

السيناريو الرابع: وهو أن يعمد طرف عسكري من الطرفين لقب الطاولة على الجميع وإعادة ما اتاه “حفتر” في ابريل 2019.

ولكن هذه المرة ستكون الأمور أكثر تعقيدا من حيث هوية الجهة القادحة للفوضى والحرب وأيضا في تعدد أطراف الصراع العسكري والباحثة عن الحسم الميداني.

وكل ذلك يعني أن يغادر المتحاورون تونس على أصوات البنادق والحرب وأخبار الضحايا لتتحول ليبيا الى سيناريوهات الحرب الاهلية المفتوحة لا قدر الله.

***

علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

____________

المصدر: صحيفة 24-24 بتاريخ 20 اكتوبر 2020

مواد ذات علاقة