بقلم علي عبداللطيف اللافي

في انتظار الإعلان اليوم الثلاثاء – الأول من ديسمبر 2020- أو غدا الأربعاء أو في نهاية الأسبوع الحالي أو بداية الأسبوع القادم، عن الأسماء الرئيسية للسلطة التنفيذية (رئيس الحكومة ونائبيه والأعضاء الثلاث للمجلس الرئاسي الجديد)، ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية ب24 وزيرا والتي قد يتم الإعلان عنها يوم 12 ديسمبر وفقا لما هو متداول.

في أنتظار ذلك حريّ بكُلّ المتابعين وبالنخب الليبية، التساؤل عن راهن الوضع الأمني ومستقبله باعتباره مفتاحا رئيسيا للاستقرار والاقلاع خاصة وان إمكانيات ارباكه متعددة في بلد له جغرافيا ممتدة بحرا وبرا وأيضا نتاج طبيعة الصراعات القائمة منذ 2014 ونتاج أن الصراع فيه كان منذ سنوات ولا يزال لليوم عبارة عن حرب بالوكالة تُخاض لصالح أذرع إقليمية وقوى دولية سعت وتسعى لنهب ثروات ليبيا الهائلة والنادرة ومن ثم المرور اليسير للعمق الإفريقي.

الوضع الأمني خلال الأيام الماضية مستقر ظاهرا ولكن يغلبُ عليه التوجّس والانتظار لما ستؤول عليه الحوارات السياسية، كما أن هناك ارتياح عام في كل ليبيا مبنية على توازن القوى – أو بالأحرى توازن ضعف-بين طرفي الصراع وأيضا بين المحورين الإقليميين وهو ما أوجد أمل كبير ومتنام في الشارع الليبي ان ليس هناك تقسيم لليبيا كما ليس هناك حروب في المستقبل، على الأقل في المدى المنظور.

وهو أمر يعني أن الليبيين سيقبلون ولو بنصف حل بل وربما حتى ربع حل، وأن ذلك أفضل لديهم من لا حل – أي عدم قبول تواصل المناكفات والتباينات والصراعات والعسكرية منها خاصة

هناك رأي عام في ليبيا انه يجب دعم الجهود في توحيد المؤسسة الأمنية وفي دعم الامن والأمنيين، كما أن الليبيين سئموا الوجوه الجدلية التي تُمثل قطبي الصراع سياسيا وأمنيا، وبالتالي فان شخصيتي “السراج” و”حفتر” أكثر الشخصيات كُرها في الشارع الليبي، وخاصة الأول بالنسبة للغرب الليبي وتحديدا هو ومستشاريه المباشرين، إضافة الى كره الشرقيين لحفتر ونجليه “خالد” و”صدام” بينما هما – “السراج” و”حفتر”- مكروهان لدى غالبية أهالي الجنوب وخاصة الثاني بالذات.

الثابت أن أمنيي وزارتي الداخلية (الوفاق– المؤقتة) جد قلقين من المستقبل كما أن وضعهم النفسي الحالي غير مريح، وبعضهم مُرحب بتراكم وتنامي الخطوات التنسيقية بين الوزارتين، ولكن بعض مُديرين ومسؤولين مباشرين للقطاعات الأمنية المختصة -وخاصة في الشرق الليبي -غير مُرتاحين لذلك وخاصة أصحاب النفوذ والمقربين من نجلي “حفتر” (“صدام” – “خالد”) ومدير ديوانه “عون الفرجاني” والذي يمارس البلطجة السياسية والإدارية حتى تجاه مساعديه المباشرين.

أما أمنيي الجنوب الليبي فهم جد مُرهقين نفسانيا واجتماعيا وغير مستعدين لوجستيا وماديا لمواجهة أي طوارئ ونتاج تقلب تعاملاتهم خلال السنتين الماضيين بين قوات الوفاق وقوات “حفتر”.

وضع عناصر المليشيات مقلق في الشرق والجنوب وهناك ضجر متواصل في المنطقتين مما قد يجري مستقبلا، أما وضع عناصر المليشيات في المنطقة الغربية فيتأرجح فعليا بين رافض لما يتم الترتيب له (جهاز الحرس الوطني – التسريح)، وبين مرحب بذلك نتاج الوضعية المزرية حاليا من حيث التمويل والخدمات ونتاج دمغة ايديولوجية تمت منذ أشهر.

مدى حقيقة عودة الخلايا الإرهابية لارباك الوضع الأمني مستقبلا؟

لوجستيا لم يعد هناك أي تنظيم له التواجد الكامل والمُمتد في كل الأراضي الليبية وهو أمر ينسحب على كلا التنظيمين الإرهابيين المعروفين أي “القاعدة” و”داعش” وفروعهما في المنطقة، مع التذكير بمعطى احصائي أن التنظيم لم يتجاوز عدد الليبيين فيه على الأراضي الليبية الـ 12 بالمائة في أقصى الحالات في كل الفترات قبل وبعد 2011 كما لم يترأسه فعليا أي ليبي خلال السنوات العشر الماضية.

عدد الخلايا الإرهابية وأفرادها ضعيفة العدد منذ أكثر من أربع سنوات في المنطقة الغربية ولكن ذلك لا يعني أنها منعدمة من حيث أن عدد الافراد المستعدين للتنسيق معها أو مع أي تنظيمات أو أجهزة للقيام بأعمال إرهابية خاصة وأن الانتقال من السلفية (العلمية أو السرورية/الحركية أو المدخلية) في ليبيا للسلفية الجهادية في ليبيا أمر غريب وجد مُلفت للنظر.

الخلايا الإرهابية في الصحراء الليبية لها عشرات العناصر المُستعدين للتنسيق وتنفيذ العمليات ذلك أن سُدس خلايا “داعش” في سرت سنة 2017 غادرت الى هناك بعضها صفتها “افريكوم”، ولكن بعضها لا يزال ناشطا هناك وأغلبه على تواصل مع أطراف خارجية سواء كانت أجهزة استخباراتية لها مرام وأجندات سياسية أو تنظيمات إرهابية أخرى ناشطة في منطقة الساحل والصحراء على غرار “بوكو حرام”.

يُؤكد كل المتابعين ومراقبين للأوضاع في القارة السمراء وخاصة في شمالها أن تعيين بديل لـ”درودكال” في قيادة تنظيم “قاعدة المغرب الإسلامي” لا يجب التغاضي عن ترتباته لأنه سيكون منطلقا بل وسيشجع عناصر إرهابية على الانخراط المباشر مستقبلا أو على الاسناد اللوجستي لأيّ عمل إرهابي وخاصة في الأراضي الليبية نتاج الصراعات وغياب كلي للدولة في مناطق بعينها.

بعض مُنتسبي التيار المدخلي في الشرق الليبي تم تجهيزهم فعليا للتحول لجهاديين بغض النظر عن الجهة التي وقفت وراء ذلك، وطبيعة تكوينهم تجعلهم على استعداد كامل وفي تقبل التحول الى عناصر إرهابية نتاج تهميش “حفتر” وقياديين مُقربين له لهم في المدة الماضية بعد دعمهم الخطابي له وفقدهم لأي امتيازات أو أدوار مستقبلية (اعتبروه سابقا الركن السادس في الإسلام).

طبعا لا يُمكن تغييب أن المرتزقة السوريين في المنطقة الغربية قد يكون بعضهم حسب بعض تسريبات ومعطيات قد التحق ببعض خلايا إرهابية نائمة سواء كان ذلك ممن حاربوا مع قوات الوفاق وحلفائهم الاقليميين في بداية السنة الحالية (وهم عدديا بالآلاف ان لم يكونوا بعشرات الآلاف رغم ترحيل أكثر من ثلثيهم).

أما آلاف السوريين الذين حاربوا مع قوات “حفتر” فيضاف إليهم مئات التشاديين وآلاف السودانيين وبعضهم مجند من طرف خلايا إرهابية منذ سنوات في بلدانهم أو تم استمالتهم من طرف أجهزة استخباراتية إقليمية أو دولية منذ أشهر أسفله.

الاختراقات المتبادلة بين طرفي الصراع، والاختراقات التي أحدثتها وتُحدثها أطراف إقليمية ودولية للامن القومي الليبي

فعليا يمكن تأكيد أن لـ”حفتر” وحلفائه المحلّيين خلايا وعناصر موالية في المنطقة الغربية على غرار “تيجي” و”جادو” و”مسلاتة” و” الاصابعة (بالقرب من “غريان”)، وبعض من أنصار النظام السابق متقلبي الولاء في العاصمة و”الزاوية” و”صرمان”)، ولكن في صورة اشتداد القتال وخوض معركة فاصلة فان عمليات انخراطهم مع قوات “حفتر” سيكون ضعيفا جدا.

، أما سكان الجنوب ممن هم جغرافيا تحت سيطرة قوات “حفتر” وباستثناء أنصار النظام السابق منهم فلهم استعداد كامل للانقلاب على “حفتر” والانضمام سياسيا وعسكريا وامنيا لحكومة “الوفاق” وخاصة في صورة التوصل لحكومة وحدة وطنية، وفي المقابل سيكون انخراط سكان الجنوب الذين هم تحت سيطرة الوفاق ضعيفا في الالتحاق بقوات “حفتر” باستثناء افراد بعض القبائل التي انخراطها تاريخي مع نظام القذافي.

في الشرق الليبي تبدو عملية قيام انتفاضة عارمة ضد “حفتر” أمرا ضعيف نسبيا ولكنه ليس مستحيلا بل هو وراد، ذلك أن بوادره موجودة ومتوقعة، وتبقى قائمة خلال الأسابيع والأشهر القادمة.

لا يختلف اثنان في أن ليبيا بلد منتهك السيادة منذ سنوات وهو مساحة مفتوحة أمنيا لاختراقه بل هو كذلك منذ سنوات من طرف كل الأجهزة الإقليمية، وان قل فعل بعضها نتاج ترتيبات أممية ودولية ونتاج قناعة بعضها بسحب مؤقت على الأقل لعناصره وضباطه فان بعضها مازال موجودا.

وبخصوص القوى الدولية الكبرى فحدث ولا حرج من حيث تواجدهم الاستخباراتي القوي وخاصة “الفرنسيين” و”الايطاليين” و”الأنجليز” إضافة لتواجد اقل حجما ولكنه ليس غائبا على غرار الهولنديين والإيرانيين وحتى الإسرائيليين – وذلك حديث ثان ليس المجال هنا مجاله.

بعض تلك الدول مُخترِقَة فعليا للنسيج الاجتماعي الليبي ولها القدرة على ارباك الوضع الأمني في اتجاهات جزئية على الأقل من حيث ثبوت نسبة حدوثها أو حتى في اخراج عملية إرهابية مُرتبة لتحقيق اهداف آنية ومستقبلية أو لتوجيه الأحداث الى سياقات تُحبذها تلك الدول.

والاختراق هنا عددي ولوجستي ومادي وسياقي مع أطراف سياسية واجتماعية وعمليا يُمكن تبيّن فعل “السعوديين” و”الاماراتيين” و”المصريين” في الشرق الليبي عن طريق المرتزقة أو عبر ترتيب واختراق ممنهج للتيّار السلفي المدخلي بالنسبة للدول الثلاث مع أولوية للسعوديين وأجهزتهم في توجيه المداخلة وبعض السلفيين من تيارات أخرى، وأولوية المصريين في توجيه البدو على حدودهم.

بعض تلك الدول لها امتدادات مع خلايا إرهابية بغض النظر عن خيوط التواصل سواء كان مباشرا أو غير مباشر ويمكن تحريكها للفعل والانجاز والقيام بمهام مُحددة جغرافيا ومن حيث قوة تأثيرها ولعل قدرة عناصر اسرائيلية في تصفية عناصر استخباراتية إيرانية في الجنوب الغربي الليبي منذ سنتين امر دال ومعبر.

التهريب والمخدرات والجريمة المنظمة

عمليا تقلصت عملية متابعة هذه الجرائم والنجاعة في التصدي لها منذ 2014 أي سنة احتدام الخلافات بين طرفي الصراع وباعتبار أن حكومتي “الكيب” و”زيدان” كانت الأجهزة الأمنية موحدة ولها تراتبية هرمية أما أجهزة “القذافي” قبل 2010 فكانت تؤطرها وترعاها وتتصدى لها بطرق احتوائية وتوظيفية من طرف أذرع النظام وأجهزته الإدارية والأمنية والسياسية لكل تلك العمليات المخالفة للقانون والجرائم المنظمة.

في مرحلة لاحقة انتقلت تلك الرعاية التواصلية والرعائية والتأطيرية لقوات حفتر منذ 2017 وخاصة في الشرق والجنوب بعد أن ورثتها عن النظام السابق بين 2012 و2016 مكونات قبلية واجتماعية، وبالتالي استفرد بها مقربون من حفتر وبالتالي تغيّر اللاعبون في الاستفادة من التهريب وتمرير شحنات المخدرات ولا يعني أن القائمين بها لوجستيا تغيروا بل تغير مُديري العطايا وقابضيها فقط.

أما في المنطقة الغربية ورغم نجاح قوات “الوفاق” منذ سنة 2016 عن طريق قوات الردع الخاصة وبعض أجهزة أخرى على غرار القوات المتحركة على طول الشريط الحدودي بقيادة بعض عسكريين محترفين في تلك المهام، ولكن تراخي حكومة السراج في دعم تلك القوات و أسر قوات حفتر لبعضهم لمدة أشهر نمى عمليات التهريب وكل أشكال الجريمة المنظمة، وحتى بعد إطلاق سراحهم اثر هزام قوات حفتر في المنطقة الغربية فانهم عمليا لم يعودوا يقومون بمهامهم السابقة نتاج غياب الدعم المركزي.

تنامت في المدة الماضية عمليات تهريب الأدوية المخدرة في كل المنطق الحدودية الليبية (وأيضا التونسية والجزائرية)، مقابل تقلّص تهريب العملة في اتجاه الجزائر وتونس وتركيا وهو ما أثبتته أرقام وزارة داخلية الوفاق.

طبيعة التحديات المستقبلية

الوضع الأمني شبه مستقر حاليا، وهو مثل برميل بارود – أي أنه قابل للانفجار مثلما هو قابل للإطفاء إذا ما وجد طرف قادر على اطفائه- وهو أحد أهم التحديات الجسام التي ستُرفع في وجه الحكومة المرتقبة والتي حتى لو شُكلت في أن السّيوف المسلطة عليها ستكون أكثر من أن تحصى أو تعد.

هذه الحكومة – أي حكومة الوحدة الوطنية – من الصعب أن تكون قادرة على ترتيب كل الملفات الأمنية الحرجة لان همّها الرئيسي وهمّ الفاعلين سيكون في اتجاه عمليات التوحيد للأجهزة والمؤسسات وفي انجاز عملية انتخابية تقلع بالليبيين للمرحلة الدائمة وتبني لبنة ثانية في عملية انتقال ديمقراطي عسير وكلف الليبيين كثيرا ورغم اهميته الاستراتيجية.

***

علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

______________

المصدر : دورية 24/24

مواد ذات علاقة