بقلم علي اللافي

بدأت البعثة الأممية يوم 10 ديسمبر جولة ثانية من النقاش والمحادثات مع أعضاء الحوار السياسي الليبي بعد سلسلة مطولة من التمطيط والارجاء، وكل ذلك في بحث مستمر وأمل منعقد بالتوصل والوصول أخيرا إلى توافق حول الآلية التي سيتم اعتمادها لتحديد شكل السلطة التنفيذية الجديدة ولاختيار القيادة السياسية الجديدة في ليبيا.

بمعنى إحراز تقدم نحو تحقيق الاستقرار في البلاد لتمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات 24 ديسمبر 2021  خاصة في ظل تحذيرات جديدة أرسلتها المبعوثة الأممية لكل أعضاء لجنة الحوار ولكل الليبيين في الجلسة الافتتاحية متحدثة مجددا عن القواعد الأجنبية والوجود الأجنبي كما تحدثت عن الفساد وعن كورونا، فما هي ملامح التسوية السياسية المرسومة وماهي ملامحها؟

خلاصة كلمة “وليامز” وتحذيراتها في افتتاح الجولة الجديدة

تقرير موجز حول الكلمة الافتتاحية

بدأت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني وليامز الاجتماع الافتراضي الثالث للجولة الثانية لملتقى الحوار السياسي بالقول “أريد أن أذكر، وكما قلت من قبل، أن الوقت ليس في صالحكم. وأود أن أنبهكم إلى حقيقة أن التقاعس والعرقلة سوف يكلفانكم الكثير….”

ثم استعرضت بعض المؤشرات التي قالت انها تريد ان تنبه أعضاء لجنة الحوار بها

توجد الآن 10 قواعد عسكرية في بلادكم- في جميع أنحاء بلادكم – وليس في منطقة بعينها – وهذه القواعد تشغلها اليوم بشكل جزئي أو كلي قوات أجنبية. ويوجد الآن 20000 من القوات الأجنبية و/ أو المرتزقة في بلادكم،

ثم أكدت بعد ذلك أن ذلك انتهاك مروّع للسيادة الليبية، قبل أن تضيف “وقد ترون أن هؤلاء الأجانب موجودون هنا كضيوف، لكنهم الآن يحتلون منزلكم. وهذا انتهاك صارخ لحظر الأسلحة. وهم من يتسببون في تدفق السلاح إلى بلادكم، وبلادكم ليست بحاجة إلى مزيد من الأسلحة. وجودهم في ليبيا ليس لمصلحتكم، بل هم في ليبيا لمصلحتهم، ديروا بالكم هناك الآن أزمة خطيرة فيما يتعلق بالوجود الأجنبي في بلدكم…”

ومن ثم أضافت في نفس كلمتها بخصوص التحديات الاقتصادية والاجتماعية “لقد حذرتكم سابقاً من تدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية في البلاد وحقيقة أننا نتوقع في غضون شهر واحد، بالضبط في كانون الثاني/ يناير 2021، سيكون هناك 1.3 مليون ليبي، من مواطنيكم، بحاجة إلى مساعدة إنسانية. هناك انخفاض حاد في القدرة الشرائية للدينار الليبي. وأزمة السيولة عادت بالكامل؛ ثمة نقص في السيولة النقدية المتداولة”.

وأضافت “هناك أزمة كهرباء رهيبة الآن. ولست بحاجة لتذكيركم بمدى فظاعة انقطاعات الكهرباء في الصيف الماضي، وذلك بسبب الفساد الفظيع وسوء الإدارة في جميع أنحاء البلاد. أنا لا أشير بأصابع الاتهام إلى أحد بعينه. هذه أزمة يعاني منها الغرب والشرق. لديكم أزمة فساد. لديكم أزمة سوء إدارة والآن هناك 13 محطة كهربائية عاملة فقط من أصل 27 محطة. نحتاج إلى مليار دولار أمريكي وبشكل فوري لاستثمارها في المرافق الأساسية لشبكة الكهرباء من أجل تجنب الانهيار الكامل للشبكة الكهربائية في بلدكم….”

ومن ثم فسرت الأسباب التي أدت لكل تلك التحديات وخاصة على مستوى الخدمات ” وذلك أمر في غاية الصعوبة الآن بسبب الانقسامات في المؤسسات، وبسبب وباء الفساد وهذه الطبقة من الفاسدين المصممين على البقاء في السلطة…”

ثم خلصت الى أن أزمة كورونا قد تفاقم الأمور فقالت بخصوص ذلك رابطة الامر بما سبق عبر القول “ويرافق ذلك تفاقم أزمة جائحة كورونا، لديكم الآن ما يقرب من 94000 حالة في ليبيا. ونعتقد أن هذه التقديرات منخفضة وأن العدد الفعلي أعلى من ذلك، إلا إن هناك نقصاً رهيباً في اختبارات الفيروس في البلاد…”

ثم عادت مجددا للحديث عن الأجانب وترابط ذلك بالفساد والمفسدين فأكدت قائلة “هناك فاعلون أجانب يتصرفون في ظل إفلات تام من العقاب، وهنالك جهات فاعلة محلية تنخرط في فساد مستشر واستغلال للمناصب لتحقيق منافع شخصية، وهناك سوء إدارة في الدولة، فيما يتزايد انعدام المساءلة ومشاكل حقوق الإنسان على أساس يومي”

، وصرحت بقولها “تصلنا تقارير عن عمليات اختطاف واحتجاز تعسفي واغتيالات على أيدي التشكيلات المسلحة في جميع أنحاء البلاد، وفي حين أن هناك الكثير من السياحة السياسية المتجهة إلى دول وعواصم مختلفة، إلا أن عامة الليبيين يعانون في ظل غياب أية مؤشرات على تحسن أوضاعهم…”

لتخلص في الأخير الى القول أنها تعتقد بان أفضل سبيل للمضي قدماً هو من خلال الحوار السياسي وأضافت مؤكدة ” هذا الحوار هو ملتقى واسع وشامل لاتخاذ القرار والناس يعوّلون عليكم. لقد قطعنا شوطاً طويلاً في تونس حيث حددنا موعداً للانتخابات. ومن الضروري إخضاع جميع المؤسسات المسؤولة عن إجراء الانتخابات إلى المساءلة”.

وأضافت “ولكن هناك أزمة حكم أيضاً، وأفضل طريقة لمعالجة أزمة الحكم هي توحيد مؤسساتكم، توحيد مصرفكم المركزي الذي يحتاج إلى عقد اجتماع مجلس إدارته لمعالجة أزمة سعر الصرف على الفور. أعلم أن هناك الكثير ممن يعتقدون أن هذا الحوار يتعلق فقط بتقاسم السلطة، لكنه في حقيقة الأمر يتعلق بمشاركة المسؤولية من أجل الأجيال القادمة. ورجائي منكم خلال مناقشات اليوم أن تمضوا قدماً، لأن، أقولها وأكررها: الوقت ليس في صالحكم

خلاصة حول الكلمة الافتتاحية

يُمكن التأكيد بناء على ما قالته “وليامز” في كلمتها أن كلمتها الافتتاحية والتي غلب عليها منطق التشخيص والتحذير مجددا باعتبار أنه سبق لها أن حذرت منذ أسبوع من تواجد القواعد الأجنبية عبر تقديم الأرقام والمعطيات، بانها ماضية في إتمام تسوية سياسية وان تلك التسوية بُنيت وهي شبه جاهزة للتمرير والتزكية من طرف أعضاء لجنة الحوار ومن طرف المجلس النيابي والذي رتبت هندسة توحيده رغم المناكفات بين مكوناته

وذكرت بتفاؤل أن المرور لتشكيل حكومة وحدة وطنية اصبح في الأفق وذلك جلي من خلال اشارتها للخدمات والفساد والسياحة السياسية للأجانب، ويظهر ان تذليل بعض صعاب واسقاط خيارات وتناسب مع تطورات في الإقليم والمرور الرسمي للإدارة الامريكية الجديدة تطلب سلسلة من عمليات التمطيط والارجاء لحوار يمكن إنجازه في أسبوعين على أقصى حد الا أن مسلسله ابدأ في أوت الماضي وطالت مقدماته ورغم انطلاقه يوم 26 أكتوبر الماضي فانه تقطع في أكثر من مرة ليستأنف أمس الخميس 10 ديسمبر 2020.

استئناف الحوار مجددا وأمل بآلية تحسم اختيار أعضاء السلطة التنفيذية

ما جري يوم الخميس أو ربما أيضا اليوم الجمعة، هو عبارة عن جولة ثانية من النقاش والمحادثات بين أعضاء الحوار السياسي الليبي برعاية أممية في مطاردة أمل بالتوصل إلى توافق حول الآلية التي سيتم اعتمادها لتحديد شكل السلطة التنفيذية الجديدة ولاختيار القيادة السياسية الجديدة في ليبيا، وإحراز تقدم نحو تحقيق الاستقرار في البلاد لتمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات في نهاية العام القادم.

أما اجرائيا فقد وجهت البعثة الدعوة منذ مسار الأربعاء إلى كل الأعضاء المشاركين في الحوار (عددهم 75 مشاركا ) لاجتماع عبر الاتصال المرئي يوم الخميس من أجل متابعة النقاش حول التوافق على آلية اختيار السلطة التنفيذية انطلاقا من نتائج التصويت على الآليات المقترحة.

وقد سبق لوليامز وفريقها المساعد قولهم أنهم يأملون من وراء ذلك الوصول إلى الطريقة الأنسب والمضي قدما في تنفيذ خارطة الطريق المتفق عليها، ومعلوم أن أعضاء الملتقى قد صوتوا الأسبوع الماضي عبر البريد الإلكتروني وعبر الهاتف على اختيار آلية واحدة من بين 12 آلية طرحتها البعثة الأممية لاختيار شاغلي مناصب المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة.

فيما لم تحصل أي من الخيارات المطروحة على النسبة المطلوبة من أصوات المشاركين، بعدما انحسر التصويت ما بين الآليتين “الثانية” التي حصلت على 39 صوتا، والثالثة التي أيدّها 24 مشاركا في لم تحصل بقية الآليات الا على أصوات قليلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.

وعمليا تشترط البعثة الأممية تحقيق إجماع وتوافق حول الآلية التي سيتم اعتمادها لتوزيع واختيار المناصب بنسبة 75% من أصوات المشاركين، وهي تأمل فعليا خلال هذه الجولة، تحقيق توافق على واحدة من بين الآليتين الثانية والثالثة، من أجل المرور إلى جولة أخرى تكون مباشرة للتصويت واختيار الشخصيات التي ستتولى مناصب السلطة الجديدة.

تلك الجلسة من المنتظر ان تكون مباشرة في ضواحي العاصمة التونسية وتختتم بحفل تكريم يعلن فيه على اسم رئيس الحكومة ونائبيه ( من بينهما سيدة) وأعضاء الرئاسي الثلاث وليتم تحديد جلستين للبرلمان الليبي والمجلس الأعلى للدولة يعلن عنهما في نفس حفل الافتتاح ليصادقا على تشكيلة حكومية من 24 وزيرا يقدمها رئيس الحكومة المنتخب من لجنة الحوار مصحوبة بشاغلي المناصب السيادية.

الأليتين الثانية والثالثة .. ما تنصان عليه وما الفرق بينهما؟

الآليتان الثانية والثالثة، تقومان على تقسيم فعلي للمناصب التنفيذية وفقا لمنطق المحاصصة عبر الأقاليم أو بالأحرى المناطق الثلاث.

الآلية الثانية

وهي آلية معقدة التفاصيل وبها فخاخ عدة سياسيا ومناطقيا على غرار ربط اختيار رئيس الرئاسي بعد اختيار رئيس الحكومة، وهي آلية تنص على أن “يرشح كل إقليم من الأقاليم الثلاثة، اثنين للعرض على الجلسة العامة للجنة الحوار الـ75، للتصويت بينهما لعضوية المجلس الرئاسي، بينما ينتخب رئيس الوزراء من جميع أعضاء لجنة الحوار، على أن يعين رئيس المجلس الرئاسي المنتمي للإقليم الأكثر عددا المخالف لرئيس الوزراء من بين الأعضاء الفائزين لعضوية الرئاسي”.

وبقراءة سياسية تقطع هذه الآلية الطريق أمام بعض مرشحين وهي عمليا قد تبعد وزير الداخلية “فتحي باشاغا” كرئيس للحكومة كما قد تقصي “عقيلة صالح” من عضوية الرئاسي ومن ثم رئاسته وهو أمر قد يحدث فعليا في صورة عدم وجود تسوية مفصلة سياسية وتمرر للناخبين ( أي أعضاء لجنة الحوار)، وهي في نفس الوقت آلية ترفع واقعيا من حظوظ منافسيه على المنصب وهما رجلا الأعمال من مدينة مصراتة أي ” عبد الحميد الدبيبة” و”محمد المنتصر” أو السياسيين من الشرق “محمد معين الكيخيا” و”محمد حسن البرغثي”…

الآلية الثالثة:

وهي آلية تنص على “أن ينتخب كل إقليم ممثليه في المجلس الرئاسي وينتخب رئيس الوزراء من جميع أعضاء اللجنة، شرط حصوله على تزكية من نفس إقليمه (4 تزكيات من الجنوب، 5 من الشرق، 7 من طرابلس)”، كما تنص على “أن يعين رئيس المجلس الرئاسي المنتمي للإقليم الأكثر عددا والمخالف لرئيس الحكومة من بين الأعضاء الفائزين لعضوية الرئاسي”.

الخلاصة أو ضرورة نجاح الحوار المبني على تسوية مرسومة بدقة

 الثابت اليوم أن “وليامز” من وراءها الأمم المتحدة والقوى الدولية الكبرى وخاصة إدارة “بايدن” الجديدة وقبل كل ذلك الدولة العميقة الأمريكية، لم تستأنف الحوار هذه المرة إلا بعد جاهزية تسوية سياسية تامة الشروط لتتويج ما خاطته وخططته وخطته منذ مارس الماضي عند استلامها المهمة من المستقيل يومها “غسان سلامة”.

بل ومنذ بداية 2018 عندما جاءت لليبيا كقائمة بالأعمال بالنيابة في سفارة بلادها، وما سلسلة الارجاء والتمطيط إلا لتحقيق شروط موضوعية للتسوية وإقناع كل الفاعلين خاصة في ظل وجود تحديات ومعيقات موضوعية على الأرض (سياقات ذاتية ليبية) و أيضا في ظل صراع إقليمي ودولي على بلد اشبه بالقارة وله ثروات هائلة ونادرة بل هو ممر فريد للعمق الافريقية (سياقات موضوعية).

وكل ذلك لا يُغيّب حقيقة التنافس بين الأطراف الليبية على مناصب السلطة التنفيذية الجديدة والخلافات بشأن الشخصيات المقترحة، وهي عمليا أهمّ من أهم العقبات المتبقية التي قد تحول دون نجاح وانتهاء ملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس الذي بدأ قبل شهر ومن ثم بعثرة جهود التسوية السياسية، ولكن الأمريكيين لن يسمحوا أبدا أن يقع تقويض خارطة الطريق نحو انتخابات 24 ديسمبر 2021 .

***

علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

_____________

المصدر: دورية 24/24

مواد ذات علاقة