يكافح اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، أخيراً، من أجل إعادة ضبط الإيقاع السياسي والعسكري في مناطق نفوذه، لا سيما شرق ليبيا، في محاولة لإعادة فرض نفسه في مشهد البلاد الذي لا يزال يعاني من إرباك بسبب إخفاق مسارات البحث عن حلول للأزمة بشكل سلمي.

وبعد انتهاء العملية الأمنية الأولى التي أطلقها حفتر، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لـ”فرض القانون، وضبط الأمن”، أعلن، ليل أمس الأحد، عن إطلاق عملية أمنية جديدة.

وبحسب مكتب الإعلام الأمني التابع لوزارة داخلية الحكومة الموازية، فإن اجتماعاً عالي المستوى في بنغازي، أمس الأحد، ضم رئيس الأركان العامة، اللواء عبد الرزاق الناظوري، بوزير الداخلية في الحكومة الموازية، إبراهيم بوشناف، و”عدد من المدراء والمندوبين لعدد من الإدارات والوحدات الأمنية والعسكرية، لـ”التحضير لانطلاق الخطة الأمنية الجديدة”.

وكلّف حفتر اللواء الناظوري، الذي يشغل منصب رئيس الأركان العامة ومناصب أخرى، بإنفاذ العملية الأمنية السابقة التي استهدفت “جميع المجموعات التي تستغل اسم المؤسسة العسكرية والأمنية لتحقيق مآربهم الشخصية، والقبض السريع على كل المطلوبين، وعلى كل الشخصيات التي تعمل على تأجيج الرأي العام”، بحسب بيان سابق لحفتر، وانتهت إلى اخضاع عدد من مليشياتها المنتشرة وسط الأحياء، لا سيما الموالية لقبيلة البراغثة التي أبدت ميلاً لمعارضة حفتر إثر انكسار عدوانه العسكري على طرابلس وانسحاب مليشياته من جنوب العاصمة إلى سرت، مطلع يونيو/حزيران الماضي.

أهداف عملية حفتر الجديدة

وتستهدف العملية الأمنية الجديدة إخضاع عدد من مدن شرق البلاد، بعد الانتهاء من السيطرة على بنغازي. وكشفت مصادر أمنية من بنغازي وبرلمانية من طبرق، النقاب عن عزم حفتر استهداف عدد من مقرات المليشيات، على رأسها مقرات بمدينة اجدابيا (150 كيلومترا غرب بنغازي)، ومدن البيضاء (100 كم شرق بنغازي) التي تتواجد فيها المقرات الرسمية للحكومة الموازية.

وعلى الرغم من تأكيد رئيس مكتب الإعلام الأمني لوزارة داخلية الحكومة الموازية، طارق الخراز، أن العملية الأمنية الجديدة تأتي في السياق الأمني ولا تختلف عن العملية السابقة، موضحاً في حديث، لـ”العربي الجديد”، أنها “تستهدف أوكار الجريمة والمخدرات والفارين من العدالة والقانون”، نفى أن يكون هدفها إخضاع معارضة بل ينفي وجود معارضين لما وصفه بـ”قوات الجيش الوطني”.

في المقابل، تتطابق المعلومات التي أدلت بها المصادر ذاتها لـ”العربي الجديد”، بأنها تجري تزامناً مع إعادة تشكيل حفتر لقياداته، باستبعاد جملة من الضباط وإعفائهم من وظائفهم، من بينهم اللواء أحمد المسماري المتحدث الرسمي باسم قيادته، والدفع بشريحة جديدة من الضباط الجدد لتولي إدارات يستعد حفتر لاستحداثها.

ومن بين تلك الإدارات، تقول المصادر إن منها “إدارة الحرس المدني”، وإدارة “التعليم والتأهيل العسكري”، وركناً عسكرياً باسم “ركن الدروع المقاتلة”.

وفي تفاصيل العملية الجديدة، أكدت المصادر أن معسكرين كانا تابعين للكتيبة 106 مشاة، أبرز تلك الأهداف بعد أن أبدى قادة الكتيبتين عن موقف مؤيد لقبيلة زوية التي ينحدرون منها، والتي أعلنت تأييدها لرئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، من جانب، وأرسلت وفداً للتواصل مع حكومة الوفاق في طرابلس من جانب آخر.

والجمعة الماضي، أعلن مشايخ من قبيلة الزوية، التي تعتبر مدينة أجدابيا قاعدة قيادتها الرئيسية، تشكيل مجلس اجتماعي جديد للقبيلة، وأكدوا خلال بيان لهم دعمهم لـ”الجيش”، في إشارة إلى حفتر.

اللعب على وتر القبيلة

وفي الجانب الآخر، ذكرت المصادر أن الكتيبة 128 معزز، ستتجه للسيطرة على معسكرات في مدينة البيضاء، المتاخمة لمنطقة القبة معقل عقيلة صالح، تحت غطاء فرض القانون والأمن، مؤكدة أنها لن تجازف بالدخول بقوة السلاح إلى مناطق نفوذ قبيلة العبيدات، التي ينتمي لها صالح، بقدر ما ستعمل على إخضاع محيط البيضاء الخاضع لنفوذ قبيلة البراعصة، التي برزت، أخيراً، لطيف قبلي معارض لسياسات حفتر في المنطقة وطالبت بضرورة التحقيق مع صدام نجل حفتر في حادث مقتل المحامية حنان البرعصي الشهر الماضي.

وفي وقت توافقت فيه معلومات المصادر حول عزم حفتر تنفيذ هيكلة جديدة لقيادته وفرز قادة قواته وتمكين مليشياته من السيطرة مجدداً على مناطق نفوذه، يعلل الباحث الليبي في الشأن الأمني، الصيد عبد الحفيظ، أن خطط حفتر لم تبارح أساسه الأول القائم على اللعب على وتر القبيلة وخارطة انتشار نفوذها واستخدامها لمد سيطرته في مناطق أوسع.

وتبدو انعكاسات تعثر مسارات الحل وتشعّب الأوضاع واضحة على مواقف بعض المناطق. فخلال الساعات الماضية من ليل أمس، شهدت بعض أحياء مدينة سبها، جنوب البلاد، مناوشات وتبادل إطلاق للنار بين مليشيات مسلحة، بعضها تابع لحفتر وأخرى موالية لحكومة الوفاق، على خلفية بيان لإحدى الكتائب في المدينة أشادت فيه بمستوى إدارة وزارة داخلية حكومة الوفاق لحفل عيد الاستقلال في طرابلس. أما في المناطق الأخرى فلا تزال السيطرة فيها للمليشيات القبلية التي لا تزال تنتظر وضوح مشهد الحكم المقبل لإعلان ولائها، بحسب عبد الحفيظ.

حزب الأمر الواقع

وليست إعادة السيطرة وفرض حفتر نفسه مجدداً داخل ما يصفه “بحزب الأمر الواقع”، الهدف، كما يرى عبد الحفيظ، بل يلفت إلى أن حفتر يسارع الخطى للحاق بالخطوات التي نجحت فيها حكومة الوفاق بشأن إعادة ترتيب شكل قواتها وإعادة بنائها.

وتسعى حكومة الوفاق من خلال وزارتي الدفاع والداخلية إلى تنفيذ برامج دمج الفصائل المسلحة في المؤسسة العسكرية والأمنية. وخلال بيان لرئاسة الأركان العامة لقوات “الوفاق”، أكد الفريق أول محمد الحداد، رئيس الأركان، قدرة المؤسسة العسكرية على تجاوز كافة التحديات والمعوقات التي تقف أمام استيعاب المجموعات المسلحة ضمن مؤسساتها.

وبحسب بيان للأركان، اليوم، فإن الحداد أشرف على اجتماع “اللجنة المشتركة لتنظيم وحصر واستيعاب القوى المساندة بمؤسسات الدولة”، مساء أمس الأحد، لمتابعة خططها في الشأن.

تدريبات تركية لقوات الوفاق

وفيما لا تزال القوات التابعة لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق تتلقى التدريبات العسكرية على يد مدربين أتراك، وفق الاتفاق الأمني الموقّع بين الحكومة والحكومة التركية، يؤكد عبد الحفيظ أن نجاح الوفاق في إنجاز عدة خطوات في اتجاه بناء مؤسسة عسكرية فاعلة حدا بحفتر إلى السعي في الاتجاه ذاته لضبط شكل قيادة قواته، وإخراج الخارجة منها عن سيطرته بعيداً عن المشهد، حيث يؤكد الباحث في الشأن أن المسميات الجديدة كإدارة “الحرس المدني”، تستهدف نزع سلاح المليشيات الثقيل وتحويلها لقوات حرس وطني للتقليل من خطرها ولتسهيل السيطرة عليها.

أما إدارة “التعليم والتأهيل العسكري” فهي عادة ما تنشأ لفتح الباب أمام قبول عناصر جديدة لتدريبها، ما قد يشير إلى إجراء قد يستهدف تسريح عناصر بعض المليشيات التي تم إخضاعها بالقوة وإنشاء قوات بديلة عنها، وهي خطوات تشير إلى استباق حفتر أي حديث يتعلق بالمؤسسة العسكرية في مسارات الحوار والبحث عن حلول لأزمة البلاد التي يشكل السلاح جزءاً كبيراً منها، خصوصاً أن اللجنة العسكرية 5+5 من الممكن أن تكلف بإعادة تشكيل وتكوين المؤسسة العسكرية.

وتبدو خطوات هذه الذاهبة إلى إعادة ضبط مليشياته ليست جديدة، ففي منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت قيادته عن قرار يقضي باستبدال مسمى اللواء 128 المعزز، الذي يقوده نجله خالد، إلى مسمى “لواء حمزة بن عبد المطلب المعزز”، كما قضى القرار باستبدال مسمى اللواء 106 مجحفل، الذي يقوده نجله صدام، إلى مسمى “لواء خالد بن الوليد المجحفل”، وهي خطوة يقرأها عبد الحفيظ بأنها تذهب في اتجاه إبعاد الكتيبتين من أي ملاحقة قضائية أو جنائية بتغيير أسمائها، وعلاوة على كونها شاركت في الحرب على طرابلس وتورطت في انتهاكات واسعة تحقق الأمم المتحدة في شأنها، تعتبر الكتيبتان أبرز القوات الضاربة التي تتبع حفتر مباشرة.

وغير ذلك، يعتمد حفتر على طيف مختلف من المسلحين، منها كتائب موالية للنظام السابق وأخرى مؤلفة من عناصر مدخلية سلفية، لكن أكثرها مؤلف من مليشيات قبلية.

ومن جانبه، يعتبر الصحافي الليبي سالم الورفلي، أن القراءة الأمنية والعسكرية لخطط حفتر لا يمكن أن تكون بمعزل عن مستجدات الصعيد السياسي، موضحاً أن حفتر يواجه صعوبات وتحديات تتعلق بتراجع عدد من حلفائه عن دعمه بعد هزيمته جنوب طرابلس.

ورغم أهمية خطط حفتر الجديدة، إلا أن الورفلي يؤكد، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أنها خطوات تتجه إلى التجاوب مع المطالب الدولية بشأن ضرورة تقويض نفوذ المليشيات، خصوصاً أن ملف المؤسسة العسكرية لا يزال مؤجلاً في مباحثات الحل الليبي الراهنة.

ولا يرى الورفلي أي حظوظ لحفتر في المشهد المقبل، لافتاً إلى أن عملياته العسكرية خلّفت له تركة ثقيلة تتعلق بالجنايات والجرائم التي ارتكبتها قواته، ومطلوبين للعدالة الدولية من بين قادة قواته. لكنه في الوقت ذاته، يعتبر بقاء حفتر مهما بالنسبة للعديد من الأطراف، لا سيما القاهرة، التي لا يبدو أنها تجد في غيره من الشخصيات العسكرية بديلاً يمكنه ملء فراغ تشكله قبائل مسلحة ويحد من انجراف المنطقة إلى فوضى عارمة.

نبش القبور

وفي الجانب الآخر، تعهدت وزارة داخلية حكومة الوفاق بملاحقة مسلحين سلفيين أقدموا على نبش قبور أضرحة صوفية في مدينة صرمان، غرب طرابلس، ليل السبت الماضي.

ووسط موجة من الغضب التي سادت مختلف المنتمين للتيار الصوفي، نفت الوزارة صلتها بالحادث، وأكدت عدم إصدارها أي تعليمات لأي جهة أمنية تابعة لها بشأن تقديم العون والمساعدة لمن أقدموا على تلك الأفعال.

وقالت الوزارة، اليوم، إن أجهزتها ستلاحق نابشي القبور والأضرحة التي يجرّمها القانون الليبي، مؤكدة أن “المتورطين سيتحملون وحدهم عواقب فعلتهم”.

________________

مواد ذات علاقة