تشنّ مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر حملة اعتقالات واسعة في مدن ومناطق شرق ليبيا، منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فيما أكدت مصادر مطلعة من شرق البلاد فشل محاولة انقلاب عسكرية على حفتر كان من المخطط أن تجري في مدينتي بنغازي واجدابيا.

وحول تفاصيل الانقلاب، تطابقت معلومات مصادر عسكرية وبرلمانية من شرق البلاد حول وقوف أربع شخصيات عسكرية ومدنية وراء الانقلاب تخطيطاً وتمويلاً، مشيرة إلى أن اللواء عون الفرجاني، ابن عم حفتر وذراعه الأمنية الأقرب، والذي يتولى مسؤوليات كبيرة عدة في قيادة حفتر، يشرف على متابعة التحقيق في العملية، وسط تكتم شديد على نتائجه.

وتكشف المصادر عن أن العملية الانقلابية جرى التخطيط لها من شخصيات تابعة للنظام السابق، منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل أن تتلقى قيادة حفتر معلومات استخباراتية من إحدى الدول الداعمة له، وتفشل العملية قبل تنفيذها، والتي كان من المقرّر أن تجري خلال الشهر الجاري بإشراف أربع شخصيات، ضابطان ومدنيان.

وفيما تناقلت تقارير إعلامية أنباء عن تورط شخصيات مثل مصطفى كونان، وهو أحد رموز النظام السابق، واللواء خيري التميمي، مدير مكتب حفتر الخاص، بالعملية، زادت المصادر نفسها أن العقيد هيبلو نصر القذافي، والمقدم عيسى القابسي، كانا من أبرز الشخصيات العسكرية التي كانت ستشرف على تنفيذ العملية في بنغازي واجدابيا.

ويعتبر العقيد هيبلو نصر القذافي، المنحدر من مدينة سرت، من بين الضباط القلائل الذين بقوا إلى جانب معمر القذافي في أيامه الأخيرة، وإثر انضمامه لـ”عملية الكرامة” التي أطلقها حفتر، حامت حوله شبهات، ما حدا بحفتر لاعتقاله في منتصف عام 2016، قبل إطلاق سراحه في إبريل/نيسان 2018، وجرى تكليفه أخيراً بقيادة إحدى المليشيات التي تشرف على تنفيذ عملية حفتر الأمنية.

أما القابسي، فهو جندي بالقوات الخاصة، انخرط ضمن علميات حفتر مبكراً، وكُلّف بإمرة الكتيبة 302 التابعة للواء 106 معزز، الذي يقوده صدام نجل حفتر، وتأمين القطاع الغربي لمدينة بنغازي. والخميس الماضي، أعلن الناطق الرسمي باسم القوات الخاصة الصاعقة ميلود الزوي، تعرض القابسي لمحاولة اغتيال، فيما دعت كتيبته “302” إلى سرعة “معالجة الخلل الأمني” في بنغازي، ما قد يشي بوجود خلافات عميقة بين مليشيات حفتر، في ظل احتماء القابسي بفصائل الصاعقة، وعدم قدرة مليشيات حفتر على الوصول إليه حتى الآن.

وانتشر فيديو لابنة مصطفى كونان، مروى، بعد ساعات من حديث تقارير إعلامية عن اعتقال شقيقها كنان في بنغازي من قبل مليشيات حفتر، لتؤكد اعتقاله، محاولة أن تنفي عنه سعيه لتمويل عملية الانقلاب.

ونفت أن يكون ما حدث هو انقلاب بل “استعادة لدولة معمر القذافي“، وأنها ليست محاولة “من أزلام النظام”، وطالبت حفتر صراحة بالكشف عن مصير أخيها الذي قالت إن مليشيات أودعته المستشفى بحجة أنه يعاني من أمراض عقلية ونفسية. وتابعت “عرفنا من أنت يا حفتر“، واتهمته بالاعتقالات والاختطافات.

بل وكشفت عن تواصل والدها مصطفى كونان، الذي يظهر إعلامياً بصفته متخصصاً في العلوم السياسية باسم مصطفى الفيتوري، مع حفتر شخصياً، بهدف تنسيق لقاء بينه وبين سيف القذافي، وسألت حفتر “لماذا لم تقبل؟”.

وشهدت بنغازي عودة لظاهرة الجثث المرمية، التي شهدتها على مدار حرب حفتر على المدينة، فحتى يوم الجمعة الماضي نقلت وسائل إعلام ليبية أنباء العثور على جثتين، إحداهما مرمية بالقرب من مقر الشرطة وعليها آثار تعذيب وإطلاق رصاص في الرأس، لم يتم الكشف عن هوية صاحبها، والثانية عثر عليها على شاطئ البحر بالقرب من المدينة، وتعود لأحد رجال الأعمال بالمدينة اختطف من قبل مليشيا مجهولة الهوية، الأسبوع الماضي.

وفي السياق، اعترف عياد الفيسي، آمر ما يعرف بكتائب “أولياء الدم” في بنغازي، بطريقة غير مباشرة، خلال فيديو متداول، بحادث الانقلاب، بعد ساعات من محاولة مليشيا أمنية تابعة لحفتر اختطاف أحد أبنائه، متهماً قيادة حفتر بالقول: “لا توجد قيادة عامة ولا أجهزة أمنية بمدينة بنغازي“.

ولم يتحدث الفيسي مباشرة عن الانقلاب، فهو عسكري وقائد مليشيا مقراتها داخل بنغازي، لكنه أشار إلى حراك أمني في “أربعة أيام” (أي الأيام الأربعة الماضية)، انتشرت خلاله بشكل كثيف عمليات الخطف والاغتيالات، وقال: “وجدت سبع جثث، منها ثلاث يوم أمس”.

وفيما تنشط أجهزة أمن حفتر في تنفيذ عمليات اعتقال واسعة في بنغازي والبيضاء، تمركزت أخرى داخل مدينة اجدابيا، في محاولة للسيطرة على الأوضاع من دون الدخول في مواجهات مع مليشيات المنطقة القبلية، ولا سيما أن بعضها، كالتابعة لقبائل “زوية”، لم تعد على وفاق مع حفتر.

وعلى الرغم من أن محاولة الانقلاب تكشف عن عمق الخلافات داخل صفوف مليشيات حفتر وهشاشة حلفه مع الضباط والعسكريين الموالين للنظام السابق، إلا أنها تعكس في الوقت ذاته استمرار قدرة حفتر على السيطرة، من خلال قبضته الأمنية القوية، التي تراعي أيضاً عمق الخلافات الناشئة بينه وبين شخصيات أخرى، أبرزها رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، الذي تواليه عدة قبائل بشرق البلاد وجنوب شرقها.

وتفصح المصادر ذاتها عن أن العملية الانقلابية ستستغل حراك العملية الأمنية التي أطلقها حفتر منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ومرت منها مرحلتان بإشراف رئيس الأركان التابع لحفتر، اللواء عبد الرزاق الناظوري، والتي تهدف إلى “فرض القانون وضبط الأمن والقضاء على الجريمة وكل مظاهر التسليح وجميع المجموعات التي تستغل اسم المؤسسة العسكرية والأمنية لتحقيق مآربها الشخصية”، بحسب بيان سابق لحفتر.

وترجح المصادر نفسها أن العملية التي بدأها حفتر، مطلع نوفمبر، تستند لمعلومات أولية حول الانقلاب، وكان الدافع وراءها غياب تفاصيل الخطة الانقلابية عنه.

وكانت مصادر مقربة من حفتر قد كشفت في تصريحات سابقة، مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، لـ”العربي الجديد”، عن عزم حفتر على توسيع عمليته الأمنية الحالية خارج بنغازي لتشمل مدناً أخرى، من بينها اجدابيا (150 كيلومتراً غرب بنغازي)، والبيضاء (100 كيلومتر شرق بنغازي)، تزامناً مع إعادة تشكيل قيادته، باستبعاد جملة من الضباط وإعفائهم من وظائفهم، من بينهم المتحدث الرسمي باسم قيادته اللواء أحمد المسماري، والدفع بشريحة جديدة من الضباط الجدد لتولي إدارات يستعد حفتر لاستحداثها.

وفي تفاصيل العملية الجديدة، أكدت المصادر أن معسكرين كانا تابعين للكتيبة 106 مشاة، يعدّان من أبرز تلك الأهداف، بعدما عبّر قادة الكتيبتين عن موقف مؤيد لقبيلة “زوية”، التي أعلنت موقفاً مؤيداً لحراك صالح بهدف إيجاد حلّ سياسي لأزمة البلاد بعيداً عن الحلول العسكرية.

ومنذ فشل محاولة حفتر السيطرة على العاصمة طرابلس، اختفت العديد من الشخصيات العسكرية المقرّبة منه، كاللواء عبد السلام الحاسي، الذي كان آمراً لغرفة عمليات طرابلس، واللواء محمد المنفور آمر سلاح الجو.

ولا تبدو خطوات حفتر المتجهة لإعادة ضبط مليشياته جديدة، ففي منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت قيادته عن قرار يقضي باستبدال مسمّى اللواء 128 المعزز، الذي يقوده نجله خالد، إلى مسمّى “لواء حمزة بن عبد المطلب المعزز”، كما قضى القرار باستبدال مسمّى اللواء 106 مجحفل، الذي يقوده نجله صدام، إلى مسمّى “لواء خالد بن الوليد المجحفل”.

وفي وقت أفادت فيه تقارير إعلامية بوقوف شخصيات من النظام السابق، تقيم في روسيا، وراء التخطيط للانقلاب، لا ترى المصادر أن المعلومات حقيقية، فهي لا تستقيم مع طبيعة التحالف بين موسكو وحفتر، ورغم ضعفها ومواقف موسكو المتغيرة أخيراً، إلا أنها لن تفرّط في حفتر حالياً، كما أنها لا تثق في شخصيات عسكرية مثل التميمي.

وفيما لم يُعرف تاريخ انكشاف عملية الانقلاب، إلا أنه يبدو قريباً، فحتى 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ظهر التميمي في صور خلال تغطية وسائل إعلام موالية لحفتر لمعرض الكتاب في بنغازي، الذي ظهر فيه حفتر أيضاً برفقة ضباط آخرين.

ويُعدّ التميمي، المتحدر من منطقة قصر بن غشير، جنوب شرق طرابلس، من أبرز أركان القوات المسلّحة في عهد القذافي، إذ تولى العديد من المناصب العسكرية البارزة، قبل أن ينضمّ إلى حلف حفتر العسكري ويتولى عدة مهام، آخرها منصب مدير للمكتب الخاص لحفتر.

وربما تبدو الصور التي ظهر فيها التميمي أخيراً وسيلة للتعمية على حدث الانقلاب أمام الرأي العام، فهو يتولى منصباً هاماً آخر، وهو رئاسة الوفد العسكري الممثل لحفتر في اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5، واختفاؤه عن المشهد سيزيد من حالة التعقيد وتفاقهم أوضاع حفتر الهشة أصلاً.

************

محاولة للانقلاب العسكري على خليفة حفتر ..شارك فيها مدير مكتبه ونجل القذافي

كشف مصدر أمني بمدينة بنغازي لـ”عربي بوست”، شارك عدد من ضباط النظام السابق المقربين من حفتر، بالتعاون مع مجموعة تابعة لنجل العقيد الراحل معمر القذافي سيف الإسلام، في محاولة الانقلاب على اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

محاولة الانقلاب ووفق مصادر، فشلت بعدما حصل صدام حفتر على معلومات استخباراتية تؤكد وصول كنان الفيتوري، ابن العقيد مصطفى الفيتوري والموالي للنظام السابق، إلى بنغازي بعد تنسيقه مع قيادات عسكرية كبيرة مقربة من خليفة حفتر؛ لفتح مكاتب تتبع سيف الإسلام القذافي في المنطقة الشرقية.

وأضاف المصدر، أن كنان الفيتوري عاد إلى ليبيا وبنغازي تحديداً بعد خروجه منها منذ اندلاع ثورة فبراير/شباط 2011، حاملاً مبلغاً مالياً قيمته تقدَّر بقرابة عشرة ملايين دولار أمريكي، حُوِّل له من أشخاص ليبيين موالين لنجل العقيد الراحل معمر القذافي، سيف الإسلام القذافي، مقيمين بروسيا، كان من المفترض أن يستخدمها للتأثير على رجال محيطين بحفتر وتدبير عملية الانقلاب عليه.

وتابع المصدر، أنه بعد عملية القبض والتحقيق تبيَّن تواصُل الفيتوري مع شخصيات عسكرية تابعة لحفتر، على رأسها مدير مكتبه اللواء خيري التميمي، موضحاً أن جهاز الأمن الداخلي تلقَّى أوامر من مدير جهاز السيطرة، اللواء عون الفرجاني، بإصدار تقرير طبي يفيد بأن الفيتوري يعاني مرضاً نفسياً، بعد كشفه عن أسماء عسكرية تابعة للنظام السابق بصفوف حفتر متورطة في دعم حملة دعائية لسيف الإسلام القذافي بالمنطقة الشرقية.

وأشار المصدر إلى أن مجموعة مسلحة تابعة لصدام خليفة حفتر، قامت باختطاف الفيتوري والاستيلاء على الأموال التي بحوزته قبل إلقاء القبض عليه، موضحاً أن مصير الفيتوري لا يزال مجهولاً منذ صدور أوامر من عون الفرجاني بإصدار تقرير طبي يفيد بأنه يعاني مرضاً نفسياً.

_______________

مواد ذات علاقة