إعداد يوسف كامل

بعد مقتل معمر القذافي وسقوط نظامه مع تقدم الثورة الليبية، تنافست شخصيات عدة على السلطة الكبيرة التي تركها وراءه العقيد الذي حكم البلاد لأكثر من 40 عامًا.

ومن بين المتنافسين ظهر اسم عبد الباسط إقطيط، رجل الأعمال الليبي – السويسري بعد عام 2011، حين عينه المجلس الانتقالي الليبي مبعوثًا خاصًّا له في العام نفسه.

في هذا التقرير نستعرض أنشطة إقطيط في الولايات المتحدة، ولقاءاته مع شخصيات سياسية بارزة في الكونجرس الأمريكي، معتبرًا واشنطن بوابة الوصول للسلطة في ليبيا، ونلقي ضوءًا على علاقاته في أمريكا، ودور عائلة زوجته الثرية فيه.

زواج بطعم السياسة والمال

كان والده حسن عثمان إقطيط موظفًا في جامعة قاريونس بليبيا وخطيب جمعة في مسجد السريتي، وقد أُودِعَ الوالد السجن خلال سنوات الثمانينيات بسبب توجُّهاته الجهادية ليطلق سراحه سنة 1988، لينتقل إلى السعودية ثم باكستان حيث توفي بجلطة دماغية.

انتقل ابنه عبد الباسط إقطيط إلى سويسرا، حيث أسس عام 2007 شركة «سويس إنترناشيونال»، وفقًا لصفحته على منصة «ليكندإن»، وتعمل الشركة بمجال العقارات والتصميم وقطاعات أخرى. وتذكر صفحته أيضًا أنه جمع 12 شركة ألمانية في مظلة استثمارية واحدة قدَّمت خدمات معمارية ومدنية لدولة قطر عام 2005.

بعد الثورة الليبية وخلع القذافي، صعَّد إقطيط من نشاطه السياسي داخل ليبيا، وأسس «مؤسسة ليبيا المستقلة»، ليعمل من خلالها في المجتمع الليبي ولبناء صورة ناعمة تساعده على توسيع علاقاته في الخارج.

وفي 2011 التقى إقطيط بـ سارة برونفمان في ليبيا، وهي ابنة الملياردير اليهودي الشهير إدجار برونفمان، أحد أكبر الأثرياء اليهود الداعمين لإسرائيل في العالم، ومن قادة الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة.

برونفمان بالأساس رجل أعمال كندي – أمريكي صهيوني، ورث عن أبيه ثروة جناها من تهريب الويسكي للولايات المتحدة في العشرينيات حين منعت أمريكا بيع الكحول. أدار برونفمان الفرع الأمريكي لعملاق الكحوليات «سيجرام».

وهو أحد أشد مناصري إسرائيل ومن وجوه الصهيونية العالمية، وترأس بين عامي 1981- 2007 الكونجرس اليهودي العالمي، وهو اتحاد للمنظمات الصهيونية.

برز اسم برونفمان في حملة نقل يهود روسيا لإسرائيل بعد سقوط الاتحاد السوفيتيّ وتحصيل تعويضات لضحايا الهولوكوست، وكرَّمه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عام 1999 بـ«ميدالية الحرية».

هذا «الرابط الإسرائيلي» لا يقتصر فقط على والد زوجة إقطيط؛ إذ سيظهر مرَّة أخرى في نوعية الشخصيات من نواب وشيوخ في الكونجرس تواصل معهم إقطيط، لتعزيز فرصه في سباق السلطة بليبيا، رغم وجود المانع القانوني نظرًا إلى حمله لجنسية أخرى وزواجه من امرأة أجنبية.

تعاقد إقطيط مع شركة «كاسويتز بينسون توريس آند فريدمان »، وكانت بوابته نحو واشنطن؛ إذ خدمه فيها جو ليبرمان، السيناتور الديمقراطي السابق، المناصر الصلب لإسرائيل، وقد كان أحد المرشحين لرئاسة «مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (أف بي آي)» عام 2017، ويُذكر أن من زبائن الشركة سابقًا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل توليه للرئاسة.

وبالإضافة لليبرمان، تعمل في الشركة كلارين ناردي ريدل، مديرة مكتب ليبرمان أثناء عمله بمجلس الشيوخ.

بدأ العقد بين الطرفين في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 وانتهى في السابع من فبراير (شباط) 2014، بكلفة بلغت 100 ألف دولار. ومن الجدير بالذكر أن زوجته سارة برونفمان شاركت معه في دفع المبلغ، واسمها مرفق مع اسمه في سِجِلّ المدفوعات.

ينص العقد على تقديم الشركة لخدمات ضغط سياسي وعلاقات عامة لربط إقطيط بشيوخ ونواب بالكونجرس، ويأتي التعاقد مباشرةً قبيل ترشُّح إقطيط لرئاسة الحكومة الليبية في 2014.

يقدِّم إقطيط نفسه نموذجًا لشاب ليبي «ناجح» من ليبيِّ الخارج، ويرى أن ليبيا بحاجة لنموذج «جديد وشاب»، وقادر على التعامل مع العلاقات الخارجية، والتعاطي مع المشكلات الداخلية في ليبيا.

ويذكر إقطيط في مقابلة له مع قناة «فرانس24» أن له علاقة شخصية ووثيقة مع جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي منذ مطلع 2013، وكان قبلها رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.

اللوبي الإسرائيلي.. بوابة إقطيط نحو واشنطن

بالنظر في ملفات الشركة التي خدمت إقطيط في واشنطن، يتضح اعتماده على مناصري إسرائيل في الولايات المتحدة، فمعظم الشخصيات التي التقاها من أشد المؤيدين لإسرائيل في الكونجرس.

اجتمعت الشركة بالسيناتور الجمهوري ساكسباي شامبليس، نائب رئيس لجنة الاستخبارات وعضو لجنة القوات المسلحة، وهو أحد أكبر الداعمين لإسرائيل في واشنطن. وتواصلت أيضًا مع مساعدة شامبليس لمناقشتها في مسائل معروضة على لجنة الاستخبارات.

واجتمعت الشركة مع السيناتورة الجمهورية كيلي آيوت، واحدة من أشد داعمي إسرائيل في مجلس الشيوخ، وضغطت لرفض دخول فلسطين في «محكمة الجنايات الدولية»، وهددت السلطة الفلسطينية بقطع الدعم المالي بسبب ذلك. وتواصلت الشركة أيضًا مع كبير موظفيها.

تورد وثائق الشركة اجتماعًا بـ إليوت أنجل، النائب الديمقراطي النافذ في لجنة العلاقات الخارجية، ومثل سابقيه يعدُّ أنجل من رعاة إسرائيل بالكونجرس.

في ملفات ليبيا المختلفة اجتمعت شخصيات عدَّة مع النائب الجمهوري بيتر كينج، عضو لجان الاستخبارات ولجنة الأمن الداخلي، وهو رئيس لجنة فرعية فيها عن مكافحة الإرهاب والاستخبارات. وفي ملفات إقطيط يطل اسم كينج مجددًا، بالإضافة للتواصل مع مساعديه.

يأتي تاليًا اسم شديد الأهمية، النائب آدم سميث، زعيم الأقلية الديمقراطية بلجنة القوات المسلحة، وعضو باللجنة المختارة للتحقيق في أحداث بنغازي. ويضاف للقائمة زميله الديمقراطي تيد دويتش، عضو لجنة الخارجية، وزعيم الأقلية الديمقراطية في لجنتها الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

للشركة اتصالات أيضًا مع النائب الجمهوري إليانا روس ليتينن، كانت حينها عضوةً بلجنة العلاقات الخارجية وترأست لجنتها الفرعية عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبعد خروجها من الكونجرس عملت بمجال الضغط السياسي.

إليانا كانت من المؤيدين للتدخل الأمريكي في ليبيا لإطاحة نظام القذافي، ومثل غيرها ممن تواصل إقطيط معهم هي داعمٌ قوي لإسرائيل، وقد كرَّمها بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، لكونها «مدافعة عن إسرائيل» و«أعز أصدقاء الدولة اليهودية في الكونجرس».

عبد الباسط إقطيط مع لجان أمنية وعسكرية

يذكر إقطيط في لقائه مع قناة «فرانس24» أنه على علاقة وثيقة بالحزب الجمهوري وأعضائه بالكونجرس، ويتحدث عن علاقة خاصة مع السيناتور الجمهوري جون ماكين، ويصفه بأنه كان متحمسًا لإيجاد حل في ليبيا لتكون «نموذجًا» لدول عربية أخرى، وأن ماكين رأى في إقطيط القدرة على تحقيق هذا النموذج؛ ولذا دعمه.

ربطت الشركة إقطيط بمجموعة من كبار الشيوخ منهم ماكين، وهو أحد أبرز وجوه الحزب الجمهوري بالمجلس، ورفيقه ليندسي جراهام، وكلاهما تابعا أحداث الربيع العربي عن كثب وأثَّرا في العقد الماضي على السياسة الأمريكية تجاه العالم العربي.

تواصلت الشركة لصالح إقطيط مع مكتب جون ماكين، وهو مرشح سابق للرئاسة عام 2008، وكان حينها عضوًا بلجان القوات المسلحة والخارجية والأمن الداخلي، ولاحقًا في 2015 ترأس لجنة القوات المسلحة بالمجلس.

وهو من الأصوات التي دعمت المجلس الانتقالي الليبي أثناء الثورة ضد القذافي، وكان له دور مهم في «ملف بنغازي»، وهو التحقيق الذي قاده الكونجرس في أحداث مقتل السفير الأمريكي في ليبيا عام 2012، في الاحتجاجات أمام السفارة الأمريكية على خلفية الفيلم المسيء للرسول وانتهى باقتحام السفارة الأمريكية ومقتل السفير الأمريكي هناك مع أمريكيين آخرين.

أما ليندسي جراهام فهو منافس سابق في انتخابات الرئاسة عام 2016، قبل أن يأخذ ترامب ترشيح الحزب الجمهوري. جراهام عضو في عدة لجان مهمة، منها القوات المسلحة والميزانية، وصار لاحقًا زعيم اللجنة القضائية، وكلا الشيخين ممن ضغطوا ضغطًا مستمرًّا لفتح تحقيق في الأحداث، ولعبا دورًا مهمًا في ملف بنغازي بعد فتحه.

وتواصلت الشركة أيضًا مع شيوخ جمهوريين آخرين، منهم جيمس إينهوف، عضو لجنة القوات المسلحة، وزميلته سوزان كولينز، عضوة بلجان المخصصات والاستخبارات، وكلاهما من رعاة مشروع قانون يجرِّم مقاطعة إسرائيل أو الاستجابة للمطالب بالمقاطعة. وطرقت الشركة باب مكتب السيناتور الجمهوري بوب كوركر، عضو لجنة العلاقات الخارجية وترأسها منذ 2015.

وقدمت الشركة تواصلًا مع الديمقراطيين، مع شيوخ بارزين، أهمهم السيناتور تشاك شومر، أهم ديمقراطي بمجلس الشيوخ وزعيمهم فيه.

من الديمقراطيين أيضًا بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية آنذاك، وزميله جاي روكفيلر، عضو بلجان الاستخبارات والمالية، وترأس آنذاك لجنة التجارة والعلوم والنقل، بالإضافة إلى كيريستين جيليبراند، من لجنة القوات المسلحة.

وبالعودة للجمهوريين، تواصلت الشركة مع إد رويس، رئيس لجنة الخارجية بمجلس النواب، وتواصلت مع مايك رورجرز، رئيس لجنة الاستخبارات بالمجلس، وأشرف على تحقيق شامل بشأن أحداث بنغازي. كما تواصلت الشركة مع جمهوريين آخرين يعملون بلجان القوات المسلحة، والمخصصات.

مع الخارجية الأمريكية وسفيرتها في ليبيا

تورد وثائق الشركة اتصالات مع ديبوراه جونز، السفيرة الأمريكية بليبيا، من يونيو (حزيران) 2013 وحتى سبتمبر (أيلول) 2015. وسبقها اتصال مع آن باترسون، السفيرة الأمريكية في القاهرة بين 2011- 2013. بالإضاف للتواصل مع مكتب ليبيا في وزارة الخارجية الأمريكية.

امتدَّت أنشطة إقطيط للتواصل مع الجنرال جون آلن، الذي عيَّنه أوباما في 13 سبتمبر 2014 مبعوثًا رئاسيًّا خاصًّا للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم «الدولة الاسلامية (داعش)»، والذي يرأس حاليًا معهد بروكنجز البحثي منذ نهاية 2017.

في النهاية، وبعد كل أحلام ومغامرات إقطيط، يبدو أنه اختار الصمت في الفترة الحالية من المشهد السياسي الليبي.

***

هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010-2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكافة الوثائق متاحةٌ للتصفح على الإنترنت.

______________

مواد ذات علاقة