بقلم علي عبداللطيف اللافي

منذ هزائمه القاسية والمتكررة في مدن الساحل الغربي وهروب قواته من مدينة ترهونة الاستراتيجية في نهاية ماي الماضي،

كثرت التخمينات حول مستقبل الجنرال المتقاعد “خليفة بلقاسم حفتر” ولكن بيان ترحيبه بانتخاب سلطة تنفيذية جديدة يوم الجمعة الماضي (05 فيفري الحالي)،أعاد تلك التخمينات والجدل حولها الى مربعات وكواليس الحياة السياسية في ليبيا ومن ثم تأويل نص ذلك البيان خاصة وان الخطوات على الأرض وما يدور في ثكنات ومقار قواته وبين أنصاره وأتباعه العسكريين والسلفيين وخاصة في شرق البلاد، يتناقض كليا مع الفاظ الترحيب التي تضمنها البيان المُوجز والمُختصر في جُمل يظهر أنها كُتبت على عجل وبناء على نصيحة أتت من جهات مختلفة في الداخل والخارج الليبي، وباعتبار أن سيناريو مستقبل الرجل طرح في أكثر من محطة بعد ترنح هجوم قواته على العاصمة في 04-04-2019، فانه من المهم اليوم التساؤل نظريا على أي من السيناريوهات الخمسة المفترضة والمرتقبة هي أقرب للواقع في افق انتخابات 24 ديسمبر 2021؟

حفتر بين خياري القبول بالوضع أو رفضه

لا يستطيع أي كان أن يُجزم أن الرجل قد قبل فعلا بالخيار الديمقراطي في ليبيا مستقبلا،فهو لم لن يكون ديمقراطيا لا من حيث تكوينه ولا من حيث ولاءته وسلوكه وتجربته الطويلة، فهو انقلابي المنهج منذ نهاية ستينات القرن الماضي أي منذ كان شابا، وهو عسكري يُفكر بآليات السبعينات ومناهج الثمانيات، وهو لا يرى نفسه الا حاكما لليبيا وشعبها حتى أن أبناؤه طالما تهامسوا بينهم سنتي 2015و2016 أنهم العائلة المالكة لليبيا في قادم السنوات، وهو لم يستوعب بعد أن الليبيين قد ثاروا من أجل الحرية والدولة المدنية وليس من أجله أو من اجل إعادة انتاج “القذافي2” أو استنساخ “سيسي ليبيا”،

ولعل انقلابه الأبيض والتلفزيوني في 2014 لم ولن يُنسي الليبيين هوسه غير الطبيعي بالحكم كما لن يُغيّب على أي نبيه ما فعله في 04-04-2019 (أي قبل أسبوعين فقط من المؤتمر الوطني الليبي الجامع برعاية أممية ودولية)، إضافة لغدره بحلفائه في شرق ليبيا (“فرج البرعصي”–”حجازي” – “العريبي” وآخرين كُثر )، ولا انقلابه وابعاده لمن خدمه على غرار “عبدالسلام الحاسي” (أبعد بعد خسارته لغريان في 27-06-2019) و”حنان البرعصي” ( وهي التي كانت تمدحه في مدونتها “عزوز برقة”) و”عون الفرجاني” (نقل وقيل أنه أبعد لإدارة فرعية عن موقعه السابق والاستراتيجي عسكريا منذ أسابيع).

ان قبول حفتر بمخرجات “جنيف” ليس إلا تكتيكيا بل لأنه لا قبل له حاليا بغير ذلك وكل المعطيات حسابيا وعلى الأرض هي ضده وضد مراميه المستقبلية…

السيناريوهات الخمس المفترضة

من لا يعرف “خليفة بلقاسم حفتر”، قد لا يفهم طبيعة ماذا يمكن أن يقدم عليه؟، ذلك الرجل والعسكري المثير للجدل لا يمكن له توقع ردود أفعاله وهو الذي لا يثق ولا يرتاح حتى لظله، ذلك أن حتى الذين كانوا قريبين منه في “جبهة الإنقاذ”(المعارضة لنظام العقيد بين سنتي 1980 و2010) بمن فيهم أعضاء اللجنة العسكرية، لا يعرفون جميعا طبيعة وسلوك الرجل الغامض حتى أن بعضهم كان يطلق عليه صفة “المعتوه” في ما كان البعض الآخر يقول عليه أنه خارق التفكير والذكاء،

وبالتالي فان كل السيناريوهات واردة لتوقع مستقبل أفعاله واصطفافه وخاصة في ظل خلاف بين المتابعين حول دور الرجل في الاستراتيجيات الإقليمية والدولية، فهو أمريكي الجنسية (جنسية ثانية حصل عليه منذ بداية التسعينات)حتى أنه عاش في “فرجينيا” طوال17 سنة وعلى بعد مئات الأمتار فقط من مقر مخابراتها الأكبر تحديدا، وهو الذي تعامل مع العديد من أجهزتها، ولكنه اليوم بل منذ 2016 أقرب للروس بينما بعض قادتهم يعتبرون “انهم يُلاعبونه ولكنه ليس لاعبهم…”، أما المصريين فالخلافات التكتيكية على الأقل بينهم وبين الرجل أكثر من أن تحصى حول نقاط ومواضيع عدة ، بينما السعوديين والاماراتيين وان كان هناك تباين بين الدولتين حوله فالثابت أنه وظيفي عندهما.

وكل ما سبق ذكره لا يُحيلنا الى أي مرفأ ثابت لتفكير الرجل او حقيقة توجهاته المستقبلية او اتجاه قراره وثبوتية الذهاب فيه ولكنه في الأخير سيكون ضمن وأمام سيناريوهات خمس لا سادس لها إلا كسيناريو جزئي يمكن تصنيفه داخل احداها

السيناريو الأول: الهروب أو المغادرة التلقائية خارج ليبيا أو ملازمة بيته في شرق البلاد (النسبة: 5 %)

وهو سيناريو مُستبعد ولكنه ليس مستحيلا، وسيرتبط وروده بطبيعة وآفاق علاقات “حفتر”المستقبلية مع حليفيه الروسي والاماراتي وأيضا بناء على رؤية المحيطين به بما في ذلك ابنيه “صدام” و”خالد”، ولن يهرب “حفتر” من ليبيا الا بعد ان يُجرب كل الحلول والمحاولات ذلك أنه لا يرى نفسه الا حاكما لليبيا من الحدود المصرية الى الحدود التونسية/الجزائرية، ولن يهرب الا إذا اشتم رائحة نهايته الموضوعيةأوبعد أن يُجرّب الانقلاب مرة أخرى بأيّ شكل من الأشكال وبناء على تطور الأحداث ونصائح غُرف عمليات ومستشارين له مُقيمين في عواصم عدة وخاصة في العاصمة الأردنية ،

ومن المهم القول أن صحة “حفتر”(بروستات – امراض في القب وفي الدماغ)،وطبيعة تركيبة محيطه العائلي والاستشاري لن يشجعه على الهروب أو مغادرة ليبيا خلال الأشهر القادمة رغم انتشار قول في الكواليس ونصيحة الروس له منذ أشهر بترتيب مستقبله في “فنزويلا” او “الأردن” أو “اليونان” أو غيرها من البلدان، كما أن ملازمة بيته في شرق البلاد او في القاهرة أمر مُستبعد ويتنافى مع شخصيته ورغبة مُحيطه ومخططات بعض حلفائه وخاصة الخليجيين بالذات.

السيناريو الثاني: الخروج من المشهد بمرحلية وآليات ناعمة (النسبة: 50%)

هذا السيناريو سيكون أقرب للواقع ولمستقبل ليبيا بل تؤكده المعطيات والوقائع وسبق ان حللنا في مقالات سابقة بعض تفصيلاته، وهو السيناريو الأرجح وتصل درجته الى 50 بالمائة وخاصة بعد نجاح ملتقى الحوار السياسي في إعادة هيكلة السلطة التنفيذية،وهو يتمثل عمليا في ابعاد ومغادرة “حفتر” وتواريه ولكن بعد وعبر تولية رجل مقرب منه في قيادة المؤسسة العسكرية وذلك بهدف أن لا يتضرر المقربون منه( القادة المقربون – مستشاريه على قلتهم – أبناؤه واصهاره واقرباؤه)،

وسيتم ذلك طبعا عبر تنازلات متبادلة بحثا عن مصالحات متينة على الأرض بين الفرقاء العسكريين الليبيين وحليفي الطرفين من المدنيين والسياسيين ، وعندئذ قد يصح أن يعمد حلفاؤه المحليين والإقليميين والدوليين الى اختيار قائد عسكري يبقى على تواصل معه ويرتب امر أولئك المقربين سابقا من حفتر بدون أن يظهروا للعلن وفي واجهة الأحداث مستقبلا، وهناك خيار جزئي ضمن هذا الخيار الواسع وهو يعني أيضا وربما إمكانية إعطاء “حفتر” منصب حتى بروتوكولي بجانب رئيس اركان قوي(مستشار اعلى للقيادة العسكرية )،

وعندئذ لا يكون رئيس الأركان سوى عبدالسلام الحاسي أو عسكري واقعي في التعاطي مع المستجدات على غرار “أسامة الجويلي” او “الحداد” او حتى “فرج البرعصي” أو أي عسكري يعرف حقيقة حرج المرحلة وطبيعتها كما ان هذا السيناريو سينبني إضافة للإخراج الناعم لحفتر على المرحلية – أي انه قد لا يغادر موقعه الا بعد حوالي 10 أسابيع من الآن ان لم يكن أكثر وقد تصل المدة الى حوالي 05 اشهر تقريبا– …

السيناريو الثالث: محاولة لعب دور حاكم الظل (احتواء الفاعلين في حكومة “دبيبة”) (النسبة: 10%)

قد يقبل “حفتر” بالتخلي عن منصب وموقع القائد العام – وهي صفة ومنصب لا وجود لهما في تاريخ الجيش الليبي، ولكنه سيعتمد الى ان يتحول تدريجيا الى حاكم ظل وهو ترتيب لن يكون تلقائيا من طرف “حفتر” بل سيكون عبر املاء او اقتراح من اطراف ضاغطة اقليما ودوليا ولكنها لا تُعرف رسميا – رغم انه لم يعرف على “حفتر” أي علاقة بالمحافل الدولية الناشطة ولكنه على علاقة مباشرة بشركات ولوبيات عالمية مؤثرة – مع أنه له علاقات غامضة وخفية ببعض عواصم وبعض مسؤولين غربيين،

وكل ذلك يعني أنه قد يلعب دور من وراء الستار ولكنه لن يكون قادرا على ذلك لفترة طويلة ولكن الاشكال هنا يكمن في ان علاقات “حفتر” بعالم المال والأعمال يسودها الغموض والتوتر وعدم الخبرة في التعاطي معهم الا من موقع الآمر والناهي والمتصنت عليهم وهو ما يعني أنه لا يمكن له أن يكون حكم ظل الا اذا توفرت له قنوات مع عالم التجارة ومسالكها وقنواتها ومربعات الدولار فيها وهو ما يضعف هذا السيناريو لتناقضه مع شبكات علاقات “حفتر” ومع تفكيره ونسقية ردود أفعاله، فهم لم يُخطّط يوما كما لم يخط أي سطر أو خطّة سوى كتيب صغير صدر باسمه حول التغيير بالقوة سنتين أو ثلاث قبل ثورة فبراير، ولا أبجديات له في التخطيط الناعم أو في إدارة الأمور من وراء ستار وبعيدا عن الأضواء.

كما أن الفاعلين في حكومة “دبيبة” المرتقبة ليسوا من السهولة الذين يٌمكن احتوائهم من طرف لا “حفتر” ولا غيره لأنهم أيضا لهم عقول مُهندسة وفاعلة ولهم شبكات إدارية وسياسية واجتماعية وهو ما يعيه “حفتر” ومن وراءه من داعمين محليين واقليميين.

السيناريو الرابع: مرشح رئاسي ببدلة مدنية وتاريخ عسكري (النسبة: 10%)

عندما ظهر الجنرال المتقاعد منذ تسع أسابيع في شرق البلاد وهو يحتسي قهوة على طريقة الرئيس التونسي الحالي “قيس سعيد”، إضافة الى أنه فعل ذلك في وسط بنغازي وبلباس مدني ربط البعض ذلك بان قرارا أو أمرا أو استشارة قد وصلت الى حفتر بأن الأمور حسمت وان عليه ان يتخذ طريق الصندوق ان أراد ان يكون حاكمالليبيا بعد 24 ديسمبر 2021،

ولكن الأمور عند”حفتر” صعبة فعليا، فهو لم ولن يقبل المنافسة إضافة الى ان ترشحه للرئاسية يتطلب برنامج ينص على مدنية الدولة وفي هذه الحالة لا يمكن أن يكون الامر جديا الا اذا وجد في خارطة طريق يضعها من وقف وراء خطتي “عسكرة المنطقة الشمال افريقية” و”منع الليبيين من الاحتفال بالذكرى العاشرة لثورتهم بالتوازي مع افساد الاحتفال بالذكرى العاشرة في تونس أيضا”، وهما خطتان سقطتا في الماء، وكل ذلك يعني ان ترشحه للرئاسية اما ان يكون برنامجا مملى عليه والا فهو مجرد فرضية لا غير أو خطوة تمويهية ومرحلية لا غير .

ان هذا السيناريو وارد، ولكن حفتر من الصعب عليه تبني الموقف أو المضي فيه طويلا، فهو ليس رجل برنامج انتخابي ولا يمكنه القيام بحملات انتخابية ولا الاستماع لمدير حملة عام ولا جزئي في منطقة بعينها…

وحتى ان قبل، فهل سيقوم مثلا بحملة في “طرابلس” أو “مصراتة” أو “الزواية”وهو الذي أتى بقوات ومرتزقة لقتل ابناؤهم وتدمير منازلهم؟، لا يُمكن لعاقل اعتقاد ذلك فحفتر عسكري بعقلية الستينات والسبعينات ولا يقبل الا بحكم ليبيا بالقوة والثكنات وتقارير الاستخبارات العسكرية.

السيناريو الخامس والأخير: الانقلاب المؤجل لحين جُزئيا أو كُليا (النسبة: 25 %)

إذا ما طُرح السؤال على كل من عرف “حفتر” جيدا وبدقة من سياسيين سابقين وحاليين أو عسكريين أو أي دبلوماسيين لأجابوا جميعا: ان “حفتر”لن يُفكر إلا في هذا السيناريو (أي الترتيب والاعداد ولو بعد حين للانقلاب على الوضع الحالي أي فسخ مسار الانتقال الديمقراطي والترتيب لإنجاز الاستحقاقات الانتخابية المحددة لــــ24 ديسمبر 2021)، اضافة الى ذلك وكما أكدنا ذلك أعلاه فان “حفتر” مهووس بالحكم ولا يرى في نفسه الا “قذافي2” أو “سيسي ليبيا”، وهو سيتجاهل أن الخيارين قد قُبرا نهائيا، وبناء على ان الانقلاب تاريخيا فكرة ملازمة له اي كلما أغلق باب في وجهه للقيام به، رتب لآخر في المستقبل،وبالتالي يُمكن الجزم أن “حفتر” يشتغل الان على خيارين داخل هذا السيناريو :

الانقلاب الجزئي، ويتمثل في دفع المقربين منه العمل على سردية أن (برقة لن تنال حقوقها في ظل حكومة “دبيبة” الانتقالية)، والعمل جار حاليا على تمرير ذلك إلى ذهنية أنصاره من العسكريين وخاصة في غُرف الاستخبارات العسكرية التابعة له وتؤكد مضامين صفحات اجتماعية هناك معطيات مصادر أن الشرطة العسكرية منتشرة في كل ربوع مدنية بنغازي، وفي هذه الحالة وان استحال عليه الكُلي فسيعمد لتنفيذ انقلاب في برقة بالذات في أفق بداية الصائفة القادمة والمُضي في ترتيب سيناريو استقلال برقة الكبرى وفقا لرؤيته ( من سرت حتى الحدود المصرية) او حتى الاكتفاء بفصل برقة القديمة عن بقية الأراضي الليبية.

الانقلاب الكلي، قد يعمد “حفتر” للمراوغة طلية أسابيع أو أشهر أو حتى المضي لشهر أكتوبر القادم، ولكنه بعيدا عن الأضواء سيعمد لترتيب انقلاب عبر آلية من بين آليات عدة وطبعا سيكون اسم وزير الدفاع وذهنيته السياسية مُحددا في ذلك، وفي كل الحالات من الصعب عليه ان يتخلى عن ذلك التفكير بغض النظر عن الاشكال ونسبة النجاح وهل سيرتب الأمور بمهنية وحرفية ويفاجئ الجميع وينتظر اللحظة المحلية والاقليمية المناسبة أو سيعمد للمُغامرة وربما مجرد المحاولة حتى يُرضي شعوره ورغبته المستمرة في قيادة انقلاب ولو للحظات زمنية على غرار ما فعل سنة 2014…

***

علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومُحلل مختص في الشؤون الافريقية

_______________

المصدر : دورية 24/24 

مواد ذات علاقة