منذ بدايات الثورة الليبية تسعى الإمارات للعثور على موطئ قدم في ليبيا، وتبني نفوذاً واسعاً في هذه الدولة الغنية بالموارد.

استخدمت أبوظبي أساليب عديدة لإرساء نفوذها على صانعي القرار الليبي، ونجحت المغامرة في صناعة شبكة من الأشخاص المتحكمين في المشهدين السياسي والاقتصادي في الدولة الجريحة.

كان هناك حدث أبرز شكَّل نقطة تحول في النفوذ الإماراتي على ليبيا، حين حاول مجهولون اغتيال بشير صالح الصندوق الأسود لأموال القذافي، الذي كان مقيماً في جنوب إفريقيا آنذاك.

هذا الحدث كان نقطة البداية التي أضاءت في أذهاننا الكثير من الأسئلة:
من هو بشير صالح؟
ولماذا تعرض لمحاولة اغتيال؟
ولماذا ذهب إلى الإمارات بعدها وبقي تحت الإقامة الجبرية؟
والأهم أين ذهبت أموال ليبيا، خاصة بعد تحكم الإمارات في حفنة من رجال القذافي الذين يسيطرون عليها؟

يُعرف بشير بأنه كاتم أسرار القذافي المالية، كان رجله في إفريقيا، وذراعه التي بسطت نفوذه على القارة، والصندوق الأسود لثروات ليبيا.

هذه المليارات الليبية .. لا أحد على هذه الأرض يعرف حدود ولا حجم ثروات القذافي

ليبيا التي كانتمن أغنى دول العالم اختفت من قوائم التاريخ والجغرافيا عقوداً طويلة تحت حكم القذافي.

أصبحت دولة في خدمة رجل وعائلته، بل نجح القذافي في محو الدولة ليصبح هو ليبيا، يضع في جيبه كل ما يصل إليه من ثرواتها.

بعد 2011، انتبه العالم وقتها إلى أن الخيمة البسيطة التي كان القذافي ينصبها في كل مكان تخفي ثروة يقدرها البعض بنحو 400 مليار دولار، جعلت منه أحد كبار أغنياء العالم

ثروة جمعها القذافي من عائدات النفط واستثمارات عائلية في جميع أنحاء العالم.

طريقة حكم القذافي وخصوصية نظامه جعلت من الصعب التفريق بين ثروته وأموال الدولة، وجعلت من المستحيل الوصول إلى الرقم الحقيقي لثروته المختلطة بثروة ليبيا.

المسؤول السابق في الدائرة القريبة من القذافي أحمد قذاف الدم يقدر هذه الثروة بنحو 600 مليار دولار، ولا يقدم دليلاً.

الدراسات الاقتصادية تقول إن حجم الأموال التي جنتها ليبيا من عائدات النفط منذ عام 1969 تقدر بنحو 3 تريليونات دولار، وإن نصف هذا المبلغ ذهب إلى خزينة القذافي وأبنائه، وإن ثروات ليبيا موزعة على الأقل في 35 دولة تنتشر في 4 قارات، وتشمل: عقارات فخمة ودور نشر في بريطانيا، وصولاً إلى منتجعات وفنادق بالشرق الأوسط وحتى حصص في نادي يوفنتوس الإيطالي لكرة القدم، وشركة فياتللسيارات، فضلاً عن البنك الملكي الاسكتلندي.

أموال طائلة يضع رجال القذافي أيديهم عليها، رجال شكَّلوا حجر الأساس في إدارة ثرواته المترامية.

أبرز رجالات الإمارات في إدارة ثروات ليبيا بعد سقوط القذافي

وقبل أن نتحدث عن النايض وقرقاب وبشير صالح ولنفهم ما فعله الرجال الثلاثة فقد قادنا مشهد مهم لهذه الهيمنة على أموال ليبيا وهو مشهد الانقسام السياسي الحاصل في 2014.

منذ بدايات الثورة الليبية ودولة الإمارات لا تكل عن محاولة السيطرة على ليبيا، وتبني نفوذاً واسعاً في هذه الدولة الغنية بالموارد.

كان التركيز بالأساس على محفظة ليبيا إفريقيا، المحفظة الضخمة التي تملك الكثير من الأصول في القارة السمراء، وبخاصة الشركات المتعلقة بالتكنولوجيا والاتصالات التي تديرها إحدى الشركات التابعة لمحفظة ليبيا إفريقيا، وهي شركة LAP Green Network، ورغم أن حجم خسائر هذه الشركات تخطى المليار دولار فإن المثير للتأمل كان في نقل تبعية هذه الشركة من ملكية محفظة ليبيا إفريقيا إلى الشركة القابضة للبريد وتكنولوجيا المعلومات، التي يرأسها منذ عام 2013 فيصل قرقاب.

على الرغم من أن الشركات التي أدارها قرقاب والنايض وصالح تدار من خلال شخصيات ليبية معروفة، فإنها كانت تدار من خلال شركات تشغيل في مالطا ودبي، وهو ما يعني وجود متابعة إماراتية لتحركات هذه الشركات.

دعمت الإمارات برلمان طبرق والجسد الموازي للمؤسسة الليبية للاستثمار من مالطا.

لم تستولِ على أموال المؤسسة الليبية للاستثمار.

ولكنها ساهمت في تشكيل شبكة نفوذ جديدة في ليبيا تتمثل في عارف النايض وفيصل قرقاب وحسن بوهادي وغيرهم، ليس فقط بالاعتراف الرسمي أو الدعم الرسمي، ولكن عبر تسهيل نقل الكثير من أصول المؤسسة تحت إدارة هذه المجموعة في الفترة الزمنية من 2014 إلى 2017، وتم نقل إدارة الكثير من الشركات التابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار إلى مكاتب تمثيل في دبي.

ووفرت المساحة الآمنة لحركة الأصول والأموال ومن خلال الشركات التي تأسست في الإمارات لإدارة بعض أصول المؤسسة بالمخالفة لقرارات الأمم المتحدة والتي ورد عليها الكثير من التحفظات في تقارير ديوان المحاسبة الليبي.

وهنا يأتي دور الانقسام

بعد الانقسام السياسي الممتد في ليبيا أصبح هناك كيانان سياسيان، أحدهما في طرابلس، والآخر في طبرق، انعكس ذلك بالتبعية على المؤسسة الليبية للاستثمار التي مثلها فريق في طرابلس بقيادة عبدالمجيد بريش، ثم بن يزه، ثم عاد عبدالمجيد بريش من جديد بعد فوزه في دعوى قضائية.

وترأس فريق طبرق حسن بوهادي، الذي اتخذ من مالطا مقراً مؤقتاً لإدارة المؤسسة، وكان يقيم في الإمارات العربية المتحدة.

استمرت هذه الحالة من 2014 حتى 2017، حين عادت المؤسسة لتتبع قيادة واحدة في طرابلس برئاسة علي محمد حسن بعد فوزه في دعاوى قضائية متعددة، آخرها في أبريل/نيسان 2020، بالمحكمة العليا في بريطانيا.

تم التحايل على قرارات التجميد لأصول المؤسسة وتحريك الأموال من حسابات بعض الشركات المملوكة بشكل غير مباشر للمؤسسة أو تأسيس شركات بأسماء شبيهة لها الحق في تمثيل الشركات الأصلية، ولكن الأهم استخدام الحسابات البنكية للمؤسسة أو المؤسسات المملوكة للمؤسسة مثل بنك ABC أو المؤسسة العربية المصرفية وبنك HSBC لوكسمبورغ، وهي المصارف التي تم رصد حركة مالية على حساباتها.

تشير الوثائق التي نشرها موقع Politico إلى المخاطبات بين بنك ABC بتفويض من المؤسسة الليبية للاستثمار لتحديد حسابات المؤسسة وقيمة فوائد الأصول والأموال المودعة في بنك HSBC لوكسمبورغ، وتشير الوثائق إلى أن هذه الفوائد تم تحويلها لحساب المؤسسة في بنك ABC، وتم تحريك هذه الأموال لحسابات شركات أخرى مملوكة للمؤسسة الليبية.

لكن السنوات الأربع من 2014 حتى 2017 كانت كافية لتحريك هذه الأصول والسيطرة على بعضها، بل وتحريك الكثير من الأموال عبر شبكة كانت أحد الألغاز في الملف الليبي.

وهنا تأتي أهمية رجال القذافي، وما ذللوه من عقبات أمام أبوظبي لمد نفوذها على الصحراء الليبية.

***

يتبع في الجزء الثاني

___________

مواد ذات علاقة