زياد الشنباشي

عمليات إجرامية لغسل الأموال وتمويل الإرهاب ارتكبت بطريقة ممنهجة طيلة السنوات الماضية، وذلك في ظل عدم الاستقرار السياسي والتغييب القانوني والهشاشة الرقابية، ويعود العامل الرئيسي في كل ذلك للدعم المقدم من أصحاب الياقات البيضاء الذين يمثلون المستفيد الأول من هذه التجاوزات.

فما نشهده اليوم من انتشار واسع لجريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب لم يعد خفيا على أحد، الأمر الذي ألقى بظلاله على الحالة الاقتصادية والسياسية والأمنية في ليبيا.

كما أظهر تقرير ديوان المحاسبة الليبي في الأيام الماضية مجموعة من المخالفات المالية تُشير في مجملها لوجود شبهة غسل للأموال وتمويل للإرهاب، الأمر الذي يُثير عدة تساؤلات متعلقة بالأثر الذي يمكن أن يُحققه تقرير ديوان المحاسبة في شأن الأشخاص المعنيين بنصوصه، و ما جدوى هذا التقرير، وهل تعد تلك التهم قد تقادمت بمرور زمن طويل على ارتكابها، وما الإجراءات الواجب اتخاذها كأثر قانوني لهذا التقرير؟.

إن جرائم غسل الأموال في الغالب تجد الدعم من طرف رجال السياسة لشرعنة عائدات جرائمهم.

بالتالي، تنفيذا لسياسات المكافحة الفعالة ضد جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب فقد تم اعتماد مبدأ متابعة للأشخاص المكشوفين سياسيا (personne politique exposée- PPE)، حيث تقوم هذه الفكرة على إخضاع الأشخاص السياسيين لرقابة مالية مشددة بغية معرفة مقدار ما يملكونه من أموال ومتابعة مشروعية مصدرها.

وعلى غرار نظيره الفرنسي فقد عرف القانون الليبي هؤلاء السياسيين باسم (الأشخاص ذوو المخاطر بحكم مناصبهم)، وهم الأشخاص الذين تُوكل إليهم مهام بارزة في الدولة كالمسؤولين والقضائيين والعسكريين وغيرهم، كما أفرد لهم نصوص قانونية خاصة من خلال قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب 1013 لسنة 2017، حيث يستوجب قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب اتخاذ كافة التدابير اللازمة لتحديد مصدر أموال الشخص السياسي وكافة أفراد أسرته، بالإضافة إلى الأشخاص الآخرين الذين تربطهم به علاقة وطيدة، وذلك لمتابعة تحركات تلك الأموال وأوجه صرفها سعيا نحو منعه من تبديدها عند توافر الشك في قانونيتها.

بالتالي، تهدف هذه المتابعة الاحترازية إلى الكشف عن موارد وممتلكات المسؤولين والسياسيين حتى وإن لم يتحقق الشك في عدم مشروعيتها، أما وقد تحققت شبهة وجود عملية غسل للأموال، وذلك بالاستناد على التقرير الصادر عن ديوان المحاسبة، ففي هذه الحالة وجب اتخاذ إجراءات عاجلة من قِبل وحدة المعلومات المالية التابعة للجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال، والنائب العام أو من ينوبه، تتمثل هذه الإجراءات في تجميد ممتلكات الأشخاص المذكورين بالتقرير على وجه السرعة، والتحري والتحقيق في بياناتهم المالية، كما يمكنهم الاستعانة بجهات دولية كمجموعة العمل المالي (FATF/ GAFI Group d’action financièr international)، وذلك للتوسع في عملية متابعة أموالهم وحساباتهم بالخارج.

أما فيما يتعلق بجرائم الفساد الأخرى (كالرشاوى والاحتيال وغيرها)، فالأمر هنا يتطلب قيام ديوان المحاسبة بتقديم الأدلة الداعمة للتهم المنسوبة عليهم، بخلاف جريمة غسل الأموال التي يعد توافر شبهة ارتكابها كافيا لذاته للقيام بتجميد الأموال والحجز عليها إلى حين التثبت من قانونية ممتلكاتهم.

أما فيما يتعلق بمسألة سقوط العقاب بمضي مدة طويلة على ارتكاب الجريمة، فلا يمكن القول بذلك في جريمة غسل الأموال وجميع جرائم الفساد الأخرى، حيث نصت المادة 26 من قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على أن جرائم الفساد لا تسقط بالتقادم، الأمر الذي يشير إلى أن كل من ورد اسمه بالتقرير وثبت ارتكابه لجرائم الفساد فستتم محاسبته مهما طالت المدة الزمنية الفاصلة بين ارتكابه للجريمة واكتشافها من طرف السلطات المختصة.

ختاما لما سبق ذكره، أوصي باتخاذ الإجراءات التالية:

  1. أوصي وحدة المعلومات المالية بالقيام بتجميد أموال الأشخاص الواردة أسماءهم في تقرير ديوان المحاسبة لمراجعة مدى مشروعية ممتلكاتهم، وذلك استنادا لما جاء به نص المادة 55 من قانون مكافحة غسل الأموال

  2. قيام النائب العام بالحجز على أموالهم إلى حين الانتهاء من البحث في مشروعيتها (استنادا على المادة 56 من ذات القانون)، وذلك تمهيدا للمصادرة في حال تم التثبت من صحة تلك الشبهات

  3. مراسلة الجهات الدولية الفاعلة في مجال مكافحة غسل الأموال للقيام بتجميد أموال كل من تدور حوله شبهات الفساد (استنادا لما جاءت به توصيات لجنة GAFI)

***

زياد الشنباشي ـ خبير قانوني

___________

مواد ذات علاقة