علي عبداللطيف اللافي

تطورت الأحداث في ليبيا خلال الأسبوعين الماضيين بشكل متسارع واستطاعت حكومة الوحدة الوطنية بقيادة المهندس “عبد الحميد دبيبة” بعد نيلها ثقة مجلس النواب ان تباشر عملها بأريحية كبيرة.

بل أن الحكومة قطعت بعض خطوات أولية وسط توافق ودعم سياسي واجتماعي كبير لها وللمجلس الرئاسي والذي اصبح ثلاثي التركيبة، فما هي التقدمات الحاصلة أخيرا في مسارات ملتقى الحوار السياسي الأربع، وأي نجاحات أولى يمكن التحدث عنها لحكومة “الدبيبة” واي آفاق لتطورات الوضع وماهي مواقف مختلف الأطراف الاقليمية والدولية مما يجري في بلد عمر المختار؟

التقدمات الحاصلة في مسارات ملتقى الحوار السياسي

1- المسار السياسي، والمتمثل أساسا في إعادة هيكلة السلطة التنفيذية (مجلس رئاسي ثلاثي التركيبة وحكومة منفصلة عنه بل وواسعة الصلاحيات)، وهو مسار قارب موضوعيا على نهايته ويمكن القول انه تم تتويجه بداية الأسبوع الماضي في طبرق بأداء وزراء “الدبيبة” للقسم امام البرلمان في طبرق بالذات (رسالة مبطنة للجنرال “خليفة حفتر” نتاج خصومات كتائب ومليشيات نجليه “خالد” و”صدام” مع قبيلة “العواقير” التي بدأت تنقلب عليه بعد أن كانت موالية له).

وعمليا بدأت النتائج على الأرض تظهر من خلال حالة استقرار وتفاؤل كبير في الشارع الليبي كما أن الفصل بين رئاسة الحكومة والرئاسي بدأت تؤتي أكلها في تسريع حل الملفات سياسيا واجتماعيا، ومعلوم أن السراج وفريقه الاستشاري قد تواروا عن الأنظار نتاج مخلفات الفساد المالي والتراخي في الأداء خلال السنتين الماضيتين إضافة الى مغادرته الى لندن واللحاق بعائلته مباشرة اثر التسليم….

2- المسار العسكري/الأمني، والذي تشرف عليه لجنة العشر (تسمية جديدة للجنة 5 زائد 5 أي 5 ضباط على كل من طرفي الصراع سابقا)، وقد عرف عملها تقدما كبيرا وسط الأسبوع الماضي حيث بحثت آليات وإجراءات لوجستية كثيرة على غرار فتح الطرق الرئيسية إضافة لبحث انسحاب حوالي 20 الف مقاتل اجنبي أغلبهم كان يقاتل تحت إمرة الجنرال المتقاعد “خليفة حفتر” (سوريين – سودانيينروس –تشاديينآخرين من جنسيات أخرى)

3- المسار الاقتصادي، وعمليا تضمنه برنامج الحكومة الجديدة وقد تم حل أغلب اشكالاته منذ أسابيع في جنيف ويبقى الاشكال في بعض تفصيلات وفي تسمية شاغلي المناصب السيادية اقتصاديا (ديوان المحاسبة – مؤسسة الاستثمار – مؤسسة النفط – الرقابة المالية والإدارية….)

4- المسار الدستوري، ويتمثل في اشكالية بناء على أي أسس دستورية ستُدار انتخابات 24 ديسمبر 2021 خاصة في ظل تمسك الأمريكيين بالموعد ورفضهم لتمديد الموعد بست أشهر فيما ستعمد أطراف إقليمية ودولية لتمطيط مرحلة الحكومة الجديدة حتى قراءة التوازنات الجديدة محليا وإقليميا…

النجاحات الأولى لحكومة الدبيبة

1- يمكن القول إن حكومة “الدبيبة” قد أوجدت لنفسها إطار النجاح الاولي بناء على أريحية في العمل والتحرك والمبادرة والقبول الشعبي والتوافق السياسي والاجتماعي وثانيا بناء على طبيعة تركيبتها ونيلها للثقة من مجلس النواب تحديدا وعدم مرورها للحل الاحتياطي والبديل (لجنة الحوار السياسي او للاعتماد من مجلس الامن الدولي بناء على أن ليبيا لا زالت تحت وفي إطار البند السابع) …

2- تحركات رئيس الحكومة “عبد الحميد دبيبة” اقليميا (زيارتيه المبكرتين لتركيا ومصر في فبراير الماضي)، سهلت عليه وفتحت له الطريق موسعا للعمل والانجاز ونيل مرحلة استقرار أولى رغم تواصل الإشكالات الاجتماعية والتجاذبات على الأرض وخاصة في الشرق الليبي، كما أن زياراته للمدن الكبرى هو أو “المنفي”، فتحت وأوجدت توافقا اجتماعيا واسعا وحيدت “حفتر” وبقية الفرقاء العسكريين والامنيين في المناطق الثلاث حيث وجدوا أنفسهم مرتقبين لإجراءات الحكومة عوض فرض اجندتهم عليها …

3- واقعية رئيس الحكومة والمجلس الرئاسي في تحديد الأولويات الثلاث سهل عليها العمل والتحرك بأريحية كبيرة ومن ثم التماهي مع آلام الليبيين وآمالهم ومشاغلهم اليومية، وتلك الالويات هي:

  • انجاز الاستحقاقات الانتخابية (المحددة ليوم 24 ديسمبر 2021) وفقا لأسس دستورية يتم التوافق الواسع حولها…

  • الخدمات الرئيسية وأساسا:”السيولة” – “الكهرباء” – “الخدمات الاجتماعية والاغاثية”

  • مواجهة فيروس كورونا وتطوير المؤسسات الصحية وتنظيم وحوكمة العلاج في الخارج

4- وعي“دبيبة” وفريقه الوزاري بالتحديات الكبرى التي قد تواجههم خلال المرحلة المقبلةسهل عليهم القدرة على التعاطي معها بعقلية التفاعل الأولي والواقعية في ارجاء بعضها الى ما بعد 24 ديسمبر 2021 على غرار احتواء المقاتلين والثوار في الأجهزة والهجرة غير الشرعية والقضاء على بقايا تنظيم “داعش” الإرهابي (الخلايا النائمة منذ 2017 في الصحراء الليبية)، وضرورة إقامة توازن بين المحورين الإقليميين وما بين الأطراف الدولية…

5- تحويل ليبيا الى ورشة كبرى لإعادة الاعمار عبر التعاطي مع مشاريع معطلة للصينيين والروس والكوريين والأتراك والايطاليين والفرنسيين والالمان، وإدارة فرص الاستثمار بما يوفر توازن دولي بين الروس والأمريكيين والصينيين…

6- الاستفادة من توجيه رسائل أمريكية وغربية واضحة لبعض أطراف إقليمية بعينها بعدم عرقلة عمل الحكومة خاصة وان تلك الرسائل تضمنت أن كل خرق أو تجاوز تجاه ليبيا سيقابلبمزيد من كشف الملفات السابقة وعقوبات قاسية تنفيذيا…

7- هناك استفادة الى حد الآن من أن الحكومة يغلب عليها البعد التوافقي رغم غلبة أنصار “سيف” على تركيبتها عدديا من حيث البعد الإداري (يعني أنهم عملوا في فترة القذافي في أجهزة الدولة دون ان يتورطوا في جرائم النظام وسياساته) مع وجود أسماء من الواضح أنها أقرب لتيار فبراير (البعض روج ويروج أنها أقرب للدكتور على الصلابي وقول البعض أيضا أن حاكم الظل الفعلي هو رجل الاعمال “علي دبيبة”.

مواقف الأطراف الدولية والاقليمية

1- الأمريكيون موجودون بكل قوة سندا للحكومة مع انهم لايزالون يرفعون الأولويات الثلاث لهم أو ما يسمى الخطوط الحمر الأمريكية في ليبيا:

  • محاربة الإرهاب (تم الأسبوع الماضي قصف إرهابيين في اوباري

  • تدفق النفط (ولن يتم الاسماح لأي كان بالمس من المنشآت النفطية)

  • رفض وجود عسكري روسي مباشر

مع انهم – أي الأمريكيونيؤمنون بدور تركي رئيسي وآخر مصري وثالث مغربي (الأول لا يصرح به امام الشاشات والثاني مربوط بمدى تقدم نظام السيسي في ملف حقوق الانسان وتسريح الحياة السياسية، أما المغرب فلأداء دبلوماسيتها ونشاطها الكثيف في الملف منذ 2015 في الصخيرات وصولا لجلسات بوزنيقة وغيرها من الخطوات التي سهلت على الليبيين التوافق والحوار) …

2- الروس قبلوا مؤقتا بدور ثانوي، وهو أمر انبنى أساسا على تشريك مجموعة “سيف” في لجنة الحوار ثم في الحكومة، وأيضا على تفعيل اتفاقيات 2008 مع امضاء السراج سابقا على مشاريع في حوضي “نالوت” و”غدامس”واستئناف مرتقب لمشروع السكة الحديد (بين سرت وبنغازي) …

3- الفرنسيون والجزائريون، هناك تقييم في باريس والجزائر ان البلدين خسرا الكثير في ليبيا، وهو تقييم دولي وداخلي وترتب عليه تغيير الطواقم الإدارية والدبلوماسية التي لها علاقة بالملف في العاصمتين إضافة لتغيير المباشرين للملف، مع أن البلدين لهما قدرة كبيرة على التكيف مع التطورات الجديدة ومن ثم العودة بقوة للتأثير وخاصة الجزائر والتي عادت ماكينة دبلوماسيتها للفاعلية والنجاعة انطلاقا من مالي، أما الفرنسيين فهم بصدد التشاور مع شركاءهم ومن ثم بلورة استراتيجيا جديدة …

4- بقية الدول هي وظيفية بغض النظر للنسب او للجهة المشغلة مباشرة أو في إطار توافقات توزيع الملفات الاقليمية (الايطاليينالالمان – السويسريين – الهولنديينالإسبان)، اضافة للحضور الإسرائيلي الناعم بأشكال مختلفة ومتقدمة من الغرب للشرق الليبي…

5- ستكون تونس باعتبارها الأقرب جغرافيا وتاريخيا، منصة اقتصادية بداية من الشهر القادم بل وستشهد حركية اقتصادية كبيرة بداية من يونيو المقبل، ورغم أن الازمة السياسية الحالية في تونس معيقة ومعطلة إلا أن حركية السفير والقنصل العام في طرابلس مهمتين في إيجاد موطأ قدم لليد العاملة وللشركات التونسية للاستثمار كما لا يمكن تغييب مجهودات وخطوات الفاعلين الإعلاميين والمختصين في الشأن الليبي وكل ذلك سيكون دافعا ومحركا سيدفع حكومة “الدبيبة” لإعطاء الأولوية لتونس والتونسيين من حيث الاستفادة اقتصاديا ، وللأمانة فإن بعض القياديين والناشطين السياسيين في بعض أحزاب على غرار حركة النهضة، يُعرف عنهم الالمام والتأثير في الملف الليبي أكثر من دبلوماسيين غربيين، ورغم ذلك فانه يمكن القول أن هناك قصور تونسي واضح في استثمار انتصار النموذج التونسي على نظيره المصري سياسيا في ليبيا.

بل أن جميع المراقبين سجل قدرة المصريين على اغتنام الفرص اقتصاديا وفي إرساء العلاقة بالحكومة الجديدة رغم ايمان “دبيبة” نفسه بأولوية التونسيين ونُقل عن مصادر مقربة منه خلال الأيام الماضية، عزمه اتخاذ خطوات تجاه تونس خلال زيارة مرتقبه له مستقبلا وخاصة اثر مبادرة الرئيس سعيد بإجراء أول زيارة لرئيس دولة لليبيا وقبل كل الرؤساء ومباشرة بعد يوم واحد من عملية التسليم بين “المنفي” و”السراج”.

إضافة الى ما يحظى به رئيس البرلمان التونسي الأستاذ راشد الغنوشي من مكان لدى أحزاب واطراف ليبية عديدة بل ومن مختلف المشارب الفكرية والسياسية، وهو ما سيسهل على الخبرات التونسية الاستفادة من امضاء اتفاقيات وعقود مهمة وكبيرة…

 أي أفق لتطورات الوضع خلال الأشهر القادمة

1- حكومة”دبيبة” يمكن الجزم أنها ستكون قوية الحضور السياسي والاجتماعي راهنا وخاصة من حيث قدرتها على الفعل والمبادرة، ومعلوم أن فكرتها ودورها مبنيان أساساعلى فكرة حكومة جمعة في تونس سنة 2014 مع فارق التوجه والخصوصيات لدى الشخصيتين مع انهما رجلي اعمال وليبراليان رغم أن “دبيبة” انغلوساكسوني بينما “جمعة” فرنكفوني النزعة (رغم تعدد علاقاته الدولية) …

2- رغم أن البعض أصبح يجزم أن الجنرال المتقاعد “خليفة حفتر” أصبح خارج الحسابات، إلا أنه يمكن القول أن أمامه خمس خيارات (أي 5 سيناريوهات)، وهي :

  • الهروب الفجائي وترك الأمور في الشرق لمن سيخلفه من بعض عسكريين (“الناظوري” – “المنفور” – “عبد السلام الحاسي” – بقية عسكريين آخرين…) وهو سيناريو تقارب نسبته الـ 5 بالمائة…

  • التحضير لان يكون أحد حكام الظل عبر عمليات احتواء لأطراف في المنطقتين الشرقية والغربية… (10 بالمائة)

  • التحضير للانقلاب الجزئي (في الشرق) أو الكلي بعد مرحلة معينة قبل او بعد الانتخابات (25 بالمائة)

  • الخروج بمرحلية وآليات ناعمة عبر تسمية قيادي مقرب منه والسماح لابنائه والمقربين منه الدخول والخروج الى ليبيا… (50 بالمائة)

  • الاحتواء لحكومة “دبيبة” والحصول على منصب بروتوكولي… (10 بالمائة)

3- الإسلاميون في ليبيا لا يتجاوز حجمهم الانتخابي الـ20 بالمائة ولن يقل عمليا عن الـ12 بالمائة ولكنه يمكن تطويره الى 33 بالمائة اذا بنوا ائتلافا مدنيا مع انصار المفتي (وهم أقرب للسلفية الحركية او السرورية) وبعض ليبراليين من تيار فبراير واحتووا الظاهرة الصوفية التي خرجت من عباءة أطراف إقليمية بعينها بعد انقلاب المنظمة الصوفية على “عارف النايض(القنصل الأسبق في أبو ظبي)، والذي فشل في تطويعها وتوظيفها لصالح أجنداته السياسية وأجندات حلفائه الاقليميين…

4- التيار الليبرالي في حالة سيولة بعد رحيل مؤسس حزب “تحالف القوى الوطنية” أي “محمود جبريل” (توفي تقريبا في مايو 2020)، وقد تراس “توفيق الشهيبي” أخيرا الحزب خلفا لـ”خالدالمريمي” (المقرب من عقيلة صالح)، وقد يعرف الحزب تطورات من حيث إعادة تشكيله بدعم من الأردنيين والمصريين ودعم فرنسي وغربي عموما، كما أن شخصيات مثل “احمد معتيق” و”فتحي بشاغا” قد يؤسسون في وقت لاحق حزبين ليبراليين كما أن حزب الجبهة الوطنية قادر أن يكون حزبا ليبراليا قويا نتاج إرثه التاريخي وباعتبار انه اكثر حزب ليبرالي متماسك من بين 13 حزبا ليبراليا صغيرا من اصل حوالي 83 حزبا في ليبيا تم تقنينها جميعا ما بعد 2011 وحوالي 7 أحزاب شكلت سنة 2018 …

***

علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

__________

المغاربي للدراسات والتحاليل

مواد ذات علاقة