عبد المجيد بيوك

مشروع الدستور الذي تم اعتماده من الهيئة التأسيسة لصياغة مشروع الدستور المنتخبة، يحمل في طياته نصوصا لا يمكن تفسيرها إلى كونها مادة للعزل السياسي لمزدوجي الجنسية.

هذا المشروع سيطرح للإستفتاء على الشعب الليبي خلال هذه السنة كما ورد في خارطة الطريق وهذا المشروع جاهز بعد أن تم التصويت عليه بأغلبية (43) من (44) صوت، بالجلسة العامة للهيئة رقم (74) المنعقدة بمقر الهيئة التأسيسية بمدينة البيضاء يوم السبت 6 ذي القعدة 1438هـ الموافق 29 يوليو 2017م.

من الواضح أن المشروع يواجه معارضة ورفض من أطراف عديدة، ولكن إن تم الاستفتاء عليه بالإيجاب، فإن الليبيين من مزدوجي الجنسية وأيضا أولادهم وبناتهم من الأجيال القادمة سيتم عزلهم من المشاركة السياسية وربما ستنزع جنسياتهم وتلغى مواطنتهم في ليبيا التي طالما ناضل كثير منهم لإنقاذها من طغيان الدكتاتور وحلموا بالمشاركة في إعادة بنائها وإقامة البديل الوطني الديمقراطي.

هذه الوثيقة إن أصبحت دستورا لليبيا ستشرّع لعزل مزدوجي الجنسية سياسيا وربما أجتثاهم من أرضهم ليبيا، بنص مادة حاقدة مكونة من بضع كلمات خطها دكتاتور مستبد في قانون معيب بكل المعايير القانونية والسياسية والاجتماعية والأمنية، والسبب الحقيقي وراء القانون المعيب هو أن الدكتاتور شعر بقرب نهايته في 2010 فخط تلك الكلمات مستهدفا فئة الليبيين المعارضين في الخارج.

إن كنت من مزدوجي الجنسية لأي سبب، ولم تستجد اللجنة الشعبية للأمن العام قبل 2011 بإلتفضل عليك بإعطائك الإذن لكي تكتسب جنسيتك الثانية، وكنت ممن اختاروا الإقامة في الخارج لأي سبب بعد 2011، وممن يؤمنون بأن دولة ليبيا الجديدة لن تكون ديمقراطية وعادلة أن لم تضمن لليبيين المقيمين في الخارج لأي سبب، نفس الحقوق والواجبات مثل بقية المواطنين الليبيين المستقرين فيها ..

وإن كنت ممن ولدوا خارج ليبيا (أمريكا مثلا) لأب ليبي فجنسيتك الأصلية هي الجنسية الأمريكية، ثم إن اكتسبت الجنسية الليبية عن طريق والدك الليبي، فأنت أيضا ستفقد جنسيتك الأصلية الأمريكية، إذا أردت أن تبقي على جنسيتك الليبية المكتسبة، ولم تتحصل على الموافقة الأمنية أما إذا كان والدك غير ليبي، وأمك ليبية، فأنت لست من مزدوجي الجنسية، بل أنت من عديمي الجنسية الليبية لأنها تورث عبر الأب وليس الأم. ولن يكون لك أي إمكانية لاكتسابها عبر جنسية أمك سواء أكانت مزدوجة الجنسية أو ليبية الجنسية، وهذا الأمر أيضا لا يليق بليبيا الديمقراطية العادلة.

باختصار، إن كنت ممن تنطبق عليه حالة من حالات إزدواجية الجنسية فمشروع الدستور يقول لك الآتي:

ـ ليس لك حق الترشح لرئاسة الجمهورية بالرغم من أنك إن ولدت في أمريكا مثلا فيمكنك الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية .

ـ ليس لك حق الترشح لرئاسة الوزراء أو تلقد أي من الوزارات أو أي من الوظائف السيادية رغم أنه يمكنك إن تصبح عضوا بارزا في الكونغرس الأمريكي، أو مديرا لأهم الإدارات في البيت الأبيض

ـ ليس لك حق عضوية المحكمة ولو كنت من عباقرة القانون في العالم

ـ ليس لك حق التقدم للكثير من الوظائف العامة على مستوى الوكلاء ومدراء الإدارات ورؤساء الأقسام والهيئات والشركات العامة وغيرها من الوظائف.

ـ بل البعض يتوقع أنه لن يكون لك حق تأسيس حزب سياسي أو أن تصبح من قيادات حزب قائم تنافس من خلاله الأحزاب الأخرى على مقاعد المجالس التشريعية (مجلس النواب والشيوخ) كما ورد في مشروع الدستور، وهذا أسوأ أنواع العزل السياسي .

***

أصحاب أجندة الإقصاء في هيئة صياغة الدستور وفي غيرها من المؤسسات السياسية يقدمون المسألة على أن حمل جنسية أخرى غير الليبية هي خيانة وطنية، وأن ازدواجية الجنسية تتناقض مع الوطنية، لإن ـ من وجهة نظرهم ـ مزدوج الجنسية مشكوك في ولائه للوطن بغض النظر عن حبه لليبيا ورغبته في خدمة المجتمع الليبي وتوظيف امكانياته الفكرية والإدارية والقيادية والعلمية لتطوير ليبيا والانتقال بها إلى مصاف الدول المتقدمة والمتطورة، ومن يتصور أن ليبيا ليست في أمس الحاجة إلى أمثاله في المستقبل فهو واهم.

هؤلاء الإقصائيون لا يدركون أن الترشح للمناصب السيادية والتشريعية والتنفيذية والوظائف العامة في الدول الديمقراطية لا يعتمد على ورقة الجنسية ولا على لون جواز السفر، بل يعتمد بالدرجة الأولى على مشروع المترشح وبرنامجه السياسي وما سيقدمه لخدمة وتطوير المؤسسة التي يترشح لها. فالدول المتقدمة ستفعل كل في وسعها لاستجلاب من يحتاجونهم من العلماء والبارزين في تخصصاتهم ويمكنوهم من التجنس للإستفادة من قدراتهم.

الإقصائيون لا يدركون أن ازدواجية الجنسية موجودة في معظم الدول الديمقراطية، ولا تمثل عائقا في تحمل المسؤوليات السيادية والتشريعية والتنفيذية والقضائية. إنهم لا يفهمون أن أبناء وأحفاد ليبيا المقيمين في بلاد الغرب يساهمون حاليا بشكل متميز في المؤسسات العامة والشركات الخاصة والجامعات ومراكز الأبحاث والمستشفيات وإدارات المشاريع وفي غيرها من الوظائف العامة والخاصة.

إن ما يحرك هؤلاء الإقصائيون هو الحقد والعنصرية والشوفينية المقيتة، ولا تهمهم مصلحة ليبيا العليا، ولا أتصور أنهم سيحققون (لوحدهم) ما تصبو إليه ليبيا وشعبها من تقدم وتطور للمجتمع والدولة ومن رفاهية وازدهار للمواطن.

لننظر إلى التجربة الدستورية التونسية

لنرى كيف تعاملت النخبة السياسية التونسية مع مسألة ازدواجية الجنسية، ولنرى ما نص عليه الدستور التونسي في باب الحقوق والحريات.

فالفصل (24) نص على أن لكل مواطن الحرية في اختيار مقر إقامته وفي التنقل داخل الوطن وله الحق في مغادرتهوهذا مبدأ دستوري في غاية الأهمية حيث أن المواطن ليس ملكا للحكومة بحيث تتحكم في مكان إقامته وتمنعه من الإقامة في أي مكان يريده ولو كان خارج البلاد.

والفصل (25) نص بأنه يحجر سحب الجنسية من أو مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطنفالمواطن التونسي من حقه الدخول والخروج من تونس كيفما يشاء ومن حقه العمل أينما أراد وله الحق في الإقامة والتجنس في الخارج.

أما حقوق الإنتخاب والإقتراع والترشح للتونسيين في الخارج هي مضمونة في الفصل (34) من الدستور وطبق ما يضبطه القانون. وفي الفصل (55) هناك نص يقول يضمن القانون الإنتخابي حق الإنتخاب والتمثيلية للتونسيين بالخارج في مجلس نواب الشعبأي أن الدستور التونسي يضمن للمواطنين التونسيين مزدوجي الجنسية والمقيمين في الخارج حق التمثيل في مجلس نواب الشعب، أي أن يكون لهم ممثلين عنهم يدافعون عن حقوقهم في مجلس النواب .

ولعل أهم نص في الدستور التونسي هو في الفصل (74) الذي تناول مسألة إزدواج الجنسية للمترشحين لأعلى منصب وهو رئاسة الجمهورية، فالفصل ينص على أن الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة، دينه الإسلاموهنا حصر رئاسة الجمهورية للتونسيين المسلمين المولودين في تونس، واشترط على مزدوجي الجنسية منهم الشرط التالي إذا كان حاملا لجنسية غير الجنسية التونسية فإنه يقدّم ضمن ملف ترشحه تعهدا بالتخلي عن الجنسية الأخرى عند التصريح بانتخابه رئيسا للجمهورية“. هذا ما ورد من نصوص في الدستور التونسي بخصوص الحقوق والحريات والمشاركة السياسية للمواطنين بما فيهم مزدوجي الجنسية المقيمين خارج البلاد.

أما مشروع الدستور الليبي فإليكم مجموعة النصوص التي حاصرت مزدوجي الجنسية من كل الزوايا وحرصت على عزلهم سياسيا وحقوقيا واعتمدت في ذلك على قانون الدكتاتور المقبور رقم 24 لسنة 2010.

المادة (10) الجنسية

تنظم أحكام الجنسية الليبية وكيفية اكتسابها وسحبها بقانون، يراعى فيه اعتبارات المصلحة العامة، و الأمن الوطني، و المحافظة على التركيبة السكانية و سهولة الاندماج في المجتمع الليبي. وهذا نص ملغّم من حيث ربط الجنسية الليبية بالإعتبارات المذكورة، وهي مصطلحات عامة وفضفاضة يمكن تفسيرها من قبل السلطة الحاكمة أو أي اطراف أخرى لصالحهم من إجل إقصاء المنافسين لهم. فما المقصود حقيقة بـ الأمن الوطني، ومن يقرر إن كان مواطن ما لا يستحق الجنسية الليبية وينبغي أن تسحب منه لسبب أمنيوالذي عادة من يكون من أسرار الأجهزة الأمنية. أن هذا المصطلح في غاية الخطورة لأن تجربة عزل رئيس هيئة صياغة الدستور تؤكد على أنه تم التخلص منه بتوظيف مادة أمنيةفي قانون أمني” .

الشعب الليبي وخصوصا المعارضين السابقين وكثير منهم من مزدوجي الجنسية لم ينسوا شروط الموافقة الأمنيةو اللجان الثوريةالتي كانت تستعمل لمحاصرة أصحاب الرأي المخالف للمستبد، والذين قضوا السنين الطوال في السجون والزنازين بدون أي جرم إلا أنه لم يكونوا مقبولين لإعتبارات أمنية. أما اعتبارات الإندماجفي المجتمع الليبي، والمحافظة على التركيبة السكانية، فهي لا ترقي قانونيا أن تكون في دستور دولة حديثة.

مادة (39) حق التصويت والترشح

لكل مواطن حق إبداء الرأي في الاستفتاءات، والتصويت، والترشح في انتخابات حرة نزيهة شفافة، وعادلة يتساوى فيها المواطنون كافة وفق القانون. ويحضر حرمان المواطنين من ذوي الأهلية منها، إلا بحكم قضائي”.

المعنى هنا أن ذوي الأهلية لا ينبغي حرمانهم ولكن الذين ليسو من ذوي الأهلية فيمكن حرمانهم من كل تلك الحقوق التي نصت عليها المادة، والسؤال ما المقصود بـ ذوي الأهلية؟ ومن هم فاقدي للأهلية هل هذا شرط يمكن وضعه في الدستور كشرط للحصول على كل تلك الحقوق، فـ عبارة ذوي الأهليةهو نص حمّال أوجه ويمكن بسهولة لأصحاب أجندة الإنتقام أو الإقصاء أو التهميش استخراج عدة تفسيرات يمكن توظيفها لعزل منافسيهم غير المرغوب في وجودهم في المشهد السياسي كمزدوجي الجنسية مثلا.

المادة (45) حقوق الليبيين في الخارج

النص يقول: “تتخذ الدولة التدابير اللازمة لحماية الليبيين، ورعايتهم في الخارج، وضمان ارتباطهم بوطنهم، ومشاركتهم في العملية الانتخابية، ومساهمتهم في التنمية، ومتابعة انتهاك حقوقهم، ومد ولاية القضاء الليبي بشأنهم”. (هذه المادة جيدة ولكن هل وصف الليبيين في الخارج يشمل مزدوجي الجنسية أم أن الأمر يتعلق بأعضاء مجلس النواب وعائلاتهم (وأولادهم الذين يدرسون في مدارس خاصة والدبلوماسيين خارج ليبيا) وغيرهم من الطلبة والسواح .

المادتان (69) و (76) بشأن عضوية مجلسي النواب والشيوخ

يشترط في المترشح لعضوية مجلس النواب أن يكون ليبيا مسلماً ، وألا يحمل أي جنسية أخرى” … ويشترط في عضوية مجلس الشيوخ ما يشترط في عضوية مجلس النواب

المادة (99) رئاسة الجمهورية

يشترط في المترشح لرئاسة الجمهورية الآتي: “أن يكون ليبيا مسلما لوالدين ليبيين مسلمين، و ألا يكون قد سبق له الحصول على جنسية أخرى، ما لم يكن قد نزل عنها قانوناً قبل سنة من تاريخ فتح باب الترشح، وألا يكون زوجا لأجنبي أو أجنبية”، بالإضافة لشروط أخرى.

المادة (113) شروط تعيين أعضاء الحكومة

يشترط في من يعين رئيسا للوزراء، أو وزيراأن يكون ليبيا مسلما، وألا يحمل أي جنسية أخرى ..“” بالإضافة لشروط أخرى.

المادة (138) عضوية المحكمة

يشترط في عضو المحكمة أن يكون ليبيا لا يحمل أي جنسية أخرى، وألا يكون زوجه أجنبيا …” بالإضافة لشروط أخرى.

المادة (192) الوظائف السيادية

يحضر على مزدوجي الجنسية، ومكتسبيها تولي الوظائف السيادية”.

وأخيرا، هناك المادة (186) بخصوص الجنسية وهي مخصصة لما يعرف بـ الجنسية العربيةالتي أعطاها الدكتاتور لأسباب سياسية لمواطنين غير ليبيين لتجنيدهم في كتائبه الأمنية ولجانه الثورية، وفي مؤسساته الأخرى. ولكن أول فقرة فيها تنص على توقف إجراءات اكتساب الجنسية مدة عشر سنوات إعتبارا من تاريخ نفاذ الدستوربمعنى أن أي من أبناء وبنات مزدوجي الجنسية إن أراد اكتساب الجنسية الليبية بشكل قانوني، عليه أن ينتظر عشر سنوات بعد اعتماد الدستور.

بقية الفقرات في هذه المادة لا تتعلق بمزدوجي الجنسية ولذلك لن نناقشها في هذا المقام.

ولنا عودة للموضوع

_______________

مواد ذات علاقة