مطهر الصفاري

أصبحت الشركات الأمنية الخاصة أحد الفواعل الدولية غير الرسمية، حيث ازداد تأثيرها في العلاقات الدولية نتيجة الأدوار التي تؤديها في مناطق الصراعات، وذلك بسبب سهولة التعاقد معها، بعيداً عن القيود القانونية المحلية والتبعات الدولية لإرسال الجيوش النظامية لدولة ما.

مقدمة

لم يعد استخدام الشركات الأمنية الخاصة حكرا على الدول الكبرى، فقد انتقلت هذه الميزة الاستغلالية التوظيفية للشركات الأمنية الخاصة إلى بعض الدول الإقليمية حديثة الفاعلية في المشهد الإقليمي (الأمارات أنموذجا)، مسنودة بفائض مالي ورغبة بتوسعة نفوذها، فباعتمادها على تلك الشركات الأمنية والمرتزقة، تحاول تعويض عجزها البشري وانعكاسه على محدودية قواتها العسكرية والأمنية، بعد أن كانت تعتمد على التجنيد المباشر في جيشها من جنسيات أخرى، وهي حالة مستمرة لكنها تقلصت.

فقد باتت تعتمد تلك الدول على الشركات وتوظيف المرتزقة في مناطق تدخلها، موكلة لها تنفيذ بعض المهام التي تنتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان، المتمثلة في اغتيال شخصيات فاعلة في مجتمعاتها المحلية، ترى دولة الإمارات في تلك الشخصيات والكيانات السياسية التي تنتمي لها تحديا يعرقل تنفيذ سياساتها ومصالحها المفترضة، حتى ولو لم تكن شرعية.

وتعد الإمارات الدولة الأولى في المنطقة العربية في التعامل مع الشركات الدولية للتجنيد خارج نطاق المؤسسات الدولية، فقد شكلت أول مجموعة من المرتزقة في 2011 بموجب تعاقد بلغت قيمته الإجمالية 529 مليون دولار أمركي، حيث جلبت 800 من الكولومبيين بشكل سري، وإنشأت لهم معسكرا على درجة عالية من السرية في صحراء مدينة زايد خارج أبو ظبي.

وقد استقدمت الإمارات محاربين قدامى من القوات الجوية الخاصة البريطانية، والفيلق الفرنسي الخارجي، لتنفيذ دورات تدريبية لهؤلاء المرتزقة، واجتذبت الإمارات من أجل ذلك بعض المدربين من ذوي الرتب الرفيعة الذين شاركوا في الحرب في افغانستان والعراق، بمتوسط رواتب يفوق 200 ألف دولار سنويا.

أكدت كل من نيويورك تايمز والإيكونوميست، في نوفمبر 2015، نشر الإمارات لقوة مرتزقة في اليمن، وقد تشكلت تلك القوة من 450 مقاتلا، معظمهم من الكولومبيين، إلى جانب بعض المرتزقة من دول أخرى، منها بنما وتشيلي والسلفادور، حيث وظف حوالي 100 سلفادوري كمرتزقة باليمن عن طريق الشركة الأمريكية العملاقة نورثروب جرومان، كمقاول متعاقد من الباطن.

كما تؤكد الكاتبة لورا كارلسن ـ بحسب مصدر بوزارة دفاع السلفادور ـ توظيف مرتزقة مكسيكيين في اليمن، أغلبهم تقرير نيويورك تايمز.

وقد نشر موقع (بزفيد نيوز) الأمريكي تحقيقا استقصائيا عن تعاقد دولة الإمارات مع مرتزقة أمريكيين لتشكيل خلية لإدارة عمليات اغتيال في اليمن ضد كوادر حزب التجمع اليمني للإصلاح، وخاصة في مدينة عدن (جنوب اليمن) والعاصمة المؤقتة للبلاد.

واستند الصحفي الاستقصائي أرام راستون، منفذ التحقيق، إلى إجراء مقابلة مع قائد فريق المرتزقة، ونشر فيديو مصورا بطائرة لمحاولة اغتيال فاشلة كانت تستهدف رئيس حزب الإصلاح في عدن، إنصاف مايو، في 29 ديسمبر 2015، وهي إحدى العمليات التي نفذها المرتزقة الذين يعملون لحساب شركة أمريكية استأجرتها الإمارات.

مجموعة فاغنر

عرفت الشركات الخاصة، بنوعيها المدني والعسكري، في النظم الرأسمالية، وتعد ظاهرة حديثة للنظم ذات الخلفيات الشيوعية والاشتراكية، ومع إدراك التغيرات الكبيرة التي طرأت على تلك النظم من حيث النظرية والممارسة وتطبيقات الرأسمالية في المجال الاقتصادي، إلا أن ظاهرة الشركات العسكرية الخاص ـ في تلك النظم المعروفة بسيطرة المؤسسات الأمنية للدولة على تكوين الشركات الأمنية الخاصة ـ يكاد يكون هناك استحالة أو صعوبة في تأسيسها وممارستها دول أن يكون للحكومات علاقة مباشرة معها، خاصة في أدوارها خارج حدودها، لذلك يثار كثير من الشكوك حول غياب العلاقة بينها وبين الحكومات الشمولية (نموذج روسيا)، خصوصا إذا ما استحضرنا الإمكانيات التي تستخدمها هذه الشركات، وفي طليعتها مجموعة فاغنر الروسية موضوع الدراسة.

وقد انتظم بسرعة في روسيا ما بعد الإتحاد السوفييتي سوق الأمن الخاص الذي يدور حول انشطة الحراس الشخصيين والحراسة. أما الشركات العسكرية الخاصة التي تقدم خدمات الحماية في المناطق الحساسة، وإزالة الألغام والتكوين والتدريب، فقد ظهرت فيما بعد مع نهاية عام 2000، وقد تزامن تطور الشركات العسكرية الخاصة في روسيا مع اهتمام متزايد من طرف المجتمع الإستراتيجي الروسي بهذه الظاهرة.

سجلت الشركات العسكرية الروسية ـ وهي تقارب الـ 20 كشركات تجارية بسيطة، لكونها لا تتمتع بأي وضع شرعي، على الرغم من أن إمكانية توفير إطار قانوني لها موضوع نقاش منتظم في روسيا، وقد استعملت هذه الشركات العسكرية خصوصا في تأمين حركة السفن التجارية في خليج عدن، وفي عمليات إزالة الألغام في البلقان وليبيا، ووظفتها منظمة الأمم المتحدة في تأمين قوافل اللاجئين في سوريا.

أما قانونا فيحظر نشاط المرتزقة في روسيا، كما تنص عليه المادة 359 من قانون العقوبات الروسي.

التأسيس والتوظيف

تتضارب المعلومات حول تاريخ تأسيس مجموعة فاغنر وكذلك تبعيتها، فلا يعرف على وجه التحديد متى تأسست، فيرجع بعضهم ظهورها الأول إلى سنة 2013 في سوريا، عندما شارك الفيلق السلافي، وهو فرع مسجل في هونغ كونغ لمجموعة موران للأمن ـ وهي شركة روسية عسكرية خاصة ـ للمرة الأولى في عمليات عسكرية في إطار النزاع السوري. إذ أرسل ما يقارب 270 من أفراد الفيلق السلافي، المجندين أصلا لمراقبة حقوق النفط لحساب النظام السوري في منطقة دير الزور، في شهر أكتوبر 2013، لدعم مجموعات موالية للحكومة في مدينة السخنة، بريف حمص، كانت تتعرض لهجوم الثوار.

ويعود الظهور الأول لمجموعة فاغنر ـ وفق الرأي الثاني ـ إلى عام 2914 في أوكرانيا، ثم أدى انتشار القوات الروسية عام 2015 في سوريا، والإفتراض أن أعدادا ضخمة من المدنيين الروس يشاركون على الجبهات الروسية طيلة مدة الصراع السوري، إلى التأسيس لهالة أسطورية تحيط بمجموعة فاغنر.

وتعود ملكية الشركة الأمنية الروسية الأشهر إلى رجل الأعمال يفغيني بريغوجين الملقب بـ طباخ بوتينوالمقرب منه، نظرا لأنه يدير شركة كونكوردالتي تنظم حفلات الاستقبال بالكرملين، لكنها تخضع لعقوبات أمريكية منذ نهاية 2016.

من الصعب تحديد من هم أعضاء مجموعة فاغنر وعددهم الإجمالي وقدراتهم إذ تشير التقارير الصحفية إلى أن معظم مقاتليها البالغ عددهم بين 3600 و5000 مقاتل مواطنون روس (معظمهم من أصل روسي من القوقاز)، لكن المجموعة تضم أيضا أوكرانيين وبعض مواطني دول أخرى، وتساعد الشبكات غير الرسمية وعن طريق الإنترنت للمحاربين القدامى.

___________

المصدر: مجموعة فاغنر وروسيا متلازمة الإنكار والتوظيف

مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات

مواد ذات علاقة