رشيد خشانة

تعهد الدبيبة بإخراج المرتزقة من خلال الاتصال مع الدول التي أرسلتهم إلا أن استمرار هذا الوضع يؤثر تأثيرا مباشرا في أمن دول الجوار.

فيما منحت حكومة عبد الحميد الدبيبة الأولوية لفرض الأمن وإعادة الاستقرار إلى المناطق التي عانت من المعارك وسيطرة الميليشيات، قدمت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 تقريرها كاملًا، تمهيدًا لفتح الطريق الساحلي بين شرق ليبيا وغربها، وهي خطوة رمزية وعملية في اتجاه محو آثار الحرب الأهلية المدمرة، التي استمرت سبع سنوات.

وأكد هذا التقدم عضو اللجنة الفرعية باللجنة العسكرية المشتركة العميد محمد الترجمان، ما يعكس مناخا جديدا في العلاقات بين العسكريين في الجانبين. ولا ينبغي فصل هذه الأجواء عن التقارب المصري التركي، الذي لا يمكن أن تكون انعكاساته إلا إيجابية في حلحلة الأزمة الليبية.

سحب المرتزقة

تتزامن هذه الجهود مع بداية الاستجابة لدعوة الأمم المتحدة في 25 اذار/مارس، المقاتلين والمرتزقة الأجانب لمغادرة البلاد على الفور. وفي سياق هذا التقدم شدد وزير الداخلية القوي في حكومة السراج فتحي باشاغا على ضرورة قبول الدول الأجنبية بالخروج من القواعد العسكرية والخضوع لقرار مجلس الأمن، الذي يرمي إلى نشر مراقبين دوليين لمراقبة وقف إطلاق النار.

من هنا تعكف حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي على تجاوز العقبات، من أجل توحيد المؤسسات والمناصب السيادية وسحب المرتزقة والقوات الأجنبية وتأمين الحدود ونشر السيادة على كامل التراب الليبي، وهي أهداف ما زالت بعيدة المنال، لأن الدولة الليبية ما زالت بلا شوكة، واستطرادا لا قدرة لها على فرض الأمن في كل ربوع ليبيا. أما الدول الأوروبية التي كان لها دور حاسم في إطلاق المسار السلمي الحالي، في مؤتمر برلين، مطلع العام الماضي، فتعهدت علنا بالتوقف عن إرسال الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة، لكن السلاح ظل يتدفق على ليبيا.

مدافع من الحلف الأطلسي

وأفادت مصادر إعلامية روسية أن خبراء أتراكا يقومون بتدريب جنود من قوات حكومة الوفاق الوطني السابقة، على تشغيل منظومات المدفعية الحديثة ذاتية الحركة «فرتيناتي» عيار 155. وتعتبر هذه المدافع ذاتية الحركة حاليا واحدة من أحدث الأسلحة في دول حلف شمال الأطلسي، وتم إنشاؤها بمساعدة كوريا الجنوبية على أساس مدافع «ثاندركي ذاتية الحركة، وفقا لما نقلته صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الروسية. لكن لم ترشح معلومات عن مصير قوات «فاغنر» الروسية العاملة في ليبيا.

وينتقد الروس في شدة الدور الأمريكي في ليبيا، بالرغم من أنه غير بارز للعيان، مُعتبرين أن ليبيا «تحولت إلى ثقب أسود تتوجه منها إلى الشمال حشود من اللاجئين يعاني منها الاتحاد الأوروبي، وإلى الجنوب سيل غير مشروع من الأسلحة والإرهابيين الذين تعاني منهم منطقة الصحراء» بحسب تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرغاي لافروف أدلى بها لقنوات روسية.

مخاوف دول الجوار

وكان الدبيبة تعهد بإخراج المرتزقة «من خلال الاتصال مع الدول التي أرسلتهم». إلا أن استمرار هذا الوضع يؤثر تأثيرا مباشرا في أمن دول الجوار، ما استوجب من الحكومة الجزائرية التواصل مع الحكومة الليبية على لسان وزير الخارجية صبري بوقدوم لاستيعاب الرؤية الليبية للوضع الإقليمي.

كما باشر التونسيون اتصالات مماثلة مع الحكومة الليبية في مستوى وزيري الخارجية، لتقدير الوضع الجديد، بالنظر للانعكاسات السياسية والاقتصادية والأمنية المباشرة للأوضاع في ليبيا على تونس.

وبحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» قد تكون السلطات التركية أعطت تعليمات للمرتزقة السوريين في ليبيا بالعودة إلى سوريا، فيما نقلت مصادر إعلامية، عن عناصر في تلك المجموعات، قولها إن المسؤولين عنها طلبوا منها «تجهيز أنفسهم للعودة».

موسم العودة إلى طرابلس

ومع تحسن الوضع الأمني وتزايد مؤشرات الاستقرار، سارعت دول عديدة إلى إعادة فتح سفاراتها المقفلة منذ سبع سنوات. وبعدما كانت السفارات الوحيدة التي ظلت مفتوحة هما سفارتا إيطاليا وتركيا، بينما سحبت السفارات الأخرى طواقمها إلى تونس، تلاحقت هذه الأيام السفارات العائدة، ومن بينها سفارات فرنسا وتونس واليونان ومالطا ومصر والجزائر.

وكان وزير الخارجية الليبي السابق طاهر سيالة أعلن أن حكومة السراج أجرت حوارا مع الخارجية الأمريكية، من أجل الاتفاق على إجراءات طلبها الأمريكيون، قبل معاودة فتح سفارتهم في ليبيا، ومن تلك الشروط، بحسب سيالة، توفير الأمن وضرورة امتلاك المواطن الليبي جواز سفر إلكتروني للحصول على تأشيرة لأمريكا.

كما أعلن سيالة أن وفدا رفيع المستوى من الخارجية الأمريكية سيزور طرابلس «قريبا» للإطلاع على مقر السفارة من ناحية المبنى والموقع. لكن لم يُعرف ما إذا كان الوفد زار ليبيا فعلا أم لا. كما يُتوقع أن تعاود كل من روسيا وألمانيا وكوريا والصين فتح سفاراتها في طرابلس.

أساس دستوري للانتخابات

على الصعيد الداخلي تجد حكومة الوحدة الوطنية نفسها في مواجهة ملف معقد يتعلق بإيجاد الأساس الدستوري للانتخابات العامة المقررة للرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر المقبل.

وكان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رئيس بعثتها للدعم في ليبيا، يان كوبيش دعا، في كلمة إلى أعضاء «الملتقى السياسي الليبي» إلى الاتفاق على «قاعدة دستورية واضحة وإطار قانوني للانتخابات بحلول الأول من شهر تموز/يوليو المقبل» وذلك لضمان القيام بالتحضيرات اللازمة وإجراء الانتخابات في ميقاتها.

وفي خطوة مكملة لهذا المسار، فتح رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي حوارا مع أعضاء المجلس، حول آفاق إنشاء مفوضية للمصالحة الوطنية. غير أن الموضوع لم يبق بين جدران المجلس، وإنما هو في سبيله ليصبح قضية رأي عام. وطبقا لما جاء في بيان للمجلس فإن عمل المفوضية «يجب أن يشمل خططًا دقيقة لتحقيق مصالحة في جميع المدن والمناطق، وصولًا إلى كل فرد في ليبيا».

واعتُبرت الخطوات الأولى في هذا الاتجاه التقليل من حدة المناكفات الإعلامية والتركيز على كل ما يجمع بين الليبيين. غير أن تجاوز الأحقاد ونبذ الخلافات وطي صفحة الماضي أمور معقدة في الحالة الليبية، بالنظر لعنف الصراع الذي دار في شرق البلد وغربه. ويعتقد المنفي أن إنشاء المفوضية سيتيح «وضع أسس وركائز لتحقيق مصالحة وطنية شاملة تجمع كل الليبيين» على ما قال.

حرب على الفساد؟

وفي خط مُواز أعطى رئيس الحكومة الدبيبة مؤشرات على اعتزامه ملاحقة المورطين في الفساد، لتعزيز صدقية فريقه الحكومي. ونسبت له مجلة «جون أفريك» الفرنسية أنه يُخطط للإطاحة برئيس المؤسسة الليبية للاستثمار علي محمود حسن.

وتعرضت قيادة المؤسسة، التي يصل حجم أموالها إلى 67 مليار دولار، إلى انتقادات عدة، على مدى السنوات الماضية، تتعلق بـ»غياب الشفافية وتنفيذ استثمارات مشبوهة». وتم القبض على حسن عام 2019 للاشتباه في تورطه في قضايا رشى مع شركة أجنبية.

غير أن الفترة المتبقية من عمر الحكومة المؤقتة، حسب خريطة الطريق، لا تمكنها من فتح ملفات ثقيلة ومعقدة من هذا القبيل، وربما تكون الحكومة المقبلة، التي تحظى بشرعية انتخابية أقدر على مكافحة حيتان الفساد وضبط شبكاتها.

إغواء رفع الدعم

ومن الناحية العملية يشكل تدهور الظروف الحياتية مبعثا على الشكوى والانتقاد اللاذع للسلطات، وخاصة في ظل الانقطاعات المديدة للكهرباء وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، ما حمل تلك السلطات على اتخاذ إجراءات اجتماعية عاجلة، على الرغم من أن مهمتها الأولى هي الاعداد لإجراء الانتخابات في التاريخ المحدد لها.

وقرر أخيرا مجلس الوزراء تخصيص أكثر من 970 مليون دينار ليبي لمساعدة شركة الكهرباء على تنفيذ خطة لصيانة الشبكة وإصلاح الأعطال، قبل حلول الصيف. كما اتخذت الحكومة إجراءات أخرى لكسب ود الشارع، بينها زيادة مرتبات ذوي الدخل المحدود، وخاصة الأسر المدرجة في صندوق التضامن الاجتماعي، إضافة إلى صرف منح أخرى. غير أن تنفيذ هذه القرارات يتوقف على عقد اجتماع لمجلس النواب لاعتماد الموازنة.

رفع الدعم عن المحروقات

ويندرج في هذا الإطار أيضا تريث الحكومة في حسم موقفها من رفع الدعم عن المحروقات. وقد شكل الدبيبة لجنة متخصصة لدرس الخيارات المتاحة في هذا المجال. والأرجح أن الحكومة لن تتخذ أية خطوة في هذا الاتجاه خشية من مضاعفاتها الاجتماعية، وإن كان استمرار الوضع الحالي يُسبب نزيفا دائما للاقتصاد الليبي، بسبب تهريب البنزين المدعوم إلى الدول المجاورة من خلال شبكات تشتغل على الحدود.

أكثر من ذلك، ما زالت الحدود وخاصة إقليم فزان (الجنوب) مصدرا لمخاطر أمنية، وسط تدفق المهاجرين غير النظاميين على ليبيا، واتخاذ جماعات إرهابية من الجنوب الليبي، المُتاخم لبلدان الساحل، ملجأ وقاعدة خلفية. وآخر مثال على ذلك إحباط محاولة انقلاب عسكري في النيجر، ليل الثلاثاء الأربعاء الماضيين، قبل يومين من حفل تنصيب الرئيس الجديد محمد بازوم على رأس بلد يتعرض دوما لهجمات إرهابية.

من هنا ستبقى ليبيا إبرة الميزان في المشهد الإقليمي بوصفها الجسر بين المتوسط ومنطقة الساحل، وهمزة الوصل أيضا بين المنطقة المغاربية والمشرق، ما يُغوي الطامعين في ثرواتها وموقعها الاستراتيجي، ويُؤجج الصراعات بينهم.

ــــــــــــ

مواد ذات علاقة