نورة الحفيان

في الرابع والعشرين من مارس 2021، شهد المشهد الميداني الليبي حدثاً بارزاً، تمثل في تصفية “ضابط الإعدامات” محمود الورفلي المطلوب الأول لدى المحكمة الجنائية الدولية، وذلك على إثر إطلاق الرصاص عليه من طرف مسلحين مجهولين في مدينة بنغازي وفق تقارير إعلامية وما تم التصريح به من طرف المتحدث الرسمي باسم ميليشيا حفتر.

الجزء الثاني

مع تصاعد المطالب الدولية بتسليم الورفلي ومنها دعوات من منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش بالإضافة إلى دعوة الأمم المتحدة في فبراير 2018 على ضرورة تسريع تسليم الورفلي إلى المحكمة الجنائية الدولية، قامت الشرطة الدولية “إنتربول” من جانبها بإدراج اسم محمود الورفلي في القائمة الحمراء وضمن المطلوبين للعدالة الدولية.

فيما قامت المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر 2019 بتوجيه تحذيراتها لحفتر بضرورة اعتقال محمود الورفلي وتقديمه للمحكمة الجنائية الدولية، مطالبة بعض الدول المساعدة بإلقاء القبض عليه وتسليمه.

وفي نفس التوقيت، أي بنهاية العام 2019، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية قرارا بفرض عقوبات على محمود الورفلي، وذلك على خلفية انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا، بحيث أشارت في حيثيات القرار أن الورفلي مسؤول أو متواطئ أو مشارك بشكل مباشر وغير مباشر، في عمليات قتل وإعدام بحق محتجزين غير مسلحين منذ العام 2016.

وقد شملت العقوبات التحفظ والحجز على جميع ممتلكاته ومصالحه في الولايات المتحدة أو أي مكان يقع تحت نفوذها، وحظر أي كيانات مملوكة له. وفي نفس السياق ولنفس الأسباب، فرض الاتحاد الأوروبي في سبتمبر 2020 عقوبات على المطلوب رقم 1 لدى المحكمة الجنائية الدولية وتشمل العقوبات حظر السفر وتجميد الأصول.

من وراء تصفية محمود الورفلي؟ وما هي الدوافع لذلك؟

توقع محمود الورفلي عملية تصفيته، وهذا ما كشفته الناشطة الليبية، نادين الفارسي لقناة ليبيا الأحرار، بحيث صرّحت في مداخلة لها بأن الورفلي أرسل لها تسجيل صوتي طلب منها نشره فور تصفيته، مفاده مكالمة جمعته مع القيادي في قوات ميليشيا حفتر، ناصر القرش، يؤكد من خلالها الورفلي له أنه سيتم اغتياله، فيما تعهد القرش بمساعدته حال عودته من القاهرة.

وتتعدد التفسيرات وراء تصفية الورفلي والمستفيد من وراء ذلك، ومن بين هذه التفسيرات:

التفسير الأول: تورط حفتر وأعوانه

أن الورفلي بات يُشَكِّل تهديدا كبيرا على وضع حفتر داخل الساحة الليبية، الذي يسعى وبشتى السبل إلى تثبيت مكانته كفاعل في المشهد السياسي الليبي خصوصا بعد الظهور في موقع المؤيد لمسارات العملية السياسية، وتجلى ذلك من خلال إعلان دعمه للحكومة الليبية الجديدة، وذلك في  محاولة لتحسين صورته التي ارتبطت بجرائم لا حصر لها في المسرح الليبي منذ 2014 إلى الآن.

وذلك من خلال رسمه خطة مستقبلية تجعل منه إحدى أبرز الفاعلين في المشهد الليبي لما ما بعد الاستحقاقات الانتخابية 2021 مشاركته في المسار السياسي الذي سيمهد له الطريق لتحقيق أهداف مشروعه الذي حارب من أجله لسنوات، سياسيا من خلال الاستيلاء على السلطة واقتصاديا السيطرة على مقدرات ليبيا.

ولذلك، أصبح الورفلي يُشَكِّل عبئا ثقيلا على حفتر خصوصا بعد عودته للمشهد الميداني من خلال بثه للفوضى وارتكابه لجرائم قتل واختطاف ومشاركته في عمليات تخريب لمنشآت عامة وخاصة وزرع الهلع وسط أهالي بنغازي والمدن المحيطة بها.

هذا الأمر الذي وضع حفتر في قفص الاتهام من طرف قبائل الشرق التي كانت تؤيده، بحيث حملته مسؤولية تردي الوضع الأمني في بنغازي ومدن الشرق الليبي، بحيث خرجت العديد من قبائل بتصريحات في هذا الشأن ومن أبرزها قبيلة العواقير التي صرح أعيانها أنه لا يوجد داعي لوجود حفتر والأجهزة الأمنية ما داموا غير قادرين على تأمين المدينة وحماية المواطن من الأفعال الذي يرتكبها بعض الأفراد الذين خرجوا على السيطرة في إشارة إلى الورفلي وجماعته.

وفي نفس السياق أعلن أعيان مدينة المرج استنكارهم لما تشهده بنغازي من اغتيالات واعتداءات على المدنيين، كما طالبت بالتحقيق في حالات الانتهاكات والقتل خارج القانون.

في حين أعلنت العبيدات في إقليم برقة وهي إحدى أكبر قبائل الشرق الليبي والتي ينحدر منها رئيس النواب عقيلة صالح، رفضها لكل الممارسات والانتهاكات التي تقوم بها عناصر تابعة لخليفة حفتر من عمليات تقتيل واختطاف واعتقالات قسرية، وانتهاكات حرمات المنازل خارج إطار القانون. كما طالبت السلطات القضائية والأمنية بالتدخل للتحقيق في حيثيات الجرائم المرتكبة وضبط وإحضار المطلوبين على ذمة هذه القضايا.

ولإطفاء غضب قبائل الشرق وعد حفتر أعيانها خلال لقاءات جمعته بهم، على أنه سيتدخل لإعادة ضبط الأمن في بنغازي والمدن المحيطة بها، وسيضرب بيد من حديد كل من يُشَكِّل تهديدا على أمن المواطن والوطن، هذا التصريح الذي يمكن اعتباره تهديدا مباشرا للورفلي، الذي أصبح عائقا كبيرا في طريقه بسبب أفعاله وممارساته التي خرجت عن سيطرته، وأصبحت تُشَكِّل تهديدا على مكانته في الشرق بل وعلى موقعه في المشهد السياسي الذي يسعى البقاء فيه لما بعد انتخابات ديسمبر 2021، عن طريق أقوى أجهزة الدولة وهي المؤسسة العسكرية إما عبر قيادة أركان الجيش أو من خلال منصب وزير للدفاع.

وحتى في حال صعوبة أو استحالة دخوله للمشهد السياسي عبر هذه البوابة، فحفتر يضع سيناريو آخر لبقائه في المشهد الليبي حتى في حالة تخلي مصر والإمارات ومعهما فرنسا عنه بحيث سيسعى للتخلص من كل القوى والأطراف التي تتمتع بقوة ونفوذ في الشرق.

وبالتالي تكون بداية المهمة لتسهيل تنفيذ مخططه في هذا الجانب  بتصفية الورفلي الذي كان  يشكل ورقة ميدانية ضاغطة عليه وذلك في ظل ولاء العديد من أفراد الميليشيات له، وبالتالي العودة إلى نقطة الصفر وقلب ليبيا إلى ساحة قتال واقتتال لبسط حفتر سيطرته وفرض نفوذه الأمني والعسكري على أراضي الشرق  الليبي.

ومن ناحية أخرى، تُشَكِّل ورقة المحكمة الجنائية الدولية وقطع الطريق أمام تسليم الورفلي في ظل تعالي الأصوات الداخلية والدولية، عاملا آخرا يدفع حفتر وأبناءه خصوصا صدام لتصفية الورفلي، الصندوق الأسود لأسرار خليفة حفتر، وذلك مع ارتفاع مؤشر تخوفه من تصريحات الورفلي التي توعد فيها أكثر من مرة بفضح المستور في حال اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية، وكشف جميع المعلومات والأوامر، التي كان يكلف بها من قيادة حفتر خصوصا تلك المتعلقة بجرائم الاختطاف والاغتيال.

التفسير الثاني: تورط مخابرات دولية

فمفاده هو أن محمود الورفلي لم يُشَكِّل خطرا على حفتر وأبنائه فقط، بل الأمر يمتد إلى القوى الخارجية الداعمة لحفتر، لذلك يمكن وضع فرضية أخرى في هذا الجانب، تتأسس على أن فكرة أو مخطط التصفية هو صادر عن المخابرات المصرية أو الإماراتية أو حتى الفرنسية التي كان الورفلي على علاقة ببعضها، وذلك حتى قبل دخول حفتر للمشهد الليبي في 2014، واستمرت العلاقة بعد دخول حفتر في المشهد بحيث كان الورفلي على تواصل مباشر ودائم معهم لتنفيذ مجموعة من الأوامر المتعلقة بأعمال القتل والاغتيالات التي كان لأجهزة مخابرات هذه الدول يد فيها بالشرق الليبي.

ومن كل ذلك، فلا يشكل الورفلي صندوق أسرار حفتر وحده بل يعتبر أيضا صندوق أسرار المخابرات الأجنبية التي كان لها دور في المشهد الليبي. ولذلك فإن تزايد قلق هؤلاء في ظل تواتر أنباء عن ممارسة الإدارة الأمريكية مزيد من الضغط لتسليم الورفلي للمحكمة، يعتبر دافعا مهما لتصفيته، لأن ذلك كان سيشكل تهديدا ليس لحفتر في المشهد الداخلي فقط، بل أيضا ابتزازا لأنظمة السيسي وبن زايد ومعهم بن سلمان، من خلال فضح دلائل جرائمهم المتعلقة بمسلسل الاغتيالات التي كانت تديره شبكة المخابرات لهؤلاء الفاعلين وكانت تجند الورفلي لتنفيذ مخططاتها.

ولا يقف هدف هذه الأطراف عند التخلص من ورقة الورفلي فقط، فهناك احتمالية أخرى ممكن الإشارة إليها في هذا الجانب، تتمحور حول سعي هؤلاء للتخلص من ورقة حفتر مستقبلا إذا أصبح أمر خروجه من المشهد الليبي حتميا في ظل عدم نجاحه في ضمان مكانة له في المشهد السياسي لما بعد انتخابات 2021، والبداية تكون عبر التخلص من أذرعه العسكرية، وذلك لأن حفتر في جعبته أيضا الكثير من الأسرار التي تدين هؤلاء في جرائم مختلفة منذ 2014، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، يرى البعض أن مؤشر احتمالية الرهان على حفتر أصبح ضعيفا في ظل عدم نجاح مشروعه عبر المسار العسكري. وعلى ضوء ما تعرفه التسوية السياسية من تقدم وصل إلى حد انتخاب سلطة تنفيذية جديدة وتشكيل ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية، وذلك بفعل الضغوطات التي تمارسها إدارة بايدن في الملف الليبي والتي تسعى من خلاله إلى إعادة ترتيب الأوضاع والإمساك بزمام الأمور عبر المسار السياسي.

خاتمة

يُشَكِّل محمود الورفلي أحد أهم أذرع حفتر التي ساهمت في تنفيذ هجماته العسكرية وجرائمه التي تعددت وتنوعت ما بين إعدامات واغتيالات واختطاف وتعذيب وترويع للمدنيين، منذ انطلاق حملاته العسكرية في ليبيا، إلا أن حفتر يُعتبر في الوقت نفسه أحد أكبر المستفيدين من إسقاط ورقة الورفلي عبر واجهتين، واجهة محلية متمثلة في امتصاص غضب قبائل الشرق والتخلص من عبء الانقلاب عليه من طرفهم، وواجهة دولية مفادها التخلص من الضغوط الدولية التي كانت تطالبه بتسليم الورفلي للمحكمة الجنائية الدولية.

وبالتالي تصفية الملفات القديمة وأدلة الإثبات التي تدين حفتر وداعميه من الخارج بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في ليبيا، وذلك استعدادا للمرحلة القادمة الذي يخطط من خلالها بأن يكون من أهم الفاعلين في المشهد الليبي.

___________

مواد ذات علاقة