المشروع الفرنسي في ليبيا يتعارض مع الدور التركي الإيجابي

سلمان الراشدي

برفقة 14 وزيرا وقائد الأركان، زار رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، تركيا، في 12 أبريل/نيسان 2021، للمشاركة في الاجتماع الأول لمجلس التعاون الإستراتيجي بين طرابلس وأنقرة، ما أعطى هذه الخطوة الكبيرةزخما إعلاميا وسياسيا إقليميا وسط الصراع المتصاعد في الساحة الدولية

ومع الزيارة بثقلها الرسمي، التي تعتبر الأولى للدبيبة إلى تركيا عقب تسلمه مهامه، تحدث مراقبون عن أن السلطة الانتقالية الليبية التفتت بسرعة إلى أنقرة، بعد اكتشاف الخيانة الرباعية” (المصرية الإماراتية الفرنسية الروسية) التي تعرضت لها التجربة الجديدة، ودفعتها إلى إعادة الكثير من حساباتها، والعودة إلى شريكها الحقيقي.

فبعد تسلم السلطة الليبية مهامها في 16 مارس/آذار 2021، اتجهت مباشرة إلى محور كان ينازع شرعيتها، عبر زيارة مصر والإمارات وتيارات داخلية معارضة، في محاولة منها لمد يدها إلى الجميع.

لكن تبين أن هذا المحور لا يزال يوظف أسلوبه الدائم، خاصة الابتزاز، ما أجبرها على العودة إلى شريكها الذي وقف بجانبها ضد سقوط طرابلس مطلع 2020، وفق مراقبين.

نوايا مخادعة

وقال الصحفي التونسي نصرالدين السويلمي إن السلطة الليبية الجديدة يبدو أنها كانت عازمة على مد يدها إلى الجميع وكانت نواياها أنظف بكثير من النوايا المخادعة التي أرادت القبول بالتسوية السياسية التي تمكنهم من اختراق طرابلس المحصنة دون التفويت في الشرق الليبي“.

وأشار في منشور له على فيسبوك إلى أن ذلك الاختراق كان يتم عبر اعتماد ضغوطات تهدف إلى تثبيت اللواء الانقلابي خليفة حفتر على رأس المؤسسة العسكرية بعد توحيدها وتمكينه من صلاحيات واسعة لتحديث الجيش على حد قوله“.

ولفت السويلمي إلى هذا التلاعب والابتزاز وصل إلى اللجان التي تجهز للانتخابات، والتي تعرضت إلى ضغوطات كبيرة من الإمارات ومصر بدعم من فرنسا، بهدف إرساء نظام رئاسي، وانتخاب الرئيس بشكل مباشر من الشعب، فيما تميل اللجنة إلى إجراء انتخابات تشريعية ومن ثم انتخاب الرئيس من طرف البرلمان“.

وأضاف أن هذا ما دفع طرابلس إلى إعادة الخط الساخن مع أنقرة، من خلال وفد هو الأضخم منذ أن باشرت السلطة الجديدة (عملها)، بل حتى رئيس المجلس الرئاسي الليبي السابق، فائز السراج لم يتنقل إلى تركيا بمثل هذا الوفد الوزاري حين وقع الاتفاقية التي أسهمت في حماية طرابلس من اجتياح مليشيا حفتر“.

وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقع الرئيس رجب طيب أردوغان، مذكرتي تفاهم مع السراج، وتتعلق المذكرتان، بالتعاون الأمني والعسكري بين أنقرة وطرابلس، وتحديد مناطق النفوذ البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي.

وبناء على الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، دعمت أنقرة الحكومة الليبية، في مواجهة مليشيا حفتر، الذي كان ينازع الحكومة على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط، مسنودا من دول عربية وغربية، بينها فرنسا.

وفي وقت كانت بعض الدول تنتظر من السلطة الليبية الجديدة، سحب رجل من بساط العلاقات المتينة مع تركيا، خاصة التراجع ولو تلميحا عن الاتفاقيات الثنائية، بعد زياة الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي لدول وقفت في صف حفتر.

لكن أعلن الدبيبة عن زيارته التاريخيةلأنقرة لتزعج محسوبين على تيار معارضة الشرعيةداخل ليبيا وخارجها.

وشهدت أنقرة، في 12 أبريل/نيسان 2021، سلسلة لقاءات بين وزراء أتراك مع نظرائهم الليبيين، تطرقوا خلالها إلى سبل تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات عدة.

الشريك الأكبر

وفي السياق، أكد المحلل السياسي الليبي عبد السلام الراجحي لـالاستقلالأن زيارة الدبيبة تؤكد أن العلاقات الليبية التركية وطيدة ومتجذرة وليست طارئة بين الدولتين والشعبين، فمنذ استقلال ليبيا أي بداية الخمسينيات وحتى يومنا هذا، كانت العلاقات في أوجها ولم يمسها أي فتور أو نوع من الصعوبات أو المشاكل خلال هذه السنوات الطويلة“.

وشدد الراجحي على أن الأصوات التي نسمعها من بعض الشخصيات والتيارات السياسية الليبية التي تعارض العلاقة التركية الليبية وتشكك فيها أو تحاول تحجيمها وتقليلها، دوافعها ليست من وازع وطني بل تتماهى مع الدول الداعمة لهم (مصر، والإمارات، والسعودية)، التي لها عداء مع أنقرة وتستخدم العلاقات كنوع من الضغط على الشقيقة تركيا“.

وأكد أن هذه الزيارة توضح عمق العلاقات بين الدولتين وشعبيهما، خصوصا الجانب الاقتصادي، فتركيا وشركاتها لها عقود طويلة وكبيرة، تركيا تعد الشريك التجاري الأكبر في المنطقة، والعلاقات الاقتصادية لم تتأثر خلال فترات الملكية (1951–1969) ومعمر القذافي (1969-2011) وحتى بعد ثورة 17 فبراير (شباط 2011)”.

وأوضح أن هناك مئات المشاريع، نتحدث عن 407 مشاريع في البنى التحتية والخدمات ومحطات الكهرباء والموانئ والمطارات في القرى السياحية والسكنية وغيرها“.

ولفت إلى أن هذه المشاريع تنفذها شركات تركية ووقعت عقودا خلال فترة حكم القذافي، والذي كان يمثل الدولة الليبية في ذلك الوقت في جزء من هذه المشاريع السيد الدبيبة الذي أصبح حاليا رئيسا للوزراء“.

وأشار الراجحي إلى أن عودة الشركات مهم جدا لأن استكمال هذه المشاريع ستقدم خدمات كبيرة للشعب الليبي، وتقلل من الضغط عليهم، خصوصا في مجال الطاقة والمواصلات والنقل البحري والصحة وغيرها“.

وشرح أن العلاقة التي توطدت بعد ترسيم الحدود الليبية التركية في شرق المتوسط، مبينا أن ليبيا حتى فترة القذافي كانت ولسنوات تطلب من اليونان وقبرص اليونانية لرسم الحدود البحرية بين الدولتين، وكانتا ترفضان ذلك واستغلتا الأزمات في الداخل الليبي، واستولت بدون وجه حق على المياه الاقتصادية الليبية التي تعد كبيرة وغنية بالثروات“.

وأكد المحلل السياسي أن ترسيم الحدود البحرية التركية الليبية جاء لقطع الطريق على السطو والسرقة والبلطجة التي انتهجتها أثينا وقبرص اليونانية، بالإضافة إلى ذلك هذه الاتفاقية أثرت بشكل إيجابي على حقوق الشعب الليبي“.

دور خطير

ورأى الراجحي أنه منذ 2014 لم تهدأ ولم تتوقف الحرب في المدن الليبية إلا بعد الاتفاقية مع تركيا وبفضل توازن القوى الذي حدث بفضلها“.

فمعسكر حفتر كان يعتمد على دول إقليمية محور السعودية وروسيا، واستطاعت تركيا أن تجبرهم على وقف إطلاق النار.

وقال إنه منذ 2014 الشعب الليبي لم يعش في راحة إلا بعد الدور الإيجابي لتركيا والذي نعيشه منذ سبتمبر/أيلول 2020″.

وضمن الوفد الحكومي للدبيبة، كان حاضرا رئيس الأركان، والمشرف على تنفيذ وتطوير المؤسسات، محمد الحداد، وهي رسالة كون تركيا تساعدنا على تطوير وإعادة هيكلة وتدريب المؤسسة العسكرية والشرطية وهذا جانب إيجابي ومرحب به، يقول المحلل السياسي الليبي.

وعن رد فعل الرباعي من زيارة الدبيبة، قال الراجحي بالنسبة لمحور الشر كما أسميه (الإمارات، مصر، السعودية، وروسيايزعجها هذا التوافق، مع أن مصر بشكل أقل لأن لديها مشكلة سد النهضة، وهناك دور خبيث لأبوظبي والرياض في دعم هذا السد بطريقة غير مباشرة“.

هذا إلى جانب أن ما ساهم في الاستقرار هو تغير الإدارة الأميركية التي لا تريد صراعات في المنطقة ولا ترغب بأن يزداد نفوذ روسيا في المنطقة خصوصا في ليبيا.

ويرى أن مصر والسعودية الإمارات ساهمت بشكل كبير أن يكون هناك نفوذ روسي في الأراضي الليبية، وهذا يتعارض مع المصالح الأميركية وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وفق المحلل الليبي.

وتابع: “أعتقد هذه الدول غير قادرة على التشويش على العلاقات الليبية التركية، لكن فرنسا هي التي تعمل بخبث وتاريخيا كان لها دور سلبي في ليبيا، وحاولت أن تشوه وتعطل العلاقات مع تركيا منذ سنوات، لكنها كل محاولاتها باءت بالفشل“.

ونبه الراجحي إلى أن الدور الفرنسي هو المخيف والخطير، فباريس تستخدم نفوذها في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وباعتبارها دولة دائمة في مجلس الأمن، تستخدم هذه القوة الناعمة للتشويه والتشويش على العلاقات الليبية مع تركيا“.

وأضاف حتى في إطار ما تسميه فرنسا، حقوق اليونان وقبرص الرومية، فباريس ليست جمعية خيرية تعمل على المحافظة أو دعم هذه الحقوق كما تسميها، بل تعمل فقط على ضرب العلاقات الليبية التركية“.

وشدد الراجحي على أن المشروع الفرنسي في ليبيا، يتعارض مع الدور التركي الإيجابي، وتريد أن تقسم ذلك البلد وأن تستحوذ على القسم الجنوب الغربي المعروف تاريخيا بـ(فزان)، ومشروعها قديم جديد، منذ فترة الاستقلال، لكن أميركا بالتعاون مع تركيا أفشلتا مشروع سيطرة فرنسا على هذه المنطقة، ودعمتا استقلال البلاد ووحدتها، وفق قوله.

____________

مواد ذات علاقة