عبدالله الكبير

تحمل الانتخابات بعض الأمل في بداية الخروج من التيه، ولعلها أول شعاع في ضوء نهاية النفق. غير أن كثيرون لايرونها بهذه الصورة، ولايؤملون في نتائج إيجابية يمكن أن تتحقق بمجرد النجاح في إنجاز استحقاق الانتخابات.ولديهم حجة قوية تبرر عدم الذهاب بعيدا في التفاؤل.

فقد أجريت الانتخابات على المستوى الوطني مرتين. في الأولى تشكل المؤتمر الوطني العام، وفي الثانية البرلمان.

في المرتين لم تتجاوز النخب حالة الانقسام وتجتمع على مشروع وطني يؤسس لحالة من الاستقرار، بل كشف الانقسام عن وجهه القبيح بعد انتخاب البرلمان وتعمقت الأزمة السياسية واندلعت الحروب تحت شعارات مختلفة، وبرزت التكتلات العسكرية والأيدولوجية والجهوية والقبلية.

لا خلاف حول هذه التطورات التي شهدتها البلاد بعد إسقاط النظام الدكتاتوري، وهي انعكاس لأزمة بنيوية عميقة كانت مختفية تحت طبقات القمع، فلم يسمح النظام الشمولي لأي اتجاه بالتعبير عن نفسه، ومن ثم يفسح المجال لحوار وطني حر وشامل بين مختلف الاتجاهات والآراء، يمكن أن يفضي إلى تبلور مشروع وطني يقرب المسافات بين أبناء الوطن وأقاليمه.

بل وظف باقتدار الخلافات الجهوية والقبلية من ضمن الآليات التي تمكنه من الاستمرار في الحكم.

وعقب سقوط النظام أخذت كافة التوجهات تتبلور في تكتلات واضحة وتتفاعل وتتساند وتنمو وتعلن عن نفسها ثم تتقدم منتهزة فرصة الانتخابات لتدفع بمرشيحها إلى مواقع السلطة.

ربما كانت هناك عجلة في إجراء الانتخابات مع عدم وجود مؤسسات تحمي المسار من أي انحراف، وكان الأفضل استمرار المجلس الوطني الانتقالي بشرعيته الثورية والاعتراف الدولي حتى يضع التشريعات القانونية الضرورية للمرحلة، ويعيد بناء المؤسسة الأمنية، ويفكك التشكيلات المسلحة، لكى تجد السلطة الناتجة عن الانتخابات المناخ والأدوات اللازمة للعمل والمضي قدما في المسار الانتقالي.

وهذا رأي وجيه ولاريب، ولكن الانتخابات آلية ديمقراطية للوصول للسلطة والادارة، وليست هي المسؤولة عن النتائج والتداعيات اللاحقة، فهذه مسؤولية الناس والنخب ومدى وعيها بمتطلبات المرحلة، وتعرض المسار الديمقراطي للتعثر والإنسداد أمر طبيعي، تعالجه الدول العريقة في الممارسة الديمقراطية بالمزيد من الديمقراطية، فإذا فشلت السلطة المنتخبة تجري على الفور انتخابات جديدة. لتشكيل حكومة أخرى، فلا استمرار للفاشلين.

سلطات الأمر الواقع في البرلمان تمترست في مواقعها وعطلت الانتخابات، ولم تلتزم بالاستفتاء لتجديد شرعيتها بعد انتهاء ولايتها، كما تنص تعديلات لجنة فبراير على الإعلان الدستوري.

رئيس البرلمان المحمل بوعي قبلي بدائي معتبرا الدولة غنيمة لابد من الاستحواذ على النصيب الأكبر منها، انفرد مع بعض النواب بالقرار الذي بات معبرا عن اتجاه سياسي واحد، وفقد صفته كبرلمان جامع يمثل كل أطياف الشعب.

وفقد بقية النواب ارادة توحيد الموقف لتصحيح المسار وإنهاء هيمنة الرئاسة التي ابتدعت نظاما يقوم على المحاصصة الجهوية، والمؤسف أن القوى السياسية المتنفذة شاركت في ترسيخ هذه المحاصصة، ودعمتها بعثة الأمم المتحدة، ولم تنتج هذه المحاصصة توزيعا عادلا للمناصب والمسؤوليات الحكومية بين الأقاليم.

 وإنما انحصر التوزيع بين التكتلات النافذة، وهكذا جرت مقاسمة السلطة والنفوذ بين المجموعات المتنافسة، وفي حمى الصراع على الغنائم غارت الهوية الوطنية الجامعة في بئر لاقرار لها، وصعدت الهويات الفرعية الجهوية والقبيلة.

النتائج الكارثية لهذا النظام عديدة.

ـ ضياع مفهوم المواطنة،

ـ وتوغل منظومة الفساد في مفاصل الدولة،

ـ وبروز الفرز الطبقي سافرا بين قلة أمسكت بتلابيب السلطة وراكمت مع اتباعها الثروات الطائلة، مقابل تدهور المستوى المعيشي للغالبية.

لم يعد ثمة حل غير الانتخابات لإزاحة الطبقة السياسية سواء التي ابتدعت هذه المحاصصة، أو التي رضخت لها ولم تقاومها لتحافظ على مصالحها، مع أمل كبير في ارتفاع وعي الناس لكي يشاركوا بفعالية فيها ويقدموا البديل الذي لايعدهم بأي امتيازات خاصة وإنما سيكون داعما للهوية الوطنية الجامعة، حريصا على مبدأ الكفاءة أولا قبل أي خصائص ومعايير أخرى.

من هنا يبدأ مشروع الدولة المدنية، دولة العدالة والمواطنة والحقوق والواجبات المتساوية، للخروج من دوامة الصراع وإنقاذ الوطن.

***

عبدالله الكبير.. كاتب صحفي

_________

مواد ذات علاقة