لقد تحرك السياسيون الليبيون بسرعة مثيرة للإعجاب في عام 2021 لتوحيد بلادهم المنقسمة. وبمساعدة الأمم المتحدة، ينبغي على الحكومة الجديدة أن تسارع إلى إزالة العقبتين الأخيرتين المتمثلتين في وضع إطار قانوني للانتخابات وتوفير المزيد من الوضوح حول من يمسك بالقيادة العليا للقوات المسلحة.

ما الجديد؟

بعد سنوات خاضت خلالها حكومتان متنافستان حرباً متقطعة، بات لدى ليبيا اليوم سلطة تنفيذية موحدة. ففي 10 آذار/مارس، أقر البرلمان حكومة وحدة وطنية يرأسها رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، استلمت مهامها في طرابلس. أما الحكومتان اللتان كانتا موجودتين من قبل فقد سلّمتا السلطة بشكل سلمي.

ما أهمية ذلك؟

يعد تشكيل حكومة موحدة تتمتع بدعم المجموعات السياسية المتنافسة في ليبيا، وتحالفاتها العسكرية وداعميها الأجانب، إنجازاً تاريخياً؛ فهو يحضّر الأرضية لإعادة توحيد المؤسسات السياسية والعسكرية التي كانت منقسمة حتى الآن وخاضت معارك ضد بعضها بعضاً منذ عام 2014.

ما الذي ينبغي فعله؟

من أجل تحقيق تقدم في العملية السياسية الانتقالية وتحاشي التشابكات الإجرائية، ينبغي على الفصائل الليبية الاتفاق على الإطار القانوني للانتخابات في أواخر عام 2021، وينبغي على البرلمان أن يعترف صراحة بالمجلس الرئاسي الجديد بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، كما نصّت خارطة الطريق المدعومة من الأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر 2020.

الملخص التنفيذي

بعد أكثر من ست سنوات من النزاعات السياسية، والصراع المتقطع وهجوم مدعوم أجنبياً على العاصمة، يبدو أن الليبيين قلبوا صفحة بتشكيل حكومة مؤقتة موحدة. في 15 آذار/مارس، وافق البرلمان على حكومة الوحدة الوطنية ، التي يرأسها رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة.

لقد كان ذلك إنجازاً تاريخياً.

وكذلك كان قبول الحكومتين المتوازيتين بانتقال منظم للسلطة. وعلى نحو مماثل، أشار التحالفان العسكريان على طرفي النزاع بأنهما سيعملان مع السلطة التنفيذية الجديدة، وأعلن الداعمون الأجانب للطرفين دعمهم للحكومة الجديدة.

ولذلك فإن احتمال العودة إلى الحرب قريباً يبدو غير مرجح. إلا أن ثمة تحديات هائلة تواجه إعادة توحيد البلاد والتحضير للانتخابات في وقت لاحق من عام 2021.

وثمة تحديّان بارزان على نحو خاص: غياب إطار قانوني وخطة للانتخابات وغياب الوضوح حيال القيادة الكلية للقوات المسلحة. ينبغي أن تكون معالجة هاتين المشكلتين أولوية لرئيس الوزراء، والمجلس الرئاسي والبرلمان. وينبغي على الأمم المتحدة الاستمرار في مساعدة هذه الجهود.

لا يمكن وصف التطورات التي أفضت إلى تعيين الحكومة الجديدة بأقل من مذهلة. فقد وقّع الطرفان المتحاربان اتفاقاً لوقف إطلاق النار في تشرين الأول/أكتوبر 2020، إلا أن المحادثات السياسية التالية بوساطة من الأمم المتحدة ظلت متوقفة.

حدث اختراق في مطلع شباط/فبراير، عندما رشح منتدى الحوار السياسي الليبي المدعوم من الأمم المتحدة، والمكوّن من ممثلين عن المكونات المتعددة في البلاد، الدبيبة كرئيس للوزراء ومحمد المنفي لرئاسة المجلس الرئاسي المكون من ثلاثة أشخاص.

وخلال أسابيع، قدم رئيس الوزراء الجديد حكومته، وفي 10 آذار/مارس، فاز في تصويت لمنح الثقة في البرلمان المنقسم. وبعد خمسة أيام، أقسمت حكومته اليمين، لتقوم الحكومتان المتنافستان بعد ذلك بتسليم السلطة.

رغم هذا التقدم، يواجه الدبيبة والمجلس الرئاسي مهمة شديدة الصعوبة تتمثل في إعادة توحيد بلد ما يزال منقسما جغرافياً وسياسياً.

يأمل معظم الليبيين بأن تقوم الحكومة الجديدة بتحسين الظروف المعيشية، وتوفير الخدمات الأساسية، وإعادة إطلاق الاقتصاد وتعزيز المصالحة بعد سنوات من الفوضى والصراع.

إضافة إلى ذلك، فإنهم يتوقعون منها أن تنفذ خارطة الطريق المدعومة من الأمم المتحدة والتي وافقت عليها الأطراف الليبية؛ أي تنظيم انتخابات وإعادة توحيد المؤسسات المنقسمة، بما في ذلك الجيش والبنك المركزي. وما من مهمة من هذه المهمات ستكون سريعة أو دون ألم؛ وستتطلب جميعها وقتاً وجهوداً متضافرة.

ثمة عقبتان من شأنهما أن تعرضا العملية الانتخابية للخطر.

تتعلق الأولى بوضع إطار للانتخابات. فقد اتفقت الفصائل الليبية المتنافسة على إجراء انتخابات في 24 كانون الأول/ديسمبر 2021 لكنها لم تقرر حتى الآن طبيعة الهدف الذي ترمي إليه: الموافقة على مسودة دستور وضعته لجنة منتخبة في عام 2017 لكن لم يتم طرحه على التصويت الشعبي؛ أو انتخاب برلمان جديد؛ أو اختيار برلمان ورئيس.

ليس لهذا النقاش الذي يُحدث استقطاباً جواب صحيح أو خاطئ؛ إذ يمكن لإجراء استفتاء على مسودة دستور أولاً أن يساعد في تسوية النزاعات المستمرة منذ عدة سنوات بشأن الإطار الدستوري للحوكمة؛ وإذا تمت الموافقة عليه، فإنه سيوفر تفويضاً بإجراء انتخابات تليه، بما في ذلك انتخابات رئاسية مباشرة.

لكنه يمكن أن يؤجل تلك الانتخابات وكذلك تشكيل حكومة تتمتع بتفويض شعبي.

أما اختيار المضي مباشرة إلى صندوق الاقتراع فإنه سيوفر وقتاً، لكن الليبيين ما يزالون منقسمين على ما إذا كانوا يفضلون نظاماً برلمانياً أو رئاسياً في الحكم – رغم أن مسودة الدستور تنص على الخيار الثاني.

سيكون لكلا النظامين مزايا ومساوئ.

ينبغي على حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي دعوة الفصائل السياسية المتنافسة للاتفاق على أي من عمليتي التصويت تجري أولاً وأن تدعو البرلمان للموافقة على الإطار القانوني الضروري كي تتمكن الهيئة الانتخابية الليبية من تنظيم الانتخابات.

ثمة دعم واسع لفكرة إجراء الانتخابات، لكن الدبيبة راوغ فعبّر عن دعمه لها علناً، في حين يعبر في مجالسه الخاصة عن رغبته بالبقاء في السلطة لعامين على الأقل.

وفي الوقت نفسه، تجنّب الدخول في النقاش الحاد حول أي من العمليتين ينبغي إجراؤها. يعبّر معظم البرلمانيين عن دعمهم للانتخابات لكن في مجالسهم الخاصة يعبرون عن رغبة بتأجيلها، على الأقل لأن ذلك يسمح لهم بالتمسك بمناصبهم.

يخاطر مثل هذا التردد بإثارة الاستياء الشعبي وإحداث أزمة سياسية جديدة. لتحاشي مثل ذلك الاحتمال، ينبغي على منتدى الحوار السياسي الليبي أن يتدخل لكسر المأزق.

من غير المرجح أن يتم التوصل إلى توافق بالنظر إلى مدى الانقسام الذي ما يزال يثيره ترتيب العمليات الدستورية والانتخابية. لكن، وعلى عكس أي من المؤسسات القائمة، التي لا تمتلك حافزاً كبيراً على تغيير الوضع الراهن، فإن أعضاء المنتدى يمتلكون فرصة أكبر بتحريك العملية السياسية إلى الأمام، كما فعلوا في شباط/فبراير عندما اختاروا سلطة تنفيذية جديدة.

ينبغي على الموفدين أن يصوتوا داخلياً على مقترح خارطة الطريق الانتخابية التي قدمها أعضاء اللجنة القانونية للمنتدى (الذي يفتقر إلى الإجماع على عدد من النقاط) والاتفاق على دعم أي نسخة أخيرة تحظى بالأغلبية.

العقبة الثانية تتعلق بالغموض القانوني الذي يكتنف وضع القائد العام للقوات المسلحة؛ إذ أسهمت الخلافات التي حدثت في الماضي حول من يشغل هذا المنصب في ظهور تحالفين عسكريين متصارعين، لكل منهما بنية قيادة وتحكم خاصة به.

طبقاً لخارطة الطريق المدعومة من الأمم المتحدة، والتي اتفق عليها الطرفان في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، فإن المجلس الرئاسي المكون من ثلاثة أشخاص يشغل هذا المنصب حالياً. إلا أن البرلمان لم يصادق على خارطة الطريق، مدعياً أن مثل هذه الموافقة غير مطلوبة لإقرار النص، وهو تفسير يدعمه بعض السياسيين بينما لا يدعمه آخرون.

في حين يبدو أن القوات التي يقودها البرلمان وحفتر اعترفت بالمجلس على أنه السلطة العسكرية العليا، فإنهم فعلوا ذلك بالكلام دون تحويله إلى فعل رسمي من الناحية الفعلية.

ولذلك، ينبغي على البرلمان، وبالتنسيق مع حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي، المدعوم من الأمم المتحدة وقوى أجنبية، أن يوافق إما على خارطة الطريق المدعومة من الأمم المتحدة أو على وثيقة تعادلها تعترف صراحة بالمجلس الرئاسي كقائد أعلى للقوات المسلحة وأن يوضح صلاحيات الحكومة والمجلس على التوالي.

أما ما إذا كان الهدوء السائد اليوم سيستمر وستنجح إعادة توحيد ليبيا فيعتمد على العديد من القضايا المتشابكة، بما في ذلك استمرار التوافق الدولي على مسار سياسي إلى الأمام.

إلا أن تسوية هاتين المسألتين العالقتين سيساعد في تخفيف ما يمكن أن يشكل مرحلة جديدة عسيرة في المرحلة الانتقالية المضطربة السائدة في ليبيا منذ عام 2011.

____________

مواد ذات علاقة