هنريك تراوتمان و أنطونيا ماري دي ميو

قد تم إجراء الكثير من البحوث من أجل إعداد هذا التقرير قبل نهاية عام 2020، ومع أن عددا من التغييرات السياسية قد حدثت في أوائل عام 2021، بما في ذلك إنشاء حكومة الوحدة الوطنية وتعيين الوزراء، فإن التوصيات الواردة في هذا التقرير يمكن أن تكون مفيدة لحكومة الوحدة .الوطنية وكذلك للمسؤولين الآخرين وأصحاب المصلحة الدوليين

الجزء الثاني

أولا: نظرة عامة على التدفقات المالية غير المشروعة واسترداد الأصول المتحصّل عليها بطرق غير مشروعة

تتناول هذه الدراسة التدفقات المالية غير المشروعة الناتجة عن النشاطات الإجرامية المنظمة في ليبيا. وتقدم لمحة عامة عن الجريمة المنظمة والأصول المرتبطة بالجريمة المنظمة في البالد، وتحدد الأطر التشريعية والتشغيلية المعمول بها لمكافحة التدفقات المالية غير المشروعة واسترداد الأصول المتحصل عليها بطرق غير مشروعة.

تعد السياسة الفعالة لاسترداد االأصول عنصراً أساسياً في مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة وتخفيف الضرر الناتج عنها. الهدف الرئيسي لهذه الدراسة هو تقديم توصيات هادفة للسلطات الوطنية، وكذلك لإصحاب المصلحة الرئيسيين الآخرين، من أجل إنشاء وتعزيز آليات لحجز الأصول المرتبطة بالجريمة المنظمة (وعند الاقتضاء، المرتبطة بالفساد في المستويات العليا) ومصادرتها بفعالية وكفاءة.

كما تقدم الدراسة توصيات لتعزيز الإدارة الفعالة والشفّافة لأي أصول مستردة، بما في ذلك التوصيات المتعلقة بتوجيه هذه الأصول إلى تلبية احتياجات التنمية ذات الأولوية العالية.

تشمل الاحتياجات ذات الأولوية العالية في ليبيا قطاعات التوظيف والصحة والبنية التحتية. تم جمع البيانات لهذه الدراسة من مايو 2020 حتى يناير 2021 . وتم جمع البيانات من خلال بحث مكتبي مفتوح المصدر ومقابلات مع أصحاب المصلحة الرئيسيين والمعلومات المستقاة منهم.

تعريف التدفقات المالية غير المشروعة

لا يوجد توافق في الآراء بشأن تعريف التدفقات المالية غير المشروعة، حيث أنها تشمل مجموعة متنوعة من الأنشطة والسلوكيات، مما يعكس الطبيعة المعقدة والمتعددة الأوجه للتجارة والتمويل الدوليين غير المشروعين. يفسر عدم وجود تعريف مفهوم ومعتمد عالميا لهذه الظاهرة صعوبة تحليلها، وبالتالي التصدي لها بطريقة مستهدفة.

أفادت اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة أن هذا الافتقار إلى الوضوح الاصطالحي يحد من إمكانية اعتماد تدابير سياسية فعالة. هذا بالإضافة إلى وجود سبب آخر يتعلق بالجدوى الإحصائية لتحديد حجم التدفقات المالية غير المشروعة، وهو أمر صعب للغاية، ذلك أن المجرمين يقومون بإخفاء التدفقات المالية غير المشروعة والجرائم ذات الصلة أو تمويهها عن قصد بهدف حماية أنفسهم من تدخلات وكالات إنفاذ القانون.

وبالتالي، فإن محاولة جمع معلومات موثوقة لنمذجة الإجراءات الإجرامية والبيانات المطلوبة التي يمكن من خلالها إنتاج ردود دقيقة أمر صعب أيضًا. وعلى الرغم من هذه القيود، ولأغراض هذه الدراسة ومساعدة الدول في إعداد استجابات شاملة ومجدية لمواجهة هذا التهديد، تعرّف التدفقات المالية غير المشروعة عموما على أنها إيرادات وعائدات وأي أصول أخرى ناتجة عن الأنشطة التالية:

ـ الفساد، بما في ذلك عائدات السرقة والرشوة والكسب غير المشروع واختلاس الثروة الوطنية من قبل مسؤولين حكوميين؛

ـ التجارة غير المشروعة، بما في ذلك عائدات التهرب الضريبي والتحريف والإبلاغ الخاطئ والتلاعب بالفواتير المتعلقة بالإنشطة التجارية وغسل الأموال من خلال المعاملات التجارية؛

ـ الجرائم الخطيرة الأخرى، بما في ذلك عائدات الأنشطة الإجرامية، التي تشمل الإتجار بالبشر والمخدرات، والتهريب، والتزوير، واالبتزاز، وتمويل الإرهاب.

هذا التصنيف، الذي يختلف اختلافا طفيفا عن التصنيف الذي استخدمته اللجنة الاقتصادية لأفريقيا في عام 2013 ،يسلّط الضوء ليس فقط على الطبيعة المتنوعة والمتطورة للتدفقات المالية غير المشروعة، ولكن أيضًا على الحاجة إلى استجابات متعددة الأوجه (الشاملة) تعالج التهديد من جوانب مختلفة مثال، عدم الاكتفاء باللجوء إلى العدالة الجنائية.

يتجاهل هذا التصنيف أيضًا وصف التدفقات المالية غير المشروعة على أنها ذات طبيعة دولية فقط، فقد تحدث التدفقات المالية غير المشروعة داخل بلد ما خسائر وأضرار كبيرة للإقتصادات الوطنية وأنظمة الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل.

وتختلف ديناميكية أشكال التدفقات المالية غير المشروعة من بلد إلى آخر، حسب التدفقات غير المشروعة التي تدخل بلدا ما أو تمر عبره. ومع ذلك، فإن التدفقات غير المشروعة عالية القيمة، مثل تجارة المخدرات، تميل إلى الإرتباط بمستويات أعلى من الجرائم الأخرى، مثل الفساد.

تركز هذه الدراسة على الإيرادات والعائدات والأصول الأخرى المتأتية من الأنشطة الإجرامية في ليبيا. ونظرا لطبيعة الترابط بين التدفقات المالية غير المشروعة، تبحث هذه الدراسة أيضًا في الأصول الناتجة عن الفساد والتجارة لتوفير إطار عمل مفيد حول التدفقات المالية غير المشروعة في ليبيا.

إن غسل الأموال أداة بالغة الأهمية تستخدمها الجماعات الإجرامية المنظمة لنقل الإيرادات المتحصّل عليها بطرق غير مشروعة وتمويل النشاط الإجرامي. وهناك أيضًا صلة قوية بين الفساد والجريمة المنظمة حيث أن كلاهما مدفوع بقيود الحكم والقانون ذاتها.

إسترداد الأصول المتحصّل عليها بطرق غير مشروعة

يعد استرداد الأصول المتحصّل عليها بطرق غير مشروعة أمرًا ضروريا لمكافحة الجريمة المنظمة والتدفقات المالية غير المشروعة لأنه يحرم المجرمين من مكاسبهم المالية وقد يكون بمثابة ردع عن ارتكاب الجرائم في المستقبل (بإزالة الدوافع المالية للجرائم).

وقد يساعد استرداد الأصول المتحصّل عليها بطرق غير مشروعة في التخفيف من الأثر الضّار للتدفقات المالية غير المشروعة من خلال تصفية تلك الأصول وإعادة استثمارها في الرفاه العام واحتياجات التنمية ذات الأولوية العالية.

ولأغراض هذه الدراسة، تشمل عملية استرداد الأصول تعقب الأصول المتحصل عليها بطرق غير مشروعة وتجميدها وحجزها ومصادرتها وإدارتها.

تتقدم عملية استرداد الأصول المتحصّل عليها بطرق غير مشروعة بوتيرة متواضعة عبر العالم. ففي عام 2012، أطلقت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي دراسة استقصائية لقياس الأصول المجمدة والتي تم إرجاعها بين 2010 ويونيو 2012 .

في هذه الفترة الزمنية، تم تجميد ما يقرب من 4.1 بليون دولار من الأصول المتعلقة بالفساد. وفيما يتعلق بإرجاع الأصول، في الفترة الممتدة من 2010 إلى يونيو 2012 ،تم إرجاع ما مجموعه 147 مليون دولار إلى ولاية قضائية أجنبية.

هذه الأرقام ضئيلة جدا مقارنة بالتقديرات التي يستشهد بها على نطاق واسع بأن الحجم الإجمالي لغسل الأموال عبر العالم يتراوح بين اثنين وخمسة بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ففي عام 2009 فقط، قُدّرت العائدات الإجرامية بنسبة 6.3 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، منها 7.2% (أو 6.1 تريليون دولار) يتم غسلها.

التقدم في استرداد الأصول المتحصّل عليها بطرق غير مشروعة في الاتحاد الأوربي متواضع أيضا. تُقدر وكالة الشرطة الأوروبية (اليوروبول) أن الجماعات الإجرامية المنظمة تحقق أرباحا تبلغ 110 بليون يورو سنويا

وتشير التقديرات إلى أن الفساد يكلف اقتصاد الإتحاد الإوروبي حوالي 120 بليون يورو سنويا. وتقدر اليوروبول أنه يتم مصادرة حوالي 1.2 بليون يورو سنويا في الإتحاد الأوروبي، وهو ما يمثل 0.009 % من الناتج المحلي الإجمالي للإتحاد الأوروبي.

وبالنسبة لبلد يبلغ الناتج المحلي الإجمالي فيه 200 بليون يورو (مثال فنلندا في عام 2014)، فإن هذا الرقم يصل إلى حوالي 17.7 مليون يورو؛ وبالنسبة لبلد يبلغ الناتج المحلي الإجمالي فيه تريليون يورو (مثال إسبانيا في عام 2014) فإن الرقم يبلغ حوالي 88.7 مليون يورو؛ وبالنسبة لبلد يبلغ الناتج المحلي الإجمالي فيه حوالي 2.2 تريليون يورو (مثال فرنسا في عام 2014) فإن الرقم يبلغ حوالي 195.2 مليون يورو.

وبالنسبة للرشوة فقط، فإن تقدير مبالغ الرشوة الذي يحظى بالقبول على أوسع نطاق يضع المجموع بحوالي 1.5 إلى 2 تريليون دولار كل عام.

تكلف الرشوة والفساد والسرقة والتهرب الضريبي وغيرها من التدفقات المالية غير المشروعة البلدان النامية 1.26 تريليون دولار سنويا. يمثل هذا المبلغ الحجم المشترك لاقتصادات سويسرا وجنوب أفريقيا وبلجيكا تقريبا، وهو كاف لرفع ما يقدر بـ 1.4 بليون شخص يعيشون على أقل من 1.25 دولار في اليوم فوق عتبة الفقر، وإبقائهم فوق عتبة الفقر لمدة ست سنوات على الأقل.

إن الرشوة التي تبلغ قيمتها مليون دولار قد تؤدي بسرعة إلى خسارة قدرها 100 مليون دولار في بلد فقير بسبب عرقلة المشاريع واتخاذ القرارات الإستثمارية السيئة مما يقوّض التنمية.

يتبع في الجزء التالي

***

هنريك تراوتمان ـ المدير بالنيابة للجوار الجنوبي، مديرية سياسة الجوار الأوروبية ومفاوضات التوسع

أنطونيا ماري دي ميو ـ مديرة معهد الأمم المتحدة الأقاليمي لبحوث الجريمة والعدالة

_____________

مواد ذات علاقة