هنريك تراوتمان و أنطونيا ماري دي ميو

وإذا كانت التدفقات المالية غير المشروعة تضعف التنمية، فإن استرداد الأصول المرتبطة بهذه التدفقات قادر على تعزيز التنمية. إن استرداد جزء صغير فقط من الأصول المتحصل عليها بطرق غير مشروعة والمرتبطة بنشاطات إجرامية خطيرة سواء داخل البلدان أو خارجها يمكن أن يزوّد البلدان النامية بموارد إضافية تمس الحاجة إليها.

وفي هذا السياق، فإن إعطاء الأولوية لتعقب الأصول المتحصّل عليها بطرق غير مشروعة وحجزها ومصادرتها واستعادتها يمكن، إلى جانب توفير رادع فعال عن الجريمة، تمويل احتياجات إنمائية ذات أولوية عالية، مثل تلك المتعلقة بقطاعات الصحة أو التعليم أو البنية التحتية.

سمحت العديد من العقبات، لا سيما في التعاون عبر الحدود لاسترداد الأصول، سمحت للمنظمات الإجرامية والمسؤولين الفاسدين بالاستفادة من نقاط الضعف هذه. قد يصعب إثبات ارتباط الأصول بالسلوك الإجرامي، لأن هذه عملية معقدة وطويلة، مما يؤدي في النهاية إلى انعدام ثقة الجمهور في مؤسسات الدولة.

ومع ذلك، فإن البلدان التي حققت أكبر قدر من النجاح في تعقّب وتجميد وحجز ومصادرة الأصول المتحصّل عليها بطرق غير مشروعة (سواء كانت في الخارج أو الداخل) هي التي اعتمدت آليات يمكنها التعجيل بإجراءات العدالة الجنائية للمصادرة، فضلا عن آليات مصادرة الأصول غير المستندة إلى إدانة.

اعتمد عدد متزايد من الولايات القضائية آليات لمباشرة إجراءات الدعوى المتعلقة بالثروة غير المبررة أو الإثراء غير المشروع. تدرك العديد من البلدان الآن قيمة إنشاء مكاتب مخصصة لاسترداد الأصول، وهي في الأساس مكاتب يديرها مسؤولون يتمتعون بإمكانية الوصول إلى قواعد بيانات متعددة (على سبيل المثال، سجل المركبات، والسجل التجاري، والمعلومات الضريبية، وقاعدة بيانات الجمارك، والسجلات الجنائية).

تستطيع مثل هذه المكاتب المكلفة باسترداد الأصول، بمجرد إنشائها، أن تشكل نظرة شاملة لعدة مؤسسات عن الأصول التي بحوزة شخص ما، بالإضافة إلى الأصول التي يحتفظ بها أفراد أسرته أو شركاء المشتبَه في تورطهم في نشاط إجرامي خطير ـ في كثير من الأحيان، عندما يقوم أحدهم بغسل الأصول المتحصّل عليها بطرق غير مشروعة ولا يسجلها باسمه.

بالإضافة إلى ذلك، تبين أن استحداث وظائف المحلّلين الماليين المتخصصين في الاستدلال الجنائي وتدريبهم، ليدعموا دور المدّعين العامّين في إثبات الجرائم المالية، مفيد في الإجراءات الجنائية وكذلك في إجراءات المصادرة المدنية. وقد تبين أيضا أن الدول التي اعتمدت آليات تعاون قوية بين المؤسسات حققت نجاحا أكبر في استرداد الأصول المتحصّل عليها بطرق غير مشروعة.

اللوائح والتوصيات الدولية

تم اعتماد مجموعة واسعة من الاتفاقيات والمعايير وإنشاء هيئات دولية من أجل مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة، تشمل اتفاقيات الأمم المتحدة التي تضع معايير من المتوقع أن تمتثل لها جميع البلدان لتجنب توفير ملاذ آمن لإنواع مختلفة من التدفقات المالية غير المشروعة، وتشمل أيضًا معاهدات أو منظمات ذات عضوية محدودة، ولكن تنص على تدابير أكثر تفصيلا؛ وتسمح بعض من هذه المعاهدات بإجراء مراجعات نظراء مهمة ومفيدة لضمان الامتثال.

المعايير الدولية الرئيسية فيما يتعلق بالتدفقات المالية غير المشروعة

  • اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1988؛

  • اتفاقية الأمم المتحدة الدولية لقمع تمويل الإرهاب لعام 1999؛

  • اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية لعام 2000؛

  • اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003؛

  • التوصيات الأربعون لفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية

آليات التعجيل بالإدانة والمصادرة غير المستندة إلى إدانة:

  • التفاوض لتخفيف العقوبة أو المصالحة أو أنواع التسوية السريعة الأخرى للإجراءات الجنائية التي تتطلب من المدعى عليه إعادة األصول المتحصل عليها بطرق غير مشروعة مقابل عقوبة مخففة (أو معلومات تتعلق بالأصول التي حصل عليها آخرون بشكل غير مشروع)؛

  • آليات تسمح للمحاكم بفرض أوامر بمصادرة ممتدة

مثال: إصدار أمر يفيد بأن جميع الأصول المكتسبة، على سبيل المثال، خلال السنوات الخمس الماضية من قبل مدعى عليه أدين بجريمة خطيرة، يفترض أنها مكتسبة بطريقة غير مشروعة، ما لم يتمكن المدعى عليه من دحض هذا الافتراض؛

  • أوامر بمصادرة أصول مكتسبة بشكل قانوني من قبل المدعى عليه، حيث تثبت الدولة أنها اتخذت كل التدابير المعقولة لتحديد مكان وجود الأصول المتحصل عليها بطرق غير مشروعة، لكنها لم تتمكن من تحديد هذا المكان.

وهناك آليات قيّمة أخرى تشمل:

إجراء منفصل لمصادرة مدنية لأصول يعتبر أنها قد اكتسبت بطرق غير شرعية هذه الإجراءات تضع العبء الأولي على عاتق الدولة لإثبات أن بعض الإصول ناتجة عن أنشطة غير مشروعة، وإن كان ذلك بعبء إثبات أقل؛

وإجراءات المصادرة المدنية، وإن كانت لا تبت في الجرم الجنائي لإي شخص معين، أو تسمح للقاضي بحرمان أي شخص من حريته، فإنها تمكن من إصدار حكم في ظرف أشهر، واستعادة الأصول بسرعة أكبر، خلافا للقضايا التي تنطوي على غسل الأموال الإجرامية، على سبيل المثال، والتي تستغرق عادة عدة سنوات.

إن بدء إجراءات قضية ما تتعلق بمصادرة مدنية والفصل فيها (ضد أصول متحصل عليها بطرق غير مشروعة) لا يمنع بالضرورة تحريك الدعوى في قضية جنائية موازية والبت فيها (ضد شخص).

في عام 2015 ،اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة عمل أديس أبابا التي تدعو ”المؤسسات الدولية والمنظمات الإقليمية المناسبة لنشر تقديرات لحجم وتكوين التدفقات المالية غير المشروعة“. وعلى نفس المنوال، فإن خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة تدعو البلدان إلى:

ـ الحد بشكل كبير من التدفقات المالية والأسلحة غير المشروعة بحلول عام 2030؛

ـ الحد بشكل كبير من الفساد والرشوة بجميع أشكالهما؛

ـ إنشاء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشفافة؛

ـ تعزيز تعبئة الموارد المحلية، وكذلك من خلال دعم البلدان النامية؛

ـ تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي العالمي؛

ـ تعزيز استرداد الأصول المسروقة وإرجاعها ومكافحة الجريمة المنظمة.

تؤكد الأمم المتحدة أيضًا على ضرورة اعتماد منهجية لتقدير التدفقات المالية غير المشروعة من أجل الامتثال لمتطلبات البيانات المنبثقة عن إطار المؤشرات العالمية لأهداف التنمية المستدامة.

يضطلع الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أيضًا بأدوار رئيسية في تحديد الأولويات التي يتعين على الدول مراعاتها من أجل مواجهة تهديدات غسل الأموال والتدفقات المالية غير المشروعة بشكل أفضل، فضلا عن تعزيز آليات حجز الأصول ومصادرتها، ومعالجة التهرب من الضرائب.

توفر الآليات الإضافية مثل شبكة كامدن المشتركة بين الوكالات لاسترداد الأصول (والشبكات المماثلة) دعما قيما للغاية وحوارا عبر الحدود للشرطة والمدّعين العامّين لتحسين ضبط الأصول المرتبطة بالجريمة المنظمة والفساد في المستويات العليا.

يتبع في الجزء التالي

***

هنريك تراوتمان ـ المدير بالنيابة للجوار الجنوبي، مديرية سياسة الجوار الأوروبية ومفاوضات التوسع

أنطونيا ماري دي ميو ـ مديرة معهد الأمم المتحدة الأقاليمي لبحوث الجريمة والعدالة

_____________

مواد ذات علاقة