ريما ابراهيم

بدأت أزمة النفايات في طرابلس في نيسان/أبريل 2019 نتيجة النزاع المسلّح الذي اندلع بين حكومة الوفاق الوطني والقوات المسلحة العربية الليبية. وقد تزامن انتهائها مع نهاية النزاع المسلّح في حزيران/يونيو 2020، وأوضحت بعض التحديات الرئيسية التي تواجه السلطات الليبية في تقديم خدمات إدارة النفايات.

الجزء الثاني

ثانيا: مَن المسؤول عن إدارة النفايات في طرابلس؟

الخلفية التاريخية لخدمات إدارة النفايات

عانت إدارة النفايات في طرابلس طوال سنوات من تحديّات ناجمة عن غياب الفعالية في العمل. في العالم 2004، أنشئت شركة الخدمات العامة ـ طرابلس للإشراف على إدارة النفايات بصفتها شركة عامة مستقلة تتبع للحكومة الليبية. وقد استمرت الشركة في العمل وفق هذه الآلية بعد العام 2011، وتحولت تبعيتها إلى المجلس البلدي طرابلس، ثم إلى وزارة المرافق والإسكان العامة من العام 2012 حتى العام 2014. وأخيرا، بين العامين 2015 و 2020، أصبحت الشركة تابعة لوزارة الحكم المحلي في حكومة الوفاق الوطني.

يذكر أن الفترة الممتدة بين العامين 2004 و 2011 شهدت خططا لإشراك القطاع الخاص في إدارة النفايات الصلبة في طرابلس، ولكن ليس على مستوى صنع القرار، ما ولّد فجوة بين الخطط والقوانين وإمكانيات تنفيذها. فضعف دور القطاع الخاص وفرص استثماره في إدارة النفايات، الأمر الذي كان له أثر سلبي على تنفيذ المشاريع التنموية.

ومع أن إدارة النفايات كانت شهدت تحسنا إلى حد ما قبل العام 2011، تغيّر الوضع نتيجة الإنفلات الأمني في البلاد والفساد المستشري في القطاع الحكومي، ولم يكن القطاع ذا أولوية ملحّة، ناهيك عن أن الحكومات المتعاقبة لم تهتم بإدارة النفايات والخدمات عموما، على الرغم من أنها خصّصت لهم أموالا ضخمة، وميزانيات كبيرة“.

أما بعد العام 2011، فمرّ قطاع إدارة النفايات بتغيرات هيكلية عدّة، إلى جانب التغيّرات السياسية، حيث غابت السياسة العامة للدولة، واتّسمت جهود إدارة النفايات بالتخبّط، الأمر الذي أثّر على جودة خدمات إداة النفايات.

على سبيل المثال، وفقا للهيكل التنظيمي للبلديات للعام 2015، تعمل مكاتب الدراسات والإحصاء ودعم القرار في كل بلدية على تقديم السياسات الاستراتيجية للسلطات المحلية، وكان لإلغاء هذه المكاتب أثرٌ على إمكانيات دعم القرار في خدمات النفايات.

أـ هيكلية إدارة النفايات

لا توجد هيكلية تنظيمية واضحة لإدارة النفايات في طرابلس بين الجهات المسؤولة على مستوى الحكومة والإدارة المحلية. تبدأ الهيكلية الحالية لإدارة النفايات من وزارة الحكم المحلي التي من مهامها وضع سياسات الإدارة المحلية، والإشراف على إدارة النفايات من خلال إدارتها كلاّ من المرافق المحلية وشؤون الإصحاح البيئي.

ويتبع للوزارة كل من البلديات وشركة الخدمات العامة، تعمل الهيئة العامة للبيئة ومكاتب الإصحاح البيئي في وزارة الحكم المحلي والبلديات بوصفهما جهة رقابية تشرف على جودة إدارة النفايات.

تمرّ إدارة النفايات بدورة غير مستدامة، حيث تُترك النفايات لتتراكم في مكبّاب مفتوحة من دون معالجة. تُنقل النفايات بشاحنات من المناطق السكنية والعامة إلى المكبّات المرحلية داخل نطاق المدينة أو خارجه، وهي مكبّات أبو سليم، والسواني، وتاجوراء، ومعيتيقة، وأحيانا مكبّ المعمورة الذي يقع خارج طرابلس.

ومن المفترض أن تعالج المخلّفات، وتنقل إلى المكبّ النهائي سيدي السائح في جنوب طرابلس.

أما من الناحية التنفيذية، فتشرف شركة الخدمات العامة وفق قوانين إنشائها قبل العام 2011، على تجميع النفايات ونقلها بالتعاون مع الشركات الوطنية والبلديات المسؤولتين عن إدارة النفايات في طرابلس.

فوفقا للقانون رقم 59 للعام 2012 المتعلّق بإنشاء البلديات ولائحته التنفيذية، تشمل صلاحيات البلديات الرقابة على مستوى النظافة العامة، وتجميع النفايات والتخلص منها. ومع أن البلديات تتمتّع أيضا بصلاحيات في إدارة النفايات، لم تفعّل هذه الصلاحيات، كما لم يفعّل الجسم المسؤول عن تنسيقها بين الحكمين المركزي والمحلي، أي المحافظات.

هذه العوامل عرقلت قدرات البلديات الإدارية والمالية على تنفيذ أعمال إدارة النفايات في نطاقها.

ب ـ الخلافات والتوتّرات

ـ الخلافات بين البلديات وشركة الخدمات العامة ـ طرابلس

حاولت الحكومة أن تتعامل مع الأزمة من خلال دعم قرارات التحوّل إلى اللامركزية في إدارة النفايات. أحد هذه القرارات كان القرار رقم 2011 الصادر عن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في أيلول\سبتمبر 2019، والذي قضى بأن تتولى 6 بلديات طرابلس أعمال النظافة بميزانية تنقل إليها من مخصصات الميزانية شركة الخدمات العامة ـ طرابلس.

وألزم المجلس وزارة الحكم المحلي بفتح حسابات مصرفية لإيداع رسوم الجباية للبلديات كمصدر تمويل إضافي. وخلال شهرين شُكّلت لجنة برئاسة نائب رئيس المجلس الرئاسي لتوزيع ميزانية النظافة بين البلديات وشركة الخدمات العامة.

نشبت خلافات قانونية بين البلديات والشركة بعد بدء تنفيذ هذا القرار. ففي خطاب وجّهته بلدية سوق الجمعة إلى المجلس الرئاسي في كانون الأول/ديسمبر 2019، اعترضت البلدية على عدم التزام الحكومة بصرف مخصّصات النظافة للبلديات، بعد أن منحت اللجنة المسؤولة عن توزيعها نصف القيمة الشهرية التي وعدت بها البلديات، والنصف الآخر لشركة الخدمات العامة.

وأشارت البلدية إلى أن شركة الخدمات العامة لم تستطع طيلة سنوات طويلة رفع مستوى النظافة في البلدية كما فعلت البلدية نفسها. ورأت أن دعم الحكومة الضعيف لها في إدارة النفايات حرب ضدّ الانتقال إلى الحكم المحلي، مطالبة بأن يتم تحويل الميزانية المخصّصة لها عن طريق وزارة المالية.

في المقابل، اتخذت شركة الخدمات العامة بشأن القرار رقم 1011 إجراءات مساءلة قانونية، حيث طالبت إدارة القانون في المجلس الأعلى للقضاء بالرأي القانوني بشأن قرار المجلس الرئاسي، الذي صدر لصالح تفعيل التحوّل إلى اللامركزية في إدارة النفايات.

فرد المجلس الأعلى للقضاء بأن القرار غير صحيح، ومخالف لقانون إنشاء البلديات وشركة الخدمات العامة، وأيّد عدم نقل اختصاصات شركة الخدمات العامة وميزانيتها إلى البلديات.

يتبع في الجزء الثالث

***

ريما إبراهيم ـ تعمل في معهد الشرق في بيروت كمساعدة بحثية منذ تموز 2019

________

مواد ذات علاقة