هل يمكنهن منح الجنسية لأبنائهن؟

تعتزم نساء ليبيات متزوجات من أجانب المطالبة بحقوقهن أمام محاكم محلية، استباقاً لنتائج الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، الذي تطالب النخبة السياسية بتسريع إجرائه تمهيداً لتنظيم الانتخابات المقبلة في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.

ومنذ أن بدأت السلطات في منح مواطنيها أرقام الهوية الإلكترونية منتصف العام 2013، دار جدل قانوني حول حقوق أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب، واللواتي يُقمن في البلاد، في الحصول على الجنسية، باعتبار أن إسقاط هذا الحق يعني ضياع حقوق هؤلاء الأبناء في التعليم والتملك والحصول على علاج مجاني وغيرها، بحسب ما تقول المحامية مريم البريكي لـالعربي الجديد“.

وتفرّق مسوّدة التشريع بين الليبي والليبية في شأن منح الجنسية للأبناء، إذ تمنع المواطنات من ذلك في حال تزوجن من أجنبي.

لكن نزهة حميد، المتزوجة من أجنبي، تتهم السلطات بـالتهرب من مسؤولياتها في تنفيذ تشريعات دستورية لا تلحظ هذه التفرقة“.

تقول حميدة لـالعربي الجديد“: “التعديلات المتلاحقة على قانون الجنسية أهدرت حقوق الأبناء.

وخلال مرافعات أمام محاكم في بنغازي، وعدت السلطات بمنح أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب حق الإقامة فقط، بلا حق المواطنة، وهذا أمر مرفوض نعتبره تحايلاً وتهرباً من المسؤولية، علماً أن حميد انضمت إلى مجموعة نساء يعتزمن رفع دعوى قضائية أمام المحاكم، لتحديد حق أبنائهن وفقاً للتشريعات النافذة التي تلزم السلطات بذلك.

وحول إمكان نجاح حصول هؤلاء النساء على حقوق أبنائهن، تشير البريكي، وهي محامية امرأة من هذه الشريحة، إلى دعوى ينظر فيها القضاء في بنغازي: “سيستمر هذا الجدل حتى استقرار الوضع السياسي وضبط الأمن“.

وتوضح البريكي في حديثها لـالعربي الجديدأن العقبة الأولى تتمثل في عدم امتلاك السلطات أي رقم دقيق لعدد المعنيين بالمسألة، ما يجعلها قضية مفتوحة على كل الاحتمالات حتى في حال قبلت المحكمة النظر في الدعوى.

وهناك مشكلات كثيرة عالقة حول الجنسية تخشى السلطات مواجهتها، بينها زواج مهاجرين سرّيين من دول أفريقية بليبيات أنجبن أبناءً لهم في الوطن“.
وتتحدث حميد عن صعوبات تواجهها أسرتها، فأنا تزوجت من تونسي مولود في ليبيا.

وقدمت إلى مصلحة الأحوال المدنية أوراقاً تثبت ذلك، وحصلت عليها من سلطات منطقتي المحلية. لكن ذلك لم يسهّل نيلي حقوق أبنائي الثلاثة الذين أدفع نحو 1600 دولار سنوياًِ رسوماً لتدريسهم“.

وفي شأن العلاج تقول: “كأية ليبية أقصد مصحات خاصة بسبب انهيار الوضع الصحي في البلاد“.

توضح المحامية البريكي أنها تحاول الحصول على وثائق من إدارة البحث الجنائي في بنغازي، في إطار بحثها عن مستندات قانونية تدعم مرافعتها في قضية المتزوجات من أجانب.

وتشير إلى أن هذه الإدارة أعلنت، في فبراير/ شباط الماضي، بدء عمل لجنة خاصة لجمع المعلومات عن العرب والأجانب المقيمين في البلاد. لكن هذه اللجنة لم تنهِ عملها، في حين تتحجج إدارة البحث الجنائي بسرّية العمل.

ورغم اعتقادهن بضعف احتمال أن تلقى الدعاوى تجاوباً كبيراً لدى القضاء، تؤكد نساء متزوجات من أجانب أن وقوف منظمات أهلية حقوقية إلى جانبهن قد يعطي القضية الزخم المطلوب، خصوصاً إذا جرى التركيز على دوافع النساء للزواج من أجانب، مثل هجرة الشبان وارتفاع نسب العنوسة وكلفة الزواج“.

وتختلف قضية حواء نقيق، المتزوجة من سوداني طلّقها بعد ولادة طفلين وهاجر من دون أن يترك أي عنوان. تروي لـالعربي الجديدأنها تزوجت برضا أسرتها وأن عقدها قانوني، لكن عدم حصول طفليها على الجنسية منعها من إضافتهما إلى راتبها الحكومي، وراكم التزامات مادية كبيرة عليها.

تقول: “هجرة زوجي أبقت طفليّ بلا أوراق رسمية لتجديد إقامتهما في ليبيا كونهما أجنبيين أيضاً، فأدخلتهما مدرسة خاصة بالتحايل، وسأصطدم إذا تخرجا بعقبة عدم إمكانية حصولهما على شهادة رسمية“.

وفيما تؤكد البريكي أن عدد النساء اللواتي يستعددن لتقديم دعاوى أمام القضاء يتجاوز العشر، تلفت إلى أن التشريع الليبي المعتمد حتى العام 2010 كان يمنح الجنسية لأبناء الليبيات المتزوجات من أجانب شرط ولادتهم في البلاد، لكن تعديلات قانون الجنسية خلال السنوات التالية جعل الأمر عسيراً جداً.

واعتبرت أن الفوضى القانونية التي يعانيها التشريع الليبي قد يُجبر الجهات المعنية على إجراء مراجعات ومنها قانون الجنسية، ما يجعل العودة إلى قانون الجنسية لعام 2010 هو الأمل الوحيد المتوفر حالياً لإنقاذ مصير عشرات من الأطفال الذين وقعوا ضحية الفوضى السائدة في البلاد.

*******

حرمان أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب من اكتساب الجنسية

يعاملون كغرباء ويمنعون من التعليم والتوظيف والعلاج والانتخابات

أصبحت قضية عدم منح الجنسية لأبناء الليبيات، المتزوجات من أجانب، واحدة من أبرز الأزمات التي تؤرق النساء الليبيات، والتي كافحن من أجلها منذ سنوات، وطالبن بتعديل القوانين بهدف إنصافهن.

تقول الناشطة المدنية آمال الناني إن واقع الليبيات اللواتي تزوجن من أجانب «مؤلم ومرير، وذلك بسبب معاملة أزواجهن وأبنائهن معاملة الأجانب، وهو ما ينجم عنه حرمانهم من التعليم والعلاج المجاني، وأي امتيازات أو منح تقدمها الدولة لمواطنيها، مثل منحة أرباب الأسر».

وأضافت الناني، رئيسة جمعية «أنا ليبية وابني غريب» (غير حكومية) أن الحرب التي مرت بها البلاد «تسببت في فقد كثير من الوافدين المتزوجين من ليبيات لمصادر رزقهم، وبسبب تضاعف أعباء هذه الأسر بدأنا في تأسيس الجمعية عام 2015 سعياً لحصول أبنائهم على الجنسية الليبية».

مشيرة إلى أن المرأة الليبية المتزوجة من أجنبي «تتم معاملتها هي أيضاً كأجنبية، حتى إن ظلت محتفظة بهويتها الوطنية»، وأوضحت في هذا السياق أن «رقم القيد الخاص بهؤلاء الليبيات يتضمن إشارة إلى زواجها من أجنبي، وينجم عن ذلك في أحيان كثيرة تعامل البعض معها على أنها أجنبية، وبالتالي إسقاط حقها في أي منظومة حكومية يتم التسجيل بها إلكترونياً، مثل التوظيف وانتهاء بحق المشاركة بالانتخابات، بل إن هناك حالات سيدات فقدن وظائفهن بالفعل».

وأوضحت الناني أنه «لا توجد إحصائية رسمية حول عدد هؤلاء الليبيات، لكن عددهن ليس قليلاً، وللأسف لم نستطع إقناع بعض النواب، الذين تواصلنا معهم، بتقديم مشروع قانون يصحح هذه الأوضاع».

وتابعت موضحة «علاوة على الوضع المادي، تعاني هؤلاء الليبيات من نظرة دونية من قبل البعض، وأحياناً المعايرة بأن الزواج بها تم بدافع المصلحة والاستغلال من قبل الزوج الأجنبي!».

ولم تبتعد الأكاديمية والمحاضرة المتخصصة بحقوق الإنسان والقانون الدولي بجامعة طرابلس، خديجة البوعيشي، عن الطرح السابق، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن المادة رقم (11) من قانون الجنسية لعام 2010 «لم تمنع حصول أبناء الليبيات المتزوجات من أجنبي على الجنسية، إلا أنها قيدت ذلك الحق بما تضمنته اللائحة التنفيذية للقانون من ضوابط عديدة.

فمثلاً إذا كان هؤلاء الأبناء أقل من 18 عاماً فإنه لا يجوز لهم التقدم لطلب الحصول على الجنسية، إلا في حالة وفاة الوالد الأجنبي، أو اعتباره مفقوداً بحكم قضائي، وإذا تجاوز الأبناء هذه السن فيتوجب عليهم إحضار ما يثبت موافقة الأهل على طلب اكتساب الجنسية.

بالإضافة إلى مستندات تفيد بحصول والديهم على موافقة مسبقة من وزارة الشؤون الاجتماعية قبل عقد قرانهما، وبعدها يكون الأمر متروكاً لتقدير السلطات المختصة في قبول هذا الطلب أو رفضه».

وقارنت البوعيشي بين وضع هؤلاء الليبيات وبين تمتع الرجل الليبي المتزوج بأجنبية، سواء كان يقيم في البلاد أم خارجها، بنقل جنسيته بسهولة لأولاده فور ميلادهم، معتبرة أن ذلك يعد تمييزاً ضد المرأة، ويتعارض كلية مع مصادقة ليبيا على اتفاقية «سيداو» الخاصة بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.

ومن جهتها، ورغم إبداء تفهمها الكامل للظروف التي دفعت الليبيات للزواج من أجنبي، وخصوصاً ارتفاع العنوسة بسبب الحرب، وهجرة الشباب وتزايد نفقات الزواج، اعتبرت عضو الهيئة التأسيسية للدستور، نادية عمران، أن ذلك «ليس مبرراً على الإطلاق لتخلي الدولة عن واجبها، وفرضها إجراءات وقائية لحماية المرأة من الاستغلال، في ظل ما تشهده ليبيا من تدفق غير محدود من المهاجرين غير الشرعيين والوافدين».

وقالت عمران لـ«الشرق الأوسط» إن القانون الليبي «لا يمنح الأجنبي الجنسية لمتزوج بليبية، لكن يعطيه أفضلية للحصول عليها، ويمنحه حق الإقامة، لكنْ هناك حالياً تريث في إجراءات منح الجنسية بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية».

وبمواجهة الحديث عن معاناة تلك الشريحة، طالبت عمران بالنظر بموضوعية للكوارث، التي نجمت عن تزايد هذه الزيجات بعد عام 2011، وقالت إن «الأمر لا يتوقف عند عودة الزوج إلى وطنه، أو الهجرة إلى أوروبا، وترك زوجته الليبية وأولادها، وللأسف هناك من يتركها دون مستند يثبت صحة الزواج، وبالتالي يعامل أولادها معاملة الأطفال غير الشرعيين ومجهولي النسب، ولذا وجب على وزارة الشؤون الاجتماعية دراسة طلبات الزواج للتأكد من الجدية والتكافؤ».

وحول ما تضمنه مشروع الدستور المُعد وما يتعلق بهذه القضية، قالت عمران إن الدستور «قائم على المواطنة وعدم التمييز، ولم يمنع منح الجنسية لأبناء المتزوجة من أجنبي وترك الأمر للقانون، وبإمكان الجمعيات النسائية والمجتمع المدني بعد الاستفتاء على الدستور تنظيم الجهود للضغط على السلطة التشريعية لإصدار مثل هذا التشريع، اعتماداً على مبدأ المساواة».

واختتمت عمران حديثها بالتأكيد على أن زواج الليبية من أجنبي «لا ينتقص بأي حال من حقوقها كمواطنة في الاحتفاظ برقمها الوطني، ورقم القيد الخاص بها، وما يتبعه من حصولها على كافة حقوق من الدولة».

____________

مواد ذات علاقة