علي عبداللطيف اللافي

إن ما جرى ويجري مؤخرا في بقية دول شمال افريقيا ستكون انعكاساته كبيرة واستراتيجية على المشهد في ليبيا وعلى الأجواء والطرق الممهدة لانتخابات 24 ديسمبر 2021.

الجزء الثاني

آليات التصدي لداعش في افريقيا والمؤثرات الأخرى في المشهد السياسي الليبي

الثابت أن برلين الثاني ورغم أن الحضور الدولي فيها لم يكن نوعيا (درجة التمثيل السياسي)، ورغم مقاطعة بلدان على غرار المملكة المغربية مثلا، فقد تم فيه إقرار خارطة طريق للتأكيد على ضرورة مغادرة المرتزقة للتراب الليبي كما تم حسم الذهاب لإنجاز الاستحقاقات الانتخابية في موعدها المحدد.

وهو ما وضع الدول المتداخلة في الملف الليبي في وضعية الإقلاع الكلي على أي تعطيل وارباك او حتى اللعب على الهوامش مثلما جرى بعد مؤتمرات باريس أو باليرمو أو برلين.

تم خلال الأيام الماضية عقد مؤتمر دولي مهم في العاصمة الإيطالية “روما” وهو مؤتمر خصص للنظر في استراتيجيات محاربة التنظيم الإرهابي “داعش” في القارة الافريقية.

هذا المؤتمر جاء على أثر تقليص سابق لقوات الافريكوم (والتي بقي منها فقط ما هو استخباراتي)، ومعلوم أنه تم طرح سؤال حول تغيير العقيدة الأمنية في افريقيا وخاصة بعد أحداث افريقيا الوسطى خلال الأشهر الماضية.

القرار الفرنسي بمغادرة مالي وسحب قواتها من هناك، إضافة الى مقتل الرئيس التشادي ادريس ديبي في نهاية ابريل الماضي ومن ثم ضعف مواجهة الإرهابيين في بحيرة التشاد.

وقد أكد المؤتمرون أهمية تكاثف الجهود على كل المستويات في التصدي للتيارات الإرهابية ومحاربتها ثقافية واجتماعيا وأمنيا واستخباراتيا، وستساهم نتائج المؤتمر نسبيا في التقليص من خطورة التنظيمات الإرهابية في الصحراء الليبية.

معلوم أن هناك قوات بالقرب من حدود تشاد والنيجر حيث بقيت هناك العديد من الخلايا النائمة والتي فرّت الى هناك بعد قتال قوات البركان المرصوص لتنظيم داعش الإرهابي في سرت سنتي 2016 و2017 ،

وهي خلايا تتمثل أدوارها اللوجستية في ان تكون سيفا مُسلّطا على الحكومات المركزية في ليبيا وتشاد والنيجر والسودان وهي عدديا تمثل تقريبا سدس ما كان موجودا في سرت سنة 2015 ولحظة قتالها من طرف قوات حكومة الوفاق سنة 2017.

هناك من يعتقد “أن المحور الإقليمي وثلاثي التركيبة (مصر – الامارات – السعودية)، قد عمد في إطار فرض خياراته وأنه قد يكون لجأ للتكتيك والايهام بانقسامه واللعب على عامل الازدواجية”.

واذا ما علمنا أن السعوديين والاماراتيين يحبذون منذ بداية العقد الماضي اللعب على هوامش السياسات الأمريكية مهما كان الرئيس الأمريكي المباشر في البيت الأبيض وهو ما يعني أنهم سيبحثون اليوم وقبل الغد لتشكيل المنطقة على هواهم ورؤيتيهم.

وفي هذا الاطار وضمن الاعتقاد المشار اليه أعلاه فان ليبيا ستعيش جولات ارباك جديدة ولكنها لن تكون في الغالب الا سياسية واجتماعية وليست عسكرية أو أمنية لان الاماراتيين حتى لو شكلوا ما يسمونه الحلف الشيطاني للتحكم وتشكيل المنطقة سيبقون أولا وأخيرا وظيفيين وستنتهي مهمتهم يوم تأتي الأوامر من الغرف الدولية وغرف المحافل الدولية ومن صانعي القرارات الاستراتيجية من مكاتب كبرى شركات العالمية.

فعليا ورغم كل التطورات في الإقليم ورغم ترتباته ومؤثراتها العديدة فانه من الصعب الغاء المسار الديمقراطي في ليبيا والاتجاه مجددا للحرب تحت أي مُبرر.

وحتى لو أُجلت الانتخابات وهو أيضا أمر صعبذلك أن ملف شمال افريقيا في مربعات الإدارة الأمريكية الحالية مُصنّف ضمن طابع الاستقرار كما أن ملفات بلدان المنطقة (الشرق الأوسط وشمال افريقيا وغربها)، جميعها ملفات نائمة في عرف ساكن البيت الأبيض الحالي بما في ذلك ملف الصراع العربي الصهيوني.

سيبقى للمؤثرات الإقليمية مساحات كبرى، وسيبقى الامر مفتوحا من حيث تأثر أجواء الانتخابات وتشكيل القوائم والتحالفات وطبيعة خيارات الناخبين الليبيين في هذا الاتجاه او ذاك.

نتائج حزب العدالة والبناء (الإسلامي التوجه) ستبقى مرتبطة بالأجواء في دول الإقليم ذلك أن بقاء حركة النهضة في الواجهة السياسية في تونس ومشاركة حزبي “حمس” و”البناء الوطني” في الحكومة الجزائرية الجديدة ونتائج حزب “العدالة والتنمية” الاسلامي في المغرب في انتخابات سبتمبر القادم، عوامل ستكون محددة لنتائج اسلاميي ليبيا ونتائج “العدالة البناء” تحديدا رغم ان عوامل أخرى ستحدد تفاصيل نتائجه:

  • طبيعة قوائمه واشعاعه السياسي والاجتماعي

  • طبيعة مواقفه ومدى قدرته على بناء بُنتيه التنظيمية ومدى نجاحه في ضمه للمستقلين والشباب والنساء وبعض نخب جامعية ورجال أعمال ومستثمرين.

  • قدرته على بناء تحالفات مع أنصار تيار فبراير وخاصة في استيعابه لجزء من أنصار المفتي ومن شباب الصوفية والمتدينين المعتدلين من خارج مربعاته التنظيمية ومن خارج مربعات جمعية الاحياء والإصلاح.

  • درجة دعمه للمصالحة مع أنصار النظام السابق وطبيعة شعبية علاقاته في المناطق الثلاث وخاصة ضمن مربعات القبائل الكبرى.

من خلال تلك القراءات والمعطيات والأمثلة فإن العلاقة بين القاهرة وأبوظبي من جهة وبين القاهرة وأنقرة من جهة ثانية ستبقيان محددتين للعديد من المؤثرات المباشرة وغير المباشرة سواء في نتائج الانتخابات أو في آليات الاستعداد لها او في طبيعة الأجواء الاجتماعية التي تدور فيها.

ذلك بناء على أن التوتر بين القاهرة و أبو ظبي حقيقي وليس مفتعلا أو مُدبرا لغاية ما حتى الآن.

وأن والمصريين لم ولن يصمتوا وخاصة فيما يتعلق بارباك الاماراتيين في ملفي ليبيا وأثيوبيا.

ذلك أن للإمارات علاقات بالموضوع الداخلي والاجتماعي في مصر.

وحتى لو استطاعت ابوظبي بعث الود من جديد مع القاهرة، فإنها لم ولن تصل الى بناء تحالف قوي تُديره وتكون مصر ضمنه.

كما أن مشروع الشام الجديد لا يمكن ترتيبه قبل حل الملف السوري وقبل أقل من سنوات ثلاث من الآن.

مهما تعطلت عملية التقارب بين القاهرة وأنقرة فان منطق التوازن والمصالح، سيجعل العاصمتين في مربعات التنسيق بينهما لحفظ مصالحهما الاستراتيجية ولن يستطيع أحد دق أسفين بينهما لا الامارات ولا اليونان ولا قبرص ولا حتى من هم في تل أبيب على الأقل في أفق ربيع 2022

***

علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

___________

المغاربي للدراسات والتحاليل

مواد ذات علاقة