علي عبداللطيف اللافي

وسط جدل بين أن يكُون سيف القذافيزعيما للمشروع أومجرد رافعة له ..  ينعقد مساء اليوم الخميس 15 جويلية/يوليو الحالي بأحد نزل الضاحية الشمالية، لقاء/ندوة لعرض مشروع “ليبيا الغد” في نسخته الجديدة

الجزء الثاني

عدة تنظيمات تابعة لأنصار القذافي تتبنى اليوم القُرب من النظام السابق رغم أن البعض منها هي مسميات لا أكثر ولا أقل من حيث بُناها الفكرية والتنظيمية ولكن بعضها قوية من حيث تمويلها وتركيبتها السياسية وعلاقاتها بالأنساق الاجتماعية في مصر وليبيا.

وكل تلك التنظيمات هي في حالة تقاطع وانقطاع مع مجموعة “سيف” بقيادة الدكتور “محمد العجيلي(عضو لجنة ال75)، وهذا الأخير يُعتبر أمين سر “سيف”(المُعلن على الأقل)، وما “نضال بدرالدين”مثلا إلا واجهة للتنظيم، الحزب، الحركة، المشروع، ويظهر أنه – أي نضال – أصلا اسم غير صحيح وأقرب للإسم الحركي منه للحقيقة.

ورغم أنه من الواضح أنه يحمل فعلا صفة المنسق الإعلامي في انتظار توضح المسألة مساء اليوم في الندوة المعلن عنها أو هو فعليا بديلا عن “خالد لغويل” باعتبار ان هذا الأخير تم استهلاكه إعلاميا.

أي دور مستقبلي لسيف ومشروع”ليبيا الغد”؟

أولا، من المهم التأكيد أن إطلاق مُسمَّى “حكومة الوحدة الوطنية” على حكومة “دبيبة” الحالية قد تم اطلاقه لكي تشمل الجميع ويُمكن عندئذ المُضي في تنفيذ مشروع المصالحة الوطنية وتكريس العدالة الانتقالية.

وبالتالي فان تشريك مجموعة “سيف”جار تحميله بصيغ مختلفة بل وسيتم دعمها مستقبلاخاصة انهم أي أنصار القذافي المحسوبين على “سيف” قد بدأوا في تفكيك تحالفاتهم السابقة والحالية مع حفتر بغية الانضواء الفعلي تحت مربعات المصالحة الوطنية والمساهمة الفعالة والقوية فيها.

ثانيا، تركيبة تنظيمات ومكونات “أنصار القذافي” السياسية والاجتماعية والعسكرية، مُعقدة وغامضة ومتشابكة مع رؤية أطراف محلية وإقليمية وعلى علاقة بالتعقيدات والتفاصيل الاجتماعية.

وهي ستكون في ترابط جزئي على الأقل مع رؤية وتدخل المصريين والجزائريين في الموضوع والملف الليبي مستقبلا.

وان كان بناء الحكومة والسلطة التنفيذية الحالية بُني على تشريك المناطق الثلاث، فإنه مستقبلا سينبني على السياسي وأيضا على ثنائيات عدة على غرار أنصار سبتمبر و أنصار فبراير و الإسلاميين و الليبراليين و المحافظين و المنفتحين .

والثابت أن مجموعة سيف ستكون في الواجهة اكثر وبل ستكون أكثر فاعلية واسهاما من بقية مكونات “أنصار القذافي”، وعمليا لا يختلف اثنان في وجود دور مستقبلي لـ”سيف” أو مجموعته.

ولكن الأقرب للواقع أنه لن يكون سوى مجرد شريك اجتماعي وسياسي، أو بالأحرى شخص يدعم من بعيد المصالحة الوطنية ويكون رافعة اجتماعية لها.

ذلك أن طبيعة شخصيته وأخطائه القاتلة اثناء أحداث فبراير 2011 وطبيعة الثورجية ستسمح له بأن يلعب أدوارا مباشرة على غرار ما يلوح به البعض أو أنه قد يترشح للرئاسيات القادمة مثلا.

ولكن تبقى تطورات الإقليم وطبيعة الصراع الدولي حول افريقيا وطبيعة الاصطفاف الاجتماعي في ليبيا خلال الأسابيع والأشهر القادمة هي المحدد الأول والنهائي لذلك.

أما بخصوص وجود شخصيات مقربة من سيف مستقبلا كوزراء أو وكلاء أو مسؤولين أو كسفراء ومسؤولين مناطقيين ومحليين، أمر واقع لا يختلف فيه اثنان ولكن من الواضح أن أولئك لن يكونوا من بين ممن تعلقت بهم مسؤوليات مباشرة ومعروفة في الفعل السياسي والأمني في حقبة النظام السابق.

رغم أن الحديث في طبيعة وتفاصيل العلاقة بين “حفتر” وابنائه من جهة وبين “القذافي” وابنائه من جهة أخرى، لا يمكن اختصاره في مقال أو حتى كتاب حيث أنه يتطلب مجلدات ووثائق وكواليس هي غير متوفرة.

وحتى ما هو متوفر اليوم لم ولن ينشر ولن يجرؤ أحد على نشره او البوح به لأنه ببساطة قد يُغيّرُ مُعادلات لا في ليبيا وحدها بل في كل الإقليم، ذلك أن العائلتين ثالثا، رغم ادعاء افرادهما البطولة هما على تماس وتقاطع مع مصالح وأسرار دول ومحافل وأطراف في كل العالم – وهذا موضوع ثان ومعقد الثنايا والتفاصيل-.

ولكن الثابت أن هناك التقاء وتقاطع بين الأطراف الإقليمية والشرق أوسطية تحديدا التي تدعم “حفتر” اليوم او بالأحرى تُلاعبه أو كانت تلاعبه بين 2014 و 2020 بل ولاعبته منذ بداية السبعينات، وبين من كان سندا لـ”القذافي” وحليفا له وبعضها يدعم اليوم “سيف” ومجوعته وأنصاره وبعض مقربين منه أو هم موالين له اجتماعيا وسياسيا.

ولكن السؤال هل يُمكن لسيف ان يكون داعما لحفتر أو على الأقل في تقاطع معه أو ان دخول أي منهما للساحة يعني غياب الثاني أو انتفاء دوره؟

رابعا، المصالحة الوطنية برنامج أولوي في ليبيا بغض النظر عن هوية الحكومة وتركيبتها وأدوارها وبغض النظر عن مشاركة “أتباع القذافي” في الفعل السياسي قبل وبعد انتخابات 24 ديسمبر وسواء وقع ارجاء الاستحقاقات الانتخابية الى سنة 2022 أو لا.

والثابت أيضا أن رموز نظام “القذافي” سيطلق سراح أغلبهم وأنه سيسمح لكل المهجرين بالعودة الى ليبيا ووضع أنفسهم على ذمة القضاء – وخاصة ممن لم يتورط في جرائم القتل والاغتصاب وسرقة أموال الشعب الليبيوأن القضاء سيكون الفيصل في بقية القضايا والشكاوى المرفوعة ضد هذا الطرف او ذاك وسواء كان من أنصار “سبتمبر” أو “فبراير” أو محسوبا على العهد الملكي أيضا وسواء كان محسوبا على تيار الكرامة أو فجر ليبيا.

ومع ذلك فـسيف”شخص مُثير للجدل لا محليا فقط بل أيضا بين الأطراف الإقليمية والدولية ولكن الثابت أنه سيٌسمح لكل فرد في عائلة القذافي بالتمتع بحقوقها الاجتماعية والسياسية ما لم يكن متابع قضائيا أو غير مشتكى به، وهو أمر ينسحب على “سيف”.

وهو ما يعني ان سيف سيواجه أولا ما رفع عنه من قضايا والتي قد يتم ترتيب أمر بعضها عبر الزمن، وبين هذا وذاك سيبقى الرجل فاعلا ومؤثرا ولو من وراء بعض مقربين منه.

ولكنه لا يمكن ان يكون في أفق السنوات القادمة مُتصدرا للمشهد بشكل رئيسي إلا اذا تطورت الأحداث وتماهت تطوراتها في ليبيا والإقليم ودوليا لصالحه، وهو أمر نراه وفقا لاستشرافنا للأحداث غير ممكن بل هو أمر مستحيل في أفق السنتين القادمتين.

خامسا،“سيف” مثله مثل الجنرال المتقاعد “خليفة حفتر” هو مشروع وليس مجرد شخص وهو تواصل لمشروع ليبيا الغد الذي ستتم اليوم في تونس بالذات احياء أولي له وبروزه مجددا هو انعكاس لواقع إقليمي أولا ودولي ثانيا.

ولكن الثابت أيضا أن عودة الأنظمة القديمة أمر غير ممكن ولا هو متاح في كل المنطقة العربية لأن التاريخ لا يعود للخلف أولا، وثانيا هو غير ممكن حتى جزئيا – بما يعني تصدر الأحزاب الممثلة للأنظمة القديمةخاصة في ظل الديمقراطيين والذين يدعمون بقوة تجارب الانتقال الديمقراطي.

ولكن مشاركة أشخاص محسوبين على تلك الأنظمة ممكن وخاصة عبر تمشي مرحلي وبناء على تفعيل قوي لأسس العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، ذلك أن المواطنة تقوم أولا وأخيرا على ثنائية الحق والواجب والقدرة على خدمة الوطن والأمة.

ذلك يعني أن “سيف” وشركائه يُمكن لهم أن يكونوا طرفا في المشهد السياسي ويمكن ان يكونوا جزء من ائتلاف سياسي تُحدد نتائج صناديق الاقتراع أي أن يكونوا في الحكم او المعارضة.

سادسا، ستَبقى التطورات في الإقليم وخاصة في مصر والجزائر وتونس والخليج، مُحددا رئيسيا في الفعل السياسي المستقبلي لـ”سيف” ومحيطه السياسي والاجتماعي ولكن وضعه القضائي والصحي والشخصي والعائلي محددا رئيسيا في ان يكون فاعلا ومتصدرا أو مستشارا من الخلف وداعما لأي من قيادات تنظيمه (الجبهة الشعبية) او مجموعته (بقيادة محمد العجيلي أو من طرف شخصيات ثقات ووظيفيين عند سيف ومرتبطين بما هو مرتبط به)

***

علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

___________

المغاربي للدراسات والتحاليل

مواد ذات علاقة