عبدالله الكبير

شكل اجتماع مجلس الأمن الدولي الخميس الماضي لبحث تطورات الأزمة الليبية، مناسبة جديدة لتأكيد الالتزام الدولي بخارطة الطريق، وصولا إلى إجراء الانتخابات العامة في 24 ديسمبر المقبل .

إلى جانب وزراء خارجية ومندوبي الدول الأعضاء والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، كان حضور رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة للجلسة تطورا لافتا، إذ اقتصر الحضور الليبي في السابق على سفارة ليبيا في الأمم المتحدة، وفي مؤتمر برلين الأول لم تكن ليبيا على منضدة الاجتماع رغم دعوة السراج وحفتر للمؤتمر، فيما شارك رئيس حكومة الوحدة الوطنية بشكل رسمي في اجتماع برلين الثاني، وهو مؤشر على موقف دولي جديد تعزز في جلسة مجلس الأمن يتجاوز حالة الانقسام المؤسسي في ليبيا بين حكومتين، ويقلص قليلا من الولاية الدولية على ليبيا.

 لم يأت الاجتماع بجديد تقريبا على مستوى المواقف المعلنة للدول بدعم التحول السياسي وفق خارطة الطريق المعتمدة في جنيف . استمرار دعم وقف إطلاق النار، إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، التأكيد على وقف توريد السلاح. لكن التشديد كان واضحا على تنفيذ الانتخابات في موعدها المحدد والتلويح بمعاقبة المعرقلين.

 جدية الطرح في موضوع العقوبات يمكن استقراؤها في مواقف الأطراف المحلية التي سبقت الجلسة، فللمرة الثانية يخرج المتحدث باسم حفتر مستبقا موعد الجلسة، معلنا تأييد إجراء الانتخابات في موعدها مؤكدا على إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب، إذ كان له بيان في نفس الاتجاه قبل ساعات من مؤتمر برلين.

هذا التحول الظاهري في موقف حفتر الذي طالما استخف بالديمقراطية والانتخابات، وسعى أكثر من مرة للحصول على تفويض شعبي، بل ونصب نفسه رئيسا بناء على مناشدات ومطالب شعبية لم يسمع بها أحد سواه، يؤكد استشعاره جدية وعزم القوى الغربية الكبرى في توقيع عقوبات ضد من يقف في طريق الحل الذي توجهه الإدارة الأمريكية، ولاشك أن ماتبقى له من حلفاء قد أبلغوه أنه لن يكون محصنا من العقوبات، إذا لم يذعن للتوجه المختلف لإدارة أمريكية جديدة وللقوى الأوربية الأخرى، التي تسعى للعودة لدورها في ليبيا بعد تراجعه أمام تقدم تركيا وروسيا.

وكذلك تعهدت الأطراف السياسية في مجلس الدولة والبرلمان للمبعوث الأممي بدعم إجراء الانتخابات في موعدها، ولكن باشتراطات متناقضة في تفاصيل الأساس الدستوري.

 إحاطة المبعوث الأممي كوبيش حملت قدرا لايستهان به من التشاؤم. ذكر أن السلام هش، وعديد الخطوات نحو توحيد البلاد والمؤسسات لم تكتمل، والنظام المصرفي مهدد بالانهيار، والإخفاق في إنجاز القاعدة الدستورية مستمر، وبكل وضوح قال إن قوات حفتر تمنع حكومة الوحدة الوطنية من بسط نفوذها في مناطق سيطرتها.

الموقف الروسي تطور كثيرا خلال هذه الجلسة، إذ أشار المندوب الروسي إلى الخروج المتزامن للقوات الأجنبية والمرتزقة للحفاظ على حالة توازن القوة، بينما طالبت روسيا في جلسة سابقة بضرورة التنسيق مع الدول التي سيعود لها المرتزقة ونزع سلاحها، وهما شرطان يزيدان من تعقيد المهمة. يبدو أن روسيا باتت تدرك تصميم القوى الغربية لإخراجها من ليبيا، ومن ثم قدمت استجابة مشروطة تمكنها من المناورة مع تركيا في موضوع الخروج المتزامن.

 رسائل القوى الكبرى في كلمات ممثلي الدول والبيان الختامي كانت واضحة. فحث المؤسسات التشريعية مع التركيز على مجلس النواب، على سرعة التوافق على قاعدة دستورية، يعني أن خيار فرضها من الأمم المتحدة وارد. والتلويح بالعقوبات دفع حفتر إلى استدعاء عقيلة صالح وتجديد التحالف معه، وتجاوز مرحلة التنافس والخلافات التي طرأت بينهما عقب هزيمة حفتر في معركة طرابلس.

والخروج في اليوم التالي للجلسة لإعلان موقفهما المشترك من التطورات. وكان حديثهما عن صعوبة المرحلة المقبلة هو توطئة للضغوطات الدولية المحتملة، إزاء استمرار تعنت عقيلة في منح الميزانية، وسعيه للهيمنة على الحكومة من خلال تصوره للتوزيع المتساوي للمناصب بين أقاليم ليبيا.

وطلب ميزانية خاصة لحفتر الذي يعاني من نضوب موارده المالية، بعد تراجع الدعم الإماراتي نتيجة الضغوط الأمريكية، ونفاد الخردة القابلة للتصدير في مناطق نفوذه، وقد حاول تعويض خسائره بتكليف أبنائه الإشراف المباشر  على ممرات التهريب في الجنوب تحت لافتة مكافحة الإرهاب.

 والحاصل أن الخلافات العميقة حول القاعدة الدستورية، وقلة حيلة الحكومة، وموقف عقيلة صالح من حكومة الوحدة الوطنية الذي أعلنه بمعية حفتر، والشكوك في جدوى العقوبات الدولية.

تطرح المزيد من الشكوك حول إمكانية إجراء الانتخابات في ديسمبر، كما أنها تنذر بعودة الانقسام بين الشرق والغرب، وتلقي ظلالا من الشك حول استمرار الكيان الليبي موحدا.

*********

خلفية: جلسة مجلس الأمن حول المسار السياسي في ليبيا

لا يزال مسار العملية الانتخابية يواجه العديد من التعقيدات والعراقيل بين مختلف الأطراف الليبية، في وقت يعقد فيه مجلس الأمن جلسة حول المسار السياسي في ليبيا، في خطوة جديدة لحشد موقف دولي داعم للجهود الأممية من أجل حلحلة الأزمة الدستورية التي تعانيها البلاد وإجراء الانتخابات في موعدها المقرر بـ24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ويستعد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة للمشاركة في الجلسة الخاصة التي سيعقدها مجلس الأمن، غداً الخميس، وسيرافقه وفد وزاري من ضمنه وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش.

وبحسب مصادر محلية، تحدثت لــالعربي الجديد، فإن الدبيبة سيقدم إحاطة عن الوضع في بلاده لأعضاء مجلس الأمن بهدف نقل رسالة للمجتمع الدولي يعبر فيها عن انزعاجه من مواقف مجلس النواب والأطراف المعرقلة لإنجاز مهام حكومته للتمهيد للانتخابات المقبلة.

وأشارت المصادر إلى أن الدبيبة سيجري عدداً من اللقاءات مع كبار مسؤولي الدول الأعضاء بمجلس الأمن على هامش الجلسة من أجل استثمار الدعم الدولي لحكومته كورقة ضغط على الأطراف المعرقلة لمهامها، لا سيما مجلس النواب.

وكان المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا يان كوبتيش قد أكد مشاركته في جلسة مجلس الأمن وتقديم إحاطة لأعضاء المجلس خاصة بالأوضاع التي وصل إليها المسار الدستوري المتعلق بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 24 ديسمبر.

وبحسب كلمة له خلال مراسم تسليم تقرير المراجعة النهائية للبنك المركزي في طرابلس، الخميس الماضي، حث يان كوبتيش أعضاء ملتقى الحوار السياسي على الاستمرار في مشاوراتهم حول القاعدة الدستورية.

ويرى المحلل السياسي الليبي مروان ذويب، في حديث لـالعربي الجديد، أن مشاركة الدبيبة في جلسة مجلس الأمن بمثابة شكوى للمجتمع الدولي من عرقلة الأطراف الليبية، معتبراً انه مسعي يعكس حدة الخلافات والانقسامات التي يتجه إليها المشهد الليبي.

ويشرح ذويب أن الدبيبة له هدف آني يتمثل في الحصول على ميزانية حكومته التي لا يزال مجلس النواب يعرقلها، مرجحاً في الوقت ذاته، أن يكون له هدف بعيد من خلال هذه الزيارة التي ستمكنه من لقاء وزراء خارجية عواصم كبرى بهدف التسويق لنفسه كرجل قادر على قيادة البلاد في أي مرحلة“.

الأزمة الدستورية

وخلال الساعات الماضية من نهار أمس الثلاثاء، تداولت منصات التواصل الاجتماعي أنباء بشكل كثيف تتعلق باستقالة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، ما حدا بوزارة الخارجية إلى نفي تلك الأنباء والتأكيد على استمرارها في عملها، وهو مؤشر آخر حول وجود انقسامات عميقة داخل المشهد الليبي، بحسب رأي ذويب.

وفي حين يؤكد ذويب أن هذه الانقسامات المكتومة تعكس عمق الأزمة الدستورية ومخاوف كل الأطراف من إقصائها من المشهد حال وصول البلاد إلى مرحلة الانتخابات، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الليبية خليفة الحداد أن المشهد المقبل بات مفتوحاً على عدة سيناريوهات.

ويرجح الحداد، خلال حديثه لـالعربي الجديد، أن تصدر عن مجلس الأمن خطوات أكثر فاعلية في اتجاه فرض عقوبات على المعرقلين للعملية الانتخابية، خصوصاً أن لجنة العقوبات ستقدم تقريراً لها خلال الجلسة.

وفي هذا الشأن، يشير إلى أن أهم السيناريوهات المقبلة هي تزايد الضغط الدولي في اتجاه إقرار القاعدة الدستورية المقترحة من اللجنة القانونية للملتقى كونها الإطار الدستوري الأكثر استيعاباً لأهداف ومصالح الدول المتدخلة في الشأن الليبي.

وفيما يبدو أن الخلاف يتمحور حول آليات الانتخابات القانونية، إلا أن الحداد يشير إلى أن عمق الخلاف يدور حول الانتخابات الرئاسية دون البرلمانية بسبب عدم توفر الوثائق الدستورية الليبية على أي أساس قانوني لأجرائها“.

ويردف خريطة الطريق شددت على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وهذا ما رفع من حدة الصدام والخلاف بين الأطراف الليبية“.

انهيار العملية الانتخابية

وفيما يصر مجلس النواب على إجراء الانتخابات الرئاسية بالاقتراع المباشر من قبل الشعب، وفقاً لنص قرار سابق له عام 2014، يعبر المجلس الأعلى للدولة عن مخاوفه من انتخاب رئيس الدولة دون تحديد صلاحياته ومهامه، ولذا يصر على إجراء الانتخابات الرئاسية، وفقاً لمشروع الدستور بعد الاستفتاء عليه.

ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الليبية أن المجلس الأعلى أقل حدة في موقفه، لا سيما أنه وجه دعوة لمجلس النواب، الاثنين الماضي، لاستئناف الحوار بناء على نتائج مشاورات الغردقة، التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، للوصول إلى توافق في المسار الدستوري.

وبحسب الحداد، فإنه إذا استمر المجلسان في التعنت فسيناريو انهيار العملية الانتخابية مرجح جداً، خصوصاً أن الوقت بات ضيقاً جداً“. وتعليقاً على تلويح المجلس الرئاسي بإمكانية إصدار مرسوم رئاسي لتحديد قاعدة دستورية بالتوافق مع المحكمة العليا، قلل الحداد من شأن هذه الخطوة.

وأوضح من صرح بهذا الأمر هو عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني، وهو لا يعبر عن رأي المجلس بكامله، مضيفاً أن المجلس لم يستطع فرض قراراته بصفته القائد الأعلى للجيش على الأطراف فكيف سيفرض قراراته في المسار الانتخابي“.

وأشار إلى أن قرارات المحكمة العليا لا تحترمها الأطراف، وسبق أن حكمت بعدم دستورية عقد مجلس النواب جلساته في طبرق ولكن النواب مستمرون إلى اليوم“.

3 سيناريوهات للمرحلة المقبلة

ويلخص الحداد السيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة في ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول من خلال فرض البعثة الأممية ومن ورائها المجتمع الدولي للقاعدة الدستورية المقترحة من اللجنة القانونية، معتبراً أنه السيناريو الراجح.

أما الاتجاه الثاني، فهو بحسب الحداد، إخفاق البعثة الأممية في قيادة الحوار وبالتالي الاستجابة لمطالب تمديد الفترة التمهيدية الحالية إلى أجل جديد انعكاساً للإخفاق الذي شهده مؤتمر برلين الثاني.

والسيناريو الثالث وهو الأسوأ، وفقاً للحداد، إذ يرتبط أيضاً بتراجع أكثر في وحدة الموقف الدولي حيال الملف الليبي وبالتالي عودة المشهد لحالة الحرب، خصوصاً أن اتفاق وقف إطلاق النار لا يزال هشاً حتى الآن.

____________

مواد ذات علاقة