مختار غميض

تتعدّد مظاهر تعطيل المسار التمهيدي للانتخابات الليبية نهاية هذا العام، كتعطيل تمرير الميزانية وتهديد رئيس الحكومة من إجراء الاجتماع الوزاري ببنغازي وسياسة الابتزاز البرلماني فيما يخص المناصب السيادية والهجوم على الجنوب.

الجزء الأول

هذه المواقف تُعتبر كلها مطبات حقيقية تواجه حكومة الوحدة الوطنية، في تمشٍّ موازٍ ليس بالجديد عن اللواء المتمرد خليفة حفتر، يراوح فيه بين التفاوض والهجوم، حسب وضعه الميداني.

في المقابل تتعامل طرابلس بطريقة الدفاع لا الهجوم لذلك غالبا ما تعطي الثقة في المفاوضات لكنها تتعرض للغدر آخر لحظة، وذلك منذ بدء الانقلاب من بنغازي وحتى درنة إلى الجنوب وحتى غريان التي تسلل منها الى العاصمة الصيف قبل الماضي، وها هو يواصل تمرده من جديد بالتصرف في المنطقتين الشرقية والجنوبية باقتحام سبها.

حفتر يتصرف وكأنه لا توجد حكومة وحدة وطنية، اعترف بها شخصيا، ووضع مسلحيه تحت إمرة المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش، بل مضى في ترقية أفراده في لجنة الخمسة بالتزامن مع إعلان عملية عسكرية انطلاقا من عاصمة الجنوب سبها إلى الحدود مع الجزائر وحتى الجنوب الغربي.

يأتي ذلك قبيل الانتخابات مما يعزز الشكوك في رغبة حفتر في الاستئثار بأصوات غالبية الدوائر الانتخابية التي تحت سيطرته، فضلا عن الاستفزاز العسكري لقوات المنطقة الغربية، بينما يتواصل تحشيد المرتزقة ما يتعارض مع دعوات إخراجها، رئيس الاستخبارات المصرية عباس كامل لطرابلس وبنغازي بعد لقائه حفتر لساعتين.

ذلك ما أعاد مجددا طرح موضوع المرتزقة المنتشرين في الجنوب في علاقة بعملية حفتر واقتراح ماكرون باخراج المرتزقة الأجانب والبداية باخراج القوات التركية وهو الموضوع الشائك الذي تم تناوله في لقاء برلين الثاني.

مقدّمة

عاد المشهد السياسي الليبي إلى نقطة الصفر مجددا مع فشل أعضاء الملتقى السياسي في إعادة إنتاج الفشل للمرة الثانية بشأن عدم حسم القاعدة الدستورية وقانون الانتخابات بسبب ارتباك الأداء لدى البعثة الأممية رغم محاولاتها الضغط على الملتقى للتوافق وبناء جسور الثقة بين السياسيين والأقاليم، خاصة وأن آلاف المهجّرين من الشرق يطمحون في العودة وحرية انتخاب من يمثلهم في مناطقهم بعد انخرام الأمن الجماعي وتضرر النسيج الاجتماعي.

لذلك فإن محاولات إصلاحه تبدو مهددة مجددا من متمرد الشرق حفتر في عمل موازٍ لإعاقة توحيد مؤسسات الدولة، مع عودة هاجس السيطرة، إما بالاستيلاء على الدوائر الانتخابية في الجنوب، أو الاستحواذ على ثرواته بالهجوم بالحديد والنار على ما بقى خارج نفوذه من مسالك للهجرة وتجارة الذهب والخردة والمخدرات.

رغم هزيمة حفتر في حربه على الغرب واعترافه بمخرجات اتفاق وقف إطلاق النار، ها هو قد عاد إلى أطلاق عملية عسكرية في الجنوب لكن الانكفاء حتى سرت، خّلف الاقتتال الداخلي مع أقرب المقربين فيما يبدو تعويضا لنتيجة عدوان طرابلس الخاسرة حيث كان في حسبانه تعويض الخسائر لقواته وحتى للداعمين، جني مكاسب وعائدات مالية.

بالتالي تعويض ذلك في الجنوب مع تأخر صرف المرتبات وهو جعل كثيرين يعتقدون أن تأخر البرلمان في إقرار الميزانية يعود إلى ابتزاز حفتر للبرلمان كي يقر جزءً من الميزانية لتسديد رواتب أفراده فضلا عن رغبته في فرض شروط تتعلق بالمناصب السيادية.

أولا: الابتزاز العسكري السياسي

أ اقتحام سبها:

انتهج حفتر منذ تعثره في حفتر بين لغة الوعود بالقبول بالدولة المدنية والوعيد بالضرب في كل مكان، وهذا النهج بات مكشوفا للعيان فكل مرة يؤتمن فيها إلا وفاجأ الجميع بقراراته، آخرها عودة التمرد العسكري وبقوة السلاح على القيادة العليا للجيش ممثلة في المجلس الرئاسي بطرابلس.

ففي الذكرى الأولى لهزيمة القوات الحفترية على أبواب العاصمة طرابلس وإقرارها أكتوبر الماضي باتفاق وقف اطلاق النار تكون فيه مدينة سرت نقطة التماس بين الفريقين، عاد حفتر مجددا إلى هوسه للعب بالنار مع إعلانه عملية عسكرية السبت 19 يونيو بإرسال قوات على رأس نجله صدام إلى سبها وصلت حتى الحدود مع الجزائر ليعلنها منطقة عسكرية مغلقة ويغلق بوابة كانت ستفتح بعد تفاهمات الدبيبة مع الرئيس الجزائري.

ذلك ما أعاد إلى الأذهان العداء الذي يكنّه حفتر للجزائر وهذا كان واضحا حتى من خلال تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون عندما جدد مؤخرا نية بلاده التدخل لو دخل حفتر الى طرابلس.

لكن الأغرب من ذلك هو أن يعيد حفتر نفس الخطأ رغم قوله في آخر خطاب رسمي إن انسحابنا من طرابلس كان من أجل العالم الذين طلبوا منا ذلكفها هو يعلن الحرب على الجنوب بنفس حجة الارهاب، زاعما هذه المرة كذلك محاربة الإرهاب والدواعش بالجنوب تحت غرفة سماها غرفة عمليات تحرير الجنوب وهو نفس الشعار الذي هاجم به طرابلس الصيف قبل الماضي.

لكن هذه العملية تبدو موجهة ضد الجنوب الغربي حيث توجد قوات عسكرية وآمر المنطقة العسكرية الغربية، التابع عمليا لقوات الغرب مما أحرج رئيس المجلس الرئاسي وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير دفاعه رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، مما وضع حفتر مجددا كفصيل عسكري متمرد ضاربا عرض الحائط بكل التفاهمات.

وأثارت خطوة حفتر كذلك مخاوف في الجنوب من عودة شبح جرائم التقتيل والإعدامات والخطف والحرابة والسرقة وتغيير صبغة الأراضي وخطف الأطفال، في محاكاة لشارع الزيت في بنغازي الذي أصبح وصمة عار لعمليات حفتر في بنغازي أن ينتقل لسبها أو مرزق على غرار ما تم من تهجير في درنة وغيرها تحت سيطرة حفتر ومع انتقال ابنه صدام للجنوب.

هذا الأمر سيزيد من انعدام الثقة في كامل المنطقة الغربية فبعد أن كان حفتر في الشرق أصبح صدام حفتر في الجنوب والجنوب الغربي على مرمى حجر من غريان والجبل البوابة الجنوبية للعاصمة.

حيثما تحرك المجرم حدثت جرائم التقتيل والإعدامات والخطف والحرابة والسرقة وتغيير صبغة الاراضي وخطف الاطفال، وقد رأينا استغاثة عائلة الحضيري من تلك التهديدات نرجو أن لا تكون بداية لـ شارع زيتفي سبها وانتعاش تجارة حبوب الهلوسة والمخدرات، وتجارة الخردة لهيئة التصنيع العسكري التابعة لنجل حفتر والتي منعت أخيرا المواطنين من الاقتراب من الخردة أو الاتجار فيها.

هذا إضافة إلى أن يصبح الجنوب تحت عين أمينة على الذهب والنفط حيث تنظر لفزان كتركة استعمارية لها وهو ما يفسر رضاها.
وسبق لنجل حفتر أن أتهم بجرائم سرقة في بنغازي وأخيرا تم اتهامه جماعته بالسيطرة على قوافل من الوقود غادرت مستودع مصراتة فى الأسابيع الماضية سيطر عليها صدام لدعم حملة حفتر العسكرية في الجنوب، ناهيك عن مخاوف من جرائم جديدة لمليشيات اللواء التاسع المعروف بالكانيات على غرار ما فعلته بترهونة وضواحيها من خطف وقتل وإخفاء قصري ومجازر ارتكبتها قبل أن يفروا منها إلي جدابيا ومنها لمناطق الشرق الليبي.

وبالتالي جرى حمايتهم من قبل قوات حفتر ويبدو أنه يتم التخلص منهم حاليا كما تم التخلص من وجوه عدة كالمحامية حنان البرعصي والنائبة سهام سرقيوة والقيادي الساعد الأيمن لحفتر محمود الورفلي، وأخيرا حديث عن هروب القيادي الآخر شريف المرغني إلى مصر.

بالتزامن مع ذلك تتغول وتتوغل قوات الفاغنرالروس الداعمة لقوات حفتر في قاعدة تمنهنت الجوية مشكّلة غطاء لأي هزيمة قد تُمنى بها متعظة من أخطاء هزيمة طرابس القاسية، أو تمكينا لقوات حفتر بحسن التمركز فى الجنوب قبل خروج المرتزقة في عملية تسلّم وتسليم طالما أن العالم أصبح يركز حاليا على إخراج المرتزقة.

ذلك إلى جانب المكسب الأكبر وهو ضم أكثر نفوذ ممكن للسيطرة على الدوائر الانتخابية بقوة السلاح، وبالتالي ضمان فوز المرشح سواء أكان حفتر أو نجله صدام أو حتى سيف القذافي ضمن تحالفات آنية قد تسقط كما سقطت في ترهونة خلال تحالف الخضر والكرامة.

يجري ذلك على علم بالمجلس الرئاسي القائد الأعلى للجيش، حيث أصدر بلاغا للوحدات العسكرية القبلية التي تدين بالولاء للمتقاعد حفتر للامتناع عن تحريك أي قوات دون إذن مسبق، وهو المغتصب لمنصب قيادة الجيش.
ذلك يتطلب أن يذهب المجلس الرئاسي ومثلا في محمد المنفي إلى أبعد من ذلك في تطبيق القانون العسكري على المتمردين على سلطة الدولة والعاصمة ورفع السلاح خارج سلطتها، أو فإن ذلك يعني سير الحكومة الحالية على خطى حكومة الوفاق بكبح جماح بركان الغضب في منطقته، تصريحا وتنفيذا (منع قادة الغرب من التصريحات)، على حساب توسع قوات التمرد القبلي، وسط تحشيد مرتزقي بالتزامن مع الضغط الفرنسي على تركيا كأنها هي المعتدية والمتعدية، يجري كل ذلك على أساس اجراء حوار وطني جامع بغدامس نقضه حفتر قبيل أيام بعدوانه على طرابلس، فما الضامن من عدم تجديد عدوانه قبيل الانتخابات.ب ـ الابتزاز من خلال البرلمان
لا تخفى مساعي حفتر أيضا من خلال تقريب المقربين إلى المناصب السيادية بتعيين أحد أتباعه في منصب محافظ البنك المركزي، وفق اتفاق تقاسم المناصب السيادية بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والتي جرت مداولاتها بالمغرب، وهذا ما يسمح له تمويل قواته والمرتزقة الأجانب.

فقوات حفتر تتهم حكومة الوحدة بعدم تضمن ميزانية الدولة لأي مخصصات مالية لها، وهذه أحد العوامل التي تقف وراء عرقلة مجلس النواب لاعتماد مشروع الميزانية، وهو تعطيل بلا شك سينعكس سلبا على موعد الانتخابات، وقد سبق وأن وشدَّد البرلمان، في جلسة عُقدت في 24 مايو المنصرم على ضرورة تخصيص ميزانية لقوات حفتر.

والميزانية متعلقة بالعديد من الشروط التي تم الإتفاق عليها في تفاهمات جنيف، منها المناصب السيادية التي ما تزال تعرقل التوافقات.

 وقد جرى الحديث عن ضغوطات وابتزاز من رئيس البرلمان عقيلة صالح لتعيين وزير دفاع من أركان حفتر في خضم دعوة رئيس المجلس الرئاسي لرئيس الحكومة لحضور جلسة اختيار وزير دفاع، وهو المنصب الذي يشغله حاليا بالنيابة رئيس الحكومة.

وعليه فإن التوافقات مرتهنة إلى مدى قبول الأطراف بعملية تقاسم المناصب والتي هي في النهاية محاصصة وفق الأقاليم لذلك يرغب جناح في المساومة أكثر بخصوصها بتزكية من الوسطاء والفاعليين الدولين مع الملف الليبي مما قد يعمق الانقسام إذا لم تتوفر الإرادة والتنازلات لتعزيز الثقة فالأمر لم يعد مسألة مغالبة أو محاربة.

***

مختار غميض: صحفي تونسي

___________

 

مواد ذات علاقة