مختار غميض

تتعدّد مظاهر تعطيل المسار التمهيدي للانتخابات الليبية نهاية هذا العام، كتعطيل تمرير الميزانية وتهديد رئيس الحكومة من إجراء الاجتماع الوزاري ببنغازي وسياسة الابتزاز البرلماني فيما يخص المناصب السيادية والهجوم على الجنوب.

الجزء الثالث

ثالثا: مخاوف آنية ومستقبلية

أ مخاوف التأجيل

من الأهمية بمكان الإشارة إلى عدم استخلاص العبر من خطر التأجيل أمام ضيق الوقت المتبقي أمام حكومة الوحدة، إقرار القاعدة الدستورية كان مقررا قبل الأول من يوليو وكذلك إخراج المرتزقة كان مقررا قبل نهاية يناير المنقضي، لذلك كل شيء حاليا ينذر بالتأجيل بما في ذلك الانتخابات ولو أن الإصرار حاليا يبدو مطمئنا على موعدها المقرر، لكن حفتر عبر رئيس البرلمان عقيلة صالح مازال يؤخر تمرير الميزانية ليضمن تمويل المرتزقة الذين ما يزالون يتوافدون عبر رحلات منظمة من الأراضي السورية، كما أكدت ذلك مصادر إخبارية سورية.

ذاك المسار مهدد أيضا من شخصيات سياسية لا تريد انتخابات ولا مجلس نواب جديد، هؤلاء موجودون في البرلمان وفي الأعلى للدولة وهناك من قال منهم صراحة إنه متمسك بالبقاء في السلطة لدورات جديدة أي أربع سنوات أخرى، يريدون الحفاظ على الامتيازات والمرتبات.

أما خارجيا، فتبدو روسيا عنصرا معرقلا من خلال تواجد مرتزقتها على خلاف فرنسا التي باتت مجردة من قيمتها دوليا، فهي تخسر في افريقيا أكثر مما تربح وتعيش شيخوخه وتراجعا، مقابل اهتمام أمريكي لمنافسة الروسي ودعم نوعا ما للصعود التركي القوي إقليميا ومصالح الأمريكان تبدو أكثر مع الأتراك لا مع فرنسا.

وبناء على ما تقدم قد تدفع موسكو باريس للخروج من منطقة الساحل، وهو ما ينطبق في ليبيا مع توغل المرتزقة لمنطقة فزان حيث بفضل المحور الفرنسي أصبحت فاغنرشبه العسكرية المقربة من الكرملين والمخابرات العسكرية الروسية واحدة من القوى الرئيسية الموجودة بليبيا مع المستشاربن الأتراك ومساعدوهم وهذا مخطط له في افريقيا، عكس فرنسا التي تفكر في الخروج من مالي و بعد أن رضخت للهزيمة المذلة لحفتر، صرحت الخارجية الفرنسية بعدم انحيازها إلى أيٍ من المعسكرين في ليبيا وشددت على عدم تأخير الانتخابات بالتالي يبقى الأمر متعلقا بالقوتين واللاعبين الروسي والتركي، سواء أ خرج المرتزقة الروس والقوات التركية أو لم يخرجوا.

ب –تداعيات التعطيل

قد تؤدي المتغيرات الأخيرة إلى تعجيل الانتخابات خاصة مع عدم فتح الطريق الساحلي بالشكل اللازم في انتظار تركيز البوابات الأمنية وفي ظل وجود مرتزقة حفتر التي قد تتورط في أعمال انتقامية أو استفزازية مع المواطنين من هنا وهناك مع زيادة حركة الجولان، أو لربما يتراجع حفتر عن فتح الطريق بمرور أعمال مؤتمر برلين لتمرير رسائل إيجابية، خاصة وأن حفتر امتنع  عن فتحه إلا بعد ضغط من الأمم المتحدة على إثر فتح رئيس الحكومة للطريق من ناحيتها.

كذلك قد تؤدي المتغيرات بالجنوب إثر تشكيل المجلس الرئاسي لقوة مكافحة الإرهاب والجريمة بالجنوب، وآمرها مسعود الجدي، مع غرفة عمليات مشتركة لتأمين الجنوب، وآمرها علي الغناي قريرة، وهو ما اعتبره مقربون لحفتر سحب بساط من تحتهم أو هو انشقاق في صفوفهم بل ذهبوا إلى ترجيح فرضية احتدام الخلاف بين صدام حفتر ومسعود الجدي نتيجة تهم تم توجيهها له بعصيان أوامر نجل حفتر ببيعه عربات عسكرية إلى بعض الجماعات المسلحة الأخرى، والتصرف بشكل منفرد في مسالك للاتجار بالممنوعات والخردة والهجرة غير الشرعية مما قد يلقي بظلاله على الوضع المتأزم بطبعه بالمناطق الجنوبية.

وهذا ربما ما كان وراء انسلاخه تحت أمرة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي كقائد أعلى للقوات المسلحة الذي لم يرد على كلام الناطق باسم حفتر المسماري الذي قال فيه إن قواته تفعل ماتريد في عصيان واضح ولهجة تحدي أوضح ! وهنا نسأل: ما معنى التمرد المسلح على الدولة والشرعية والخروج عليها بالسلاح إذا لم يكن هذا بعينه ؟!

ذلك ما كان وراء بلاغ الرئاسي بمنع تحرك أي آليات عسكرية خارج سلطة طرابلس لكن، الآن بقي سؤالان: ما موقف الرئاسي في حال عدم انصياع القوات المهاجمة (القوة المتحركة)؟ بمعنى إذا لم ترجع القوات المتمردة إلى قواعدها أم هل ستتحرك القوات الشرعية لردع المتمردين، أم لا هذا ولا ذاك فقط مجرد رفع حرج كما تصرفت حكومة الوفاق حتى استفاقت على قوات حفتر في تخوم طرابلس.

وكان يُنظر إلى مسعود الجدي في فزان كمثل الورفلي ببرقة، هذا التعيين الحقيقة يخلط الأوراق، هل هي محاولة احتواء(بغض النظر عن مدى نجاحها)أم ترضية لحفتر أمام ضعف القوات الحكومية بالجنوب وشبه انعدامها وكلام اللواء كنّة الموالي لطرابلس خير دليل ووجوده شبه شكلي باعترافه بضعف قواته وهذا قد يفسر غياب تكليفه من الرئاسي رغم توجيهه دعوة لطرابلس بالتدخل .

وعموما، الأمر بالجنوب متحرك تحرك رمال الصحراء ويبقى على برقة إذا أرادت انتخابات نزيهة في موعدها أن تبعد شخص حفتر عن الجيش والسياسة والتخلص من الانقلابات التي مضى عهدها وعفى عنها السياق التاريخي، دون اعتبار التاريخ غير المشرّف للانقلابات والنهايات المأساوية للمتمرّدين وماضيهم السيّئ، وحاضرهم ومستقبلهم المهدّد لقيام انتخابات ودولة مدنية، بالتالي إمكانية حرب جديدة بإرادة دولية بحتة غصبا عن الأذرع المحلية مما سينعكس على تقسيم البلاد بعدما كانت الحرب في عواصم الأقاليم.

جعمل موازٍ للدولة

يعتمد حفتر جناحا مدنيا وعسكريا، فالأول يكرس فريقا برلمانيا لتعطيل مشاريع القوانين مثل تمرير الميزانية واحتكار المناصب السيادية، والثاني يبتز القرارات العسكرية بشكل أحادي مثل الهجوم على الجنوب وغلق البوابات ومنع فتح الطريق الساحلي، وتسليم قواعد لمرتزقة فاغنروالجنجاويد، إضاقة إلى منافسة اختصاصات المجلس الرئاسية والحكومة في عمل سياسي مواز لمؤسسات الدولة الرسمية والشرعية.

وهذا فإن نهاية الشهر الحالي دون حصول توافقات بشأن المشاكل الرئيسية من فتح عملي للطريق الساحلي والقواعد الدستورية وتعيين أشخاص في المناصب السيادية، فإن ذلك لا يعني أن حفتر قادر على اختطاف قرار الحرب مثل المرة السابقة لأن توازنات جديدة طرأت على العلاقات بين الدول الفاعلة، بل يمكنه جر حلفاءه الإقليمين إلى لعب ورقة استنزاف دون التعرض إلى ضربة قاضية.

لأن قيام حرب كبرى تلغي الأذرع الداخلية وأولها حفتر باتت أمرا شبه مستحيل، رغم سعي روسيا لتوطيد وجودها في الجنوب الليبي والتوغل أكثر في إفريقيا في منافسة للسياسة الفرنسية القديمة، إلى جانب بقاء الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مناهضين للتواجد الروسي في القارة، وبالتالي سيتساوق هذا المشهد الدولي متقاطع المطامع على الأرض الليبية مع المشهد الليبي الهادئ نوعا ما وهو ما سيسير بالوضع عموما نحو استقرار مشوب بارتدادات الأزمات.

دالفشل الدستوري مجددا

وجد المبعوث الأممي يان كوبيش نفسه الخميس غرة يوليو في جنيف أمام نفس الانسداد لجلسات حوار الملتقى الحوار  وهو ما اضطره لإضافة يوم  رغم تشكيل لجنة للتوفقات بين الفرقاء، لكنه لم يحل المشكل أمام إصرار بعض الأعضاء على تمرير شروط ضمن آلية ترشح الرئيس تسمح للعسكريين بالترشح.

كما أن تخبط البعثة الأممية في قراراتها كان جزءا من التعقيد رغم محاولاتها فرض ضغوط على الجميع وتشكيل لجنة لبحث التوافقات، وبالتالي أنتجت الخميس غرة يوليو نفس الفشل الذي سقطت فيه يومي ال 26 و27 مايو المنقضي بعدم حسم الخلافات بشأن القاعدة الدستورية المقترحة من اللجنة القانونية، رغم محاولات كوبيش الضغط على المؤتمرين بزيادة يوم إضافي وتحذيرهم من عدم التوافق.

ظهر كذلك التخبط في منهج البعثة الأممية، فبعد اعتمادها في الانسداد الأول على إحالة مقترح القاعدة الدستورية للانتخابات إلى مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، لتوضيح الإطار الدستوري للانتخابات، بالاعتماد على القرارين الأممين 2570 و 2571 تنصلت البعثة من ذلك أمام تمسك الأعضاء بشرط يسمح بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية للرئاسة وبالتالي عاد الاستقطاب السياسي بمجرد انتهاء جلسات الحوار، فهدد حفتر باللجوء مجددا إلى اقتحام طرابلس بينما حذر رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري حفتر من مغبة الترشح كعسكري بعد تأكيده أنه أرسل نجله بلقاسم حفتر، للتجسس على جلسات الملتقى بجنيف والضغط عليهم لتمرير قاعدة تسمح لأبيه بالترشح.

بالتالي خرجت جلسات الملتقى عن خارطة الطريق الأممية بحصر اختصاصات القاعدة الدستورية في مجلسي النواب والدولة واقرار الاستفتاء على مسودة دستور 2017مع تعديله، لكن خطف حفتر للبرلمان عبر رئيسه عقيلة صالح أدى إلى تعثر 
المرحلة التمهيدية برمتها، أولها تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وترحيل القوات الأجنبية والمرتزقة، ومعرفة شاغلي المناصب السيادية وإقرار الميزانية الحكومية.

وأمام فتح سجل الانتخابات وتجديد تسجيل الناخبين ومراجعة عناوينهم وأسمائهم وتركيز المقر الاعلامي المفوضية الانتخابات وتعهد جميع مراكزها، يبدو أن الانتخابات دخلت منحى جديا، لكن يبقى الشرط الأهم وهو اخراج القوات الأجنبية شرطا صعب التحقيق مما قد يوحي بإجراء انتخابات في ظل وجودهم كضمانة للجانبين في غياب مناخات الثقة وتهديد حفتر بالقتال مجددا، ما حدى تركيا أخيرا التصريح ببقاء قواتها، مع تمسك التيار الفبرايري بمنع حفتر كعسكري ومزدوج جنسية من الترشح وسيف الاسلام نظرا لملفه القضائي كذلك، بقيت الفرصة لتوحيد الصف الثوري والعمل على الخزان الانتخابي الكبير للمنطقة الغربية وتفتدي تشتت الأصوات على أكثر من مرشح.

خاتمة 

لئن فقد الكثيرون من مناصريه الثقة في قدرته على القيادة العسكرية، إلا أن المتمرد العسكري ما يزال يثير مخاوف ليبيين وهو العامل الوحيد الذي قد يتم اللعب به دوليا لإدخال البلاد في حرب أهلية انتقامية جديدة، عبر استعماله لتحقيق مصالحهم في ليبيا، خاصة فرنسا وروسيا مع المساعي المحمومة نحو أولوية إخراج الأتراك نظرا لوزن تركيا العسكري كصمام أمان لعدم عودة المغامرات الانقلابية.

لذلك فإن مناخات بناء الثقة لم تنبع من الداخل رغم كره كثيرين للحرابة، ففتح الطريق الساحلي لم يكن قرارا ليبيا ليبيا ولم يكن بإرادة شعبية ناضجة، ناهيك عن عدم انقطاع وصول المرتزقة الروس والجنجويد إلى صفوف قوات حفتر عبر الطائرات الحربية الجاثمة في القرضابية شمالا حتى الجفرة جنوبا وحتى مطار بنينا شرقا ليستقبل مرتزقة من سوريا عن طريق طيران الشام السورية حيث القواعد الروسية نفسها.

***

مختار غميض: صحفي تونسي

___________

 

مواد ذات علاقة