عبدالرزاق العرادي

شاركت في الحوار منذ انطلاقه في مدينة جنيف في 26 فبراير 2020، والعاصمة طرابلس تحت أزيز المدافع والصواريخ، وذلك بحثا عن حل تستقر فيه بلادنا.

في نوفمبر من نفس العام قررنا أن نجري الانتخابات في 24 ديسمبر 2021 وأطلقنا على المرحلة التي تسبق هذا التاريخ المرحلة التمهيدية.

اليوم في غرفة ملتقى الحوار السياسي الليبي مازال سوء الظن وعدم ثقة الأطراف ببعضها مسيطرا على النقاش، ومازالت المخاوف قائمة، ولم تتخذ أي تدابير لبناء الثقة ولم تجر أي خطوات في اتجاه المصالحة الجادة.

مازال الحدث جاريا عن حق المتهم في خوض الانتخابات، وعن منع هذا المتهم أو ذاك من المشاركة فيها لأن حديثه مازال مشبعا بروح الانتقام.

ومازال الحديث جاريا عن السماح للعسكري بالترشح، أو عن اشتراط استقالته قبل الترشح بوقت كاف يضمن فك ارتباطه بالقوات المسلحة، حتى لا ينقلب على المسار الدستوري ويصيح “أنا الملك”.

مازال الجيش لم يوحد ومازال الحديث جاريا عن خلق حكومة موازية ومازال مجلس النواب لا يعترف بالاتفاق السياسي ومازال مشروع الميزانية يراوح مكانه ويستخدم كأداة للابتزاز .. ومازال …

كل فريق لديه مطالب يرى أنها عادلة، أو لديه مخاوف لم توضع لها أي أسس لمعالجتها.

تفرغت لهذا الحوار وشاركت بكل جدية وعملت مع زملائي بإخلاص وتفاني وكل همي أن تصدر وثيقة دستورية تمكننا من إجراء الانتخابات يوما ما.

لم يكن التاريخ الذي ضربناه واقعيا ولكن الأسوء أن يأتي ذلك اليوم الواقعي وليس لدينا هذه الوثيقة الدستورية، لذلك اجتهدت مع الزملاء بكل جدية لإيجاد هذه الوثيقة.

ولكن الطريق للانتخابات لم يمهد على الإطلاق، ولذلك أرى أن إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر وهم وليس حقيقة.

إن أردنا بالفعل الوصول إلى الانتخابات يوما ما .. فعلينا أن ننجز الوثيقة، والأهم أن نعمل على تمهيد الأرضية لهذه الانتخابات، وهذا يتطلب أمور ثلاث:

1. تقديم الخدمات المعيشية الضرورية للمواطنين، ومعالجة الازمات التي يعيشها؛ قطاع الصحة والتصدي للجائحة والكهرباء… وتحريك عجلة الاقتصاد…
2.
البدء الفوري في مصالحة وطنية شاملة وجادة.
3.
استكمال المسار الدستوري، وإنهاء المراحل الانتقالية، وإجراء الانتخابات على أساس الدستور الدائم.

عدا ذلك أخشى أن نكون كالمنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى.

المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك


*********

ليبيا .. سنة انتقالية (تمهيدية) قد لا تكفي

سمير حمدي

فشل ملتقى الحوار السياسي الليبي في التوصل إلى اتفاقٍ بشأن القاعدة الدستورية التي ستجري على أساسها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.

ولم يكن مفاجئا أن لا يصل الفرقاء الليبيون إلى اتفاق حاسم، على الرغم من حرص الأمم راعية الحوار للخروج بنتيجة، وهو ما جعل منسق بعثتها إلى ليبيا رايزدون زينينغا يصرّح “فشلنا في التوصل إلى اتفاقٍ بشأن القاعدة الدستورية، وهذا لا يبشر بخير“.

فالمشاركون في الحوار جاؤوا يحملون معهم أجنداتهم السياسية الجاهزة من أجل فرضها أمرا واقعا، ولم تكن هناك رغبة حقيقية في الوصول إلى توافقٍ من أجل مصلحة الشعب الليبي، وهو ما يعني تنازل جميع الأطراف عن الحد الأقصى من مطالبها، للوصول إلى الحد الأدنى الذي يرضي الجميع، ويفضي إلى الخروج من الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد منذ سنوات.

السلطة الانتقالية في ليبيا، على الرغم من أنها تحظى باعتراف دولي، إلا أنها واقعيا ما زالت في مواجهة مواقع نفوذ خارجة عن سيطرتها.

عندما تم الإعلان، في 16 مارس/ آذار الماضي، عن سلطة انتقالية تضم حكومة وحدة وطنية ومجلسا رئاسيا، بدا وكأن انفراجا سياسيا قد تحقق في المشهد الليبي، بما يسمح بالمرور من حالة الفوضى التي خلّفتها الحرب الأهلية للوصول إلى نظام سياسي مستقر.

نظام يفترض أنه يحترم التعدد، ويعتمد النهج الديمقراطي أسلوبا لإدارة البلاد، وتم وضع سقف زمني للسلطة الانتقالية لا يزيد عن سنة، يتم فيها تنظيم الانتخابات، وتوحيد أجهزة السلطة المفكّكة، وإعادة بناء القوات العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى إدارة الشأن العام وحل أزمات الكهرباء والتموين ومواجهة وباء كورونا المتصاعد.

من الناحية النظرية، يبدو تنفيذ هذا كله أمرا سهلا، ولكن من حيث الحسابات الواقعية، فإن الكثير من هذه الأهداف يعسُر تحقيقها، وأمامها من العوائق ما يصعب على حكومة الوحدة الوطنية تذليلها.

من الواضح أن السلطة الانتقالية في ليبيا، على الرغم من أنها تحظى باعتراف دولي يمنحها شرعية الحكم وإصدار القرارات، إلا أنها واقعيا ما زالت في مواجهة مواقع نفوذ خارجة عن سيطرتها، بداية من وجود مليشيات قوية، تتصرف خارج إرادة الدولة، وليس انتهاء بانتحال بعض هذه المليشيات الصفة الرسمية، مثلما تفعل المجموعات التابعة لخليفة حفتر تحت مسمّى الجيش الوطني.

وصل الحال بالمجموعات التابعة لحفتر إلى توتير العلاقات مع الدول المجاورة، والتصرّف برعونة في خطاب قادتها إزاء الجزائر وتونس، وهو بالتأكيد أمر يناقض توجهات حكومة الوحدة الوطنية.

وإذا أضفنا إلى وجود المليشيات المنفلتة استمرار حضور المرتزقة، بمختلف انتماءاتهم الدولية، فهذا يؤشّر إلى حاجة الحكومة الليبية الحالية إلى مزيد من الوقت لحل المشكلات العالقة، على الأقل من أجل إجراء انتخاباتٍ نزيهة، فلا شيء يضمن سلامة المواطن الليبي في أثناء إدلائه بصوته في ظل سلاح المليشيات المصوّب إلى رؤوس الناخبين.

بناء نظام سياسي مستقر وقابل للبقاء أفضل من الاستعجال في نقل السلطة في وضعٍ متفجر، وهو ما يتطلّب مزيدا من التريّث.

فشل أطراف الحوار الليبي في الاتفاق على القاعدة الدستورية لإجراء الانتخابات، وهذا مرجعه أساسا عدم الاتفاق على ترتيب الأولويات والقضايا، من أجل وضع التصميم المؤسسي للنظام الجديد.

ومن هنا، حاول كل طرفٍ فرض تصوّره للمرحلة المقبلة، ليس من خلال التفكير في بناء مؤسساتٍ تستمر وتدوم لخدمة الشعب، وإنما من أجل تمكين أشخاصٍ معينين من الوصول إلى السلطة من دون أدنى ضماناتٍ قانونيةٍ في غياب الدستور المنظّم للحياة السياسية.

وإلّا ما معنى إصرار بعض أطراف الحوار على حق ترشح العسكريين للانتخابات، من دون أن يستقيلوا من مناصبهم، أو التأكيد على حق مزدوجي الجنسية في الترشّح لمنصب الرئاسة. ..

أليس هذا تمريرا معلنا لأجندة شخصٍ محدّد هو خليفة حفتر، المصرّ على صفته العسكرية المفترضة، وهو في الوقت نفسه يحمل الجنسية الأميركية.

قد يكون هناك نوع من التفهّم للحرص الأممي على إنجاح الحوار وإجراء الانتخابات بأي ثمن، ولكن تمرير خياراتٍ دستوريةٍ معينةٍ لإجراء الانتخابات، قد يحمل معه ألغاما كثيرة، قد تنسف المسار برمّته، وهو بالتأكيد ما لا ترغب فيه المنظومة الأممية.

ولهذا، سيكون من الخلل ترك ملفاتٍ كثيرة عالقة، والمسارعة إلى الانتخابات، لأنها ستكون محاطةً بعوامل فشل كثيرة.

الأكيد أن تواصل الحوار بين الفرقاء الليبيين سيكون أمرا جيدا، ويخدم العملية السياسية، غير أن ضبطها بوقت محدد أصبح ضاغطا على الجميع، وقد يهدّد أجواء الانفراج السياسي الحالية.

ومن غير الممكن أن تكون الانتخابات في ذاتها حلا، وهي مجرّد ممارسة إجرائية إذا لم يسبقها قبول كل القوى الرئيسية بقواعد العملية الديمقراطية، وعدم وجود قوى فاعلة تعمل خارجها أو بغير أساليبها وأدواتها، وأن يكون هذا القبول عاما ولا يستثني أحدا.

قد يبدو هذا الشرط صعبا لدى بعضهم، ولكن بناء نظام سياسي مستقر وقابل للبقاء أفضل من الاستعجال في نقل السلطة في وضعٍ متفجر، وهو ما يتطلّب مزيدا من التريّث، حتى وإن اقتضى الأمر مزيدا من التمديد لحكومة الوحدة الوطنية.

***

سمير حمدي ـ كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.

___________

مواد ذات علاقة