جمعة محمود الزريقي

كتبت تعليقا بتاريخ 25 اكتوبر 2020م تحت عنوان ( قراءة في اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا ) قلت فيه: أرجو ألا تعتبر هذه المطالعة في الاتفاق والتعليق عليه من الناحية القانونية أنني من المعارضين لوقف الحرب، أو الواقفين ضد السلام وعودة الحياة الطبيعية لكافة ربوع ليبيا.

فمن ذا الذي يُحبّذ الحرب بين البشر ناهيك بين الأشقاء، وهو يعلم أن الرابح فيها خاسر، كما يعلم بأن أي صلح بين طرفين يخسر فيه كل طرف جزءاً من حقوقه، ولكنه يجب ألا يخسر كل حقوقه أو جُلها .

وفيما يلي تعليق على الاتفاق الذي إبرم بين اللجنة العسكرية المعروفة ب 5 + 5 الموقعة في 23 / 10 / 2020 م في مقر الأمم المتحدة بجنيف .

أولا: إن الاتفاق صدر تحت عنوان ( اتفاق تام ومستدام لوقف إطلاق النار في ليبيا ) ولكنه في الحقيقة ليس تاماً، وإن كنت أتمنى له الاستدامة، ويعود الأمر إلى أنه استند إلى قرار مجلس الأمن رقم 2510 لسنة 2020 الذي دعا اللجنة العسكرية 5+5 إلى التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار والالتزام به. ولكنه لم يرد بالقرار أن يكون الاتفاق تاماً، فذلك تزيداً في الصياغة .

ثانيا: إذا أريد للاتفاق أن يكون تاماً؛ فذلك يعني أن ينص على حقوق الطرفين في تحقيق ما يطالب به من خلال مسيرة الحرب التي دارت رحاها في مدة قاربت السنتين، وتكبد خلالها الأطراف خسائر كبيرة، وخاصة من جانب حكومة الوفاق، إذ الذي بدأ الحرب والاعتداء هو الجيش التابع للقيادة العامة، وقد ترتب عليها الكثير من الأضرار التي لا تزال قائمةً حتى الآن، وما دام الاتفاق لم يشمل هذه الحقوق بالتعويض عنها، ورجوع المهجرين إلى مساكنهم، واستعادة أملاكهم ومعاقبة المجرمين الذين ارتكبوا تللك الجرائم بالمخالفة للقانون، فإن هذا الاتفاق لا يعتبر تاماً بالمفهوم القانوني لمدلول هذه العبارة .

ثالثا : استند الاتفاق إلى قرار مجلس الأمن رقم 2510/2020 ، وتحديدا الفقرة الرابعة منه التي دعا فيها المجلس اللجنة العسكرية المشتركة إلى عقد اجتماعاتها من أجل الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار . . . كما نص على أن يشمل الاتفاق على ( تدابير لبناء الثقة ) ولم يرد بالاتفاق أي توافق على إيجاد ثقة بين الطرفين اللذين ينتميان لجهتين كانتا متحاربتين، وقد لحق بهما أضرار بالغة تسبب فيها أحدهما وهو الجيش التابع للقيادة العامة، فهذه العبارة تتطلب أن يتم معالجة الأوضاع التي سببتها تلك الحرب، والخسائر والأرواح التي ضاعت فيها ومحاكمة المسؤولين عنها، كل ذلك كان يجب النص على كيفية معالجته أو على الأقل من الجانب القانوني أن ينص على الوسيلة التي يجب اتباعها فيما بعد لمعالجتها وفق القانون المحلي والقانون الدولي الإنساني. وذلك مما يجعل الاتفاق غير تام ، وليس كما ورد في عنوانه ( اتفاق تام ومستدام ) .

رابعا : جاء في البند أولا من الاتفاق ، أي المبادئ العامة ، بالفقرة الرابعة ( ضرورة احترام حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني ) ولكن الاتفاق لم يتطرق إلى الجانب القانوني لحقوق الإنسان؛ من حيث عودة المهجرين في الداخل والخارج إلى مساكنهم وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم، وإعادة أملاكهم المغتصبة منهم، ومعاقبة الجناة الذين ارتكبوا الجرائم عن طريق القضاء المحلي أو الدولي، وتطبيق مبادئ القانون الدولي الإنساني على هذه الوقائع، وعدم تضمين الاتفاق هذه الأمور جعله يخالف ما ورد في المبادئ التي صدّرها في فقرته الأولى مما يجعله غير تام، لأنه لا يشمل احترام حقوق الإنسا، وقواعد القانون الدولي الإنساني .

خامسا : يعلم الكل بأن الجيش التابع للقيادة العامة؛ هو الطرف المُعتَدِي الذي بدأ الحرب في 4 أبريل 2019م ، وهجم على غرب البلاد الواقع تحت السلطة المعترف بها دولياً، وكان سبباً في قتل العديد من المواطنين والأجانب، وتهجير بعض سكان العاصمة من بيوتهم والاستيلاء عليها، وسرقة ما وجد فيها، وإتلاف العديد من المنشآت والاستيلاء على موجوداتها، وقد تم ذلك بالاستعانة بقوات أجنبية معروفة، وبدعم من الدول التي لا تزال إلى وقت قريب تزوده بالسلاح والعتاد، ووضعها في القواعد العسكرية التي تحتلها القيادة العامة وليس له سند قانوني في القيام بذلك، فلا اتفاقيات مبرمة بين المُعتَدِي ومعاونيه، معلنة أو مسجلة لدى الأمم المتحدة، ومع ذلك نص الاتفاق على بقاء هؤلاء المرتزقة في ليبيا لمدة أقصاها ثلاثة أشهر، من تاريخ التوقيع على وقف إطلاق النار .

سادسا : فهؤلاء المرتزقة من الفاغنر والجنجاويد وغيرهم من الجنسيات الأخرى الذي استعان بهم الجيش التابع للقيادة العامة سيظلون في ليبيا خلال تسعين يوما من تاريخ التوقيع على الاتفاقية والله يعلم ماذا سيرتكبون من جرائم أو أفعال في تلك الفترة والمرتزق الذي يحارب من أجل المال، حين يعلم بأنه سيغادر فسيعمل على جمع كل ما يقع تحت يده من أموال وأرزاق وغيرها ولا يتورع عن فعل أي جريمة من أجل ذلك، وقد قاموا بذلك في السابق فإذا كان الاتفاق تاماً وعادلاً لما سمح لهم بالبقاء أكثر من شهر واحد، حتى يشعر المواطن في ليبيا بأن الاتفاق كان جاداً وأنه أبرم بنيّة سليمة .

سابعا : مقابل ذلك نص الاتفاق على ( تجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي، وخروج أطقم التدريب إلى حين استلام الحكومة الجديدة الموحدة لأعمالها. ) وهذا شرط مجحف في حق حكومة الوفاق، وأستغرب كيف وافق وفدها على ذلك، فالمرتزقة الروس وغيرهم يبقون ثلاثة أشهر في البلاد، ومَن يقوم بتدريب الجيش الليبي التابع للوفاق عليهم التوقف فوراً والخروج من ليبيا وإلى موعد غير معروف، وهو استلام الحكومة الجديدة ؟ والله يعلم هل تُشَكَّل أو يقع الخلاف حولها، فالاتفاق في هذا الجانب مضر بحكومة الوفاق ومفيد للطرف الآخر.

علما بأن الذين يقومون بالتدريب للجيش التابع لها، قد تم بموجب اتفاقية دولية معلنة ومسجلة لدى الأمم المتحدة، بينما قوات القيادة العامة تدربهم الإمارات العربية قبل إرسالهم، والفاغنر قوات روسية مدربة!.

ثامنا : إن الجرائم العديدة التي ارتكبها الجيش التابع للقيادة العامة في المناطق التي كان محتلا لها؛ لا زالت أثارها تظهر باستمرار، فليس من المعقول أن يتم الاتفاق معهم على وقف إطلاق النار دون النص على كيفية معالجة الأوضاع التي خلفتها تلك الجرائم، ولو بالنص على آلية معينة لعلاجها وأن هذا الاتفاق لا يلغي حقوق الأطراف في مقاضاة ومعاقبة المعتدي، أما تجاهلها وعدم النص عليها، فهذا أمر مجحف بأفراد الشعب الذي تضرر منها.

: ختاما لهذه المطالعة المختصرة للاتفاق المبرم في جنيف يوم 23 اكتوبر 2020 بين اللجنة العسكرية 5 + 5 ، وما ذكرته من ملاحظات أردت التنبيه إلى ما وقع فيه من إجحاف بحق حكومة الوفاق الوطني بسبب وجود بعض الثغرات القانونية التي ما كانت لتقع لو بذل الجانب العسكري الممثل لها بعض الدراسة والتدقيق في العبارات التي صيغ بها الاتفاق، وإن كنت لا أطعن في وطنية اللجنتين العسكريتين، فكل ينافح عن الجهة التي يمثلها، وأنصح المجلس الرئاسي ومجلس النواب والدولة، أن يولي الجانب القانوني أهمية كبيرة في عقد مثل هذه الاتفاقيات والله الموفق لما فيه الخير .

ذلك ما كتبته سابقا حول الاتفاق على وقف النار في 25 اكتوبر 2020

ولكن كما يقال : لا يطاع لقصير أمر.

الآن وقد اطلعت على الكتاب الذي وجهه رئيسا الوفدين العسكريين اللذين ترأسا لجنة 5 + 5 ، التي وقعت الاتفاق السابق ، تحت رقم ل ع م / 67 / 31 ، بتاريخ 14 أغسطس 2021 م ، إلى رئيس المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية ، استنادا إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2510 لسنة 2020 .

وقد انتهى الكتاب إلى ما يلي : ( نطلب منكم تجميد العمل بجميع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم العسكرية مع أي دولة أجنببة أو كيان أجنبي في جميع أنحاء ليبيا دون استثناء وخاصة مذكرات التفاهم وإعلان ذلك رسميا ) .

لعلني كنت مصيباً في تعليقي على الاتفاق الذي تم بين اللجنة العسكرية 5 + 5، في 23 اكتوبر 2020 ، عندما قلت في ختامه : ( وأنصح المجلس الرئاسي ومجلس النواب والدولة ، أن يولي الجانب القانوني أهمية كبيرة في عقد مثل هذه الاتفاقيات ) لأهمال الجانب القانوني في تلك الاتفاقية ، سواء القانون المحلي أو القانون الدولي ، وقد تبين عوار هذا الكتاب الموجه من رئيسي اللجنة العسكرية 5 + 5 ، ومخالفته لأبسط مباديء القانون . وفيما يلي توضيح ذلك: –

أولا : اللجنة العسكرية مشكلة من ضباط يتبعون القوات المسلحة التابعة لرئاسة الأركان في حكومة الوحدة الوطنية ( سابقا حكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي ) وهم من اختاروا هؤلاء الضباط وزملائهم في الجانب الآخر لا أعلم من أختارهم ، ومن الناحية القانونية لا يجوز للمرؤوس أن يخاطب رئيسه بكلمة ( يطلب ) فهو من كلفه بهذه المهمة، وهو الذي يستطيع أن ينهي عمله فيها، لهذا فإن صيغة الكتاب على هذا النحو إملاء من غير أعضاء اللجنة العسكرية، أو أنهم يجهلون وسائل المخاطبة لرؤسائهم .

ثانيا : استند الكتاب إلى الفقرة الثانية من البند الثاني من الاتفاق الذي تم بين اللجنة العسكرية بتاريخ 23 اكتوبر 2020م، فيما يخص تجميد العمل بالاتفاقيات . . وكتاب اللجنة العسكرية الموجه لرئيس المجلس الرئاسة وحكومة الوحدة الوطنية يخالف ما جاء في تلك الفقرة التي جاء فيها حرفيا : ( تجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي وخروج أطقم التدريب إلى حين استلام الحكومة الموحدة لإعمالها ) فهذا الإجراء كان يجب أن يتم قبل استلام الحكومة الموحدة لإعمالها، والآن تم تشكيل الحكومة ولكنها لم تستطع حتى الاجتماع في المنطقة الشرقية ، فكيف يتم تجميد الاتفاقيات والتوقف عن التدريب والقيادة العامة في تلك المنطقة تسيطر عليها وتمنع حكومة الوحدة الوطنية من الاجتماع فيها وبهذا يتضح أن اللجنة العسكرية 5+5 بعيدة عن الواقع الحالي ومغيّبة عما يجري في البلاد، وما قامت به لا يعمل على إصلاحها وتوحيد البلاد مستقبلا .

ثالثا : إن الاتفاقية التي عقدت مع الدولة التركية تمت في وضح النهار وبعلم دول العالم والأمم المتحدة، ولم نكن نعلم من هي الجهة التي تم الاتفاق معها في جلب قوات الفاغنر وقوات الجنجاويد والقوات السودانية والقوات التشادية وكذلك المرتزقة السوريين؟

وبالأمس فقط اعترف وزير خارجية روسيا بحضور السيدة المنقوش بأنهم جلبوا القوات الروسية بطلب من مجلس النواب، فهل يوجد قرار صادر من المجلس؟ وهل يشمل القرار بقية المرتزقة ؟

وإذا صح أن هؤلاء تم جلبهم باتفاقيات دولة، كما هو الحال مع دولة تركيا، فإن ذلك لا يخضع للجنة العسكرية، وليست لها صلاحية في طلبها أو الأمر بها وإنما إبرام الاتفاقيات وإنهاؤها يتم وفقا للقانون الدولي واللوائح الصادرة عن الأمم المتحدة، وطلب اللجنة العسكرية لا محل له .

رابعا : إذا كانت اللجنة العسكرية صادقة في طلبها ، ولإقناع الشعب الليبي بصدقها وحيادها ، كان عليها أن تبين للشعب الليبي الجهات التي قامت بالتعاقد أو الاتفاق على جلب تلك القوات، وإعطاء كافة المعلومات عليها، مثلما كانت حكومة الوفاق الوطني واضحة في الاتفاق مع الدولة التركية، ونشرها وإيداعها في الأمم المتحدة، وخفاء مثل هذه المعلومات عن الشعب والعالم يجعل من موقفها مشكوك فيه، ووجود ضغود مورست عليها، من الداخل أو الخارج .

خامسا: إن الإشارة في ذلك الكتاب إلى ( وخاصة مذكرات التفاهم مع تركيا وروسيا ) فالمقصود بها الاتفاقية الليبية التركية التي تمت في وضح النهار – كما سلف القول – أما القوات الروسية فلم توضح اللجنة العسكرية 5 + 5 من الجهة التي قامت بالاتفاق ؟

وإن كان تصريح وزير الخارجية الروسي الآخير ، واقعاً فعلاً فعلى اللجنة العسكرية توضيح ذلك ، وتوضيح الاتفاقات التي تمت مع الجنجويد والقوات السودانية ، والتشادية ، والمرتزقة السوريين إن وجودوا حقاً . أما لفلفة الأمور بسرعة وعجالة ، وعدم الفهم للتشريعات الدولية والمحلية التي تحكم هذه المسائل ، فهذا أمر لا يراد منه مصلحة البلاد .

كتبت هذا بدافع الحرص على وطني ، ومحاولة توضيح الأمور القانونية لمن يهمهم الأمر ، وأرجو أن تجد كلمتي هذه آذاناً صاغية من قبل اللجنة العسكرية ومن المسؤولين في هذه البلاد.

والله أعلم والحمد لله رب العالمين

***

جمعة محمود الزريقي ـ مستشار سابق في لمحكمة العليا وأستاذ جامعي متعاون

____________

مواد ذات علاقة