السنوسي بسيكري

جدل قانون انتخاب الرئيس الذي أحالته رئاسة مجلس النواب إلى البعثة الأممية أخذ بعدا جديدا في جدليته بعد إعلان بعض السياسيين القبول به ونقدهم للمعارضين له كونهم اعترضوا على خطأ الآلية دون أن يقفوا على مضمون القانون.

والبداية تعود في تقديري إلى إشكالية أو مفارقة هي أن مجلس النواب لم يعد برلمانا بالمفهوم المعروف أي السلطة التي تحتكر التشريع، إلا أن رئيس البرلمان وعددا من أعضائه يصرون على اعتبار أنفسهم مشرعين ولا معقب على قراراتهم.

مع العلم أن الاتفاق السياسي (اتفاق الصخيرات) أعاد إنشاء مجلس النواب، الذي انتهت مدته، وفق رؤية جديدة جوهرها التنسيق والتشاور مع المجلس الأعلى للدولة، وهذا ما تشرحه المادة 23 من الاتفاق السياسي والتي تلزم مجلس النواب بالتشاور مع الأعلى للدولة بخصوص إصدار القوانين.

بالمقابل، وهنا تكمن المفارقة، لا يلتزم مجلس النواب، أو لنقل رئاسته وأنصارها، بأبجديات إصدار القوانين والتشريعات للمجالس التشريعية كاملة السلطة والتي من أهمها التصويت وبلوغ النصاب، ولو تم مراجعة قوانين وقرارات مجلس النواب خلال السنوات الخمس الماضية لتكشف للمتابع هول الانحراف.

أهم ما يمكن أن تواجه به الأزمات الحادة التي يدور النزاع فيها بين طرفين مؤثرين التعقل والرشد، ومن هذا المنطلق كان على رئاسة البرلمان والأعضاء الداعمين لها بدل مصادمة الاتفاقات ونقض التوافقات التريث وإعمال الاتفاق السياسي الذي يقضي بإشراك الممثل السياسي للطرف الآخر، وهو المجلس الأعلى للدولة.

ذلك أن الغاية من إحالة مشروع القانون إلى البعثة الأممية يأتي في سياق المناكفة السياسية ومحاولة الضغط لتمرير بعض المكاسب على حساب الطرف الآخر.

لهذا لم يكن من المستبعد أن تكون ردة فعل المجلس الأعلى للدولة مشابهة بالاتجاه إلى إصدار قانون مواز، والأعلى الذي خانه الرشد أيضا في بعض مواقفه أراد أن يقطع الطريق على مناورة رئيس البرلمان وأنصاره من خلال التصعيد وبناء سور يتمرس خلفه وهو يواجه ما أقدم عليه رئيس البرلمان، مما يعني مزيدا من التأزيم الذي من الممكن تجاوزه بقليل من التعقل والرشد.

احتج الساسة المحسوبون على جبهة الغرب والذين تحفظوا على الموقف الرافض ما أقدم عليه رئيس مجلس النواب بمضمون مشروع القانون، وانطلقوا من الواقعية السياسيةفي تبرير احتجاجهم، فمن أقدم على هذا الخرق قوة فاعلة وجبهة متحكمة، ووضع البلاد مخيف ولا يحتمل مزيدا من التأزيم، والحكمة تتطلب تغليب المصلحة على المفسدة، وهو منطلق صحيح لو أن أصحابه دققوا أكثر في المصالح والمفاسد، وقاموا بما ينبغي القيام به من مواقف ومساع لرأب الصدع.

إن مقاربة التشبيك مع الآخر ومصادمة الشركاء كثيرا ما تفضي إلى نتائج سلبية، وقد كان هذا واضحا من التجارب التي سبقت والتي كانت غنية بالدروس والعبر، وخطأ هؤلاء أنهم يبذلون جهدا في غير مساره الطبيعي، ولو أنهم استفرغوا الجهد والوسع في التقارب ضمن الجبهة الواحدة وفق رؤية موحدة وخيار سياسي مرن مع شركائهم ثم اشتبكوا سياسيا مع الآخر لكانت النتائج أكثر إيجابية.

ما أعتبره خطأ كبيرا يقع فيه الساسة الذين يدعون إلى الواقعية السياسية أنهم يضعون الثقة في غير موضعها، ويبالغون في تعظيم المصالح المترتبة على خيارهم السياسي ويتشددون في وصف مخاطر تجاهل ما يرونه المخرج من الأزمة، ولقد ثبت أنهم لم يكونوا واقعيين بما فيه الكفاية وقد كانت قفزتهم السياسية التي سبقت العدوان على العاصمة في الهواء لولا أن الله سلم.

هذا لا يعني أن الموقف السياسي الصحيح هو القطيعة مع الآخر ورفض أي تقارب معه والجنوح إلى الأحكام المطلقة في الرد على مناوراته السياسية، لكن أعتقد أن أولى أساسيات الفعل السياسي الرشيد هو الانتباه أن صراعا لا يزال قائما وأن الآخر يشهر سيفه السياسي ويضرب يمينا ويسارا.

والحكمة تقتضي أن لا تقف مكتوف الأيدي وتتلقى الضربات، بل تناكف وتنافح وتناور لتجر الآخر إلى نقطة التوازن في الصراع، وهذا لا يكون إلا من خلال الانطلاق من قاعدة عريضة، والتحدث بصوت جبهة أو كتلة فاعلة، ذلك أن تحقيق التوازن والعدل لا يتأتى بالقفز لمسافات طويلة صوب أرضية خصم لا يؤمن بالتوازن وينتهج نهج المغالبة ويبحث عن مصوغ لمطالبه لدى الجبهة الأخرى.

لقد أثبت الصمود أمام عدوان حفتر خطأ مقاربة الواقعية السياسية وفق النهج الذي وقع، وكان للصمود أثره في إعادة التوازن نسبيا إلى المشهد السياسي، ومن المفترض أن تتوحد الجبهة التي صدت العدوان سياسيا للمحافظة على التوازن وتحقيق توافق عادل.

وشرط ذلك هو الاتفاق على التنسيق وصناعة موقف موحد ورفض الانفراد مهما كانت الأسباب، ويستلزم ذلك أن يبدي الشركاء، جميعهم، مرونة وتكون الثقة أساس الشراكة في الرؤية والموقف.

.

.

.

**********

العرادي ينسحب من ملتقى الحوار احتجاجاً على قانون انتخاب الرئيس

أعلن عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي عبد الرزاق العرادي، انسحابه من الملتقى، احتجاجاً على محاولة المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيش تمرير قانون انتخاب الرئيس الصادر عن رئيس مجلس النوّاب عقيلة صالح، أمام مجلس الأمن الدولي.

وفي رسالته التي وجهها إلى المبعوث الأممي يان كوبيش، سجل العرادي تحفظه على إحاطة المبعوث الأممي التي قدمها أمام مجلس الأمن مساء الجمعة، حيث أحاط كوبيش المجلس بالقانون الصادر عن عقيلة صالح ثم توجه برسائل إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات للشروع بالعمل بمقتضى ذلك.

وأشار العرادي إلى أن هذا الأمر يعد دعماً لقانون عقيلة المنعدم الصادر بشكل أحادي، وتجاوزاً للإعلان الدستوري وتعديلاته والاتفاق السياسي وخارطة الطريق والنظام الداخلي لمجلس النواب.

ونوه عضو الملتقى المنسحب، إلى أن عدم الالتزام بالاتفاق السياسي والذي وقعت عليه الأمم المتحدة، يُعيدنا تلقائياً إلى حالة الانقسام السياسي وتعدد الأجسام التشريعية المتنافسة، ذلك أن المحكمة العليا وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد، قد حكمت ببطلان انتخاب مجلس النواب وبُعث من جديد بموجب الاتفاق السياسي وبشروط محددة، والاعتراف بمجلس النواب كسلطة تشريعية مشروط بمدى احترامه للاتفاق السياسي.

وبحسب العرادي، فإن حل النزاع الليبي لا يكون إلا عبر إحدى طرق ثلاثة، وهي:

  1. سيطرة طرف على كامل التراب الليبي، وكانت هناك محاولات عديدة فشلت وتركت خلفها مئات القتلى والجرحى والمبتورين وآلاف النازحين والمهجرين ودمرت مقدرات البلاد الخاصة والعامة

  2. الوصول إلى حل بمقتضى الوثائق الدستورية النافذة، وهو ما كانت البعثة الأممية مكلفة بتسهيله بناءً على خارطة الطريق وعلى الاتفاق السياسي

  3. الوصول إلى حل من خلال تسوية سياسية جديدة

وأردف العرادي مخاطباً المبعوث الأممي: “كنت أعتقد أنكم تحاولون الوصول إلى حل عبر الخيارين الثاني والثالث، ولكن للأسف قدمتم إلى مجلس الأمن مقترحاً رابعاً وهو فرض أمر واقع منعدم قانوناً، من طرف واحد، قد يُؤدي إلى كوارث ستتحملون وحكم مسؤوليتها التاريخية”.

كما حذر عبد الرزاق العرادي، من أن هذا القانون الذي وصفه بـ”المعيب” سيعيدنا مرة أخرى إلى الانقسام الداخلي والخارجي ولربما قد نجد أنفسنا أمام حرب جديدة.

_____________

مواد ذات علاقة