سمير حمدي
انعقد مؤتمر دعم استقرار ليبيا، في 21 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، بمشاركة دوليةٍ، وبحضور ممثلي 27 دولة وأربع منظمات إقليمية ودولية. وكان واضحاً من خلال البيان الختامي للقمة مدى الرغبة التي تدفع المجتمع الدولي إلى إيجاد حل نهائي لمشكل النزاع في ليبيا، والوصول بها إلى حالةٍ من الاستقرار الأمني والسياسي، بما يحول دون استمرارها بؤرة توتّر تهدّد أمن شعبها أولاً، وتثير مخاوف الدول المحيطة بها ثانياً. لكن الأمور على الأرض ليست بالبساطة التي تُكتب بها بيانات القمم، فهناك حسابات وتقاطعات دولية،
بالإضافة إلى تواصل وجود قوى داخلية تشعر بأن استقرار الوضع الداخلي الليبي يعني نهاية وجودها السياسي وتأثيرها الداخلي وعلاقاتها الدولية. ولهذا، لم يكن غريباً أن تشهد مناطق سيطرة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، قبل انعقاد مؤتمر استقرار ليبيا بيومين، تنظيم مناوراتٍ عسكريةٍ أُطلق عليها اسم “رعد 2021″، رأى فيها المراقبون رسائل مباشرة من معسكر حفتر إلى المشاركين في المؤتمر تعلن وجوده، وهو الذي جرى تهميشه دولياً أو على الأقل استُبعِد مرحلياً من النقاش في مستقبل ليبيا.
نمط التفكير المليشياوي يؤدّي إلى مزيد من الاحتقان، وتقسيم الشعب على أسس مناطقية أو قبلية وولاءات محلية يجري تحشيدها لتكون نقيضاً للوحدة الوطنية
من الصعب على حفتر أن يستوعب التحولات المتسارعة التي جرت في ليبيا منذ تولّي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة شؤون البلاد (شهر مارس/ آذار الماضي)، وشرعت في الإعداد لتنظيم انتخابات شاملة في البلاد لاختيار رئيس للدولة وبرلمان جديد يمثل الشعب. وهكذا تراجع حضور مليشيات حفتر، بعد أن كانت تخطّط للسيطرة على العاصمة طرابلس، والهيمنة على كامل التراب الليبي، وجدت نفسها تعود إلى مربّعها الأصلي، أي مجرد فصيل عسكري من الفصائل التي ينبغي التعامل معها بوصفها جزءاً من الأزمة، وليست كما تزعم هي، أنها الجيش الوطني الليبي الذي ينبغي أن يتسلم زمام الأمور.
وفي ظل تسارع المواقف الدولية التي تحيل إلى مزيد من العزلة المفروضة على معسكر خليفة حفتر، خصوصاً بعد التوجه الأميركي الذي أفضى إلى التخلي عن التعامل معه، واعتباره جزءاً من الأزمة، بل قد يصل به الأمر إلى أن يصبح عدواً محتملاً في ظل تغيّر التحالفات، فإن حظوظ استمرار خليفة حفتر رقماً مؤثراً في الوضع الليبي تفترض منع الاستقرار في البلاد، وإثارة المشكلات واصطناع الأزمات، ليعيد الوضع إلى حالة ما قبل حكومة الوحدة الوطنية، أي أن تعود ليبيا إلى صراع المليشيات والمرتزقة، وتتخلى عن الحل السياسي الذي قطعت فيه أشواطاً مهمة في الأشهر الماضية.
كلّما زاد الضغط الدولي نحو إبعاد المرتزقة، كانت ردود أفعال المليشيات أكثر عدوانيةً وعنفاً