مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة في ليبيا المزمع عقدها في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 2021، وهي الأولى من نوعها منذ سقوط نظام معمَّر القذَّافي سنة 2011 ثم دخول البلاد أتون الحرب الأهليَّة، تشهد الساحة السياسية الليبية انقسامًا حول انتخابات الرئاسة في ليبيا، وعلى الرغم من تعويل المجتمع الدولي على إمكانية إنهاء الصراع المسلَّح الذي شهدته ليبيا في السنوات الأخيرة؛ فإن الأطراف الليبية لم تتفق بعد على شروط انتخابات الرئاسة في ليبيا وأُطُرها الدستورية والقانونية.
ومن بين أبرز الأسماء التي جرى تداولها والمحتمل ترشحهم لانتخابات الرئاسة القادمة، كلٌّ من الجنرال خليفة حفتر، بالإضافة إلى رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، ووزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، وكذلك الدبلوماسي الليبي السابق عارف النايض، الذي أعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة في ليبيا، بالإضافة إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية الحالية عبد الحميد الدبيبة، رغم التزامه السابق بعدم الترشح حفاظًا على حياد الحكومة.

الانقسام يهدِّد إجراء انتخابات الرئاسة في موعدها

ما زالت انتخابات الرئاسة في ليبيا ليست محلَّ إجماع في الساحة السياسية، فقد دعت مجموعة من عمداء البلديات والشخصيات السياسية إلى مقاطعة انتخابات الرئاسة في ليبيا، والتظاهر أمام مقرِّ المفوَّضية العليا للانتخابات، وذلك احتجاجًا على الظروف التي تُجرى فيها العملية الانتخابية.
إذ يرى هؤلاء أنها تمهِّد الطريق لوصول «المجرمين» إلى هرم السلطة، حسب تعبير خالد المشري، رئيس «المجلس الأعلى للدولة» (هيئة استشارية جرى تشكيلها في إطار اتفاق الصخيرات سنة 2015، ويعدُّ أحد أركان السلطة إلى جانب كلٍّ من حكومة الوفاق الوطني ومجلس النوَّاب-برلمان طبرق)؛ في إشارة إلى ترشُّح كلٍّ من المشير خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي، نجل العقيد معمر القذافي.
وتعتزم المفوَّضية العليا للانتخابات حتى الآن إجراء انتخابات الرئاسة في ليبيا في موعدها، رغم الخلاف الحاد حول قانون الانتخابات الذي ترفضه أطراف عديدة، من بينها تلك التي اجتمعت في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 داعيةً إلى مقاطعة انتخابات الرئاسة في ليبيا.
فيما انتقدت وسائل الإعلام القريبة من معسكر الجنرال خليفة حفتر هذه الدعوات وأكَّدت دعمها لمفوَّضية الانتخابات وإجراء انتخابات الرئاسة في ليبيا في موعدها، بينما قال المشري: «سنلجأ إلى حراك شرعي مدني، يرفض هذه القوانين.. وأدعو الجميع إلى عدم المشاركة في انتخابات الرئاسة في ليبيا سواءً كان ناخبًا أو مرشحًا».
وقد أثار قانون الانتخابات جدلًا بين الفاعلين السياسيين الذين يرون فيه انحيازًا لخليفة حفتر الذي يسيطر على شرق ليبيا؛ وخاصةً المادة 12 التي تجبر المترشحين على الاستقالة من مناصبهم الرسمية قبل ثلاثة شهور من إجراء انتخابات الرئاسة في ليبيا على أن يعودوا إلى هذه المناصب في حال خسارتهم؛ وهو ما سمح لحفتر بالاستقالة في سبتمبر (أيلول) 2021 تحضيرًا للترشُّح.
وأثارت المادة التي أقرَّها برلمان طبرق امتعاض رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، الذي أفادت بعض الصحف بأنَّه يعتزم الترشُّح لانتخابات الرئاسة في ليبيا، رغم تعهُّده سابقًا بالبقاء على الحياد إثر تعيينه في منصبه في مارس (آذار) 2021 في إطار عملية سلام برعاية أممية.
وتشهد ليبيا أجواء سياسية شديدة الاحتقان قبل موعد الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 2021، وهو ما قد يهدِّد إجراء انتخابات الرئاسة في ليبيا وسط الاتهامات المتبادلة بين الأطراف المتنازعة، ففي حين يتمسَّك كلٌّ من خليفة حفتر ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، بضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، فإن الفرقاء السياسيين غرب البلاد ممتعضون من قانون الانتخابات.
وقد فشلت الأطراف الليبية في التوصُّل إلى قواعد دستورية متفق عليها، بعد اجتماعات جنيف التي عُقدت في يوليو (تموز) الماضي، إثر «مؤتمر برلين» الذي شهد مشاركة العديد من الأطراف الدولية للضغط على الليبيين من أجل وقف الحرب والتحضير لانتخابات عامة، حُدِّد ميعادها الأولي في ديسمبر 2021.

تقرُّبًا إلى إسرائيل.. خليفة حفتر والسباق نحو الرئاسة

تتَّهم بعض الفصائل في غرب ليبيا، المفوضية العليا للانتخابات بأنَّها «غير حيادية» بسبب سماحها بترشُّح الجنرال خليفة حفتر الذي يسيطر على شرق البلاد، والذي قاد عملية هجوم عسكري على العاصمة طرابلس في أبريل (نيسان) سنة 2019، وترفض الفصائل الغربية ترشُّح حفتر بسبب امتلاكه جنسية أمريكية يرفض التخلِّي عنها، بالإضافة إلى «الجرائم» التي يقول معارضوه إنه ارتكبها أثناء الهجوم العسكري الذي قاده ضد العاصمة الليبية.
وقبل يومين قرَّرت قاضية أمريكية في محكمة فرجينيا الفيدرالية، تجميد إجراءات محاكمة الجنرال خليفة حفتر، بعد أن رُفعت عليه عدَّة قضايا من طرف عائلات الضحايا تتَّهمه بارتكاب مجازر ضد المدنيين وتعذيب سجناء؛ وحسب صحيفة «واشنطن بوست» فإن حفتر «مواطن أمريكي وعميل سابق لوكالة المخابرات المركزية (السي آي إيه)» ويملك عقارات في ولاية فرجينيا، وهو ما يسمح بمحاكمته هناك، إلا أن القاضية رأت أن مثل هذه المحاكمة من شأنها أن تؤثِّر في الانتخابات الليبية وفي الوضعية السياسية الهشَّة التي تعرفها الساحة الليبية، حسب قول القاضية.
يأتي هذا الخبر بالتزامن مع صدور تحليلات تفيد بأن الولايات المتحدة الأمريكية تضغط من أجل إجراء الانتخابات في موعدها، رغم عدم توافق جميع الأطراف حول القواعد الدستورية والقوانين المؤطرة لها، خصوصًا حول من يحقُّ له الترشُّح من عدمه.
من جانب آخر، فإن الجنرال خليفة حفتر لا يدِّخر جهدًا من أجل التموقع في صدارة سباق الرئاسة، فبعد تفويضه صلاحياته العسكرية لنائبه في سبتمبر 2021 تحضيرًا لانتخابات الرئاسة في ليبيا، كشفت صحيفة «هآرتز» الإسرائيلية أنَّ نجله صدَّام حفتر، زار إسرائيل من أجل حشد الدعم السياسي لعملية ترشُّح والده لرئاسة البلاد خلال انتخابات الرئاسة في ليبيا القادمة، وذلك تمهيدًا لإرساء علاقات دبلوماسية محتملة مع إسرائيل.
ومنذ صعود حفتر إلى المشهد الليبي في سنة 2014 أرسل العديد من الرسائل التي تفيد رغبته في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومن بينها مشاركة وزير الإعلام في حكومته، عمر القويري، في مؤتمرٍ بإيطاليا، مع شخصيات إسرائيلية، ودعا المؤتمر لعودة اليهود إلى ليبيا.
ويتمترس حلفاء حفتر خلفه من أجل ترجيح كفته في الصراع الدائر مع الحكومة في الغرب الليبي، فقد حاول برلمان طبرق الذي يرأسه عقيلة صالح، حليف الجنرال حفتر، سن قانون لحجب الثقة عن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة في سبتمبر (أيلول) 2021، لكن القرار تعرَّض للطعن بسبب عدم حصوله على النصاب القانوني المقدَّر بـ120 عضوًا.
وكان آخر الفصول في النزاع بين هذه الأطراف السياسية يتعلق بإقالة وزيرة الخارجية الليبية نجلاء منقوش، وإحالتها إلى التحقيق الإداري من طرف المجلس الرئاسي، إثر تصريحات لها في لقاء متلفز أشارت فيه إلى إمكانية تسليم ليبيين متَّهمين في قضية إسقاط طائرة أمريكية فوق مدينة «لوكربي» الأسكتلندية سنة 1988، المعروفة باسم «قضية لوكربي»، فيما رفضت «حكومة الوحدة الوطنية» قرار الإقالة وعدته خارجًا عن صلاحيات المجلس، ويأتي هذا في ظل إعلان نجلاء المنقوش رغبتها في الترشح للرئاسة.
ويأتي قرار الإقالة قبل أيام قليلة من مؤتمر باريس المزمع عقده يوم الجمعة 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، والذي سيضغط من أجل إجراء الانتخابات في موعدها، بالإضافة إلى حل قضية المقاتلين الأجانب التي تعتمد عليهم الأطراف المتنازعة داخل ليبيا.

الأطراف الدولية تدفع نحو الانتخابات.. وموقف تركي مُتذمِّر

على الرغم من عدم توافق فرقاء الداخل حول القواعد الدستورية والقانونية المنظِّمة لهذه الانتخابات، وهو ما قد يعني الطعن في شرعية مخرجاتها ودخول البلاد فصلًا جديدًا من أعمال العنف، فإن كلًّا من فرنسا ومصر وروسيا، وهي الأطراف التي تدعم معسكر الجنرال خليفة حفتر، تصرُّ على إجراء انتخابات الرئاسة الليبية في موعدها.
وفي هذا السياق، أكَّد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوجدانوف أهمية إجراء الانتخابات في موعدها، وتتمسك فرنسا هي الأخرى بإجراء الانتخابات القادمة، وهو ما ستحاول الضغط باتجاهه في مؤتمر باريس.
وقبل أيام من مؤتمر باريس أطلق الرئيس ماكرون تصريحات تصالحية تجاه الجزائر، بقوله إنه يأسف من سوء الفهم الذي حدث من جراء تصريحاته السابقة التي عدتها الجزائر إساءةً لتاريخها؛ واستدعت سفيرها من باريس في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وقال: «إن الجزائر لاعب رئيسي في المنطقة» وأنه يأمل في مشاركة الرئيس عبد المجيد تبون في مؤتمر باريس حول ليبيا.
ويرغب ماكرون في الحفاظ على موقف الجزائر الداعم لإقامة انتخابات الرئاسة في ليبيا في موعدها خلال مؤتمر باريس، وعدم التراجع عنه في ظل التوتر مع باريس، أو التقارب مع الموقف التركي المساند للحكومة والفصائل في الغرب الليبي، والذين يرفضون إجراء الانتخابات بصيغتها الحالية.
ولا تشارك تركيا الأطراف الدولية الحماسة نفسها بالنسبة إلى إقامة انتخابات الرئاسة في ليبيا وفق إطارها القانوني الحالي، خصوصًا أن حلفاءها في طرابلس، مثل رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ورئيس «المجلس الأعلى للدولة» خالد المشري، يرفضان إجراءها في ظل السياق الحالي الذي يستفرد فيه عقيلة صالح رئيس البرلمان، وعماد السايح رئيس المفوضية العليا للانتخابات بتنظيم الإطار القانوني لها، ويطالب المعارضون بتغييرات قانونية ودستورية، كما يرفضون ترشُّح الجنرال خليفة حفتر.
وبالإضافة إلى مناقشة إجراء انتخابات الرئاسة الليبية، فإن مؤتمر باريس سيناقش قضية المقاتلين الأجانب أو «المرتزقة» وآليات إخراجهم من البلاد، وهو ما يصطدم مع توجُّه تركيا التي أرسلت سابقًا مقاتلين سوريين إلى ليبيا، خصوصًا وأن حكومة الوفاق الوطني بقيادة رئيسها السابق فايز السرَّاج كانت قد وقَّعت على اتفاقيات مهمة مع تركيا، من بينها ترسيم الحدود البحرية وإقامة قواعد بحرية وجوية في تركيا، بالإضافة إلى اتفاقية دفاع مشترك، وهي مكتسبات ليس من السهل التخلي عنها أو تركها دون حماية.

________________

مواد ذات علاقة