الليبيون غير مهيئين لملاحقة الأموال المنهوبة، ومعظم السجلات التي تضمنت تفاصيل «النهب» الذي ارتكبه نظام القذافي جرى إتلافها أو فقدها، وثمة مسارات «زائفة» للحصول على نتائج ملموسة فيما يتعلق باسترداد ثروة القذافي.

كان هذا ملخص تقرير لجريدة «ذا ناشيونال نيوز» سلط الضوء على الأموال الليبية المنهوبة في الخارج، سواء الأصول أو الأموال، وكيف فقد الليبيون الشغف في استردادها بعد عشر سنوات منذ الخطوة الأولى في محاولة إعادتها إلى الشعب الليبي، إذ حالت الصراعات والحروب دون المبتغى، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى وجود مساعٍ جادة لاستعادتها.

يذكِّر التقرير بأن الليبيين لا يمتلكون إلا سجلات قليلة تثبت أين ذهبت أموال القذافي وعائلته بالخارج، ورغم ذلك تعثرت مساعي البحث عن الثروة غير المشروعة للنظام الليبي السابق مع تعمق الخلافات الداخلية.

قصر «وينينغتون كلوز»
واحد من الممتلكات التي ركز التقرير عليها، هو قصر يقع في «وينينغتون كلوز» بلندن، تبلغ قيمته ملايين الجنيهات الإسترلينية والمملوك لعائلة القذافي، حيث تقول تقارير بريطانية إنه جرى الاستيلاء عليه باسم الشعب الليبي قبل عقد من الزمان.

وذكرت «ذا ناشيونال نيوز» قصة القصر منذ أن اقتحمه المتظاهرون الغاضبون، فشهد اشتباكات حول ملكيته في المحاكم، ثم سرعان ما أهمله أصحابه الجدد، حتى يمكن اليوم رؤية أكياس القمامة المتكدسة والملقاة في الحديقة الأمامية، وقد نبتت الحشائش الضارة في فنائه.

ويقول جيران المنزل إن السكان الوحيدين للقصر منذ سنوات هم الجرذان والفئران، التي ترتع في المنزل الواقع في شمال لندن، الذي يفضله المستثمرون في الشرق الأوسط كرمز للبحث عن الأصول التي نهبها معمر القذافي وعائلته وشركاؤه.

وأُعلن عن مصادرة العقار البالغ قيمته 9 ملايين جنيه إسترليني، أي ما يناهز 12.1 مليون دولار، في العام 2012 كبداية لاستعادة الشعب الليبي الأصول الخارجية المنهوبة، التي تقدر بما يتراوح بين 40 مليار دولار و200 مليار دولار. 

ينتقل التقرير إلى نموذج آخر للتدليل على أن جهود استرداد الأوصول الليبية تنهار، وهو منزل السعدي القذافي في ضاحية «هامبستيد جاردن» في لندن، الذي أُعيد إلى الدولة الليبية العام 2012 أيضًا، بعد إطاحة نظام والده، وهو المنزل المكون من ثماني غرف نوم، والذي ظهرت عليه أمارات الأبهة والبذخ في السابق، ويضم حمام سباحة وقاعة للسينما.

المسارات الزائفة
التقرير لفت إلى وجود «أدلة قليلة للغاية» يمكن تقديمها للمحاكم بعد الاقتتال الداخلي الذي دام أكثر من عشر سنوات في ليبيا، والصراع على السلطة؛ الأمر الذي عدد ما سماها التقرير «المسارات الزائفة» في الحصول على نتائج ملموسة فيما يتعلق باسترداد ثروة القذافي، إذ معظم السجلات التي تضمنت تفاصيل النهب الذي ارتكبته عائلة القذافي جرى إتلافها أو فقدها، وفقًا لملفات بعض المحاكم البريطانية والأميركية.

ويضيف التقرير أن لدى المسؤولين في ليبيا «القليل من السجلات» التي تظهر أين ذهبت الأموال في أعقاب فرار وهرب المطلعين الذين كانوا على علم بآليات الفساد أو قتلوا أو سُجنوا، في حين أن القادة الجدد في البلاد غير مجهزين لملاحقة الثروات المنهوبة.

نهب نحو 120 مليار دولار.. واسترداد 20 مليونًا فقط!
وأشارت دراسة أجراها مستشارون في منظمة الشفافية الدولية في مجال مكافحة الفساد العام 2016 إلى أن مسؤولي النظام الليبي السابق نهبوا ما بين 60 و120 مليار دولار، لكن 20 مليون دولار فقط من ذلك المبلغ أُعيد إلى ليبيا، في حين أن نصف ذلك المبلغ هو عقار «وينينغتون كلوز» المملوك للسعدي القذافي، أما الجزء الأكبر من المبلغ فلا يزال مجهول المصير.

وقالت المستشارة الإقليمية للشرق الأوسط لمنظمة الشفافية الدولية، كندة حتر، «تمت استعادة بعض الأصول في بعض البلدان، ولكن ليس بالقدر الذي نتمنى أن يحدث، لقد غيرنا رؤساء الدول، لكننا لم نغير الأنظمة».

صراع داخل مكتب استرداد الأصول الليبية وإدارتها!
ونقل التقرير عن جريدة «ميرور» البريطانية التي تحدثت عن صندوق ليبي حكومي أخفق في المطالبة بـ12 مليون دولار ضد أحد معاوني سيف الإسلام القذافي. كما أشار إلى تعثر محاولات تنشيط الجهود في العام 2021 مع «أكبر قضية لاسترداد الأصول في التاريخ» في الولايات المتحدة في غضون أيام من إطلاقها؛ بسبب «معركة على السلطة بين رجلين يتنافسان على قيادة البحث عن أموال القذافي».

وبعدها أمرت القاضية الأميركية، باربرا موسيس، بوقف الإجراءات في يناير بسبب النزاع، منهية الجهود المبذولة لتعقب «عشرات المليارات» من الدولارات المشتبه في تمريرها عبر النظام المصرفي الأميركي، وكان النزاع داخل مكتب استرداد الأصول الليبية وإدارتها بمثابة ضربة قوية لمصالح الليبيين؛ لأن الهيئة التي تأسست بمساعدة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، كانت تعتبر أفضل أمل لاستعادة أي شيء، كما فشلت الجهود السابقة جزئيًّا بسبب الخلافات بين الجهات الحكومية المتنافسة.

نهب الأموال المنهوبة.. «فاسدون» متهمون ودول حولها شكوك
يذهب التقرير إلى أن الدول التي تحتفظ بالأصول المنهوبة أصبحت مترددة في مصادرة الأصول الليبية وإعادتها، بحجة أنها لا تعرف مع منْ تتعامل، بل وصل الأمر إلى أن اتصل بها «أفراد فاسدون يدعون أنهم يتصرفون نيابة عن الدولة الليبية».

هنا يشير التقرير إلى أنه رغم تأسيس مكتب استرداد أموال الدولة الليبية وإدارة الأصول المستردة في العام 2017، إلا أنه لا يزال يعاني نقص الخبرة في التعامل مع هذا الملف، حيث حدد 54 مليار دولار من الأصول المنهوبة في الخارج، كما استعان بشركة «بيكر هوستلر» للمحاماة الأميركية، التي قادت السعي لاسترداد أصول القذافي.

حيلة استخدمها نظام القذافي وعقدة عصية على الحل!
وكشف التقرير عن تجميد أكثر من 50 مليار دولار من أموال المؤسسة الليبية للاستثمارات الخارجية بموجب العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، و«لا يمكن إرجاعها نظرًا لافتقار ليبيا إلى القيادة والفساد المستشري داخل دواليب الدولة»، ولكن الوضع معقد بسبب طبيعة نظام القذافي، الذي استخدم وكالات الدولة كمرافق مصرفية شخصية، مما يجعل من الصعب على الوكالات أن تفكك الأصول التي نُهبت وتحديد أيها استثمارات حكومية حقيقية.

وأوضحت برقية دبلوماسية أميركية مسربة من العام 2009: «تظل ليبيا دولة كليبتوقراطية يكون للنظام فيها حصة مباشرة في أي شيء يستحق الشراء أو البيع أو الامتلاك». وفي السياق ذاته يقال إن النظام السابق باع سرًا خُمس احتياطات الذهب في البلاد، وتتبع تقرير اللجنة للعام 2017 مسارًا إلى غرب أفريقيا.

وأظهرت تقارير أيضًا صورًا لحقائب مليئة بالنقود قيل إنها تصل إلى 560 مليون دولار من فئة 100 دولار، احتفظ بها مجموعة من الليبيين في واغادوغو ببوركينا فاسو.

من جهة أخرى، تحدثت لجنة الأمم المتحدة عن كيفية استخدام أصول القذافي المخفية في جنوب أفريقيا في بيع أسلحة بملايين الدولارات من قبل صناعة الدفاع في البلاد، وفقًا لشخصين مشاركين في الصفقة.

ويصل التقرير إلى نتيجة مفادها بأن ملاحقة الأموال المخفية واستعادتها «عملية صعبة وتستغرق وقتًا طويلًا»، حيث تسرد قاعدة بيانات الأصول المسروقة التي جرى إنشاؤها بموجب برنامج البنك الدولي 13 قضية ضد معمر القذافي في 10 دول والاتحاد الأوروبي. في وقت لا يزال 25 فردًا من أفراد عائلة القذافي ومساعديه ووزراء سابقين تحت قيادته خاضعين لعقوبات المملكة المتحدة.

______________

مواد ذات علاقة