نهى محمود

يخيم سيناريو 2014 على ليبيا، رغم تغير قوائم الأطراف المتنافسة والمتحالفة، وذلك عقب تفويض مجلس النواب الليبي وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا لتشكيل الحكومة.

يفاقم تسمية رئيس جديد للوزراء الأزمة السياسية في البلاد، بعد رفض رئيس الحكومة الحالية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة التنحي، الأمر الذي يمهد بإعادة ليبيا إلى الانقسام بين إدارتين متحاربتين ومتوازيتين كانتا تحكمان البلاد منذ 2014، وحتى تشكيل حكومة وحدة وطنية العام الماضي.

وقد شغل باشاغا (59 عاما) منصب وزير الداخلية، الذي يتيح لمن يشغله نفوذا كبيرا، في حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، والتي حكمت غرب البلاد حتى حلت محلها حكومة وحدة جديدة في مارس الماضي.

وفي نوفمبر الماضي، ترشح باشاغا لخوض الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر أن تعقدها ليبيا، ووصفه محللون لموقع “الحرة” آنذاك بأنه “المرشح الأوفر حظا”. لكن خلافات بين الفصائل وأجهزة الدولة بشأن كيفية إجراءها أدت إلى انهيار العملية قبل أيام من التصويت.

يقول الباحث في الشأن الليبي جليل حرشاوي لموقع “الحرة” إن باشاغا، الشخصية النافذة الطامحة لرئاسة البلاد، مدعوم من “خليفة حفتر في بنغازي وتحالف جهاز دعم الاستقرار في طرابلس، وكلاهما كانا من كبار خصوم باشاغا، منذ وقت ليس ببعيد”.

وبعيد تسميته رئيسا جديدا للوزراء، قالت قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) التي يقودها حفتر إنها ترحب بقرار البرلمان. 

كان الجيش الوطني الليبي قد شن هجوما استمر 14 شهرا على حكومة في طرابلس كانت تضم باشاغا وزيرا للداخلية.

وقبل أيام من تسليم حكومة الوفاق السابقة السلطة للحكومة الجديدة المدعومة من الأمم المتحدة والتي يرأسها الدبيبة، نجا باشاغا من محاولة اغتيال غرب العاصمة طرابلس.

الدبيبة من جانبه رفض ما قام به البرلمان، الخميس، قائلا إنه لن يسلم السلطة إلا بعد الانتخابات البرلمانية.

ويسعى البرلمان لإدارة دفة المستقبل السياسي للبلاد بعد انهيار الانتخابات في ديسمبر الماضي، قائلا إن حكومة الدبيبة المؤقتة لم تعد مشروعة ولا يجوز لها مواصلة عملها.

وكان مجلس النواب استبقى مرشحين من أصل سبعة هما باشاغا وخالد البيباص وهو موظف كبير سابق في وزارة الداخلية.

وقبل التصويت قال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إن البيباص (51 عاما) انسحب تاركا باشاغا مرشحا وحيدا.

ولم يبث مجلس النواب عملية التصويت عبر الهواء مباشرة كما كان مقررا. لكن سبق التصويت على اختيار باشاغا بث الجلسة لأقل من ساعة، لتعديل الإعلان الدستوري بالأغلبية المطلقة.

ويهدف التعديل الدستوري لإجراء الاستفتاء على الدستور والانتخابات العامة في غضون 14 شهرا كحد أقصى، وفقا لخارطة الطريق التي اعتمدت الأسبوع الماضي.

وتناقلت وسائل إعلام محلية مقطعا مصورا مدته 30 ثانية، يظهر فيه صالح، طالبا من النواب رفع الأيدي في حال قبولهم اختيار باشاغا رئيسا للحكومة.

ويقول حرشاوي: “برئاسة صالح وبدون تصويت تشريعي شفاف، أنتج التحالف المناهض للدبيبة إعلان 10 فبراير عن حكومة موازية”.

وفي هذا السياق، قال خالد المنتصر، أستاذ العلاقات الدولية في ليبيا، لفرانس برس: “الجلسة بثت على الهواء في بدايتها، وكان ينتظر أن تبدأ عملية التصويت أمام العالم أجمع، وفجأة يقطع الصوت في الجلسة، وعقب دقائق قطع البث المباشر للجلسة، ليفاجئ الجميع بإعلان المتحدث باسم البرلمان بأن النواب اختاروا بالإجماع باشاغا رئيس للحكومة”.

كان منتقدون لصالح قد اتهموه من قبل بالخداع من خلال تمرير تشريعات أو قرارات دون تصويت حقيقي عليها.

ورأى عماد جلول، المحلل السياسي الليبي، لفرانس برس أن مجلس النواب باختيار رئيس جديد بطريقة “مشوهة”، جعل اتهامه بالتزوير والفساد في اتخاذ القرارات النيابية الهامة، ربما تكون اتهامات صائبة.

ماذا سيحدث؟ 

وقد يؤدي هذا الوضع المتفاقم لكثير من النتائج التي قد يحسمها “كبار قادة مدينة مصراتة”، كما يقول الحرشاوي، إلى جانب موقف الدول الأجنبية.

ولباشاغا دور رئيس في مجلس مصراتة العسكري الذي تأسس قبل عشرة أعوام، ولعب دورا بارزا في مفاوضات الصخيرات (المغرب) عام 2015 التي أدت إلى اتفاق برعاية الأمم المتحدة.

أما الدبيبة، فيقول الحرشاوي، إنه “كان يستعد لهذا النوع الدقيق من التحدي منذ أشهر، لذلك من المرجح جدا أن يتشبث بمقعده في رئاسة الوزراء لعدة أشهر أخرى”.

وكانت المستشارة الخاصة للأمم المتحدة بشأن ليبيا ودول غربية قالت إن شرعية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة لا تزال قائمة وحثت مجلس النواب على التركيز، بدلا من ذلك، على المضي قدما في إجراء الانتخابات.

وأمام الانقسام الداخلي، ربما يكون الموقف الخارجي حاسما. وخلال الحرب الأخيرة، ساندت روسيا والإمارات الشرق، بينما ساندت تركيا حكومة طرابلس.

يقول حرشاوي: “إذا اختار عدد كبير من اللاعبين المصراتيين المهمين دعم باشاغا، لن يكون أمام تركيا الكثير من الخيارات سوى أن تفعل الشيء نفسه؛ أي إطاحة الدبيبة، المقرب جدا من الرئيس إردوغان منذ منتصف الألفينات”، على حد قوله.

وعلقت وزارة الخارجية المصرية، الخميس، قائلة إنها تقدّر الإجراءات التي اتخذها البرلمان الليبي. 

وقال المتحدث باسم الوزارة، في بيان، إن “مجلس النواب الليبي هو الجهة التشريعية المنتخبة والمعبرة عن الشعب الليبي والمنوط به سن القوانين ومنح الشرعية للسلطة التنفيذية وممارسة دوره الرقابي عليها”.

وأضاف البيان أن “مصر مستمرة فى تواصلها مع جميع الأطراف الليبية بهدف تقريب وجهات النظر بينهم… وتوحيد المؤسسات الليبية”.

وفي الأسابيع القليلة الماضية، حشدت فصائل مسلحة متنافسة قواتها داخل طرابلس غير أن ذلك لا يعني بالضرورة العودة للاقتتال قريبا.

وقالت أماندا كادليك، العضو السابق في فريق الخبراء الليبي، التابع للأمم المتحدة، لوكالة فرانس برس: “ما قد يكون خطيرا هو العنف في طرابلس، لأن باشاغا والدبيبة تربطهما علاقات عميقة في غرب ليبيا”.

وتضيف: “الميليشيات ستقف إلى جانب من ترى أن لديه السلطة. وإذا لم يكن قادرا على تخصيص مناصب لهم ودفع رواتبهم وتزويدهم بالسلاح، فلن يكون هناك سبب لدعمهم له”.

بينما يقول الحرشاوي إن “الوضع يبدو رماديا وغامضا بدرجة أكبر حاليا”.

____________

مواد ذات علاقة