كريمة ناجي

تحذيرات من توريط ليبيا في إسقاط نظام الخرطوم بتكرار السيناريو التشادي من خلال فاغنرومطالبات بإنشاء قوة مشتركة لتأمين الحدود.

مع تواصل رحى المعارك بين قوات الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التابعة لمحمد حمدان دقلو، ترتفع أسهم المخاوف في ليبيا من انزلاق البلاد نحو مستنقع الاشتباكات الإقليمية، لا سيما أن السودان يتقاسم الحدود مع ليبيا من الجهة الجنوبية الواقعة تحت سيطرة قائد القوات المسلحة بالشرق الليبي خليفة حفتر

وشكلت العلاقات الثنائية بين حفتر وحمدان نقطة انطلاق لتحذيرات أصدرها المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية في ليبيا حول تداعيات الحرب في السودان على الجنوب الليبي، بخاصة في ظل توفر الحاضنة الشعبية لقوات حمدان، وتتمثل في عدد من المرتزقة السودانيين (الجنجويد) في ليبيا، وكانوا شاركوا مع قوات حفتر في عدد من المعارك ضد القطب العسكري الغربي، وآخرها حرب 4 أبريل (نيسان) 2019 التي شنها حفتر على العاصمة السياسية طرابلس.

ويعمل حالياً مجلس الأمن الدولي بمعية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على إخراج المرتزقة السودانيينوالتقليص من دور فاغنرالروسية، حيث تقيم معسكرات تدريبية بالشرق والجنوب الليبي لعناصر المعارضة لأنظمة الحكم في الدول المجاورة لليبيا حتى يسهل إسقاط أنظمتها، على حد قول العقيد السابق عادل عبدالكافي.

يقول عبدالكافي لـاندبندنت عربيةإن بحوزته معلومات حول تقديم أحد أتباع حفتر كمية من الوقود إلى قوات حمدان، منوهاً بأن المعلومات ذاتها أشارت إلى تحرك طائرة (أليوشن 76) بين قاعدة الخادم وقاعدة الكفرة الجوية العسكرية (شرق الجنوب الليبي) تجاه مواقع بالسودان وتشاد ودارفور، الحاضنة الشعبية لقوات الدعم السريع، بإيعاز من قوات (فاغنر) الروسية التي تمتلك قاعدة عسكرية لها في دارفور، فضلاً عن عدد من القواعد العسكرية بالشرق والجنوب الليبي، وجميعها مواقع ليبية تقع تحت سيطرة حفتر، وهو ما يعكس تورطه في تغذية الصراع بالسودان على رغم نفي قائد (كتيبة 128) التي تسيطر على الجنوب الليبي لهذه المعلومات“. 

وتابع المتحدث ذاته أن طائرة أليوشن 76 تي ديتستخدم للشحن العسكري، وتصل حمولتها إلى 40 طناً، ويقارب مدى الطيران الخاص بها 5000 كيلومتر بالساعة، كما تتميز بالهبوط في أماكن غير معبدة تتناسب تماماً مع التضاريس الموجودة في الدول الأفريقية“.

مكب لعناصر المعارضة 

وحذر عبدالكافي من توريط الدولة الليبية في إسقاط نظام الحكم في السودان عبر تكرار السيناريو التشادي انطلاقاً من الجنوب الليبي، على اعتبار أن “(فاغنر) جندت قوات معارضة لقتل الرئيس التشادي الأسبق إدريس ديبي، كانت قد تلقت تدريبات على يد المجموعة الروسية بالأراضي الليبية، على حد قوله.

ولم يخف المتحدث نفسه مخاوفه من تحول الجنوب الليبي إلى مكب لعناصر المعارضة لأنظمة الحكم في الدول المجاورة لليبيا، مع تحول الحدود الجنوبية إلى ممرات لنقل الأسلحة والمرتزقة، قائلاً إنها إشكالية يجب أن يعمل المجلس الرئاسي باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية على معالجتها سريعاً، عبر نشر قوات على طول الحدود المشتركة بين البلدين (السودان وليبيا) لمنع امتداد ألسنة لهب المعارك التي تغذيها (فاغنر) الروسية نحو الأراضي الليبية، بخاصة أن أبرز الحقول النفطية وأكثرها إنتاجاً تتمركز بالجنوب الليبي، وفق قوله

وتساءل عبدالكافي ماذا لو تمكن البرهان من دحر قوات حمدان؟، مستدركاً ستهرب إلى الجنوب الليبي، وستضطر للتحالف مع قوات (فاغنر)، بخاصة أن لديها حاضنة شعبية تتمثل في قوات (الجنجويد) التي تستعين بها المجموعة الروسية في تنفيذ أهدافها التوسعية بشمال أفريقيا“.

وأوضح أنه في هذه الحالة ستتحول ليبيا إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وسيكون الجنوب الليبي محل صراع بين القوتين، لتوافره على أكبر ثروة نفطية“.

التعاون مع أفريكومالأميركية

وأبدى عبدالكافي دهشته من عدم تحرك رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية لاتخاذ إجراءات عاجلة على خلفية اندلاع معارك بالسودان قرب الحدود الليبية، مضيفاً أن المجلس لم يستغل باكورة الزيارات الأخيرة لكل من قائد القوات الجوية في (أفريكوم) الأميركية ومدير الاستخبارات الأميركية إلى ليبيا للتنسيق معهم بخصوص حماية الحدود الجنوبية التي لم تعمل هي الأخرى إلى حد الآن على تفعيل حرس الحدود منذ سقوط النظام السابق“.

وطالب العقيد العسكري من المجلس الرئاسي بأن يعمل سريعاً على إنشاء القوة العسكرية المشتركة بين الغرب والشرق والجنوب، والتي تدعمها الولايات المتحدة الأميركية، لكن بشرط أن تكون مهمتها الأولى والأخيرة الحفاظ على الأمن القومي للدولة الليبية عبر تشديد الحراسة على الحدود الجنوبية، البوابة الرئيسة لتحرك المهاجرين غير الشرعيين والعناصر المتشددة والسلاح، وجميعها عناصر تستغلها (فاغنر) لتكوين قوات مسلحة وضرب استقرار الدول الأفريقية المجاورة للدولة الليبية حتى يسهل لها تنفيذ استراتيجية الدولة الروسية التي تهدف إلى السيطرة على المستعمرات القديمة لفرنسا، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية“.

القيادة العامة تنفي

ومع تواتر المعلومات حول دعم حفتر لقوات الدعم السريع سارع قائد القوات المسلحة بالشرق الليبي إلى الاتصال هاتفياً بالبرهان لنفي كل ما يروج حول تعاونه مع حميدتي لضرب استقرار السودان، مؤكداً أن كل ما يروج مجرد إشاعات يراد بها تأجيج الفتنة بين الجيران.

وكانت القيادة العامة للجيش الليبي (شرق) نفت في بيان لها، الخميس الماضي، تقديم الدعم لطرف على حساب آخر في السودان. وتابع البيان الذي تلاه الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي أحمد المسماري أن القيادة العامة مستعدة للوساطة بين الأشقاء في السودان لوقف القتال.

وطالبت القيادة العامة للجيش الليبي بـتشكيل لجنة وساطة مشتركة من جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي لوقف إطلاق النار والوصول إلى التهدئة، بحسب ما جاء في البيان.

أبرز السيناريوهات 

من جهته، حذر المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية من تبعات الحرب في السودان على الجنوب الليبي في ورقة بحثية، اطلعت عليها اندبندنت عربيةوتضمنت سيناريوهات عدة، جاء في مقدمتها سيناريو انهيار قوات الدعم السريع أمام ضربات الجيش السوداني بدعم أميركي مصري، ستكون له انعكاسات على مناطق الجنوب الليبي، حيث سترتفع احتمالية انتشار قوات الجنجويدخارج السودان، وخصوصاً على الجانب الليبي الذي ما زالت تغلب على أحواله الهشاشة الأمنية، مع وجود دوائر ارتباطات الجنجويدالسابقة قبلياً وعسكرياً، مع رغبة الأطراف المحلية والدولية بالاستقواء بالمرتزقة.

وأشار المركز إلى أن البيئة الأمنية والعسكرية الليبية رخوة ومعروفة لديهم، أي (الجنجويد)، مما سيؤثر سلباً في أداء مهام نشر القوات العسكرية المشتركة الموحدة للجيش الليبي في الجنوب، والتي تتمثل مهمتها في القضاء على المجموعات المسلحة، والحد من انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة، وتنظيم استخدامه، وبسط سيطرة الجيش على كامل الجنوب الليبي وتأمين الحدود بما فيها الحدود السودانية والتشادية والنيجيرية.

وتابع المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية أن ما يجري حالياً في السودان قد يسهم في إعادة انتشار (الجنجويد) من جديد في الجنوب الليبي، وعليه فإن اشتعال الأحداث في السودان يحتم على الدولة الليبية المسارعة في ترتيب تأمين حدودها الجنوبية لمنع احتمالية تأثير هذه الأحداث فيها“.

وأشار المركز إلى سيناريو آخر بتقدم قوات الدعم السريع في المعارك واستيلائها على مقاليد الحكم، مما سيربك المشهد الليبي ويجعل من دائرة الصراع الروسي الأميركي مفتوحة الأبواب، ويكون تراكم النقاط لصالح روسيا أمراً غير إيجابي لواشنطن، مما يفتح باباً آخر لحسابات الدولة التشادية، منوهاً بأنه لن يكون سهلاً على مكون (الزغاوة) التسليم للمكون العربي (الجنجويد)، وقد يكون تحالف قبيلة القرعان مع عرب تشاد إيذاناً بفتح الجبهة على مصراعيها، وسيكون تأثيرها الأمني والعسكري والاقتصادي سلباً في الحدود الجنوبية الليبية“.

وتابع المركز أنه في حال تواصلت الحرب بين طرفي النزاع، فإن الأوضاع المعيشية للشعب السوداني ستتدهور، مما سيتسبب في موجة هجرة ونزوح كبيرة تستهدف دول الجوار، وستتحمل ليبيا العبء الأكبر في ذلك، نظراً إلى تأخرها في تأمين حدودها مقارنة بمصر أو تشاد.

____________

مواد ذات علاقة