في ظل المخاطر الأمنية التي تواجه بعض الدول العربية من حركات انفصالية ومتمردة وجماعات إرهابية أو تدخلات خارجية، تضطر أحيانا للاستعانة بقوات شبه عسكرية، وتقوم بتدريبها وتسليحها، وما إن تتقوى وتتضخم حتى حاول بعضها ابتلاع الدولة.

تعكس الأوضاع في السودان تبعات استعانة الجيوش العربية بمليشيات قبلية أو طائفية أو مناطقية لمواجهة التنظيمات الإرهابية أو المتمردة، والتي من الممكن أن تتضخم قوتها مع طول الاعتماد عليها، بالشكل الذي قد يؤدي لأن توازي قوتها قدرات الجيش النظامي.

وفي الوطن العربي أمثلة عديدة عن تحول تشكيلات شبه عسكرية إلى قوة مهيمنة ليس فقط في المجال العسكري، بل حتى في المجالين السياسي والاقتصادي.

ـ قوات الدعم السريع (السودان)

عندما عجز الجيش السوداني عن مواجهة التمرد في إقليم دارفور (غرب) الذي اندلع في 2003، وانتشر في نحو 80 بالمئة من أجزاء الإقليم، لجأ إلى الاستعانة بالقبائل العربية في الإقليم، والتي كانت على عداء مع حركات التمرد التي يتحدر أغلب عناصرها من القبائل الإفريقية.

وسلّح الجيش عناصر قبلية، أغلبها من الرزيقات، بفرعيها الأبالة (رعاة الإبل) والبقارة (رعاة البقر)، وأطلقهم على المتمردين في الإقليم، وأصبح يطلق عليهم الجندويد“.

وبفضل الانتصارات التي حققها الجنجويد على المتمردين وتقلص مساحة التمرد من 80 بالمئة مع بداية التمرد إلى 20 بالمئة في 2010، تصاعد اعتماد الجيش على هذه المجموعات القبلية المسلحة.

إذ تضاعف أعداد الجنجويد، من 4 آلاف عنصر في الأعوام الأولى من تشكيلها إلى 40 ألف عنصر، بعدما أصبحت تعرف بقوات الدعم السريع في 2013، ثم إلى 100 ألف عنصر بعد سقوط نظام البشير.

وانتقلت تبعية قوات الدعم السريع، من جهاز الأمن والمخابرات، إلى الرئيس عمر حسن البشير، ووضع على رأسها محمد حمدان دقلو المدعو حميدتي، ولقبه حمايتي“.

فالبشير، الذي خسر جنوب السودان، ومعه 75 بالمئة من مداخيل النفط، كان يخشى انقلاب الجيش والمخابرات عليه، خاصة مع اندلاع احتجاجات ضده بسبب رفع الدعم التدريجي عن الوقود، أعنفها كان في 2015.

فلجأ البشير، إلى تأسيس الدعم السريع، كجيش موازي أو حرس ثوري لحماية نظامه من أي انقلاب عسكري محتمل.

غير أن الذي لم يخطر على بال البشير، أن قوات الدعم السريع، بدل أن تحميه، تحالفت مع قيادة الجيش والمحتجين لإسقاطه.

بعد سقوط نظام البشير في 2019، قفز حميدتي، لمنصب الرجل الثاني في الدولة، نائبا لرئيس مجلس السيادة، وارتقى إلى رتبة فريق أول، رغم أنه لم يدخل أي كلية عسكرية.

واستغل حميدتي، الخلافات بين الجيش والحكومة المدنية، فتحالف مع رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وأطاح بعبد الله حمدوك، من رئاسة الوزراء في 2021، ويحاول حاليا إزاحة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، من طريق اعتلائه سدة الحكم.

فقوات الدعم السريع، تملك نحو 10 آلاف عربة مسلحة، ولها استقلاليتها القانونية عن الجيش، وميزانيتها الخاصة، ناهيك عن استغلالها لمنجم ذهب بجبل عامر لحسابها.

ونفوذ قوات الدعم السريع، تصاعد داخليا وخارجيا خاصة بعد مشاركتها في الحرب باليمن، ودعمها لقوات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر.

ـ الحشد الشعبي العراقي:

يمثل تحالفا لتشكيلات شبه عسكرية، تعتبر ذراعا سياسيا لأحزاب شيعية لها تمثيلها في البرلمان، ولها نفوذ قوي في تسمية رئيس الوزراء.

وتَشكل الحشد الشعبي في 2014، استجابة لفتوى المرجع الشيعي علي السيستاني، إثر سقوط أربع محافظات شمال وغرب البلاد في يد تنظيم داعشالإرهابي، واقترابه من العاصمة بغداد، بعد أن انهارت أمامه وحدات كاملة للجيش العراقي.

وتمكن الحشد الشعبي، بدعم من الجيش النظامي، من وقف زحف التنظيم الإرهابي، وتحرير المحافظات الأربعة ذات الغالبية السنية في 2017.

والانتصارات التي حققها الحشد الشعبي على داعش، منحته شرعية قانونية في 2016، بعد اعتراف البرلمان به باعتبارها قوة رديفة وساندِة للقوات الأمنية العراقية، ولها الحق في الحفاظ على هويتها وخصوصيتها، ما دام لا يشكل ذلك تهديدا للأمن الوطني“.

وبهذا القانون تحولت قوات الحشد الشعبي إلى جيش رديف، موازي للجيش، لكنه خاضع اسميا لقائد القوات المسلحة، رئيس الوزراء، وفعليا يخضع كل فصيل قائده المباشر، ولكن ولاء معظمهم لإيران.

وتقدر أعدادهم بنحو 48 ألف مسلح، ولكن تسليح فصائل الحشد الشعبي أفضل بكثير من قوات الدعم السريع السودانية، بالنظر إلى امتلاكه مدرعات حربية بدل عربات مسلحة، ودبابات أمريكية وسوفياتية استولى على بعضها في حربه ضد داعش، وراجمات صواريخ من نوع غراد، وصواريخ أرض ـ أرض، إيرانية الصنع، وكذلك طائرات مسيرة.

ويعكس امتلاك الحشد الشعبي لعناصر مدربة على استعمال أسلحة مطورة مثل الصواريخ والمسيرات والدبابات، حصولهم على تدريب من جهات خارجية تزعم تقارير إعلامية أنها إيران.

ـ حزب الله اللبناني:

إذا كان الحشد الشعبي، حصل على شرعيته كجيش رديف بفضل هزيمته لداعش، وقوات الدعم السريع بفضل قضائها على التمرد في دارفور، فإن حزب اللهاللبناني حصل على مشروعيته بفضل مقاومته للاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.

وتأسس الحزب في 1982، عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وتشكيله لجيش جنوب لبنان العميل.

وتبنى حزب الله، مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والتواجد العسكري الأمريكي الفرنسي في البلاد، وشن حرب عصابات أجبرت إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان في عام 2000.

وفي 2006، تصدر حزب اللهمشهد مقاومة الاجتياح الجديد للجيش الإسرائيلي لجنوب لبنان، بينما اختفى أي دور بارز للجيش اللبناني في التصدي لهذا الهجوم.

ويأخذ منتقدو حزب الله عليه أنه فيما بعد تحول حزب اللهمن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، إلى استخدام السلاح ضد شركاء الوطن، في اشتباكات عديدة، على غرار ما حدث بشأن قضية مطار رفيق الحريري، ببيروت في 2008، والتي قتل فيها71 شخص، وعقبها اعترفت الحكومة بوجود حزب اللهكمنظمة مسلحة ويضمن حقه في تحرير الأراضي المحتلة أو استردادهاعلى غرار مزارع شبعا.

وفي 2012، أرسل حزب اللهمقاتليه إلى سوريا لدعم قوات بشار الأسد.

وفرض حزب اللهنفسه كقوة شبه عسكرية موازية للجيش بل أقوى منه، حيث لديه أسلحة متطورة مثل الصواريخ متوسط المدى، والصواريخ المضادة للسفن وللدبابات والمدرعات، والمسيرات، ويقدر عدد عناصره بنحو ألفين، ويمكن أن يصل هذا الرقم إلى 100 ألف مقاتل عند التعبئة، بفضل حاضنته الشيعية.

ـ قوات شرق ليبيا

بعد سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011، تفكك جيشه وكتائبه الأمنية التي كانت تحميه، وقررت كتائب الثوار تشكيل جيش جديد، بالاستعانة بضباط عسكريين انشقوا عن نظام القذافي خلال الثورة.

غير أن محاولة بناء جيش ثوريباءت بالفشل، بالنظر إلى كثرة الكتائب المنقسمة على أساس مناطقي وقبلي، والتي حملت كل منها اسم مجالس عسكرية للمدينة أو المنطقة التي تتحدر منها على غرار المجلس العسكري لمصراتة، والمجلس العسكري للزنتان، والمجلس العسكري لنالوت في المنطقة الغربية.

أما في المنطقة الشرقية، فحاول قائد قوات شرق ليبيا خليفة حفتر تجميع عدد من الضباط الذين أحيلوا على التقاعد، وعدد من الكتائب في غرب وشرق ليبيا، لتشكيل قوة عسكرية في شرق ليبيا، حيث تلقى دعما من قبائلها وأغلب الكتائب التابعة للجيش السابق والتي انحازت للثورة.

بينما قوات الدروع، والتي تضم كتائب الثوار باعتبارها قوات رديفة للجيش، فوقفت في وجه مشروع حفتر.

وأدى هذا الوضع إلى انقسام الجيش الليبي الجديد، فبينما دعمت أغلب كتائبه في الشرق حفتر، انقسمت كتائبه في الغرب بين داعم له ومناوئ له.

إذ أصبح لليبيا منذ 2014، جيشان، الأول يسمى الجيش الليبيويقع مقره في طرابلس، لكنه لم يستطع فرض نفسه أمام قوة كتائب الثوار (الدروع)، واكتفى بتوفير الدعم اللوجيستي لها في حربها ضد قوات حفتر.

أما الثاني فيسمى الجيش الوطني الليبي، ويقوده حفتر، وحاول استقطاب عناصر الكتائب الأمنية لنظام القذافي، ودمج عناصر قبلية مثل جيش القبائل، وأخرى إيديولوجية مثل السلفيين المدخليين.

ورغم محاولات توحيد الجيش، عبر لجنة 5+5 العسكرية، وحل الكتائب العسكرية ودمج عناصرها المناسبين في الجيش والقوات الأمنية، إلا أن هذه الكتائب بما فيها قوات حفتر، مازالت الفاعل الرئيسي على الأرض سواء في قتال الجماعات الإرهابية أو الصراع على السلطة.

أما المؤسسة العسكرية الشرعية، فيمثلها المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي، باعتباره القائد الأعلى للجيش، ووزير الدفاع عبد الحميد الدبيبة، الذي يتولى رئاسة حكومة الوحدة، ورئيس الأركان الفريق أول محمد الحداد.

ـ الحزام الأمني اليمني:

المشهد اليمني لا يخلو من مليشيات شكلتها الدولة لمحاربة أعدائها قبل أن تنقلب عليها، وأبرز مثال على ذلك الحزام الأمني، بقيادة هاني بن بريك، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبيالانفصالي.

والحزام الأمنيكتائب تقاتل بعلم من الحكومة اليمنية الشرعية جماعة الحوثي، التي استولت على العاصمة صنعاء ومعظم المحافظات الشمالية.

ويبلغ تعداد قوات الحزام الأمني، نحو 13 ألف مقاتل، مزودين بعربات مسلحة برشاشات ثقيلة ومضادات أرضية.

غير أن قوات الحزام الأمني، الموالية للإمارات، سرعان ما خرجت من عباءة الدولة، وخاضت معارك ضد القوات الحكومية بالعاصمة المؤقتة عدن في 2019، وانتصرت فيها، ناهيك عن سيطرتها على محافظتي أبين ولحج، كما تتحدث من وقت لآخر عن رغبتها في الانفصال عن اليمن.

______________

مواد ذات علاقة