شيروان الشميراني

الرئيس رجب طيب أردوغان لم يَفُز، لكن المنافس المعارض خسر، لو أردنا ان نلخص النتيجة التي أدلت بها صناديق الاقتراع أمس الأحد (14 مايو/أيار الجاري) في الانتخابات الرئاسية في تركيا.

فإن هذا هو الوصف الدقيق، والسبب هو أن الجميع ليس فقط المنافس القومي الكمالي وتحالفه الجامع بين المتناقضين، بل الغالبية كانت تنتظر إعلان سقوط رجب طيب أردوغان مدويا، لكن الرجل يبدو بأنه متجذر في العقل والتراب التركي أعمق مما يظنه الآخرون، ليس اقتلاع أردوغان بهذه السهولة، فهو استثنائي بكل المقاييس، مع أنه يبقى بشرا.

تحالف معارض لم يسبق أن حصل في التاريخ السياسي التركي الحديث، التحالف جمع حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، والحزب الجيد الوسطي القومي، وحزب السعادة المحافظ والذي خرج من رحم حزب الرفاه المنحل، مع من انضم إليهم من القوى الصغيرة أو متوسطة الحجم من أقصى اليمين القومي إلى اليسار الليبرالي.

والهدف من التحالف كان إسقاط أردوغان، ولا شيء غير إسقاط أردوغان، بدعم إعلامي وبحثي وسياسي هائل من الغرب، ومن القوى الإقليمية، والسبب أن الجميع لا يريد تركيا دولة قوية بما لديها من رصيد تاريخي وحضاري على المستوى الدولي، وبما تحمله النخبة الحاكمة الآن من فكر نابع من المرجعية الإسلامية والاهتمام البالغ بالقضايا التي تهم الأمة الإسلامية.

هذا من جانب، ولو ذهبنا بعيدا نسبيا من السياسة إلى الجانب الفكري الحضاري، لا أظن بأن من له عقل في رأسه لا يلحظ الصراع العلني بين مشروعين في تركيا، هذا الصراع يلخص الصراعات المتتالية والمتكاثرة في المنطقة، بوضوح إنهم يرون في أردوغان مشروعا إسلاميا محافظا، ولو خففنا اللهجة فهم يرون فيه مشروعا اجتماعيا محافظا يستند إلى الدين، تمكن من مجابهة المشروع التغريبي الاجتماعي الذي دام 8 عقود بالحديد والنار.

هذا الاصطفاف الذي حصل وما زال على المستوى العالمي حول انتخابات تركيا، وترتيب واصطفاف القوى وفق الأهداف النابعة من المرجعية الحضارية التي ظهرت بوضوح، يثبت أن ما جرى كان صراعا وليس مجرد انتخابات واقتراع كما اعتاد الجمهور عليه، والعلامات ظهرت في اللحظات الأخيرة قبيل الصمت الانتخابي.

أردوغان ذهب إلى جامع آيا صوفيالصلاة المغرب جماعة وبقي لصلاة العشاء وخطب دينيافي الجمع، وكمال كليجدار أوغلوا ذهب لوضع إكليل من الزهور على ضريح كمال أتاتورك. وعندما ذهب أردوغان للتصويت كان الأنصار يرددون بسم الله، يا الله، الله أكبر، والآخرون عند رؤية كليجدار صاحوا باسمه الشخصي.

أردوغان خبير وعالم بتحريك أوراق اللعبة الشعبية والسياسية، مع أن الطاقة والقدرة الجسمانية ليست على حالها، فالسياسة مرهقة إلى حدّ التحطيم والتدمير الصحي، لكن الهمَّة ازدادت توقدا وشعورا بالاستجابة لتحدي النصر

هنا السؤال الذي لا مهرب من عرضه هو:

ماذا في الطريق إلى الجولة الثانية؟

وأيضا السؤال الآخر:

 كيف يمكن لمشروع أردوغان النجاح والفوز الدائم؟

إنّ تصدر حزب العدالة والتنمية للانتخابات البرلمانية داعم كبير شعبيا ونفسيا لأنصار أردوغان. لأن الرئيس الفاقد للأغلبية البرلمانية يعجز عن تنفيذ المشاريع التي يعلن عنها. والبحث عن الاستقرار السياسي الحكومي يوجِب بقاء أردوغان رئيسا.

في الانتخابات التشريعية سنة 2017 حينما كان النظام برلمانيا ورئيس الوزراء والحزب أحمد داود أوغلو لم ينجح الحزب في الحصول على النسبة الكافية اللازمة من أجل تشكيل الحكومة منفردا، ولم يتآلف الآخرون معه من أجل تشكيل الحكومة، فكان قرار الانتخابات المبكرة وفق الدستور التركي.

وقد حدثني أحد مستشاري أردوغان عن تلك اللحظات، قال ما إن بدأت حملة الانتخابات المعادة حتى جاء أردوغان بكامل قوته كأن موسى ظهر وبيده عصا الحلّ، ما أرمي إلى قوله هو أن هذا الرجل خبير في هذا المجال، عالم بتحريك أوراق اللعبة الشعبية والسياسية، مع أن الطاقة والقدرة الجسمانية ليست على حالها، فالسياسة مرهقة إلى حدّ التحطيم والتدمير الصحي، لكن الهمَّة ازدادت توقدا وشعورا بالاستجابة لتحدي النصر.

بين الجولتين 14 يوما، وهو ليس بقليل لمن بيده السلطة وقدرة التوقيع على القرارات، أمامه أصوات المنافس الخاسر سنان أوغان 5%، فهو قادر على استمالة الرجل أو أنصاره سواء قدرة ذاتية أو عبر حليفه دولت بهتشلي، إضافة إلى فرصة التحدث مع الشارع الكردي بصورة أوضح.

والحق أني لستُ خبير بالشارع القومي التركي، لكني أفهم على نحو جيد طبيعة الملف الكردي هناك، فبعد نكسة المعارضة هذه فإن مَواطن اختراق الجمهور الكردي المعارض ستتشكل وتزداد بمرور الزمن، والرئيس بفكره الإسلامي لا شك في امتلاكه الطرق والوسائل الضرورية للتحدث مع هواجس ورغبة هذا الشارع، في هذا المجال لا بد من خطوات إيجابية جريئة وملموسة صوب هذه المنطقة التي تمتلك 10% من الصوت المناهض لأردوغان من مجموع الصوت الكردي الذي يوالي الملايين منه أردوغان لتدينه.

وإن عقلانية وكاريزما الرجل المعروف بها، والجرأة التي يلمسها الجميع منه، كل ذلك عوامل مساعدة لاختراق جبهة المنافس كليجدار أوغلو في تلك المنطقة، خصوصا أن إحباطا نفسيا قد أصابها بعد هذه النكسة، ليس من باب السياسة وقانون الربح والخسارة فقط، وإنما من باب أداء الواجب كرئيس مسلم للبلاد مسؤول، وسدًّا للمنافذ التي من خلالها يضرب من لا يريد الخير بالأمة المسلمة.

***

شيروان الشميراني ـ كاتب وباحث مدير المنتدى العالمي للوسطية كوردستان مؤلف عدة كتب ومئات المقالات في الصحف ومراكز البحوث بالعربية والكوردية

.

.

*************

ثورة أردوغان

اللواء فايز الدويري

أنصح محبي أردوغان وكارهي أردوغان ومنتقدي أردوغان أن يقرأوا هذا المقال من باب الارتقاء بالثقافه الذاتيه والفكريه وإنعاش المنطق لدى الجميع .

استطاع اردوغان ان يستبدل العَلمانية الأتاتوركية المعادية للدين بالعَلمانية المحايدة.

حقيقة اردوغان

هو ليس حاوياً، كي يجمع كل الحيّات في جرابه..

 أو ساحراً هندياً كي ينفخ في مزماره، فتتراقص بين يديه كل الأفاعي، بدلاً من أن تنفث سمومها في جسده.

ربما يُطيح به انقلاب قادم ينجح فيما فشل فيه سابقه.

 ولربما تُسقِطه انتخابات رئاسية.

 أو يأتيه اليقين الذي كتبه الله على كل نفس، غيلة أو على فراشه.

 لكنه اليوم قد أتم آخر فصول ثورته.. ووضع آخر لبنة في هيكل الدولة التركية الجديدة.

ما فعله أردوغان في تركيا هو ثورة من حيث نتائجها، لا من حيث آلياتها.

فالثورات تبدأ بعاصفة جماهيرية، وخروج إلى الشوارع.

وربما مواجهات مسلحة، لإسقاط النظام القائم، واستبداله بنظام جديد، يختلف عنه سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، عبر مخاض عسير، يُنهك قوى البلاد، ويُضعف قدراتها.

وربما أدى إلى انقسامها، أو تراجعها كثيراً عما كانت عليه، إلى أجل مسمى.

ولكن أردوغان استطاع أن يُحدث هذه الثورة دون المرور بهذا المخاض .. ودون إجراء هذه الجراحة الخطرة، التى من الممكن، لو فشلت، أن تُجهِز على الجسد المريض، بدلاً من أن تشفيه..!

لقد انتقلت تركيا من دولة مَدينَة مُنهارة اقتصادياً، تقف على حافة الإفلاس، إلى دولة دائنة، تقف بين الدول الأكثر تقدماً..!

هذه النقلة لم تتم باكتشافات حقول غاز أو بترول.

أو باستخراج مواد أولية من باطن الأرض.

ولكن بنهضة علمية ، واقتصادية ، وتكنولوجية حقيقية..!

ومن الناحية السياسية

استطاع أردوغان أن يقضي على سيطرة الجيش على الحكم.

فبعد أن كان رئيس أركان الجيش التركى هو الحاكم الفعلي للبلاد، استطاع أردوغان أن يعزل الجيش التركى تماما عن ممارسة أي دور سياسي، وذلك عبر مراحل متدرجة، كان فيها أردوغان يسير وسط حقل ألغام .

ليحول الجيش في النهاية من الحكم، إلى الحماية.. ومن الوصاية على النظام السياسي، إلى الخضوع له تحت قيادة الرئيس المنتخب.

وتَحوَّل مقعد رئيس الأركان من جوار الرئيس، إلى الصف الأمامي، كغيره من الوزراء والمُتنفّذين.. بعد أن كان يأنف أن يُلقي التحية العسكرية على الرئيس..!

وهو تغيير ثوري بالنظر لما يملكه الجيش التركي من قوةٍ ونفوذٍ طاغٍ .

لقد أسقط أردوغان الجمهورية الأتاتوركية تماماً.. من غير أن يُحطم تماثيل أتاتورك.. أو يُعلن صراحة الخروج على مبادئ جمهوريته.

لكنه منع عنها الهواء والماء، حتى ماتت، بعد أن جرَّدها شيئاً فشيئاً من كل مضامينها.. فتحولت من نهج مستبد، أحادي الرؤية، حاكم للواقع، ومتحكم فيه، إلى مجرد حقبة تاريخية، وماضٍ يتغنى به الأتراك..! 

وعلى المستوى الاجتماعي

استبدل أردوغان العلمانية الأتاتوركية المعادية للدين بالعلمانية المحايدة، لتقف قوانين الدولة على مسافة واحدة من الأديان، فأردوغان لم يتبنّ منهج الأصولية الإسلامية في الحكم.

ولكنه أوقف الكثير من أشكال الاضطهاد والإقصاء التي عانى منها الإسلام تحت وطأة العلمانية الأتاتوركية المناهضة للدين بكل تجلياته.. بدءا من العقيدة، وانتهاءً بالمظاهر السلوكية، مروراً بالشعائر التعبدية..

 أدرك أردوغان أن الإسلام لا يحتاج إلى حكومة تتبناه، وقوانين تفرضه، بقدر ما يحتاج إلى نظام حكم عادل، لا يمارس التمييز أو الإقصاء ضده.

فألغى تباعاً ،وبحذر بالغ، القوانين التي تفرض القيود على الإسلام.

لم يغلق بيوت الدعارة ولكنه سمح بإنشاء المدارس الدينيه.

لم يُجَرِّم الإلحاد، ولكنه سمح بتحفيظ القرآن وفتح الباب واسعاً على مصراعيه لشتى العلوم والمعارف.

لم يفرض الحجاب، ولكن سمح للمحجبات بدخول المدارس والجامعات.

لقد أطلق آردوغان سراح الدين ولم يعتقل العلمانية.

تاركاً القيم والمبادئ والمعتقدات والأفكار تتفاعل مع المجتمع، حتى عادت روح الإسلام وقيمه ومبادئه لتسري في الجسد التركي.

وهذا هو جوهر التغيير الثوري ولكن دون سفك قطرة دم.

___________

المصدر: صفحات التواصل الاجتماعي

مواد ذات علاقة