أسامة المبروك صالح

القاعدة الذهبية عندالحاذق المتحذلق– ((الفالح)) أنَّ العمل يجبُ أن يكون في الرمادي، فلا تصاحب الصادقين الصادعين بالحق، فيبغضك الكثير من الناس وينفرون منك، لأنهم سيحسبونك مع المحترقين! وحينها لن تستقيمَ أمور دنياك! فكن حذرا

من حسابات الحاذقين غير المحترقين! قاعدة ((قيس وانقب!)) عينٌ على المال وأخرى على الجاه.. فهذا الرصيد الذي يجبُ أن لا ينضب!، والميزان الذي لا يختل!

فالفالحون لا همَّ لهم إلا المحافظة على مكانتهم في العمل، أو في الجامعة، في المجتمع (الكيوت!) ولا يُغضبون أحداً، حياتهم في الحياد، يحبون الجميع! والجميع يحبونهم –أو هكذا يظنون!-يعني تقدر تقول (مذبذبين بين ذلك..) يقطفون من كل بستان حنظلة!

 ولهم باعٌ في استخدام وتأويل قواعد ((المصالح والمفاسد))، ((والمصالح المرسلة)) والمآلات والتقديرات! بما لا يُعدُّ ولا يُحصى

الفالحون –عزيزي القارئ-:

إنْ أردتهم شيوخًا فهم الشيوخ؛ إذ لا يفترون على المحافظة على وجاهتهم بين الوجهاء والدهماء! وسطٌ! في كل خلاف! حياد في كل الحروب

الصمتُ سلاحهُمُ أمام عين الباطل المحض!

والقلمُ ذخيرتُهُم، والناسُ في أحوج ما يكونون لكلمة تنير لهم الطريق! ولكن سرعان ما يفاجئون الجميع بحيادٍ يَندى له جبين الصادقين! وسكوتٍ يرضى به العدو المُبين!

المهم: لا يغضبون أحداً!

فهم الوسطيون وهذا مُناهم وما يُريدون-.

والفالحون إنْ أردتهم مثقفين مفكرين! فستراهم في كافة المنابر الإعلامية! يتنقلون! بتحليلاتهم المتحللة! وتقديراتهم المنحلة! وميزانهم المختل! فالقنواتُ كلُّها بيوتُهم! العاهرة منها والقاصرة! على سواء!

وإنْ بحثت عن سَاسَتهم فهم في كل المحافل والمؤتمرات والاجتماعات متوافرون وبكثرة!

في الصخيرات في جنيف في بوزنيقة!

يخططون ويسعون جاهدين –يا سخفهم ويا غبنهم!- لإنقاذ الوطن من السقوط (البطن من الهبوط)!

والفالحون إنْ أردتهم قادة مقاتلين! فستجدهم بورودهم على موائد المجرمين! يجمعون الكلمة! بعدما كانوا يجمعون جثث إخوانهم! ويحفرن مقابر أحزانهم!.

ومن سرِّ الفالحين أنهم يتفردون بمعرفة دقائق الأمور، مطلعون على خبايا القضايا، ومن ذلك عمق معرفتهم بأنَّ (الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي، لن يسمحا بتمكين أهل الصلاح)

فلهذا: استنبطوا (ويا لِدَهائهم) قاعدة: لا تعترض، فتنفرد، فتنطرد!

فلهذا تراهم في كل المحافل والقنوات والمنصات .. والكل يتابعهم ويشيد بدورهم إلا ((المحترقين طبعاً))! 

الفالحون اليوم –وبهذا المعيارهم الذين عناهم الله تعالى بوصفهم في قوله سبحانه: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ)

فالفالحون ((الحياديون)) يسوون بين الظالم والمظلوم! .. بين الجاني والضحية!، بين الحق والباطل، بين الإيمان والنفاق؛ إذ الحياد هو النفاق! فهو خصلة تستحق العقاب! لا الثناء والإشادة!

أهلُ الحياد الفالحين! يعيشون: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ) هدفهم إرضاء الجميع أو السكوت والخنوع!

(وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا).

إذاً: فمنْ هم المحترقون!؟

المحترقون هم فئةٌ من البشر آلوا على أنفسهم أن لا يسكتوا على باطل، بل يدعون إلى الحق وإنْ رفضهم الناس! ولا يُفتون بما يطلبه المستمعون! ولا يسكتون على باطل مخافة تشويه المنافقين! وأذنابهم!

المحترقون من عيوبهم (وما أكثرها) أنهم لا يجيدون السِّباحة مع التيار! فهم (يا لخسارتهم) لم يتماهوا مع طلبات الدهماء! فلم يكسبوا مكاسب الحُذَّاق الأذكياء

المحترقون احترقوا أولاً في طلب العلم، وصبروا على نيله، ثم ازدادوا حُرقةً بالعمل به، ثم توهَّجُوا احتراقاً بالدعوة والصبر على نيل الأذى في سبيل نشره والعمل به.

المحترقون دائما منتصرون! نعم منتصرون!؟

ولكن معيار النصر عندهم، ليس المناصب! ولا كثرة المكاسب! ولا السلامة من الأذى؟! بل موتهم ((استشهادهم)) في سبيل الله هو نصرٌ مؤزرٌ وأيُّ نصرٍ! (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء).

المحترقون منتصرون بأَنْ وفقهم الله تعالى للوقوف مع الحقِّ وأهله! يدافعون عن المظلومين! وإن استبعدهم الظالمون! وسعوا في تشويههم!

المحترقون في كل الأزمان الراضي عنهم قليل! والغاضب منهم كثير، ولسان حالهم ومقالهم يقول

إِذا رَضِيَتْ عَنِّي كِرامُ عَشيرَتي *** فَلا زالَ غَضْباناً عَلَيَّ لِئامُها

المحترقون هم رجالٌ ذوو مروءةٍ وشهامةٍ، يقاومون بجلدٍ باقون على العهدِ، ولا تُشترى ذِمَمُهم، ولا تَنحني هامتُهُم، لا تفترُّ همَّتُهم، ولا تَنكسرُ عزائمهم، رغم كثر المخالفين! وعدوان الشانئين، وتشغيب المنافقين

المحترقون يا قومي: عاشوا حياةً محرقةً، وانتهوا بمواقفَ مشرقةٍ؛ فلله دَرُّهم.. وعلى الله أجرهم.

فإن لم تكن مثلهم! فلا أقل منْ أنْ لا تعاديهم وتسلَّط أقلامك ضدَّهم، خدمةً مجانية لأعداء الدِّين

أَقِلّوا عَلَيهِم لا أَبا لِأَبيكُمُ *** مِنَ اللَومِ أَو سُدّوا المَكانَ الَّذي سَدّوا

احترقْ في دنياك حتى تنجوَ في آخراك!؛ فمَنْ كانت بدايتُهُ مُحرقةً، كانتْ نهايتُهُ مُشرقَةً.

 ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ۚ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾

______________

مواد ذات علاقة