عاد القلق والغموض ليعتري المشهد الليبي بعد أن تفاءل الجميع بنجاح اللجنة المشتركة لإعداد القوانين الانتخابية في ليبيا “6+6”، في التوافق على النقاط المتعلقة بإجراء الانتخابات.

وتجدد التوتر بعد أن عبر أعضاء من مجلسي النواب والأعلى للدولة وكذا أحزاب سياسية ليبية عن رفضهم لمخرجات اللجنة.

وفي 23 مايو/أيار 2023، قال المتحدث باسم اللجنة المشتركة، عمر محمد أبو ليفة، خلال مؤتمر صحفي بمدينة بوزنيقة (قرب العاصمة الرباط) إن اللجنة حققت توافقا كاملا بخصوص النقط المتعلقة بانتخاب رئيس الدولة، وأعضاء مجلس الأمة، علاوة على كيفية إشراك الأحزاب في انتخابات مجلس النواب عبر قوائم حزبية أو ترشحات فردية“.

ولجنة “6+6” مشكلة من 6 أعضاء من مجلس النواب ومثلهم من المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) نص على تشكيلها التعديل 13 للإعلان الدستوري (دستور مؤقت وضع بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011).

رفض مركّب

غير أن هذا التوافق بين أعضاء لجنة “6+6” لم ينعكس على المشهد السياسي الليبي الذي عبرت بعض أطيافه عن تحفظها بل حتى رفضها لمخرجات هذه اللجنة.

إذ اتهم 61 نائبا، لجنة “6+6”، بــتجاوزعملها، والانحرافعن دورها المحدد بالاتفاق على النقاط الخلافية المتعلقة بانتخاب الرئيس.

وفي 3 يونيو/حزيران 2023، حمّل النواب في بيان لهم، رئاسة مجلس النواب مسؤولية التوقيع أو الموافقة على مخرجات اللجنة دون الرجوع إلى قبة البرلمان، مستنكرين تصريحات بعض أعضائها خاصة تلك المتعلقة بزيادة عدد أعضاء البرلمان.

وإضافة لأعضاء مجلس النواب، أعلن أزيد من 50 عضوا من المجلس الأعلى للدولة عن رفضهم لمخرجات لجنة “6+6” المكلفة بإعداد قوانين جديدة للانتخابات.

وفي 4 يونيو 2023، رأى الأعضاء، في بيان نقله موقع بوابة الوسطالمحلي، أن مخرجات اللجنة باطلة، وذلك لعدم دستوريتها، ولتجاوزها صلاحياتها ومهامها“.

ودعا البيان، كل القوى والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني لرفض أي توافق محتمل بين أعضاء اللجنة حول قانون الانتخابات، من خلال السماح بترشح مزدوجي الجنسية والعسكر والمحكومين جنائيا لرئاسة ليبيا.

واتهم الأعضاء رئاستي مجلسي النواب والدولة بـالاستمرار في الممارسات العبثية وغير الدستورية، من خلال تشكيل لجنة 6+6″، معتبرين أن أساس تشكيلها يفتقد للدستورية والقانونية، من حيث المبدأ“.

وقال الأعضاء الموقعون على البيان إن لجنة 6+6 أسند لها مهام واختصاصات وصلاحيات دستورية خطيرة ما كان لها أن تمتلكها لولا الممارسات العبثية لرئاستي المجلسين“.

ولم يقتصر الأمر على بعض أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة، بل حتى بعض الأحزاب الليبية دخلت على الخط وعبرت عن رفضها لمخرجات لجنة 6+6 المكلفة بصياغة ووضع قواعد الانتخابات.

حزب العدالة والبناء (أكبر حزب إسلامي ليبي) أكد رفضه مخرجات لجنة 6+6، نتيجة فقدانها للتوافق الوطني المنبثق عن التعديل الدستوري الثالث عشر المطعون فيه دستوريا أمام القضاء“.

وسبق لمجلس النواب أن أقر في 7 فبراير/شباط 2023، التعديل الدستوري الثالث عشر، فيما أجازه مجلس الدولة ليصبح قاعدة دستوريةتجرى عبرها الانتخابات بعد فشل مفاوضات سابقة لنحو عام بين المجلسين للتوافق على تلك القاعدة.

ووفق اتفاق المجلسين، كلفت لجنة “6+6” بإعداد قوانين انتخابية توافقيةتجرى عبرها انتخابات تحل أزمة صراع على السلطة بين حكومة عينها مجلس النواب مطلع عام 2022، وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

وقال حزب العدالة والبناء، في بيان له، إن اللجنة لم تعالج معايير الترشح للانتخابات الرئاسية التي تعد أساس الخلاف بين الأطراف الليبية، ورحّلت المشكلة إلى الجولة الثانية من الانتخابات، مما يزيد من تعقيد المشهد الذي قد يصل إلى صراع مسلح“.

وفي 4 يونيو 2023، رأى الحزب، أن اللجنة خرجت عن مهامها، فربطت تنفيذ مخرجاتها بضرورة وجود حكومة جديدة تشرف على الانتخابات، ترجمة لرغبة رئيسي المجلسين المتكررة في تشكيل سلطة تنفيذية، وهو محاولة لخلط الأوراق وعقبة في طريق قيام الانتخابات“.

وأكد على موفقه السابق بـضرورة عقد انتخابات برلمانية أولا لتوحيد السلطة التشريعية وتجديد الشرعية وإعادة الثقة في العملية الديمقراطية، مشددا على تأجيل عقد انتخابات رئاسية باعتبار أنها محل خلاف وطني إلى حين توفير أجواء عقدها بنجاح“.

وطالب الحزب، بعثة الأمم المتحدة بالبحث عن إطار بديل لوضع تشريعات وقوانين انتخابية، داعيا إلى إشراك سياسي أوسع في ذلك، لإجراء عملية انتخابية برلمانية في أقرب الآجال.

توافق مؤجّل

اعتراضات الأطراف السياسية الليبية خاصة أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة على مخرجات لجنة 6+6 رغم أنها مؤلفة أصلا من هذين المجلسين، أدت إلى إرجاء التوقيع الرسمي على اتفاق بوزنيقةالخاص بالقوانين الانتخابية في ليبيا والذي كان من المفترض أن يتم التوقيع عليه في 5 يونيو 2023.

وزير الشؤون الخارجية المغربية، ناصر بوريطة، أعلن أنه سيجرى التوقيع على مخرجات اجتماع أعضاء اللجنة المشتركة (6+6 ) بإعداد القوانين الانتخابية، رسميا في الأيام المقبلة ببوزنيقة.

وفي 6 يونيو 2023، أكد بوريطة، في كلمته خلال الجلسة الختامية لأشغال اللجنة التي استمرت نحو أسبوعين ببوزنيقة، أن التوافقات بين الفرقاء الليبيين تحتاج إلى المواكبة لتدقيق بعض أمورها والاتفاق حول تفاصيلها حتى تنفيذها بشكل سلس“.

ورأى أن مخرجات لجنة (6+6) تعد محطة مهمة في مسار البحث عن حل للأزمة الليبية، لأن الحوار أفضى إلى توافقات مهمة بشأن تنظيم الانتخابات في شقيها التشريعي البرلماني والرئاسي“.

وتابع أن هذه المحطة يمكن أن تكون حاسمة إذا ما تمت مواكبتها لتطبيق كل التوافقات، ذلك لأن المجلسين هما المؤهلان للخوض في الأمور المرتبطة بالقواعد الضرورية لتنظيم الانتخابات“.

وخلص بوريطة، أنه لن تتحقق الغاية من نص الاتفاق إذا لم تواكبه إرادة سياسية حقيقية تفضي إلى تنزيل (تطبيق) مقتضياته“.

 وأعرب عن أمله في أن يكون هذا القانون بداية مسار لتنظيم الانتخابات ولإنهاء مسألة الشرعية في ليبيا، وإقامة مؤسسات شرعية تخدم الليبيين وتحافظ على مصالح البلاد“.

من جهته، أوضح رئيس وفد مجلس النواب في اللجنة المشتركة لإعداد قوانين الانتخابات جلال الشويهدي، خلال الجلسة ذاتها، أن أعضاء لجنة (6 + 6) توافقوا بشأن قانون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بليبيا.

 وأضاف الشويهدي، أنه سيتم، في غضون الأيام القادمة، وبحضور رئيسي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، البت في الاتفاق النهائي بخصوص هذا القانون، مسجلا أن اللجنة لم تتعرض لأي ضغوط أو إملاءات من الخارج حيث تمت والنقاشات كافة داخل اللجنة“.

بدوره، أكد رئيس وفد المجلس الأعلى للدولة في اللجنة المشتركة، عمر أبوليفة، أن أعضاء اللجنة انتهوا إلى الاتفاق على كل نقاط الاختلاف المتعلقة بقانون الانتخابات“.

وأوضح أبوليفة، خلال الجلسة، أنه جرى سن قانونين، يتعلق أولهما بانتخابات مجلس الأمة الذي يتكون من غرفتين (مجلس النواب والشيوخ)، في حين يهم الثاني انتخاب رئيس الدولة .

وشدد على أنه لم يبق سوى إصدار القانونين، بشكل رسمي، من مجلس النواب كما هو مقرر في التعديل الـ13 للإعلان الدستوري من أجل الشروع في الانتخابات “.

وأبرز أن الاتفاقات حول النقاط العالقة جرت بتوافق تام وبإرادة حرة واعية ودون تدخل من أي طرفخارجي.

ورغم عدم الإعلان عن تفاصيل النقاط التي جرى التوافق عليها، فإن ما رشح من معطيات بخصوص أسباب اعتراض أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة على مخرجات لجنة إعداد القوانين الانتخابية، تتعلق أساسا بـترشح مزدوجي الجنسية للرئاسة والعسكريين“.

كما راجت اقتراحات بتخلي من يحمل جنسية أخرى عنها في حال تمكّنه من دخول الجولة الثانية للانتخابات.

فضلا عن مقترح جرى تداوله برفع عدد أعضاء مجلس النواب إلى 290، على أن يتكوّن مجلس الشيوخ من 90 عضوا، وتنظم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن.

وفي تعليقه على اعتراض عدة أطراف سياسية على مخرجات لجنة “6+6”، قال الباحث في العلاقات الدولية البشير الجويني، إن الليبيين والمتابعين للشأن الليبي تعودوا عموما على مثل هذه المخاتلات التي تنجم عن المجلسين“.

وأضاف الجويني مؤلف كتاب ليبيا العميقة، في حديث لـالاستقلال، أن البعض يحمل مسؤولية هذه المخاتلاتلمجلس النواب الذي ينفرد رئيسه بإدارة كل شؤونه من التحالفات الإستراتيجية إلى أصغر المناورات التكتيكية

فيما يُحمل آخرون، يردف الجويني، المسؤولية للمجلس الأعلى للدولة الذي يخضع حسب ما يرى متابعون لضغوطات متناقضة

وأكد أنه بغض النظر عن المسؤول الأكبر عن هذه المخاتلات، فإنه لم تزد مختلف المحطات التي تخلى فيها المجلسان عن دورهما الوطني كعامل استقرار إلا في ضرب صورتهما لا عند المواطنين الراغبين في إنهاء وجودهما بل أيضا عند الشركاء الدوليين“.

ويرى الجويني، أنه قد يكون وراء رفض مخرجات لجنة “6+6” ببوزنيقة، حسابات سياسية داخلية وأخرى إقليمية وثالثة متعلقة بمستقبل العملية السياسية وإنهاء المراحل الانتقالية“.

وشدد على أن الثابت هو أن هذه المناورات لا تخدم المجلسين وصورتهما من أكثر من زاوية، مبينا أنها تُعمي عن عمق الخلافات وتستعيض عن النقاش الجاد الرصين بـفرقعات إعلاميةلاسترضاء طرف من هنا أو هناك

ورأى الجويني أن هذه المناورات بين المجلسين تعطي الحجة للحكومة المباشرة لمواصلة عملها الذي تجاوز ما جرى تكليفها به مدة وولاية“.

ومنذ مارس/آذار 2022، تتصارع في ليبيا الحكومتان، إذ يرفض عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة الوطنية بطرابلس، تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.

وسجل الجويني، أن استمرار هذه المناورات سيدفع على الأرجح الأطراف الإقليمية والدولية للتعامل بحسم وحزم، يصل وفق متابعين إلى تجاوز المجلسين وإرساء واقع جديد يعصف بهما وقد يأخذ في طريقه حكومة الوحدة الوطنية في شكلها الحالي على الأقل.

من جهته، أكد عضو اللجنة السياسية بالمجلس الأعلى للدولة، أحمد همومة، أن من أهم أسباب تأخر التوقيع على مخرجات اتفاق لجنة 6 + 6 هو عدم توافق هذه المخرجات مع رغبات المعرقلين لهذا المسار وذلك من الطرفين، في إشارة إلى أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة الرافضين لمخرجات بوزنيقة.

وفي 6 يونيو 2023، أوضح همومة، في تصريح إعلامي نقله موقع ليبيا المستقبلالمحلي، أن الرافضين من المجلسين يستندون إلى حجة أن هذه اللجنة هي نتاج التعديل الدستوري 13 وهم غير معترفين به“.

وأشار إلى أن بعض القوى التي تحمل السلاح في الغرب الليبي ترى أن هذه القوانين تكرس لحكم دكتاتورية جديدة لأنها لم تقص العسكريين“.

وتابع أن كل هؤلاء المعرقلين تحركهم رغبات ذاتية قد تتوافق مع مصالح القوى الأجنبية التي ترى في بقاء الوضع على ما هو عليه في صالحها لأنها لن تستطيع أن تحقق أهدافها في ظل قيام الدولة“.

وخلص همومة، إلى أن مصير هذه المخرجات يبقى رهينا بإرادة المجتمع الدولي إن صدقت إرادته تجاه الشعب الليبي“.

___________________________

مواد ذات علاقة