منصف السليمي
وضمن التغييرات الجارية منذ سنة 2015 في سياسة الجوار الأوروبية، يتعزز التوسع شرقا وبوتيرة أسرع، كرد من الاتحاد الأوروبي على التحديات الجيوسياسية التي أفرزها الغزو الروسي لأوكرانيا، ويبدو أن المنطقة المغاربية ستدفع الثمن مضاعفا:

أولا بسبب توجيه النفقات وبرامج المساعدات والشراكة وفق أجندة التوسع شرقا.

وثانيا نتيجة الانقسامات الحادة بين الدول المغاربية التي تعيق الاندماج الإقليمي فيما بينها وتزيد في حجم الحواجز بينها وبين التكتل الأوروبي.

يقوم مفهوم الشراكة الأوروبية على القيم المشتركة، وتعزيز الديمقراطية، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، والتماسك الاجتماعي.

كما تضيف سياسة الجوار الأوروبية التي تمت مراجعتها ثلاثة أولويات مشتركة للتعاون:

أولا: التنمية الاقتصادية لتحقيق الاستقرار.

ثانياالأمن.

ثالثاالهجرة والتنقل“.

وذلك بحسب ما تنص عليه وثيقة السياسة الخارجية الأوروبية، بشأن سياسة الجوار الأوروبية” التي أطلقت سنة 2004.

المحرك الألماني الفرنسي.. هل ينقذ الاتحاد؟

بينما تتنامى التحديات الجيوسياسية بالنسبة للاتحاد الأوروبي وتحتدّ المنافسة الاقتصادية مع القوى الصاعدة، تزداد حاجة التكتل الأوروبي للفعالية في اتخاذ القرارات وتنسيق سياساته الأمنية والخارجية.

لكن الاتحاد يسير حاليا بوتيرة بطيئة لأسباب هيكلية، وقد كشفت حرب أوكرانيا عن تأثيراتها على أدائه. وهو ما يحاول عدد من القادة الأوروبيين معالجته عبر مبادرات لإصلاح المؤسسات الأوروبية.

وقد أصدرت مجموعة من الدول الأعضاء في الاتحاد، بقيادة ألمانيا، دعوة  في بداية شهر مايو الماضي لإصلاح عملية التصويت فيما يتعلق بـ السياسة الخارجية والأمنية المشتركةللتكتل.

وتضم المجموعة بلجيكا وفنلندا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا وسلوفينيا وإسبانيا، وانضمت رومانيا إليها مؤخرا.

وبدلا من التصويت بالإجماع بشأن القضايا الرئيسية في السياسة الخارجية والأمنية، دعت هذه الدول إلى تبني نظام تصويت يقوم على الأغلبية المؤهلة.

ويتطلب هذا النظام موافقة 15 من الدول الـ27 الأعضاء في الاتحادما دامت تمثل أكثر من 65 في المائة من عدد سكان التكتل، والذي يناهز 450 مليون نسمة.

وفي خطابه أمام البرلمان الأوروبي قبل شهر أكد المستشار شولتس أن تغيير إجراءت التصويت داخل الاتحاد الأوروبي أمر حتميموضحا أن احتياجات الإصلاح داخله، بما يتضمن تغيرات ضرورية للسماح بانضمام دول جديدة للتكتل.

وفي تصريحات لوسائل إعلام ألمانية قال شولتس مؤخرا إنه لا يمكن لدولة واحدة تعطيل كل الأمور.

وفي المقابل، تشكل تحالف من دول أخرى تؤيد الحفاظ على مبدأ الإجماع. وبحسب تقارير، يضم هذا التحالف بولندا والمجر، ودولا أخرى. بينما أبدى المستشار النمساوي كارل نيهمر معارضته للمركزية في الاتحاد الأوروبيوأبدى تأييدهللتنوع، ولذلك فهو ضد إصدار مزيد من قرارات الأغلبية.

وتسمح المعاهدات القائمةفي إطار ما يعرف باسم بنود باساريل” (آلية إدخال تغييرات ذات طبيعة محددة للغاية على أي معاهدة) – بالتحول من الإجماع إلى الأغلبية المؤهلة في عملية صناعة القرار في حالات بعينها، مثل العقوبات.

ولذلك لا تعتبر المبادرة المطروحة حاليا، بدعم ألماني فرنسي وكذلك من رئيس الحكومة الإسبانية، ثورة في الاتحاد الأوروبي بقدر ما هي خطوة ديناميكية لتمكينه من وسائل النجاعة والفعالية في صنع القرارات وخصوصا في السياسة الخارجية والأمن والضرائب.

وإذا ما صوتت أغلبية بسيطة من الدول الأعضاء 14 من 27 لصالح إطلاق عملية لإصلاح معاهدات الاتحاد، يمكن حينئذ إطلاق المفاوضات حول المبادرة.

وفي خضم مرحلة البحث عن تطوير آليات اتخاذ القرار الأوروبي، بقدر ما يبدو التفاهم بين باريس وبرلين عنصرا حاسما في تحريك التكتل الأوروبي، يواجه المحرك الألماني الفرنسيبدوره صعوبات في التوصل إلى تفاهمات حول قضايا استراتيجية مثل الطاقة والتسلح وفكرة بناء جيش أوروبي.

فبينما يعتبر الرئيس ماكرون أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد أيقظ حلف الناتو وأن أوروبا مدعوة لنهج استراتيجية أمنية مستقلةوبناء جيش أوروبي والاعتماد على صناعة الأسلحة الأوروبية.

بخلاف رأي مواطنته أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، لم يخف المستشار شولتس تحفظه مجددا حيال فكرة إنشاء جيش للاتحاد الأوروبي.

وبخلاف رأي مواطنته أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، لم يخف المستشار شولتس تحفظه مجددا حيال فكرة إنشاء جيش للاتحاد الأوروبي. ودعا شولتس في كلمة أمام منتدى أوروباالذي تنظمه إذاعة في برلين، إلى التدرج في بناء القوة العسكرية الأوروبية، مشددا في المرحلة الحالية على تعزيز الشراكة عبر الأطلسي وحلف شمال الأطلسي“.

وتعتمد معظم الدول الأوروبية حاليا في مقتنياتها من الأسلحة المتطورة على السوق الأمريكية. وبينما يتسم الوضع بالمنافسة وعدم التنسيق في سوق الصناعات العسكرية الأوروبية، تبدو رؤية شولتس على قدر كبير من الواقعية.

ويرى الباحث الألماني لوكاس هالماير المتخصص في قضايا التسلح، بمعهد كيندي بجامعة برلين الحرة، أن الدمج الاستراتيجي يمكن أن يجعل صناعة الدفاع الأوروبية أكثر استدامة لأنها أقل اعتمادًا على الصادرات و تؤدي بالتالي إلى تعزيز الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي على المدى المتوسط ​​إلى الطويل“.

في دراسة له حولالخروج من حالة العزلةنشرت بمجلة السياسة الدولية والمجتمع (أي بي جي) المتخصصة في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية الأوروبية، يبرز الباحث الألماني أن الغزو الروسي شكل نقطة تحول تاريخية في السياسة الدفاعية بالنسبة لألمانيا وأوروبا برمتها، ويرى بأنه لا مناص لأوروبا في المستقبل على المدى المتوسط والبعيد من بناء نظام أوروبي يكون أساسا لتحالف عبر الأطلسي (مع الولايات المتحدة) يقوم على قاعدة أنداد“.

ويلتقي الباحث الألماني في هذه الرؤية على المدى البعيد مع دعوة ماكرون إلى تحقيق استقلال استراتيجي أوروبي.

لكن هل تسعف الاتحاد الأوروبي حالته الراهنة، بمكانيزماته المعقدة والصعوبات التي تطبع علاقات دول نافذة داخله مثل ألمانيا وفرنسا، من مواجهة التحديات المتنامية ليس فقط على كيانه الداخلي وفي محيطه الشرقي في مواجهة روسيا، بل أيضا في محيطه الجنوبي، حيث يمكن أن تتحول المنطقة المغاربية إلى برميل بارود قابل للإنفجار في أي وقت، وليست الأزمة الليبية سوى إحدى تجلياتها؟.

كما أن تراجع الدور الأوروبي في شمال أفريقيا يمكن أن يؤثر سلبيا على مكانة ودور الغرب برمته في القارة السمراء التي تشهد نفوذا متناميا للصين وروسيا. وتشكل الأوضاع المضطربة في منطقة الساحل والصحراء والاختراقات التي حققتها روسيا ومرتزقة فاغنرمثالا دالًّا في هذا الاتجاه.

وتكمن المخاطر بالمنطقة المغاربية في تزامن حالة الانقسام الشديدة بين دوله مع ظهور اتجاهات استقلالية أكثر في السياسة الخارجية والدفاعية عن أوروبا، لدى الجزائر والمغرب الجارين اللدودين.

ويرى محللون بأن المحرك الألماني الفرنسيبمساعدة الرئاسة الإسبانية ودول مثل إيطاليا، يمكن أن تكون له فعالية في إعادة الزخم للسياسة المغاربية للاتحاد الأوروبي لكن بحدود، بسبب عوامل داخلية أوروبية وهو ما كشفت عنه لحد الآن السياسة الأوروبية إزاء الأزمة الليبية.

ولذلك فإن أوروبا بحاجة حتمية إلى تنسيق أوثق مع شركائها الأمريكيين من جهة، ومع القوى الإقليمية التي يزداد تأثيرها في المنطقة مثل تركيا وإسرائيل، من جهة أخرى.

***

منصف السليمي، صحفي خبير بالشؤون المغاربية في مؤسسة الألمانية

__________

مواد ذات علاقة