بشار نرش

على وقع حالة اللايقين السياسي التي تعيشها ليبيا بعد فشل الأطراف الليبية في التوقيع على إعلان بوزنيقة الخاص بقوانين الانتخابات، التي توافقت عليها اللجنة المشتركة 6 + 6، يبدو أن الأزمة الليبية ستبقى تدور في حلقةٍ مفرغةٍ من التيه السياسي.

وذلك بسبب غياب الحد الأدنى من التوافق بين الأطراف السياسية الليبية، وإصرارها على تكرار الأحاديث ذاتها، مع عدم قدرتها على اتخاذ أي قرارٍ ينهي أو يؤسّس لنهاية الأزمة الليبية.

في ظل هذا الواقع المعقد بجزئياته وكلياته، تبقى الرهانات على إنجاز الانتخابات الليبية الرئاسية والبرلمانية خلال العام الحالي، أو في بداية العام المقبل، مفتوحة على طروحاتٍ وخيارات معقّدة بحساباتها ونتائجها.

وذلك في ظل مسألتين جوهريتين يمكن لأي متابع للشأن الليبي أن يقف عندهما.:

الأولى أن الانتخابات التشريعية والرئاسية لا تعدّ أولوية بالنسبة لأغلب القوى السياسية والشخصيات المتصدّرة للمشهد السياسي الليبي منذ سنوات طويلة، فمتتبّع هذا المشهد، منذ إسقاط القذافي، يدرك أنّ ما يظهر إلى العلن من مواقف وسجالات ما هو إلا القليل من المناكفات السياسية ولعبة المصالح التي يبرز فيها دور المال السياسي والولاءات للخارج، كأحد المحرّكات الأساسية في اللقاءات والتحرّكات السياسية الليبية من دون إقامة أي اعتبار لمصلحة الدولة، أو لمعاناة الليبيين.

وهذا ما يمكن استخلاصه من تحرّكاتٍ ولقاءاتٍ كثيرة خلال السنوات الأخيرة، والتي كان جديدها أخيرا التوافقات الخجولة بين مجلسي النواب والدولة، والتي نتج عنها تشكيل لجنة مشتركة 6 + 6 لوضع قوانين الانتخابات.

ويبدو من عمل اللجنة ومخرجاتها أنها جاءت، في المقام الأول، لمعالجة إشكالات تهدّد بحلّ المجلسين بعد الضغوط الداخلية والخارجية التي حمّلتهما مسؤولية الإخفاق في الذهاب إلى الانتخابات.

وذلك في محاولة منهما لرفع الحرج عنهما محلياً ودولياً وإبعاد شبهة أو حقيقة أنهما مجلسان معرقلان أي تقدّم حقيقي نحو حلّ الأزمة في ليبيا.

فهذان المجلسان اللذان استمرّا في السلطة قرابة عشر سنوات يحرصان في أي تحرّك مشترك أو منفرد لكليهما أو لأحدهما على البحث عن تموقعات جديدة تضمن لهما استمرار الحفاظ على مصالحهما ومكتسباتهما، وكذلك تبادل الأدوار في الاتفاق على استمرار الخلاف وتدوير الأزمة بينهما، لضمان البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة.

ثانيا، حالة الانقسامات السياسية والمناطقية والجهوية والمؤسّساتية الواسعة التي تشهدها ليبيا، والتي تحول دون إجراء الانتخابات على كامل التراب الليبي من دون مشكلات أو معوقات، حتى لو وقّع على القوانين الانتخابية رئيسا مجلس النواب والأعلى للدولة,

اللعبة الديمقراطية في أي دولة تشترط السلم الاجتماعي والنزاهة للحصول على نتائج منطقية، وخصوصاً في الانتخابات التي تعطي الفائز الحقّ في أن يحكم وينفذ برنامجه في كل أرجاء الدولة.

أمّا في حالات الدول التي تعيش نوعاً من الانقسامات السياسية والمناطقية والجهوية والمؤسّساتية الواسعة، كالحالة الليبية، فتصبح هذه الانتخابات غير ذات أهمية، لصالح إنقاذ البلد والمحافظة على سلمه الأهلي والاجتماعي وإصلاح مؤسساته وتوحيدها.

تأخذنا هاتان المسألتان إلى قراءة منطقية، جوهرها أنّ العبرة هنا ليست في إنجاز الانتخابات بوصفها عملية ديمقراطية بحد ذاتها، بل في استمرار العملية الديمقراطية وقطع الطريق على كل احتمالات العودة إلى الاقتتال واستمرار الانقسام والخلافات.

لذلك، محاولة بعضهم اختزال مشكلة ليبيا بإقرار قوانين الانتخابات، والتركيز على هذا الجانب فقط، مع إهمال جوانب أخرى عديدة، كالمصالحة الوطنية الحقيقية، وتوحيد المؤسّسات، وحل المليشيات المسلحة ونزع سلاحها وإخراج المرتزقة، لا تشكل مخرجاً للأزمة.

فعلى الرغم من أهمية القوانين الانتخابية بالنسبة للحالة الليبية، إلا أن المصالحة الوطنية أهم بوصفها خيارا مستعجلا لإقامة الدولة الليبية التي يجب أن تسبق الاتفاق على القوانين الانتخابية.

لذلك لا فائدة تُرتجى من توقيع رئيسي مجلس النواب والأعلى للدولة على القوانين الانتخابية لإجراء الانتخابات في ظل عدم وجود سلطة تنفيذية موحّدة تشرف على الانتخابات، وتدعمها أمنياً ولوجستياً، خصوصاً في ظل إصرار حكومة عبد الحميد الدبيبة المسيطرة في الغرب الليبي على رفض تسليم السلطة لأي حكومةٍ لا تنبثق عن برلمان جديد منتخب.

كذلك لا فائدة تُرتجى لأي قوانين انتخابية في ظل استمرار السلاح المنفلت وسطوة مليشيات وسيطرتها على مدن وبلدات ليبية عديدة، إلى جانب استمرار انقسام الجيش وولاءاته لأشخاصٍ وجهات خارجية.

كذلك لا فائدة تُرتجى من هذا الاتفاق في ظل استمرار النقاط الخلافية بشأن بعض الشخصيات الجدلية، وكذلك ترشُّح العسكريين ومزدوجي الجنسية.

في المحصلة، يمكن القول إنّ من يعتقد أنّ الانتخابات في ظل الظروف والأوضاع الراهنة ستُنهي الأزمة الليبية واهم، فالأزمة الليبية في ظل الأوضاع الراهنة تدور في حلقة مفرغة من التيه السياسي، وما يزيد من دورانها العبثي الخلافات الداخلية المتنامية والتدخلات الخارجية المتشعبة.

لذلك يجب، أولاً، وقبل التفكير في إجراء أي استحقاق انتخابي أو التوافق على القوانين الانتخابية، والعمل على عقد جلسات حوار وطني جامع بين كل مكوّنات الشعب الليبي، تكون مقدّمة لتوحيد المؤسّسات المنقسمة وسحب السلاح وإخراج المرتزقة، ومن ثم العمل على صياغة قوانين انتخابية تحظى بقبول الجميع مع وضع سقفٍ زمنيٍّ لإنجاز كل تلك المتطلبات،

كل ذلك قبل البدء بتدشين مرحلة جديدة لعهد جديد يبدأ بانتخابات حرّة ونزيهة وشفافة تكون خطوةً في طريق استمرار العملية الديمقراطية وقطع الطريق على كل احتمالات العودة إلى الوراء.

____________

مواد ذات علاقة