رشيد خشانة

عندما تعلن حكومة الدبيبة في بيان إعلامي أن رئيسها بحث مع المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، المسار الانتخابي وسبل إنجاح العملية الانتخابية، فهذه أمارة على تمسك الدبيبة بإشراف حكومته على العملية الانتخابية برمتها، ورفض تسليم هذه المهمة لحكومة مصغرة موازية.

أكثر من ذلك نقل المكتب الإعلامي للحكومة عن الدبيبة تأكيده للمبعوث الأممي أن الحكومة «مستمرة عبر اللجان التي شكلتها لتنسيق الجهود مع البعثة الأممية، بغية تعزيز التواصل وتنفيذ البرامج الداعمة لإنجاح الانتخابات». بتعبير آخر فهو (الدبيبة) لم يُبد أي استعداد لتشكيل حكومة بديلة تشرف على الانتخابات. أما غريمه خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، فبادر إلى تسليم باتيلي النتائج النهائية والمُلزمة لقوانين انتخابات رئيس الدولة ومجلس الأمة، التي انبثقت من اجتماعات اللجنة المشتركة (6+6 ) في ضاحية بوزنيقة المغربية.

والملاحظ أن المكتب الإعلامي للمجلس أرفق رسالة المشري للمبعوث الأممي، بالاشارة إلى أن نص القوانين الانتخابية المُحالة هي «التي تم التوقيع عليها في ختام اجتماعات اللجنتين في بوزنيقة بتاريخ الثالث من حزيران/يونيو الجاري».

أما موقف حفتر فينبني على «تسريع الخطى لتشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة الانتخابات» ما يعني وضع حفتر والدبيبة وجها لوجه، بالرغم من تحسُن العلاقات بينهما في الفترة الأخيرة، على خلفية إزاحة خصمهما المشترك فتحي باشاغا من رئاسة الحكومة الموازية.

ويجوز القول إن الدبيبة استفاد من شلل تلك الحكومة الموازية، التي لم يعترف بها المجتمع الدولي، لكي يرسخ نفوذه السياسي ويُقوي قبضته الاقتصادية، ولن يتسنى له ذلك إذا ترأس الحكومة المقبلة شخصٌ آخر.

أما باشاغا فوجد نفسه بعيدا عن الأضواء وخسر أوراقه، بعد ما فقد الدعم الذي كان يجده لدى حفتر. كما أن استبعاده كان تعبيرا عن الصراعات الدائرة داخل فريق الشرق. غير أن جلال حرشاوي، الباحث المتخصص في الشأن الليبي، يعزو إزاحة باشاغا إلى رفضه تحويل أموال من القطاع العام إلى حساب آل حفتر. على أن كثيرا من الخبراء يؤكدون أن مفاتيح اللعبة السياسية باتت اليوم في أيدي صدام خليفة حفتر في الشرق وابراهيم الدبيبة في الغرب.

وكان الاثنان يعقدان سلسلة من الاجتماعات بحثا عن قواسم مشتركة، تمكن حكومة الوحدة وجيش حفتر من التعايش معا. وهذا ما قد يُفسر رفض رئيسي مجلسي النواب والدولة عقيلة صالح وخالد المشري التوقيع على مخرجات بوزنيقة، مثلما كان مقررا، بالرغم من وجودهما آنذاك بالمغرب، وسط أنباء عن عدم رضاهما عن المخرجات.

ومع تفاقم التعارضات بين الشخصيات الليبية واستحالة الوصول إلى صيغة توافقية، تبقى الخيارات المطروحة على المبعوث الأممي ضئيلة، ومن بينها الاعتماد على لجنة ليبية عليا يتولى تشكيلها، بُغية صياغة قوانين توافقية، تفتح الطريق لانتخابات برلمانية تُجدد الشرعية السياسية.

أما الخيار الثاني فهو أن يتولى المبعوث الأممي التمديد لمجلسي النواب والدولة فترة أخرى، وهذا يقتضي دعما واضحا من المجتمع الدولي، وخاصة من أمريكا وأوروبا. وقد يتطلب ذلك، حسب بعض المحللين، فسحة زمنية للتمكن من إعادة هيكلة بعض الوزارات في حكومة الدبيبة، من أجل استيعاب القوى المعارضة، المؤيدة لخليفة حفتر.

والمُرجح في ظل هذا السيناريو، إذا ما صح، اللجوء إلى الحل الأخير، وهو تشكيل لجنة ليبية رفيعة المستوى، لإقرار القوانين الانتخابية، ثم تحويلها إلى المجلس الرئاسي لسنها في شكل مراسيم رئاسية، على أن يكون مجلس الأمن موافقا على هذه الخطوة.

وفي غمار هذا الجدل، عادت الجزائر مجددا إلى الساحة الليبية من خلال إعلان وزير خارجيتها أحمد عطاف، عن ثلاث نقاط قال إنها العامود الفقري للموقف الجزائري من الأزمة الليبية.

  • وأولها الاعتراف بـ«حكومة الوحدة الوطنية» التي تحظى بالاعتراف الدولي،
  • والثانية هي ضرورة جمع الأطراف المعنية حول مائدة الحوار، لمناقشة الانتقال إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.
  • أما الثالثة، فهي دعم عمل المبعوث الأممي، في بحثه عن صيغة لإرساء أساس قانوني للانتخابات المنتظرة.

وأكد عطاف في تصريحات لوكالة «نوفا» الإيطالية، أن تنظيم الانتخابات «هو السبيل الوحيد للتعامل مع مسألة السلطة في ليبيا».

ولعبت القاهرة أدورا بعضها خفيٌ وبعضها الآخر علنيٌ في مسار الاجتماعات التي مهدت لاتفاقات بوزنيقة، إذ حضر رئيس مجلس الشعب المصري حنفي الجبالي جلسة في مقر مجلس النواب بحضور رئيسه عقيلة صالح، وأعلن مباركة القاهرة لمخرجات بوزنيقة.

ولم يكن في وسع الجزائر، التي تشعر أنها في منافسة دائمة مع المغرب، التحرك على هذا الخط لتقريب وجهات النظر بين الفريقين الليبيين، لكونها في قطيعة مع أحدهما، أي قوى الشرق. وفي إطار خط التقريب هذا، توصل ممثلو مصراتة وورشفانة أخيرا إلى التوقيع على ميثاق أطلقوا عليه اسم «ميثاق الأخوة» في حضور جميع مكوناتهما المدنية والعسكرية والاجتماعية، وهو ميثاق لا يسرُ المدافعين عن النظام السابق، لكونه ينص على التزام المدينتين بـ«مبادئ ثروة 17 فبراير وأهدافها». كما شدد على فكرة مهمة في أجواء الجدل الحالي عن القوانين الانتخابية، وهي فكرة مدنية الدولة ورفض عسكرتها والتداول السلمي على السلطة.

قوانين قابلة للتنفيذ

وقالت حكومة الوحدة الوطنية، من جانبها، إن رئيسها الدبيبة بحث مع باتيلي المسار الانتخابي وسبل إنجاح العملية الانتخابية. وأفادت بأن الدبيبة قدم رؤية حكومته في ما يتعلق بملف الانتخابات المبنية على قوانين عادلة وقابلة للتنفيذ، بوصفه «شرطا أساسيا لإنجاح العملية الانتخابية» و«استمرار حالة الاستقرار التي يشهدها البلد خلال هذه الفترة» أي منذ التوقيع على وقف إطلاق النار في كانون الثاني/يناير 2020.

ونقل المكتب الإعلامي للحكومة عن الدبيبة تأكيده للمبعوث الأممي أن الحكومة «مستمرة عبر اللجان التي شكلتها لتنسيق الجهود مع البعثة الأممية، بهدف تعزيز التواصل وتنفيذ البرامج الداعمة لإنجاح الانتخابات».

على تلك الخلفية السياسية تُحقق كل من إيطاليا وتركيا توسُعا اقتصاديا مضطردا في ليبيا، مُتقدمة على منافساتها الأوروبية والعربية والصينية. ووقع رئيس مجموعة شركات المعارض التركية «نوبل أكسبو» أرهان تشليك اتفاقية رسمية مع مسؤولين ليبيين لتشغيل مراكز المعارض في مختلف مدن ليبيا.

وفي هذا الإطار أفيد أنه ستتم إقامة ستة معارض في ليبيا في غضون سنة. وكان الجانبان توصلا إلى اتفاق مع السلطات المحلية لتشغيل معرض طرابلس الدولي لمدة عشرة أعوام. ولم يُخف تشليك أن هدف تركيا يتمثل بإدخال شركاتها إلى الأسواق الأفريقية عبر ليبيا.

وفي خط مواز حصدت إيطاليا سوقا مهمة من الليبيين في قطاع الغاز، بعد سنتين من مشروع أكبر توصل له الطرفان، وأثار حفيظة الفرنسيين، الذين كانوا يأملون ترسية المشروع عليهم. وأتت الخيبة الثانية للفرنسيين من توقيع مجموعة «إيني» الإيطالية، قبل أيام، مذكرة تفاهم مع الحكومة الليبية، للعمل على التقليل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتسريع إزالة الكربون وتطوير الطاقة المستدامة في البلد، الذي يُعتبر أحد كبار منتجي الغاز في أفريقيا.

معايير سياسية

وتم التوقيع على الاتفاق بمناسبة زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى روما قبل أيام. والملاحظ أن مثل هذه الصفقات تُمنح إلى الحلفاء (في هاتين الحالتين تركيا وإيطاليا) وتلعب فيها المعايير السياسية دورا حاسما.

وفي السياق سيتم العمل على تحديد موارد الغاز الإضافية من الحقول القائمة، والتي يمكن تطويرها، باعتبارها جزءا من مشروع متكامل للسوق المحلية، وربما للتصدير. وستكون نسبة الربح متساوية بين «إيني» من جهة والمؤسسة الوطنية للنفط من جهة ثانية.

لكن الطريف أن وزير النفط والغاز محمد عون لم يُخف تحفظه على توقيع صفقة كبيرة بين «إيني» والمؤسسة الوطنية للنفط، بقيمة 8 مليارات دولار، لتطوير حقلي الوفاء والسلام للغاز البحري. وأوضح عون أنه هو الذي ترك زميله وزير الاقتصاد يوقع على الاتفاق مع «إيني» لأنه لا يرى مبررا اقتصاديا قويا للمشروع، خاصة أن الحقل البحري دخل طور الإنتاج، وأن المجموعة الإيطالية استعادت كلفة الاستكشاف، التي تجاوزت مليار دولار.

وشدد عون على أنه لا يعارض عودة الشركات العالمية إلى ليبيا، بل أكثر من ذلك هو من المشجعين على استقطاب الاستثمارات الأجنبية.

وفي هذا الإطار أدى وفد ليبي زيارة إلى واشنطن للتعريف بالفرص الاستثمارية في بلده، واستعرض أعضاء الوفد جملة من الإصلاحات في الخدمات والمشاريع التي تنفذها الحكومة، والتي تأتي ضمن برنامج «عودة الحياة». وتألف الوفد من كبار المدراء الحكوميين في مجالي التخطيط والاستثمار، إلى جانب رجال أعمال.

لكن خبراء يؤكدون أن استقطاب أية استثمارات يتوقف على شرط حاسم هو وضع الصراع الليبي الليبي على سكة الحل السياسي، وتأمين الاستقرار بإبعاد المسلحين والأسلحة الثقيلة من المدن. ولم تُطرح حتى اليوم أية خطة مرحلية لإزالة العسكرة وإبعاد الأجسام المسلحة من الحواضر، مع أن تلك الخطوات هي المقدمة الضرورية لإنجاح الحل السياسي.

____________

مواد ذات علاقة