تفاءل كثيرون أخيرا بالحديث المستمر عن زيارة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة، لكن يبدو أن الأزمات المشتركة بين البلدين تراوح مكانها بعد عودة قضية قديمة إلى الواجهة.

ومنذ 27 يوليو/تموز 2023، تناولت بعض الصحف والمواقع التركية مثل يني تشاغ، وهالك تي في، وT24، وإيفرينسيلخبر تأجيل السيسي زيارته إلى تركيا، ومنهم من قال إنه ألغاها كليا“.

ونقل موقع العينالإماراتي، في 26 يوليو 2023، عن مصدر دبلوماسي مصري (لم يسمه)، قوله إن تأجيل الزيارة جاء بسبب زيارة السيسي إلى سانت بطرسبرغ للمشاركة في القمة الإفريقية الروسية.

وعاد منها السيسي إلى القاهرة مباشرة، لتبدأ وسائل إعلامية وصحفية في رصد أسباب تأخير زيارته المرتقبة إلى أنقرة، وهل توجد نقاط عالقة بين الطرفين تسببت في الإرجاء؟ خاصة أن تصريحات السفير التركي في القاهرة صالح موتلو شينأكدت قرب الزيارة، وإن لم تحدد موعدها

لكن السبب الذي جرى الإعلان عنه لتأجيل الزيارة لم يكن مقنعا وأثار المزيد من الجدل، لأن القمة الروسية الإفريقية معلومة الموعد منذ فترة ومرتب لها وهي ليست حدثا طارئا ومفاجئا

الخلاف في ليبيا

وبالتزامن مع تلك التساؤلات، حضر الملف الليبي من جديد على ما يبدو ليثير الخلافات مع وجود تكهنات بأنه يقف خلف عدم حدوث زيارة السيسي.

وأصدرت وزارة الخارجية المصرية، بيانا في 28 يوليو 2023، أوردت فيه: أنه في إطار متابعة تطورات الإعداد للاستحقاقات الانتخابية في ليبيا وجهود المؤسسات الليبية ذات الصلة، والتفاعلات الدولية المرتبطة بذلك، أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير أحمد أبو زيد دعم مصر الكامل لمسار الحل الليبي/الليبي“.

كما تحدثت عن أهمية احترام دور المؤسسات الليبية عند اضطلاعها بمهامها دون أي املاءات أو تدخلات خارجية من أي طرف“.

ودعت الخارجية جميع الأطراف الدولية إلى الالتزام بهذه الأسس والمحددات التي لا بديل عنها، واحترام إرادة الشعب الليبي، والملكية الليبية للتسوية، وعدم اتخاذ أي إجراءات من شأنها تجاوز دور المؤسسات، تفاديا لتعقيد الموقف، وحرصا على استقرار ليبيا وسيادتها وتحقيقا لتطلعات الشعب الليبي الشقيق“. 

البيان المصري تطرق إلى أطراف وإملاءات خارجية، رغم كونه يتحدث بلغة مبهمة غير محددة، لكن أكثر جهة كانت تختلف معها القاهرة تجاه الملف الليبي، هي تركيا التي دعمت حكومة الوفاق الوطني، بقيادة رئيس الوزراء الليبي الأسبق فايز السراج

ومنعت تركيا سقوط العاصمة الليبية طرابلس في يد قوات اللواء الليبي الانقلابي خليفة حفتر، المدعوم مصريا وإماراتيا، خلال المعركة التي دارت رحاها بين عامي 2019 و2020.

لذلك فإن البيان لم يكن بمعزل عن تركيا، لا سيما أن موقع القاهرة 24″ المحلي، المحسوب على المخابرات العامة المصرية، نشر خبرا في 28 يوليو 2023، تحت عنوان أنباء عن اتفاق مصري تركي على خروج القوات التركية والمرتزقة من ليبيا“.

وذكر فيه: “أن مصر وتركيا اتفقتا على خروج القوات التركية والمرتزقة من ليبيا بحلول نهاية العام الجاري (2023)، إضافة إلى تعهد أنقرة بعدم إقامة أي قواعد عسكرية لها في طرابلس“.

فيما لم يصدر حديث من أي جانب تركي رسمي عن ذلك الاتفاق، ولم تشر المصادر التركية إلى تعهدات بعدم إقامة قواعد في طرابلس، أو الحديث عن انسحاب القوات من ليبيا عموما

مخاوف مشتركة

ولا يمكن إغفال أنه بعد عشرية الجفاء بين القاهرة وأنقرة على خلفية موقف الأخيرة من الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، ومناهضتها لاستيلاء الجنرال عبد الفتاح السيسي على الحكم، جاء 4 يوليو/ تموز 2023 محملا بإعادة العلاقات والتواصل مرة أخرى، بقرار كل من مصر وتركيا تبادل السفراء بينهما.

وفي التاريخ المذكور، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية تعيين عمرو الحمامي سفيرا في أنقرة، بينما عينت تركيا صالح موتلو شين سفيرا لها في القاهرة.

ثم بدأ الحديث عن زيارات متبادلة سيبدأها رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي إلى أنقرة، ويردها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة القاهرة.

وفي 16 يوليو صرح موتلو شين، لوكالة سبوتنيكالروسية، أن زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي إلى تركيا، قد حسمت بالفعل بين حكومتي البلدين

وعقب أن الزيارة ستعقد في الموعد المناسب لها، دون أن ينفي أو يؤكد صحة الموعد المتداول في وسائل الإعلام، والذي كان محددا في 27 يوليو

انتظر الجميع 27 يوليو ليحل السيسي ضيفا على أردوغان، لكن ذلك لم يحدث، ووجد رئيس النظام المصري في القمة الروسية الإفريقية، التي عقدت في مدينة سان بطرسبرجالروسية، بين 26 و29 من ذات الشهر

ومع صدور بيان الخارجية، تم ترجيح أن التباينات المصرية التركية في الشأن الليبي لعبت دورها في إرجاء الزيارة.

وسبق أن تناول موقع المونيتورالأميركي، في 25 مارس/ آذار 2023، ملف العلاقات المصرية التركية في ظل أحاديث التقارب والمصالحة

ومما ذكره تعقيد المسألة الليبية تحديدا في هذا الملف، وقال: “إن العلاقات بين مصر وتركيا لا تزال متأرجحة بشأن ليبيا، ولم تتغير بعد رغم التطبيع“.

وأضاف الموقع الأميركي: “أن حكومة السيسي ترى أن الصراع في ليبيا يشكل تهديدا للأمن القومي المصري، كما تحمل تركيا المسؤولية إلى حد كبير عن الوضع الحاليفي ذلك البلد.

ولفت إلى أن الجانبين بحاجة إلى مواصلة المناقشات حول ليبيا وشرق البحر الأبيض، حيث لم يتوصلا بعد إلى أرضية مشتركة حول هذه التعقيدات“.

أسباب الأزمة

وعلق الباحث المصري بجامعة آيدنالتركية أحمد راضي، على ربط الملف الليبي بتأجيل زيارة السيسي قائلا: “لا بد أن نعود إلى نقطة اتفاق ترسيم الحدود البحرية والتعاون الأمني بين تركيا وليبيا عام 2019، والذي كان فاصلا في تأجيج الصراع بين البلدين“.

وأضاف في حديث لـالاستقلال“: “ذلك الاتفاق الأمني كان المسوغ لأنقرة لدعم القوات العسكرية التي كانت تساند المجلس الرئاسي الليبي في مواجهة جيش حفتر، المدعوم مصريا“.

وأتبع: “نشر قوات تركية بموافقة من البرلمان، دفع السيسي للتصريح الشهير عام 2020 باعتبار خط سرت الجفرة (خطا أحمر) بالنسبة لنظامه“. 

واستطرد: “من الجانب التركي فإن أنقرة تتوجس من أن تحاصر من الجهة الجنوبية، في ظل خطط لخط أنابيب غاز مستقبلي يربط حقول الغاز القبرصية بالأسواق الأوروبية، وفي ظل العداء التاريخي من قبل قبرص (الجنوبية) واليونان“.

وأوضح: “أن ليبيا هي الشريك الدولي الوحيد في تلك المنطقة الداعم لحدود أنقرة البحرية، ولن تقبل بسهولة التخلي عنها، أو وضع احتمالية فقدانها“. 

واختتم: “أما السيسي فلن يقبل أيضا العبث بجارته الغربية، أو باستمرار وجود القوات التركية هناك، وهو موقف ثابت للأمن القومي المصري“.

وبالتالي سيظل السيسي يضغط على أنقرة في هذا الملف، ما يجعل من احتمالية أنه لم يأت لتركيا بسبب الملف الليبي واضحة وجلية ومفهومة، بحسب تقدير راضي.

وأردف: “وحتى لو جاء لاحقا، سيظل هذا الملف حجر عثرة في طريق سلامة العلاقة بين البلدين، التي ستكون مهددة بالانفجار في أي لحظة“. 

شروط وخطوات 

ونشر معهد ذا أتلانتك كاونسل” الأميركي، ورقة بحثية في 11 أبريل/ نيسان 2023، عن شروط وخطوات التقارب المصري التركي

وأشار أن الأزمة الليبية وترسم الحدود البحرية من أبرز مسارات الخلاف التي لم تسوَّ على مائدة التطبيع بين البلدين.

وقال: “إن هناك حاجة إلى محادثات متعددة الأطراف لتهدئة التوترات الإقليمية الملتهبة على الحدود البحرية“.

فاتفاق أكتوبر/تشرين الأول 2022 مع حكومة الوحدة في ليبيا، أثار احتجاج كل من القاهرة وأثينا وعدة حكومات إقليمية أخرى، واصفين إياه بأنه غير قانوني“.

وتهدف مذكرة التفاهم الموقعة مع تركيا إلى تطوير مشاريع استكشاف وإنتاج ونقل وتجارة النفط والغاز الطبيعي في المناطق الاقتصادية الخالصة لليبيا.

وبعد شهرين، وبالتحديد في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2022، اتخذت القاهرة خطوة جريئةأثارت استياء حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، بترسيمها لحدودها البحرية الغربية بشكل أحادي.

ورغم ذلك، أشار التقرير إلى أن تعزيز التعاون في مجال الطاقة بين مصر وتركيا أمر ترحب به القاهرة، التي تطمح لأن تصبح مركزا إقليميا للطاقة، ومصدرا رئيسا للغاز إلى أوروبا وأسواق شرق البحر المتوسط.

لكنها في الوقت ذاته لا تريد لأنقرة الهيمنة أو على الأقل الوجود عسكريا داخل النطاق الليبي، الذي تعده القاهرة من أهم مقومات أمنها القومي تجاه الغرب.

______________

مواد ذات علاقة