وليد عبد الله

أثار لقاء وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين بوساطة إيطالية في روما الأسبوع الماضي، العديد من التساؤلات عن أهداف وتداعيات الاجتماع الذي يعد الأول من نوعه.

إذ وصفه كوهين باللقاء بالتاريخي وأنه خطوة أولى في العلاقة بين إسرائيل وليبيا، وأن حجم ليبيا وموقعها الاستراتيجي يمنح العلاقات أهمية وإمكانات هائلة لدولة إسرائيل“.

ردود فعل سياسية وشعبية

وعقب تسريب وزارة الخارجية الإسرائيلية اللقاء لوسائل الإعلام، قرر رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة، إيقاف المنقوش عن العمل احتياطيا، وإحالتها للتحقيق.

من جانبها، قالت وزارة الخارجية الليبية في بيان، إن المنقوش رفضت عقد أي لقاءات مع أي طرف ممثل للكيان الإسرائيلي، وما زالت ثابتة على ذلك الموقف بشكل قاطع، وأن ما حدث في روما هو لقاء عارض غير رسمي وغير معد مسبقاً“.

‏‎وجددت الخارجية الليبية في بيانها رفضها التام والمطلق للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وأكدت أن موقفها ثابت تجاه القضية الفلسطينية“.

غير أن نفي الخارجية الليبية وإصدار قرار التوقيف احتياطيا لم يمنعا الشارع من الخروج في احتجاجات واسعة شهدتها العاصمة طرابلس وعدد من مدن البلاد رافضا للتطبيع مع إسرائيل.

كذلك استنكرت اللقاء مجموعة من الأحزاب السياسية والهيئات والمجالس.

فطالب المجلس الرئاسي الليبي، في بيان، الدبيبة بتقديم توضيح بشأن اللقاء، معتبراً ذلك خرقا للقوانين التي تجرم التطبيع مع إسرائيل“.

ويحظر القانون الليبي رقم 62 الصادر عام 1957 على كل شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقا من أي نوع مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو مع من ينوب عنهم“.

ويعاقب كل من يخالف ذلك بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على 10، ويجوز الحكم بغرامة مالية.

فيما اعتبر المجلس الأعلى للدولة، في بيان، اللقاء خطوة مخالفة لقواعد مقاطعة العدو الصهيوني ومسيئة لتاريخ نضال الشعب الليبي الداعم للقضية الفلسطينية العادلة“.

بدوره، أعلن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، خلال جلسة طارئة عقدها المجلس، رفض التطبيع مع إسرائيل والتمسك بالدفاع عن القضية الفلسطينيةمشددا على رفض التطبيع مع إسرائيل والتمسك بالدفاع عن القضية الفلسطينية“.

مساع لتحقيق مكاسب سياسية

رغم تجريم التطبيع مع إسرائيل قانونا، فإن عديدا من الأطراف الليبية المتصارعة لم تمتنع في السابق من عقد لقاءات في الخفاء مع مسؤولين إسرائيليين، لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية، وفق تقارير صحفية عبرية وعربية.

وزعمت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وجود علاقات سرية بين تل أبيب ونظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، أدارها نجله سيف عبر رجال أعمال يهود من أصول ليبية، وذلك قبل اندلاع الثورة التي أطاحت بوالده عام 2011.

كما كشفت الصحيفة ذاتها في 7 نوفمبر 2021، عن زيارة خاطفة قام بها صدام نجل قائد قوات الشرق الليبي خليفة حفتر، إلى إسرائيل.

وقالت إن الهدف منها عرض إقامة علاقات دبلوماسية مقابل الحصول على مساعدة عسكرية ودعم دبلوماسي.

وآخر تلك التقارير ما نشرته قناة العربية الحدثفي 13 يناير/ كانون الثاني 2022، عن لقاء جمع الدبيبة مع مسؤولين إسرائيليين في الأردن، وهو ما نفاه رئيس حكومة الوحدة الليبية لاحقا.

ومع استمرار الاحتجاجات المنددة بلقاء المنقوش وكوهين، يرى مراقبون أن مسألة التطبيع مع إسرائيل باتت مستبعدة نظراً لوجود عوائق عديدة.

من بينها الغضب الشعبي الواسع والقانون الذي يجرم التطبيع، لهذا سيكون سعي الأطراف الليبية المتصارعة للتقارب مع واشنطن عبر بوابة تل أبيب محفوفا بالمخاطر.

وعن هذه الجزئية يقول المحلل السياسي الليبي فيصل الشريف، إن الاحتجاجات الشعبية الرافضة للتطبيع والتي تم رصدها في مدن البلاد، تعتبر التبريرات التي قدمتها وزارة الخارجية واهية ولا قيمة لها، مضيفا أنه يصعب التنبؤ بسقف تلك الاحتجاجات وأين ستصل؟“.

ويوضح في حديث للأناضول، أن لدى الشعب الليبي قناعات ومبادئ راسخة مستقرة في وجدانهم وهي أن القضية الفلسطينية خط أحمر لا يمكن العبث أو السماح لأي طرف سياسي أن يمس بهذه الخطوط الحمراء، وهذا ما نرصده اليوم من خلال ردود الفعل الشعبية الرافضة للتطبيع“.

التداعيات السياسية

الشريف لفت أيضا إلى أن لقاء المنقوش مع وزير الخارجية الإسرائيلي ستكون له أبعاد أخرى، لأن هناك من يترصد سياسيا على المستوى الإقليمي والمحلي والدولي ومن يريد أن يستغل هذه الحادثة، للإطاحة بحكومة الدبيبة وفرض حكومته“.

ومضى يقول: “لذلك نخشى أن تستغل الحادثة سياسيا من قبل بعض الخصوم التي تقف خلفهم العديد من الدول، مع أن هذه القضية يفترض ألا تكون قابلة للاستغلال السياسي“.

وأردف: “في تقديري حكومة الدبيبة تورطت بشكل أو بآخر في محاولة التقارب مع إسرائيل ويبدو أن وزير خارجية إيطاليا (أنطونيو تاجاني) قد نجح من خلال الدور الذي لعبه وذلك بعد تلقي إيعاز أمريكي، لأن واشنطن تسعى جاهدة لإيجاد حالة من التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل“.

وأضاف الشريف: “ربما رسمت أمريكا وإيطاليا للحكومة الليبية أنه بالإمكان لها إذا ما تقاربت مع إسرائيل أو وعدتها بالتطبيع ستغنم من وراء ذلك سياسيا وأن تتحصل على دعم واشنطن“.

ووصف ذلك بأنه وهم وغباء سياسي وقعت فيه الحكومة، وعليها أن تدفع الثمن السياسي جراء اقتراف كبيرة سياسية بهذا الحجم“.

واستبعد الذهاب للتطبيع من خلال اللقاء الذي جمع المنقوش وكوهين، موضحا أنهم يدركون مدى صعوبة تحقيق هذا الأمر لأن هناك شعبا بكامله قد تفرقه المشارب السياسية ولكنه يجتمع على قضية واضحة وهو أنه لن يقبل باقتراف هكذا خطيئة تمس بمعتقداته ومقدساته ودينه قبل أن تمس حتى بالجانب الوطني والسياسي“.

واعتبر الشريف أن واشنطن بالتأكيد هي صاحبة المصلحة الأولى من خلال لقاء المنقوش بكوهين لأنه دائماً نرى وعلى مدى الرئاسات الأمريكية السابقة والحالية، سواء جمهوريون أو ديمقراطيون، أن أول ملفاتهم هو دعم وجود إسرائيل وتقويتها ومحاولة إبرام الاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بالتطبيع“.

إمكانية بقاء الحكومة

من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي فرج دردور، إن الاتفاق الوحيد الذي يجمع عليه الليبيون هو رفض التطبيع وهذا ما لاحظناه من خلال الاحتجاجات العارمة التي شهدتها العاصمة وبعض المدن، لذلك سيكون أمر التطبيع فوق قدرة حكومة الدبيبة، ولا تستطيع إعطاء ما لا تملك“.

وأضاف في حديثه للأناضول: “في اعتقادي أن المنقوش تم توريطها من قبل إيطاليا من خلال ذلك اللقاء، بشكل أو بآخر تمادت هي في الجلوس مع كوهين، وإنكار الخارجية أو رئيس الحكومة لهذا اللقاء يعني أن ليس لهم الشجاعة لإعلان هذا الأمر، فما بالك بتنفيذ عملية التطبيع؟“.

غير أن دردور استبعد أن يكون لواشنطن دور فيما حدث، وقال: “عندما تكون إسرائيل في الواجهة سيكون هناك رضا أمريكي بالتأكيد، والإمكانيات الموجودة في إسرائيل تمكنها من القيام بمثل هذه الأعمال ولا تحتاج لدعم واشنطن“.

وعن تداعيات اللقاء على حكومة الدبيبة، قال دردور إن بقاءها مرهون بالتوافقات التي تحصل بين قوات الأمن والقوة الداعمة للدبيبة على الأرض في ليبيا، والقوة العسكرية الداعمة لا تزال على موقفها“.

وأضاف: “الشعب الليبي يعلم أن هذه الاحتجاجات سيتم توظيفها واستغلالها من قبل الأطراف السياسية المنافسة للسيطرة على الحكم“.

واستدرك قائلا: “لكن نسبة المشاركة في الاحتجاجات ليست كبيرة في الحقيقة، ولا أظن أنها ستوثر على الحكومة“.

وتابع: “صحيح أن حكومة الدبيبة في أصعب مراحلها لكن بقاءها مرهون أيضا بتحالفات داخل مصراتة نفسها والتحالفات الدولية ولا أعتقد أنه سوف يكون هناك أثر قوي مباشر يؤدي لتنحية الدبيبة عن الحكم في الوقت القريب“.

وختم دردور قائلا: “ربما سيكون هناك توافق على تشكيل حكومة موحدة من كلا الحكومتين الموجودتين حاليا ولكن في جميع الأحوال الدبيبة لا يزال باقيا“.

وثمة أزمة صراع على السلطة متواصلة في ليبيا بين حكومة عينها مجلس النواب مطلع العام الماضي، وحكومة الدبيبة، الذي يرفض التسليم إلا لحكومة تكلف من قبل برلمان منتخب.​​​​​

________________

مواد ذات علاقة