عدّ ناشطون تزايد أعداد ضحايا مدينة درنة الليبية الساحلية التي ضربتها العاصفة دانيالمثالا صارخا على الإهمال واللامبالاة والاستهانة بالأرواح وتجاهل التحذير من مضاعفات التغيير المناخي في الأبحاث والدراسات، وفساد الأنظمة الحاكمة، وصنفوه جريمة مكتملة الأركان“.

إعصار متوسطي اجتاح عدة مناطق شرقي ليبيا، أبرزها مدن بنغازي والبيضاء والمرج بالإضافة إلى سوسة ودرنة، في 10 سبتمبر/أيلول 2023، وكانت درنة أكثر المناطق تضررا، حيث انهار بها سدّان و4 جسور، ما أدى إلى غرق جزء كبير منها.

وقال جهاز الإسعاف والطوارئ الليبي، إن أحياء كاملة في مدينة درنة سُوّيت بالأرض بسبب السيول، وإن عدم صيانة السدود كان له تأثير واضح في حدوث الفيضانات، مشيرا إلى أن كل دقيقة تمر من دون دعم جوي للبحث عن المفقودين تؤدي إلى وفاة جديدة“.

بدوره، أعلن وكيل وزارة الصحة بحكومة الوحدة الوطنية، سعد الدين عبد الوكيل، أن عدد قتلى الفيضانات التي اجتاحت عددا من مدن وبلدات المنطقة الشرقية تجاوز 6 آلاف، مضيفا أن حصيلة الوفيات تعد أولية وهذه إحصائية لكل المناطق المتضررة جراء الفيضانات.

وأوضح أن مدينة درنة سجلت العدد الأكبر، مرجحا ارتفاع الحصيلة في الساعات القادمة.

وقالت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، في 13 سبتمبر/أيلول 2023، إن ما لا يقل عن 30 ألف شخص شرّدوا بعدما اجتاحت الفيضانات درنة، فيما أفاد الصليب الأحمر بأن عدد المفقودين في ليبيا بلغ 10 آلاف.

وأعلن المجلس البلدي لمدينة طبرق، أقصى شرقي ليبيا، وفاة 145 مصريا في درنة، جراء الإعصار، فيما ارتفع عدد الضحايا الفلسطينيين إلى 23.

وأعرب ناشطون عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية على موقع إكس” (تويتر سابقا) ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #إعصار_دانيال، #درنة_تستغيث، وغيرها من الوسوم الأخرى، عن أسفهم لما تعرضت له المدينة الساحلية الواقعة شرقي ليبيا من دمار هائل.

وأشاروا إلى أن الإعصار غيّر ملامح المدينة وترك مئات الجثث مكدسة في الشوارع بعد أن سويت أحياء كاملة بالأرض بسبب السيول، متداولين مقاطع فيديو وصورا حية وأخرى بالأقمار الصناعية توثق حجم الدمار الذي خلفه الإعصار

وحمل ناشطون السلطات الليبية كافة مسؤولية ما تشهده مدينة درنة واستنكروا مسارعتها لجمع المساعدات الخارجية، مؤكدين أن ما حدث جريمة إهمال مزدوج وتقصير في صيانة السدود المتهالكة، تستوجب المسألة القانونية وفتح تحقيقات تقتص للضحايا وذويهم.

مشاهد مؤلمة

وتفاعلا مع الأحداث، أشار المحامي الكويتي ناصر الدويلة، إلى أن الحجم المروع لمأساة درنة الذي فاق كل تصور يتكشف مع كل ساعة، وقد اختفت أسر وأحياء كاملة مسحها الطوفان، والإصابات تجاوزت عشرات الألوف.

وسأل الله أن يلطف بلطفه وأن يجبر مصاب أهل ليبيا العظيم، مشيدا بالشعب الليبي في الشرق والغرب لأنه أثبت أصالته وشرفه بتعاضدهم وتناصرهم لبعض.

كما نشر حساب باسم محقق خاص، مقطع فيديو يوثق مشاهد مرعبة لتكدس جثث ضحايا الفيضانات أمام أحد مستشفيات درنة، مشيرا إلى أن أكثر من 5200 قتيل جراء الفيضانات وعشرات الآلاف مفقودين.

ولفت أمين محافظية إلى أن جثثا بالآلاف متناثرة في الشوارع وأكثر من 5000 قتيل في سيول ليبيا“.

وكتب أبو عمر الجهمي: “لا شيء يعلو في درنة فوق رائحة الموت.. جثث متكدسة في الشوارع تنتظر أن تزول هذه المحنة في ليبيا لتوارى الثرى ولاحول ولاقوة إلا بالله.. أكثر من 5200 شهيد جراء الفيضانات ولا يزال عشرات الآلاف مفقودين، دول عربية وإسلامية قليلة جدا سارعت بتقديم العون“.

وعرض عبدالمؤمن طبيب، صورتين توضحان حال درنة قبل وبعد الإعصار، مؤكدا أنها جريمة خليفة حفتر وعقيلة صالح والدبيبات لتدمير مدينة درنة“.

ووصف مهاب ناصر، المشاهد القادمة من درنة بأنها تدمي القلوب، لافتا إلى وقوع آلاف الضحايا والمفقودين والمدينة شبه مدمرة بالكامل بسبب الكارثة.

تقصير الحكومات

وبرز حديث ناشطين عن الأسباب التي جعلت مدينة درنة الأكثر تضررا من العاصفة، مشيرين إلى دراسات وأبحاث سابقة ظلت حبيسة الأدراج تجاهلتها السلطات، وعدوا ذلك جريمة“.

وقال الصحفي ياسر محجوب الحسين، إن كارثة إعصار دانيال تكشف سوء الأوضاع السياسية في ليبيا وفوضى تعدد الحكومات والسلطات وتضارب معلوماتها“. 

وتعجب من مسؤول أرجع انهيار السدين لحقبة (الرئيس الراحل، معمر) القذافي بينما كان السبب انعدام صيانة بوابات السدين لنحو 11 عاما! فالتقصير جاء بعد تلك الحقبة بخيرها وشرها“.

واستنكر الكاتب السوري عبدالباسط سيدا، قول إن ما فاقم المحنة في درنة هو انهيار السدين، متسائلا: “من كان المشرف على السدين، وأين هم الذين يتقاضون الرواتب مقابل مسؤوليتهم الورقية عن السدين أو السدود في منطقة درنة؟“.

وواصل تساؤلاته: “أين هي المراقبات والمتابعات المستمرة من جانب المسؤولين؟، قائلا إن مصيبة شعوب المنطقة أنها منيت بحكام يتصرفون وكأن العناية الإلهية قد اختارتهم، وما يعزز هذا الشعور لديهم تصفيق وتزلف المنافقين“.

وأرجع أحد المغردين، حجم الخسائر وعدد القتلى والمفقودين بالآلاف نتيجة إعصار دانيال الذي ضرب مدن شرق ليبيا والأكثر درنة، إلى ضعف البنية التحتية وحال السدين المتهالكين اللذين انهارا بعد عقود من الإهمال“.

وعرضت المستشارة التربوية خديجة محمود، دراسة منشورة في مجلة جامعة سبها عام 2022 تنذر بأن السدين في درنة معرضان للانهيار وبالتالي الفيضان بأية لحظة، وأن النتائج ستكون كارثية على سكان الوادي والمدينة، مشيرة إلى أن السدود آخر صيانة لها كانت عام 2002″.

مطالبات بالمحاسبة

وطالب ناشطون بمحاسبة المسؤولين، مستنكرين تركيز اهتمامات السلطة على تلقي المساعدات بعد وقوع الكارثة، بينما كان يمكن تجنبها وتقليل وقعها.

وقال الصحفي الليبي رأفت أبو الخير، إن النائب العام يتوجب عليه فتح تحقيق في شبهات جنائية وإهمال فيما يتعلق بانهيار السدين في مدينة درنة“.

وقال الكاتب والناشط السياسي، محمد أحمد جبريل، إن الاهتمام والتركيز في التسابق على الحصول على المال قبل حتى إخراج جثث الضحايا وعودة المفقودين وتقديم المساعدات فاق الاهتمام بإدارة ما قبل الكارثة والأزمة وسرعة الاستجابة، بل سبق حتى تقارير حصر الأضرار“.

وتمنى جبريل، أن تصل الأموال لمستحقيها ولا يتم تحويلها للخارج أو إتلافها في مياة الأمطار“.

وتساءل علي الطائي: “كم وزيرا عربيا أو مسؤولا كبيرا شاهدتموه بملابس العمل في المناطق المنكوبة في ليبيا أو المغرب؟، هل شاركوا الناس مأساتهم أم اكتفوا بإحصائيات الموت من مكاتبهم المرفهة؟ كيف لإعصار كهذا أن يمر دون تحذيرات وطلب إخلاء؟

مسؤولية الحكومات

وهاجم ناشطون الحكومة الليبية الشرعية وحكومة الانقلابي حفتر، ومجلس النواب واتهموه بالتقاعس والتقصير.

ودعا رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، أحمد حمزة، الأطراف السياسية إلى تجنب التوظيف السياسي للكارثة الإنسانية والمعاناة الإنسانية التي يمر بها السكان لغايات سياسية دنيئة، مؤكدا أن هذا أمر غير مقبول لا يمكن السكوت عليه، ويجب التصدي له وعدم السماح به“. 

وهاجمت المغردة غيداء جميع الأطراف السياسية الفاعلة في ليبيا، قائلة: “حكومة الدبيبة، حكومة حماد، المجلس الأعلى للدولة، البرلمان، القيادة العامة المجلس الرئاسي، كلكم كان لديكم الوقت الكافي لتحصين المدينة من هذه الكارثة لكنكم كنتم مشغولين في تحصين كراسيكم“.

وأضافت: “إن لم يكن موت الآلاف في درنة سببا كافيا لاستقالتكم فلا شيء آخر بعد ذلك يكفي“.

وتساءلت الحقوقية الليبية، ابتسام حسنوي: “ألم يكن بالإمكان تفادي كارثة إعصار ليبيا؟ هل كان على الشعب أن يدفع كل هذا الثمن نتيجة تقاعس السلطات في اتخاذ كل التدابير خصوصا أن اليونان كانت محطة سابقة للإعصار؟

وأضافت: “انكسر قلبي من هول كارثة درنة، نحن لا نعترض على قضاء الله، ولكن تقصير المسؤولين هو جريمة توجب العقاب“.

وأشار محمد أحمد، إلى أن كل ساعة تتكشف حقائق جريمة سرقة المدينة وإهمالها والتسبب في قتل أهلها لاحقا عبر الإعصار  بسبب الفساد، والجميع متورط شرقا وغربا فى دماء أهالي درنة“.

وعرض تقرير ديوان المحاسبة 2021 يوضح كيف تم تجاهل صيانة السدود رغم تحويل الميزانيات، مؤكدا أن ما جرى كارثة وفضيحة لا تغتفر“.

___________

مواد ذات علاقة