بعد انتهاء فاجعة مدينة درنة، بدأ المواطنون الليبيون المطالبة بمحاسبة المسؤولين المقصرين عبر التظاهر والدعوة إلى إجراء تحقيق سريع، لتجرى محاولات لإسكاتهم عبر قطع الإنترنت.

ففي 18 سببتمبر/أيلول 2023، وخلال المظاهرات التي نظمت أمام مسجد الصحابةوسط المدينة، ونقلتها قنوات ليبية محلية تلا المتظاهرون بيانا طالبوا فيه بعدة مطالب.

وفي 10 سبتمبر، اجتاح إعصار دانيال عدة مناطق شرقي ليبيا مخلفا دمارا كبيرا، سارعت على إثره العديد من الدول لإرسال فرق متخصصة للمساعدة في عمليات الإنقاذ والإغاثة وانتشال الجثث التي انتشرت بالآلاف خاصة في درنة.

وخلف الإعصار والفيضانات الناجمة عنه أيضا أكثر من 11 ألف قتيل وما يزيد على 10 آلاف مفقود، ونحو 40 ألف نازح شمال شرقي البلاد، وفقا لأرقام نشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، مساء 16 سبتمبر.

وقال المتظاهرون في بيانهم الذي تلاه أحدهم: “ما نعيشه اليوم يحتم علينا المطالبة بمحاسبة كل من تولى مقاليد الأمور في مدينتنا، ونطالب بإقالة المجلس البلدي الحالي لدرنة وإحالته للتحقيق وتكليف مجلس جديد“. وطالب أيضا بـحل مشكلة النازحين بتوفير سكن لهم داخل المدينة وتعويض المتضررين“.

ودعا إلى إعادة إعمار المدينة بأسرع وقت عن طريق هيئات وشركات عالمية وليس محلية على أن يخضع ذلك لرقابة أممية“.

كما طالب المتظاهرون النائب العام بضرورة الإسراع بنتائج التحقيق في الكارثة التي حلت بدرنة واتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية ضد كل من له يد في إهمال أو سرقات أدت إلى هذه الكارثة“.

وختم متظاهرو درنة بيانهم قائلين: “نحن من تبقى من سكان درنة، لن نرضى بغير ما طلبنا، ولن نتسامح مع كل من كان سببا أو عونا لإهمال أو فساد أدى بنا إلى هذا المآل“.

وبعد هذه المظاهرات الغاضبة، أفاد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، بأن خدمات الاتصالات والإنترنت انقطعت بشكل كامل عن درنة التي كانت أكثر المدن تضررا من إعصار دانيال.

وأرجعت الشركة الليبية للاتصالات، هذا الأمر إلى انقطاع كوابل الألياف البصرية الرابطة لأكثر من مسار في المنطقة الشرقية، مما أدى لانقطاع الاتصالات عن مدينة درنة بحسب ما نقله مراسل الحرة عن مصدر بالشركة-.

وأعرب ناشطون عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية على موقع إكس تويتر سابقا، ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #درنة، #درنة_المنكوبة، وغيرها، عن تضامنهم الواسع لمظاهرات أهالي درنة وتأييدهم لمطالبهم المحقة كافة، داعين الجميع لمساندتهم ودعمهم.

وفي السياق، قالت وسائل إعلام محلية إن حكومة شرق ليبيا المكلفة من مجلس النواب، طلبت من الصحفيين مغادرة درنة.

وتتنافس الحكومة المكلفة التي يرأسها أسامة حماد على السلطة في البلاد مع حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها من الأمم المتحدة وتتخذ مقرها في العاصمة طرابلس في غرب البلاد ويرأسها عبد الحميد دبيبة.

إبادة جماعية

وتفاعلا مع الأحداث، أكدت الصحفية نورا الجربي، أن قطع الاتصالات لن يحدث إلا بتعاون مع حكومة طرابلس، قائلة: “واضح أن الجميع من مصلحته إخماد غضب أهالي درنة“.

ورأى أحد المغردين، أن درنة تتعرض لعملية إبادة جماعية بقطع الاتصالات والإنترنت رغم أن كل عمليات إنقاذ الناجين من تحت الركام والطمي تعتمد على هذه الخدمات المهمة.

واستنكر محمد أحمد، قطع الاتصالات على المدينة وطرد الصحفيين وفرق الإنقاذ وحصارها، متسائلا: “ماذا يجرى في درنة؟ هل سيعاقب أهالي الضحايا بسبب المظاهرات التي طالبت بمحاسبة المقصرين؟“.

وأضاف في تغريدة أخرى: “قطع الاتصالات عن درنة وإخراج الصحفيين وفرق الإنقاذ ليس علامة خير أبدا هناك شيء يجرى في المدينة سوف تكون دماء درنة لعنة عليكم بكل تأكيد“.

ووصف جوهر علي، الوضع في درنة بالمقلق، مشيرا إلى تحولها بعد أسبوع من الكارثة لوضع الثقب الأسود، وقطع الاتصالات عنها عقب خروج مظاهرات الأهالي الرافضة للوضع القائم، وإصدار أوامر للصحفيين الأجانب بمغادرتها فورا دون أي تبرير مفهوم.

وأكد المغرد محمد، أن حالة التعتيم التي ستنتج من طرد الصحافة الدولية والعربية ووكلات الأخبار سيستفيد منها البرلمان أولا ثم اللصوص الذين سرقوا أموال درنة وسيسرقون المساعدات الدولية.

مطالب محقة

ورأى ناشطون أن قطع الاتصالات وتغييب الإعلام جاء عقابا لأهالي درنة على خروجهم في مظاهرات مطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الكارثة، معلنين تأييدهم للمطالب كافة التي أعلنها المتظاهرون في احتجاجاتهم.

وأكد الأكاديمي بجامعة طرابلس فرج دردور، أن مطالب أهالي درنة التي أصدروها في بيانهم عادلة وهي مطالب كل الشعب الليبي، وقاسية على الفاسدين في السلطة.

وأوضح الصحفي مختار غميض، أن المظاهرات العفوية والثورية لا تلقى فيها الخطابات ولا البيانات، بل تكون صيحات في وجه الحاكم.

وأضاف أن الصيحات بداية ثورة، واليوم درنة ترسم خطا جديدا، متسائلا: “هل وصلت الرسالة إلى الحكام، كل الحكام؟!”.

وأثنى محمد الأسمر البوزيدي، على المظاهرات في درنة، قائلا: “سقطت الأقنعة وارتفع صوت الشعب المكلوم“.

ورأى الباحث أحمد عبدالغالي، أن المظاهرات لازم تصل كل مدينة وميدان ليعرف العالم أن المسؤولين بالسلطة ليسوا مطلوبين شعبيا ولا الشعب سلبي ولازم نتائج التحقيق تطلع بسرعة ليتحول الموضوع للقضاء رسميا.

تمسك بالمحاسبة

وأكد ناشطون رفضهم كل مساعي التعتيم والتستر على المجرمين وطمس الحقائق، مصريين على محاسبة المسؤولين وتقديمهم للعدالة.

وعد الكاتب والباحث في القضايا الدولية والإقليمية محمد أحمد جبريل، أن توجيه أنظار الغاضبين لزاوية معينة بحد ذاتها محاولة يائسة وتجربة معادة، مشيرا إلى أنها تتكرر الآن في مشهد درنة للتستر على باقي المجرمين الحقيقيين المتورطين في الكارثة.

وأضاف أنه بهذا المشهد الختامي للأسف يعلن رفع الستار عن نهاية التحقيقات وانتهاء الغضب وضياع حق الضحايا، معربا عن أسفه على أن يعود كل شيء لسابق عهده وكأن شيئا لم يكن.

وتابع جبريل: “سيتذكر الليبيون أنه كان أسبوعا حافلا سيخلده التاريخ رسم فيه الليبيين فسيفساء من اللحمة الوطنية والتعاون وكيف هب الجميع شرقا وغربا وجنوبا لمساندة أهلهم وأخوتهم واستطاعوا فعل ما عجز عنه الساسة الفاسدين“.

ورأى أحد المغردين، أن أول من يجب محاسبتهم على كارثة درنة حال فتح تحقيق هم الإدارة العامة للسدود التي تأتي إدارتها وميزانيتها وقراراتها وقوانينها كلها من طرابلس.

وطالب علي عبود النائب العام بالتحقيق وإيجاد إجابه لأهم أسئلة وهي: “لماذا لم يتم إخلاء درنة كما تفعل كل الدول من منع هذا ولماذا وهل تم فرض حظر التجول؟، كيف انهار السد؟، لماذا لم يتم صيانة السدود وأين ذهبت الأموال المخصصة لها؟

ورد عليه المغرد نادر مؤكدا أن تأخير أي تحقيق هدفه طمس أدلة قد تدين المسؤولين ومن في فلكهم.

وخاطب خالد المرتاس، السياسيين الفاسدين في ليبيا، قائلا: “ستكونون في مزبلة التاريخ! قتلتم أطفال درنة وشبابها ونساءها وشيوخها، ولا هم لكم إلا الكرسي لم يحرك فيكم أطفال درنة شيء، متسائلا: “ألم تتخيل أنك في مكانهم أنت وأطفال؟ لم يخرج منكم أحد ويقول سامحوني وها أنا أستقيل وأقدم نفسي للتحقيق؟“.

وبشر أحد المغردين، بأن ما حدث في درنة بداية في إسقاط جميع الأجسام التي أنهكت ليبيا والشعب الليبي، قائلا: “طفح الكيل أيها الأندال“. وطالب بمحاسبة المسؤولين عن انهيار السدين وحل البرلمان وغيره من الأجسام السياسية.

رحيل الجميع

وبرزت التساؤلات عن أسباب بقاء المسؤولين في مناصبهم وعلى رأسهم القيادة، داعين إلى حل مجلس النواب، مطالبين برحيل الجميع.

وعرض الأكاديمي حسام يوسف، صورا لكل من رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة، وقائد قوات شرق ليبيا الانقلابي خليفة حفتر، متسائلا: “بعد كارثة درنة فى ليبيا وسقوط اكثر من 11000 ضحية من الليبيين الأبرياء بعد الإعصار الكارثى، بسبب فسادهم وتكالبهم على السلطة، لماذا لم يقدم أحد منهم استقالته حتى الآن“.

وسخرت المدونة غيداء، بالقول: “مجلس النواب والدولة وحفتر والحكومتان يبغون الشعب الليبي يقدم استقالته زي ما قدموا أهل درنة استقالة من الحياة، مضيفة: “ارحلوا كلكم“.

وحثت في تغريدة أخرى، محكمة الجنايات الدولية على فتح تحقيق في جريمة درنة، مطالبة المجتمع الدولي بمحاكمة على غرار محاكمة اغتيال الحريري.

وكتب مغرد آخر: “مفروض أي حد عنده منصب في الدولة بعد كارثه درنة يقدم استقالة، كيف عندهم نية يقعدوا بعد عدد الضحايا عيال صغار وشباب وآباء وأمهات ما فيش ضمير حسبي الله ونعم الوكيل“.

وأكد الصحفي عبداللطيف الجافري، أن أمراء مليشيات طرابلس ومصراتة مدانين أيضا في كارثة درنة، المجرمون لصوص الاعتمادات نهبوا خزينة الدولة وحرموا الشعب من مشاريع التنمية والإصلاح وكانوا السبب في إطالة عمر كل الحكومات الفاسدة.

ورأى مصطفى محمد أحد مؤسسي المنتدى الليبي الديمقراطي، أن ليبيا أمام خيارين لا ثالث لهما: “إذا لم يؤدِّ دانيال إلى زلزال في المشهد السياسي، يتناسب في قوته مع ما خلفه دانيال من ضحايا ودمار، فعلى من يدّعون الوطنية مغادرة البلاد إلى أرض الله الواسعة“.

ازدواجية دولية

وأعرب ناشطون عن استيائهم من ضعف الدعم الدولي لدرنة، وعدم الاستجابة العاجلة وتقديم المساعدات الكافية لإنقاذها، محذرين من نهب الحكومات ما وصل من إمدادات ضئيلة والتربح من الكارثة

وقال الباحث في السياسة الدولية باسل حسين، إن موقف المجتمع الدولي من الكارثة في درنة، واللامبالاة والتجاهل والاستجابة البطيئة يثبت أن هذا المجتمع يعاني من أزمة أخلاقية، وأنه يتعامل مع الأزمات العالمية وفق منظور استعلائي طبقي لا قيمة فيها لشعوب الدول النامية.

وذكر عبدالله بوجولا، بالحق في البحث والإنقاذ والإغاثة الدولية للدول المنكوبة، مؤكدا أن غياب الإلزام تمايز بين الدول، وفق تعبيره.

وتوقع المغرد مشاي، أن تبدأ العصابات المفترسة للسلطة المدعومة من دول الاستعمار ووكلائهم المحليين والإقليميين بنهش جثث الشهداء مثلما فعلت في كل كارثة، وتحت غطاء دولي وبرعاية الأمم المتحدة وبعثتها.

واستنكر أحد المغردين نسب طرابلس وحكومتها مؤسساتها لأنفسهم ما تقوم به الفرق الدولية على الأرض في درنة، واتهمهم بأنهم مازالوا يكذبون ويفسدون ويخدعون السذج والأغبياء، قائلا: “كفى انحطاط وخلوا عندكم شرف“.

وتمنى المدير التنفيذي لمبادرة شمال إفريقيا حافظ الغويل، أن ينضم أعيان درنة أنفسهم فى لجنة أو تنظيم يتولى التنسيق مع المجتمع الدولي ومنظمات الإغاثة مباشرة، قائلا إنهم أولى بمعرفة ما يحتاجونه بدل ترك الأمور لسياسيين فاشلين فاسدين يريدون احتكار جهود الإغاثة وأموال الإعمار.

____________

مواد ذات علاقة