رجحت دراسة علمية احتمالية تسبب تغير المناخ في كارثة فيضانات ليبيا التي تسبب فيها إعصار دانيال وذلك على أساس المقارنة مع ما حدث قبل 200 عام.

وقد تسبب الإعصار في خسائر بشرية ومادية كارثية وألحق دمارا كبيرا بالبنية التحتية بعد أن جرفت السيول أحياء سكنية كاملة في مدينة درنة شرقي ليبيا مخلفا آلاف الوفيات والمفقودين.

وقالت صحيفة إيل بوستإن احتمال هطول أمطار غزيرة تسببت في فيضانات اجتاحت شرق شمال ليبيا كما حدث بين بين 10 و11 سبتمبر/أيلول، بات بحسب دراسة علمية أولية أجراها 13 عالم مناخ، أكثر احتمالاً بمقدار 50 مرة بسبب تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية.

تغير المناخ

بمعنى آخر، تشرح الصحيفة الإيطالية بأن الفيضانات التي سببها إعصار دانيال ارتطبت بالتغيرات التي تسبب بها الإنسان للغلاف الجوي للأرض.

وأشارت إلى أن هذا ما خلص إليه 13 عالمًا من مبادرة إسناد المناخ العالمي” (World Weather Attribution) وهو تعاون بين باحثين في مجال المناخ يعملون بالعديد من هيئات البحث الموثوقة في العالم، جرى إنشاؤه للإجابة عن سؤال يتعلق بحقيقة تسبب تغير المناخ في وقوع حدث مناخي متطرف.

تذكر الصحيفة أن عديد الدراسات في علم المناخ التي أجريت طيلة عقود تشير إلى أن زيادة تواتر بعض الظواهر المناخية على غرار هطول الأمطار الغزيرة والجفاف في أجزاء مختلفة من الكوكب، حدثت كعواقب للانحباس الحراري العالمي.

وهي ظاهرة تتمثل في ازدياد درجة الحرارة السطحية المتوسطة في العالم مع زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان، وبعض الغازات الأخرى في الجو.

توضح الصحيفة بأنه من الممكن معرفة أي الظواهر الجوية المتطرفة لها بالفعل صلة بتغير المناخ من خلال مقارنة البيانات المتعلقة بحدث معين مع الإحصائيات السابقة.

وقالت إن نتائج دراسة مبادرة إسناد المناخ العالمي تسير في هذا الاتجاه على الرغم من عدم اليقين الكبير بشأن علاقة المناخ بما حدث أخيرا في إشارة إلى كارثة ليبيا وعديد الظواهر الأخرى.

واستخدم علماء المبادرة عمليات المحاكاة فيما يتعلق بالإعصار الذي اجتاح شرق ليبيا وتسببت في السابق أيضًا في هطول أمطار غزيرة في اليونان وبلغاريا وتركيا.

وذلك بمقارنة احتمال تسجيل فيضانات كبيرة في المناخ الحالي مع فحص إمكانية إن كان ذلك سيحدث في ظل المناخ الذي كان سائداً قبل 200 عام.

أي قبل أن تؤدي انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية إلى ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي ما رفع متوسط درجات الحرارة بمقدار 1.2 درجة مئوية.

تحليلات عديدة

وأجرى العلماء تحليلات مختلفة بالنسبة لليبيا من جهة، ولليونان وبلغاريا وتركيا من جهة أخرى باعتبار أن هذه المناطق الجغرافية ذات خصائص مختلفة رغم أنها تطل على البحر الأبيض المتوسط.

بالنسبة لليبيا، كمية الأمطار التي هطلت في الفترة ما بين 10 و11 سبتمبر كانت استثنائية إلى حد كبير حتى بالمقارنة مع المناخ الحالي.

وبحسب الدراسة، تشير الإحصائيات إلى احتمال أن تهطل كمية هذه الأمطار مرة واحدة كل 3 إلى 6 قرون ولكن في عصور ما قبل الصناعة كان احتمال حدوث ذلك أقل.

وذكرت الصحيفة أن الفيضانات تسببت في وفاة أكثر من 11 ألف شخص بحسب تقديرات الهلال الأحمر وذلك بسبب انهيار سدين قديمين كانا في حالة سيئة من ناحية الصيانة ونتيجة لحالة من عدم الاستقرار السياسي في البلاد.

فيما توصلت الدراسة إلى استنتاج مفاده أن هطول الأمطار بكميات كبيرة في اليونان وتركيا وبلغاريا وتسبب بشكل عام في وفاة 28 شخصاً على الأقل، بات أكثر احتمالاً بسبب تغير المناخ بمقدار 10 مرات.

وفي ظل المناخ الحالي، تتوقع الدراسة أن تواصُل هطول الأمطار الغزيرة بهذا الشكل قد يشمل كل هذه المناطق نسبياً، مشيرة إلى إمكانية أن يحدث ذلك بنسبة 10 بالمائة كل عام.

ويبدو علماء المبادرة متأكدين تمامًا من أن تغير المناخ كان له تأثير في وقوع مثل هذه الظواهر.

ويعود ذلك برأيهم إلى أن التوقعات المناخية لهذا الجزء من البحر الأبيض المتوسط تتنبأ بزيادة في هطول الأمطار وتسجيل ارتفاع بدرجات الحرارة وفق ما تؤكده بيانات السنوات الأخيرة.

دراسات سريعة

وجرى إنشاء مبادرة إسناد الطقس العالمي” (WWA) في عام 2015 من قبل اثنين من علماء المناخ، الألماني فريدريك أوتو والهولندي جيرت جان فان أولدنبورغ.

والهدف من المبادرة هو تمكين المجتمع العلمي من الإجابة في أسرع وقت ممكن على سؤال هل لتغير المناخ علاقة بالطقس العالمي؟“. 

ففي كل مرة يتساءل الصحفيون وغيرهم من الأشخاص حول العالم عما إذا كان لحدث مناخي معين علاقة بالاحتباس الحراري.

وتختص المبادرة في فرع جديد نسبيًا يسمى علم الإسناد، يبحث في العلاقة بين تغير المناخ وأحداث مناخية محددة وهو أمر أكثر تعقيدًا مما قد يُعتقد، بحسب تعبير الصحيفة الإيطالية.

ومن أجل تقديم الإجابات بسرعة أي قبل أن تحول الأخبار انتباه الناس إلى مواضيع آنية أخرى، يجري نشر دراسات المبادرة دون الخضوع لعملية مراجعة النتائج من قبل علماء مختصين آخرين.

وهذه المراجعات تضمن أن يحظى البحث بقيمة علمية أكبر في المجتمع العلمي لكن هذا الأمر يتطلب شهورًا أو سنوات من الانتظار.

ومع ذلك، فقد جرى تأكيد موثوقية الأساليب التي تستخدمها مبادرة الإسناد علميًا وذلك بفضل عمليات مراجعة سريعة.

يذكر في هذا الصدد أن أكثر من 50 دراسة إسناد أجرتها هذه المبادرة حتى الآن، خضعت لنفس المراجعة وجرى نشرها في المجلات العلمية دون تغييرات كبيرة.

ومن بين الهيئات المتعاونة في المبادرة التي يشارك فيها العلماء بشكل مجاني، جامعة إمبريال كوليدج لندن، والمعهد الملكي الهولندي للأرصاد الجوية.

وهذا إلى جانب مختبر علوم المناخ والبيئة في معهد بيير سيمون لابلاس وهو مركز علمي فرنسي كبير.

______________

مواد ذات علاقة