يعتقد الخبراء أن الكابوس الحقيقي لإسرائيل هو اجتياح واسع النطاق لغزة. ولا سيما أن عملية كهذه ستؤدي حتماً إلى خسائر فادحة، ويمكن أن تشوّه سمعة الجيش الإسرائيلي بشدة إذا ما فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة مثلما حدث في الاجتياحات السابقة.

منذ انسحابها من غزة عام 2005، أقدمت إسرائيل على اجتياح القطاع براً مرتين: الأولى في عملية الرصاص المصبوبفي مطلع عام 2009 التي استمرت 15 يوماً، والثانية في عملية الجرف الصامدفي عام 2014 التي استمرت لـ19 يوماً. وعلى الرغم من فشل إسرائيل في المحاولتين السابقتين من تحقيق هدفها بكسر شوكة المقاومة الفلسطينية التي ازدادت قوة وتنظيماً، يبدو أن الاجتياح الثالث قد بات وشيكاً.

الهجوم البري المحتمل للرد على عملية طوفان الأقصىمن المرجح أن يكون أكبر وأطول وأكثر عنفاً من أي شيء جاء من قبل، ولا سيما بعد أن استدعى الجيش الإسرائيلي نحو 300 ألف جندي احتياط، ويحشد جنوده بالقرب من قطاع غزة، رغم أنه لم يوضح ما إذا كان سينفذ غزواً برياً.

وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي يعد من أقوى القوات العسكرية وأكثرها تقدماً من الناحية التكنولوجية في العالم، فإن المقاومة تكيفت في السنوات الأخيرة للاستفادة من البيئة وشبكة الأنفاق الهائلة التي حفرتها تحت القطاع لحماية مقاتليها ونقلهم إلى نقاط الاشتباك.

هل غزة على موعد مع اجتياح بري؟

بحسب المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث أمريكي، فإنه بمجرد الانتهاء من عمليات التشكيل، ستكون إسرائيل مستعدة لشن هجوم بري كبير داخل غزة. وقال الجيش الإسرائيلي إن أكثر من مئة ألف جندي يحاصرون غزة، وفرضت البحرية الإسرائيلية حصاراً بحرياً كاملاً لضمان عدم إعادة تزويد حماس بالأسلحة والإمدادات عن طريق البحر، إضافة إلى ذلك، قامت الحكومة الإسرائيلية بقطع المياه والكهرباء عن المنطقة التي يسكنها 2.1 مليون شخص.

وبينما تواصل إسرائيل قصف قطاع غزة بغارات جوية عنيفة، استعداداً لاجتياح بري محتمل، قالت حكومة نتنياهو إن الحصار –الذي ترك الفلسطينيين في حاجة ماسة إلى الغذاء والوقود والدواء– سيظل قائماً حتى يحرر مقاتلو حماس نحو 150 رهينة.

وقال متحدث باسم الأمم المتحدة، إن الجيش الإسرائيلي قد أمر، الجمعة، بإخلاء شمال غزة، وهي المنطقة التي يسكنها 1.1 مليون شخص –نحو نصف سكان القطاع– خلال 24 ساعة، حسبما نقلت أسوشيتد برس.

وهو القرار الذي يشير إلى هجوم بري وشيك، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي لم يؤكد بعد مثل هذا الاجتياح، وخصوصاً أن القرار السياسي يبدو أنه لم يتخذ بعد في أروقة تل أبيب.

الأمر أشبه بكابوس

في تصريحات لـفايننشال تايمز، قال مهندس المتفجرات الإسرائيلي إيال الذي سبق أن أرسلته إسرائيل للمساعدة في تفكيك الأنفاق الواسعة التي حفرتها حماس لإخفاء مقاتليها والتسلل إلى الأراضي الإسرائيلية: “الأمر أشبه بكابوس، لكنه كابوس واقعي. كل شيء تلمسه قد يكون قنبلة، وكل شخص تراه قد يكون مقاتلاً. يجب أن تتحرك ببطء وبشكلٍ مدروس. وأحياناً يتحركون بأسرع ما يمكنك الاستجابة له، ولن تظل على قيد الحياة إلا بفضل تدريبك“.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن إيهود أولمرت، الذي أرسل كرئيس للوزراء في عام 2008 قوات برية إلى المنطقة التي يبلغ طولها 40 كيلومتراً في عملية الرصاص المصبوب التي استمرت ثلاثة أسابيع، قوله إن ما ينتظر الجنود الإسرائيليين هو أسوأ ما يمكن تخيُّله“.

وأردف أولمرت قائلاً: “لن يكون الأمر بسيطاً ولن يكون ممتعاً لنا أو لهم“. ونظراً للإخفاقات الاستخباراتية الواضحة التي سبقت هجوم يوم السبت، فمن الممكن أن تواجهه القوات الإسرائيلية قاذفات جديدة أو أنواع جديدة من الصواريخ الأقوى والأكبر حجماً أو الصواريخ الجديدة المضادة للدبابات التي لسنا على دراية بها“.

مهمة صعبة

مع الاجتياح البري لغزة الذي يبدو وشيكاً، يقول المحللون إن المعارك قد تستمر لأسابيع أو على الأرجح لأشهروإن إسرائيل ستواجه وابلاً من التحديات المتوقعة وغير المتوقعة التي ستشكل بشكل جذري المراحل التالية من الحرب، وفقاً لما نقله موقع يو إس نيوز.

وعن كون غزة واحدة من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان على وجه الأرض، قال بيل روجيو، وهو زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: “مع ارتفاع عدد السكان والكثافة السكانية، سيكون القتال صعباً للغاية ودموياً للغاية“. وأردف: “كلا الجانبين سيتكبد خسائر فادحة“.

ويكاد يتفق معظم الخبراء على أن الاجتياح البري لغزة يعد من بين العمليات الأكثر صعوبة، نظراً لأن حماس قد شحذت مهاراتها لمثل هذه المواجهات من خلال حفرها لشبكة هائلة من الأنفاق التي تحمي مقاتليها بمخزونها الكبير من الأسلحة. كما يتوقع الخبراء أن توظف حماس والفصائل الأخرى الجغرافيا لمصلحتها في اشتباكات المدن، ولا سيما عند نشر القناصة والألغام والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات.

على حين يقول روجيو إن إسرائيل يجب أن تشعر بالقلق أيضاً بشأن احتمال امتلاك حماس لأسلحة وتكتيكات أكثر تطوراً لم تستخدمها بعد، مثل القدرات المضادة للطائرات.

ويلوح في الأفق أيضاً خطر توسع الحرب إلى صراع إقليمي. ومن الممكن أن يتدخل حزب الله المدعوم من إيران، الذي تشير التقارير إلى أنه يمتلك قرابة 150 ألف صاروخ قادر على ضرب القدس وتل أبيب. وحتى الآن، لم ينضم حزب الله ولا المقاومة في الضفة الغربية إلى حماس بشكل كامل في حربها على إسرائيل، لكن هذا قد يتغير في هذا الصراع الذي يتطور بسرعة، بحسب المجلس الأطلسي.

بالمقابل، قال المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي الرائد نير دينار: “حماس مستعدة بشكل جيد للغاية، لكننا نعرف ذلك أيضاً. لقد قمنا بتحسين أدواتنا وأساليبنا. إنها سيكيولوجية مزدوجة. أعلم أنهم يعلمون، وهم يعلمون أنني أعرف“.

____________

مواد ذات علاقة