ما سر التوقيت؟

مع تداول تقارير إعلامية تفيد باعتزام روسيا عقد صفقة دفاعيةمع حكومة الشرق الليبي التي يسيطر عليها الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، دقت صحيفة ألمانية ناقوس الخطر بشأن تداعيات ذلك على أميركا وأوروبا.

ووفقا للتقارير، فإن الصفقة الدفاعية قد تؤدي إلى إيجاد موطئ قدم في قلب البحر المتوسط للأسطول البحري الروسي على مقربة من السواحل الأوروبية، ما سيتسبب في فوضىبالمنطقة، وفق صحيفة تيليوبوليس“.

الوجود الروسي يتوسع

وقالت الصحيفة الألمانية بأن الحكومة الروسية بصدد الاتفاق على صفقة دفاعية مع ليبيا، والمقصود هنا بالتحديد هو الشرق الليبي بقيادة خليفة حفتر، الذي تدعمه روسيا.

وأضافت أن هناك مناقشات بشأن إنشاء قاعدة بحرية للسفن الحربية الروسية في البحر الأبيض المتوسط، على مقربة من أوروبا ومسرح الحرب في إسرائيل وفلسطين.

وتنقل الصحيفة عن تقارير إعلامية أن حفتر التقى في نهاية سبتمبر/ أيلول 2023، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو

وبحسب تلك التقارير، نوقش في ذلك الحين الاتفاق حول إنشاء تلك القاعدة البحرية.

جدير بالذكر أن روسيا كانت موجودة عسكريا في ليبيا منذ سنوات طويلة، وذلك من خلال مرتزقة مجموعة فاغنر المقربة من الكرملين.

ولكن منذ حادثة تحطم طائرة زعيم فاغنر يفغيني بريغوزين الغامضة، تولت وزارة الدفاع الروسية بشكل متزايد مسؤولية أنشطة المجموعة، وفقا للصحيفة.

والآن، وفقا لمصادر مطلعة على الاتفاقية، مُنحت روسيا الإذن بتحديث مجموعة من القواعد الجوية التي تحتلها حاليا قوات فاغنر شبه العسكرية، لاستيعاب القوات الروسية“.

وأشارت الصحيفة إلى وجود إمكانية لإنشاء نقطة رسو دائمة للسفن الحربية الروسية في ميناء طبرق الليبي.

وعلى نطاق أوسع، وسع الكرملين منذ فترة طويلة أنشطته في إفريقيا والشرق الأوسط، لرغبته في إنشاء قاعدة بحرية في السودان للوصول إلى قناة السويس وشبه الجزيرة العربية

كما تمتلك روسيا بالفعل قاعدة في البحر الأبيض المتوسط، في طرطوس، سوريا، وفق الصحيفة

وبدعوى تسببها في زعزعة الاستقرار في البلاد، توضح الصحيفة الألمانية أن الولايات المتحدة تنظر إلى الأنشطة الروسية في ليبيا بقلق.

وبهذا الشأن، صرح قائد القوات الأميركية في إفريقيا الجنرال مايكل لانجلي والمبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند في مؤتمر صحفي بأنهما شجعا حفتر على إخراج القوات الأجنبية من البلاد“.

تجدر الإشارة إلى أن ليبيا تمتلك منشآت نفطية كبيرة في الشرق، حيث يحكم حفتر. والبلاد عضو في منظمة أوبك. ويهدف التعاون مع روسيا إلى توفير الأمن لحفتر ضد الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس، حسب الصحيفة.

حرب غزة

وعلى خلفية حرب غزة والتوترات المتصاعدة في المنطقة العربية، تعتقد الصحيفة أن توقيت الصفقة العسكرية هو إشارة إلى أن روسيا لا تريد البقاء على الهامش، بينما تمتلك الولايات المتحدة حاملات طائرات وطائرات مقاتلة نقلت قبالة سواحل غزة“.

إضافة إلى دعم أميركي لإسرائيل بحزمة أسلحة تبلغ قيمتها 14.5 مليار دولار، فضلا عما يقرب من أربعة مليارات مساعدات عسكرية سنوية لإسرائيل“.

وجدير بالذكر أن روسيا، على الصعيدين الدبلوماسي والسياسي، حاولت تهدئة الوضع فور بدء حرب إسرائيل على غزة يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حسب تيليوبوليس“.

من ناحية أخرى، تشير الصحيفة إلى أن روسيا سعت إلى تحقيق التوازن وشددت على علاقاتها مع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين.

وفي رأي الصحيفة، السبب وراء هذا التوازن هو أن روسيا منذ فترة طويلة على علاقات جيدة مع طرفي الصراع.

مشيرة إلى وجود اتصالات روسية مع الفلسطينيين، بما يشمل ذلك حركة حماس التي أرسلت عدة وفود لزيارة موسكو خلال السنوات الأخيرة.

ولكن هناك أيضًا العديد من أوجه التشابهمع إسرائيل، بما في ذلك حقيقة أن عددا كبيرا من الإسرائيليين هم مواطنون روس سابقون، كما أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف مرارا وتكرارا.

ورغم ذلك، أصبح الاختيار الروسي للكلمات أكثر قسوةفي أعقاب القصف الإسرائيلي العشوائي لقطاع غزة، حيث قُتل بالفعل أكثر من 11 ألفا من سكان القطاع، نحو 40 بالمئة منهم من الأطفال.

وقد أعرب الرئيس الروسي عن قلقه المتزايد. وهنا تعقب الصحيفة: “بينما يشن الكرملين حربا عدوانية في أوكرانيا أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين، قال فلاديمير بوتين في اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم  11 أكتوبر، إنه يخشى تصعيد الوضع في غزة“.

كما انتقد بوتين واشنطن قائلا: “لقد فشلت الولايات المتحدة في أخذ احتياجات الفلسطينيين في الحسبان في سياستها الخاصة بالشرق الأوسط“.

كما قدمت موسكو طلبا بوقف فوري لإطلاق النار إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 16 أكتوبر، فيما استخدمت الولايات المتحدة وفرنسا واليابان وبريطانيا حق النقض ضده.

وبحسب تيليبوليس، حذرت وزارة الخارجية الروسية مرارا وتكرارا من مخاطر نشوب حرب موسعة إقليميا، في حال استمرت حرب إسرائيل على غزة

وتذهب الصحيفة إلى أنه في حال تصاعد الصراع على المستوى الإقليمي، مع دخول حزب الله في لبنان وإيران، فإن هذا لن يؤدي إلى زيادة الضغط على إسرائيل فحسب، بل ستدفع أيضا الدول الداعمة الأخرى الثمن“.

وكلما أصبحت الأحداث أكثر ديناميكية ودموية، تؤكد الصحيفة أن خطر خروج الأحداث عن نطاق السيطرة يصبح أكثر فأكثر، محذرة من أن روسيا يمكنها أن تدعم إيران في حالة التوسع“.

حل الدولتين

في الختام، توضح الصحيفة أن التقارير الأخيرة عن الاتفاق الروسي مع شرق ليبيا تشير بوضوح إلى رغبة موسكو المتزايدة في تأمين مصالحها في المنطقة عسكريا.

وتبرز تيليبوليسالألمانية أنه خلال القيام بذلك، لا تهتم موسكو كثيرا بالمصالح والتهديدات الأميركية.

ووفقا للصحيفة، حذر جورج بيبي وأناتول ليفن من معهد كوينسي في وقت مبكر من أن المزيد من التصعيد قد يضع الولايات المتحدة في مواجهة روسيا والصين كذلك في الشرق الأوسط“.

وفي الوقت نفسه، يؤكد خبراء السياسة الخارجية أن هناك أسبابا تدفع روسيا إلى تجنب مثل هذه المواجهة ضد أميركا وإسرائيل.

حيث تتمتع موسكو بعلاقات جيدة مع تل أبيب، فهي شريك اقتصادي مهم وموطن لأكثر من مليون مهاجر روسي، كما تذكر الصحيفة

بالإضافة إلى ذلك، تشير الصحيفة إلى أن دخول إيران في الحرب يعني أنه لن يكون هناك أي طائرات بدون طيار إيرانية للحرب الروسية في أوكرانيا“.

ولذلك، من وجهة نظر الصحيفة، ستكون المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا مفيدة للغاية من أجل تهدئة الوضع في غزة.

وفي هذا الإطار، سيتعين على واشنطن أن تقنع إسرائيل بالتخفيف من قصف غزة أو وقفه، في حين يتعين على روسيا والصين دعوة شركائهما في المنطقة إلى ضبط النفس.

وتذكر الصحيفة أن روسيا أوضحت بالفعل أن الدولة الفلسطينية في إطار حل الدولتين الذي يضمنه المجتمع الدولي دولياهي وحدها القادرة على ضمان السلام الدائم في المنطقة“. 

ومع ذلك، في ضوء المشهد الحالي، تعتقد الصحيفة أن الحل المدني للصراع لا يزال بعيد المنال“.

ولكن، بحسب رأيها، قد يتغير هذا إذا أدركت إسرائيل والولايات المتحدة عند نقطة معينة أن الحصار المفروض على الدولة الفلسطينية لم يعد قابلا للاستمرار“.

_____________

مواد ذات علاقة